طائرة الدب

حجم الخط
7

متدرعاً بقوة إمبراطوية، يرسل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين صواريخ عابرة للقارات من بحر قزوين إلى مناطق خاضعة للمعارضة السورية المسلحة، وتنظيم «الدولة»، لا يكتفي بوتين بما تقوم به طائراته التي يحدثنا عن أنها تقصف في اليوم الواحد مئات الأهداف.
صواريخ الدب تسقط على رؤوس السوريين، والدب يقول «ضربنا في يوم واحد 200 هدف لداعش»، و «داعش» يعرف كيف يختبئ، وكيف يهاجم، وتعرف المعارضة كيف تستعيد الأراضي التي تمكن النظام من انتزاعها منها بسبب غطاء الدب من الجو. على كل حال، الدب يتقدم بغرور القوة العسكرية، هناك بعض الذين يصفقون له في المنطقة والعالم، الإيرانيون يبتسمون كعادتهم لتدخل الدب الذي يعولون عليه في إنجاز ما فشلوا مع كل مليشياتهم الطائفية في إنجازه، هناك في واشنطن وباريس من يبتسم بمكر كذلك، «الشيطان الأكبر»، و»الولي الفقيه» يبتسمان، كل بطريقته، وكل لهدفه. الشيطان يريد أن يسحب الدب من رجله في سوريا، كما سحبه من قبل في أفغانستان، والولي يريد للدب أن يخوض حربه الطائفية والقومية في آن ضد العرب وضد السنة.
أول أمس طارت إحدى طائرات بوتين مخترقة الأجواء التركية، حذرتها المقاتلات التركية عشر مرات، لكن يحدث أن يكون الدب ثقيل السمع، لم تبتعد الطائرة الروسية عن الأجواء التركية، أسقط الأتراك طائرة الدب، الذي أحس بالإهانة، إذ لا يتوقع الدب أن يتجرأ أحد على طائرته، بعد أن قام مؤخراً بالكثير من الخطوات الاستفزازية من دون أن يتعرض له أحد. أمام الدب واحد من خيارين إزاء ما رآه بوتين «طعنة في الظهر»، إما الرد عسكرياً على إسقاط طائرته، وتحمل نتائج الرد التي ستكون في سوريا، ومع الناتو، أو أن يلملم حطام طائرته في صمت، ويعلن عن خطوات عقابية غير الفعل العسكري المباشر. لا يبدو أن الدب في وارد الرد المباشر لكلفة هذا الرد في ظل وضع اقتصادي غير مريح، والتورط أصلاً في النزاع السوري بشكل مباشر. أمام الدب وقف إمدادات الغاز إلى تركيا، أمامه تجميد التعاون العسكري مع أنقرة، إلغاء بعض المشاريع المشتركة، وهذا ما يبدو أن الدب بصدد القيام به. الساحة الدولية غير مهيأة لحرب كونية، والكنيسة الروسية التي تبارك باسم الرب صواريخ الدب المتساقطة على رؤوس السوريين لن يكون في وسع صلواتها منع تداعيات حرب كونية لو اندلعت. معروف عسكرياً أن روسيا تنتصر مدافعة، لكنها في مرات كثيرة هزمت عندما تهاجم، ولا شك أن الله لن يكون في صف كنيسة، تخون تعاليم المسيح، وتؤيد إرسال الصواريخ البالستية من بحر قزوين على رؤوس السوريين. قد يدعم الدب «حزب العمال الكردستاني» في تركيا، قد يحاول مشاغلة «السلطان أردوغان» داخلياً، لكن كل خيار بالنسبة للدب له ثمن بالطبع، وهو ما سيفكر الدب فيه قبل الإقدام عليه، بعد أن لاح للعيان أن خطواته في سوريا بدأت تدخل منطقة شائكة.
العقوبات الاقتصادية سيكون أثرها ثنائياً على الدولتين، وكذا الشأن بالنسبة لوقف التعاون العسكري، واللعب بالورقة الكردية قد يستدعي لعباً أوسع بالورقة الشيشانية والتترية والداغستانية في الاتحاد الروسي، وبيت الدب من زجاج هذه المرة.
المهم الدب كان هائجاً بشكل هستيري، لكن المضحك أنه قال إن ما قام به الأتراك يعد «طعنة في الظهر». هذا الدب عجيب المزاج، يضرب التركمان في جبلهم في سوريا، مع أن كل العالم يعرف أنه لا وجود لقوات تنظيم «الدولة» هناك، وينتهك السيادة التركية، ويرسل صواريخه عابرة القارات من بحر قزوين على رؤوس الناس، وعندما يقوم الأتراك بإسقاط طائرته التي اخترقت، رغم تحذيرها، أجواءهم، قال إنهم طعنوه في الظهر، وكأنه يتصور أن أنقرة ستكون أقرب إليه منها إلى أشقائها التركمان، أو كأن المطلوب من أردوغان أن يسكت على عشرات المرات التي يعربد فيها الدب على حدوده، ويخترق أجواءه. الأتراك أبلغوا الروس قبل عشرة أيام بتغيير في «قواعد الاشتباك»، على الحدود مع سوريا بعد أن تكررت الانتهاكات الروسية لأجوائهم، مجلس الأمن القومي التركي، يجتمع ويقرر حرية التصرف للقوات الجوية من دون الرجوع للسياسيين في حال انتهاك الأجواء مجدداً، الملحق العسكري التركي في السفارة التركية في موسكو أبلغ الروس بذلك، أنقرة تقول أمس إنها حذرت الطائرة الروسية عشر مرات، وعرضت التسجيلات والإشارات بهذا الخصوص، وقالت كذلك إن جزءاً من حطام الطائرة الروسية سقط على قرى تركية، بما يثبت أن الطائرة كانت تحلق في الأجواء التركية لحظة إصابتها، في دحض لما قاله الدب من أن الطائرة لم تخترق الأجواء التركية.
ربما تنجو المنطقة من تصعيد خطير هذه المرة، لكنها ربما لا تنجو منه إذا ما استمر الدب في استعراض عضلاته، وعروضه الكارثية وهو يحاول الدخول مرة أخرى إلى العالمية من البوابة السورية، وعلى حساب دماء شعب أوقع عليه نظامه نكبة، هي نكبة القرن الواحد والعشرين بلا منازع.

٭ كاتب يمني من أسرة «القدس العربي»

د. محمد جميح

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الأردن:

    للاسف تركيا الغاليه علينا وقعت بشرك الصهيونيه العالميه لتوريطها وتدمير جيشها وتقسيم بلادها فهناك الاكراد الانفصاليون ونسبتهم ثلث البلاد وهناك التركمان والعرب و الاغريق فمابال القوم لا يعقلون، الظاهرالآن أن البيت الروسي من زجاج مقاوم للكسر على الأقل في الوقت الراهن عكس الزجاج التركي شبه المكسور من يعتقد أن الروس لن يردو فهو عايش في الوهم البعيد الملعون بوتين سوف يرد وأعتقد أن رده الأولي سوف يكون عن طريق الجانب السوري أي أن يسقط الروس بصواريخهم طائرات  تركية ويطلب من دمشق تبني العملية بحجة اختراق الأجواء السورية ووفقا لقواعد الاشتباك الدولية، وهي طريقة رد منطقية ولاتورط الروس وتحرج تركيا والأطلسي عسكريا. وهناك الكثير من الردود الروسية ستأتي في قادم الأيام عسى الله أن ينصر و يحفظ بلاد المسلمين.

  2. يقول أبو عمرو - اليمن:

    الدب الروسي أصابه الغرور وتجاوز الحدود لدرجة الوقاحة، خاصة بعد إجتماع بوتين خامنئي.. وأضم صوتي إليك أخ جميح.. حيث لن يجرؤ بوتين على الرد، وسيبتلغ الإهانة رغم أنفه.. الإجراءات التي سيقوم بها ستكون فقط لحفظ ماء الوجه أمام الداخل الروسي.. العواقب الخطيرة التي هدد بها بوتين ستكون ضررها على روسيا قبل أن تكون على الأتراك.. أحيي الرئيس التركي أردوغان الذي لم يبالي بحجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا والتي تقدر بحوالي 30 مليار دولار، ووضع ذلك جانبا، حين رأي أن سيادة وكرامة تركيا على المحك.. القرار التركي بإسقاط الطائرة الروسية نقطة تحول كبيرة في الأحداث، أي أن ما قبل إسقاط الطائرة ليس كما بعدها.. وستعمل روسيا ألف حساب لتركيا في المستقبل.. تحياتي

  3. يقول عابر سبيل:

    عنجهية بوتين وتهوره تذكرني بزعيم سوفياتي خشبي آخر هو نيكيتا خروتشوف وهو فلاح أمي روسي بسيط اعتنق الشيوعية وتدرج إلى أن أصبح رئيس الإلحاد السوفييتي!! هل تذكرون كيف خلع حذاءه في مبنى الأمم المتحدة في نيويورك حيث كان يخطب وضرب به منصة الأمم المتحدة مهدداً الأمريكان عقب أزمة الصواريخ الكوبية؟ انتهت الأزمة بسحب الروس صواريخهم من كوبا وخضعوا للأمريكان صاغرين, نفس المصير ينتظر البوتين!!

  4. يقول أبو عمرو - اليمن:

    الدب الروسي أصابه الغرور وتجاوز الحدود لدرجة الوقاحة، خاصة بعد إجتماع بوتين خامنئي.. وأضم صوتي إليك أخ جميح.. حيث لن يجرؤ بوتين على الرد، وسيبتلع الإهانة رغم أنفه.. الإجراءات التي سيقوم بها ستكون فقط لحفظ ماء الوجه أمام الداخل الروسي.. العواقب الخطيرة التي هدد بها بوتين ستكون ضررها على روسيا قبل أن تكون على الأتراك.. أحيي الرئيس التركي أردوغان الذي لم يبال بحجم التبادل التجاري بين تركيا وروسيا والتي تقدر بحوالي 30 مليار دولار سنويا، ووضع ذلك جانبا، حين رأي أن سيادة وكرامة تركيا على المحك.. القرار التركي بإسقاط الطائرة الروسية نقطة تحول كبيرة في الأحداث، أي أن ما قبل إسقاط الطائرة ليس كما بعدها.. وستعمل روسيا ألف حساب لتركيا في المستقبل.. تحياتي

  5. يقول ابوطاهر الكوجر:

    لا تستعجلوا فالدب الروسي سوف ينتقم وتركيا
    ستجني ثمار خطاها.

  6. يقول ملاحظ مغربي:

    سيادة الاتراك بحكم انهم مسلمون لا تتجلى في خرق طائرة روسية لاجوائهم .. ولكنها تتجلى في العلاقات الوثيقة بينهم وبين ال صهيون ..الطائرة الروسية في حلف مقدس ، سقطت وهي تدافع عن هذا الحلف ، هذا مالا يدخل ولا يستوعبه كثير من الكتاب ..وهذا ترجمة لقوله تعالى : لولا دفاع الناس الخ …لفسدت الارض .لو انتصر داعش ومعه حلفاء اسرائيل ما بقي للعرب باقية … وقد لا يسترجعون موقفهم وموقعهم بين الامم بعد قرن..
    ومن يكتب ان الروس على خطأ فخطأ اردوكان اكبر واضر للعرب ولدعاة الانبطاح ..وكلمة الحق لا تباع ولا تشترى ..

  7. يقول مصطفى من الجزائر:

    لماذا كثر الجدل على الدب الروسي ويصمت الجميع عن العم صام الذي
    جاء على الأخضر واليابس في العراق وترك الطائفية تمزقه وكذا للعرقية
    وللكلاب تنهشه وأتى على الصومال وتركه في دوامة الأرهاب وتدخله في ليبيا حتى قتل رئيسها شر قتل .واعلانه الحر ب بالوكلة على اليمن ولاننسى
    دعمه اللامشروط للمعارصة المعتدلة بكل ما أوتي متناسيا أن سوريا يقتل
    سوريا وكأن دماءهم مهدورة ( قد تشبه الكونتراس في أمريكا اللاتينية في
    القرن الماضي ) كما يدعم الكيان الصهيوني بكل ما أوتي من قوةبما في ذلك حق الفبتو .

    كنا نحن العرب نشتكي ممن يكيل بمكيالين فأصبحنا نحن كذلك ولا نراعي
    مصالحنا .
    كل اشتكى من داعش فجاء لمحاربتها فلماذا انزعج الكل فربما الكل هو من
    أنشأها ورعاها ودعمها خصوصا في بلدان عربية معينة والتي شهدت ما
    سماه الغرب بالربيع العربي ومنعه من ضرب الكيان الصهيوني وحلفائه .

إشترك في قائمتنا البريدية