تونس ـ «القدس العربي»: يجمع المراقبون على ان الوضع الاقتصادي التونسي حرج إلى حد كبير، وذلك بعد ان دخلت البلاد مرحلة الانكماش الاقتصادي لأول مرة في تاريخها نتيجة تدهور الأوضاع الأمنية خلال الأعوام الأربعة الماضية. وجاءت الأزمة السياسية الأخيرة التي عصفت بالحزب الأغلبي – حزب نداء تونس- لتعطي إشارات سلبية للداخل والخارج فيما يتعلق باستقرار الوضع في بلد لا يزال يخطو أولى خطواته على مسار الديمقراطية.
لقد حذر العديد من الخبراء الاقتصاديين من تداعيات الوضع السياسي المتأزم على اقتصاد البلد. وفي هذا السياق يرى الخبير المالي والاقتصادي التونسي عز الدين سعيدان ان حالة الانكماش التي تمر بها البلاد لها دلالات خطيرة جدا. ويوضح ان الانكماش يعني ان نسبة النمو سلبية لأكثر من ثلاثيتين متتاليتين وان الاقتصاد ككل في وضع تراجع وهو لا يخلق مواطن شغل وغير قادر على خلق الثروة بل العكس، والدليل أن نسبة البطالة ترتفع منذ بداية 2015.
الدين الأجنبي
ولعل السؤال الأهم الذي يطرح نفسه هو مدى قدرة تونس على مواصلة تسديد الدين الأجنبي. وفي هذا الإطار يشير المحلل والخبير التونسي إلى ان اقتصاد الخضراء، ومنذ الاستقلال، وإلى الآن لم يلجأ إلى تعليق تسديد الدين أو إعادة الجدولة ولم تتأخر تونس أبدا عن تسديد استحقاقات الدين الأجنبي. أما الآن فهذا الاحتمال وارد خاصة وان البلاد اقترضت بعد الثورة مبالغ هائلة لم يتم توظيفها في الاستثمار بل تم صرفها في تغطية النفقات العادية. وأخذت جل هذه القروض على مدى قصير أي خمس سنوات مع فترات امهال لسنتين أو ثلاث أو خمس.
ويضيف محدثنا: «ان الدلالة الأهم لكل ذلك هو ان هناك تراكما كبيرا لمستحقات الدين الأجنبي في السنوات المقبلة وخاصة في سنة 2017».
وضع غير طبيعي
ويعتبر سعيدان ان تراجع الاقتصاد بعد الثورة هو أمر طبيعي جدا لكن ان تدوم الفترة خمس سنوات فهذا غير طبيعي ومن الصعب ان يتحمل اقتصاد ضعيف مثل الاقتصاد التونسي هذا الوضع. أما عن أسباب هذا التدهور فيرى ان ذلك يعود لسوء التصرف في الأوضاع المالية وخاصة في سنوات 2012 و2013 وجزء من 2014. ويتابع:»على سبيل المثال تم فتح أبواب الانتدابات في الوظيفة العمومية والترفيع في الاجور التي جرت في بعض الأحيان في فترة يمر فيها الاقتصاد بمراحل صعبة، كما ان هناك أيضا سوء تصرف في الجانب الاجتماعي عبر اعادة الموظفين إلى ما يسمى بالحقائب، وهي وظائف مزيفة ليس لها أي مردود أو فائدة وهذا خطير جدا على أي اقتصاد خاصة ان كان حجمه صغيرا وناميا. ونتيجة هذا كله تم تخفيض ما يسمى بالتصنيف الائتماني من طرف وكالات التصنيف لتونس إلى «ب» سلبي وهذا ما يمنع تقريبا الاقتصاد من الدخول إلى الأسواق المالية التقليدية، وإن تيسر ذلك فعادة ما يكون بأسعار وتكلفة عالية جدا».
من جانب آخر فإن قدرة الاقتصاد على تمويل استثماراته بأمواله الذاتية أو ما يسمى بالادخار الوطني أو الداخلي تدنت بشكل كبير، ومر من 22 في المئة من الإنتاج الاجمالي الخام إلى أقل من 12 في المئة حاليا. والحل الوحيد هو تفعيل عجلة الاستثمار.
أزمة نداء تونس وتداعياتها
أما عن تداعيات أزمة نداء تونس على الوضع الاقتصادي فيرى سعيدان ان انتخابات تشرين الاول/اكتوبر في 2014 كانت فرصة للخروج من الوضع المؤقت إلى وضع مؤسسات مستقر والدخول في إصلاحات عميقة من شأنها ان تنقذ الاقتصاد وان تدعم الديمقراطية الناشئة. ولكن هذه الآمال تلاشت الآن لان الائتلاف الحكومي تم بناؤه على منطق معين وهو التوازن السياسي بين حزبين كبيرين -هما نداء تونس كحزب أول فائز في الانتخابات وحزب النهضة كحزب ثان- وبفعل الأزمة الحادة التي يمر بها نداء تونس، فهذا التوازن مهدد بالإنهيار التام ومن شأنه ان يؤثر على عمل مجلس نواب الشعب وعلى عمل الحكومة التي لم تكن مسنودة بما فيه الكفاية منذ البداية والتي ربما تفقد الجزء القليل من السند الذي كانت تستفيد منه أو تحظى به فتصبح حكومة لتصريف الأعمال. وخلص محدثنا أيضا إلى ان عملية الانتقال الديمقراطي ككل تصبح مهددة بفعل الوضع السياسي غير المستقر. أما عن تداعيات الوضع الأمني فيقول:»عندما يكون هناك وضع أمني هش فان ذلك يؤثر حتما على منوال النمو. فلقد أصبحنا بعيدين جدا عن السلم الاجتماعي ويبدو ان الأطراف المتنازعة تريد ان تدخل الاقتصاد في دوامة التلاحق بين الأسعار والأجور. وهذا يدخل البلاد في فترة تضخم مالي خطير».
ويقول الخبير المالي والاقتصادي التونسي ان الحلول دائما موجودة ولكن الاشكال في تكلفة هذه الحلول والثمن. فقد مرت خمس سنوات وما زلنا في وضع إنتقالي ولم نصل إلى الاستقرار وكلما طالت الأزمة فإن تكلفة الإنقاذ ستكون عالية. ودعا سعيدان إلى اتخاذ سياسات مختلفة وتغيير الأولويات بحيث يستحوذ إصلاح الاقتصاد على الأولوية الوطنية مع إيجاد حلول لتهدئة الأوضاع السياسية ومعالجة هذا الشرخ السياسي الذي سيؤدي حتما إلى تعميق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية.
حزب النهضة أبدى-كعادته- روح مسؤولية وإنضباطا كبير حين أعلن مساندته للحكومة الحالية حتى و لو فقد النداء أغلبيته (رغم مشاركته الرمزية في الحكومة)..
لذلك اظن أنه لا داع للتحجج بخطر عدم إستقرار الحكومة..