الأجهزة الأمنية تزيد غضب الناس وتخصم من رصيد السيسي الشعبي… والدولة تولت إجراءات سفر البابا تواضروس للقدس

حجم الخط
0

القاهرة ـ «القدس العربي» : موضوعات وأخبار كثيرة ومتنوعة حملتها الصحف المصرية الصادرة يومي السبت والأحد، منها افتتاح الرئيس السيسي العمل في عدد من المشروعات العملاقة شرق قناة السويس في سيناء، أمام مدن بورسعيد والإسماعيلية والسويس وغربها.
والكلمة التي ألقاها وأبرز ما فيها طمأنة المستثمرين إلى موقف الدولة المساند لهم وتشجيعهم، وأن البلد فيه قانون، إلا أنه طالبهم بدفع حقوق الدولة ومساندة الفقراء.
ومن الأخبار اللافتة التي نشرت في الصحف المصرية، اتهامات وزير الصحة لأصحاب مصالح بنشر إشاعات حول عدم جدوى دواء «السوفالدي» المصري، لترويج ما يستوردونه، وقيام وزير التموين بزيارة لمصانع دواجن في دمياط، وتأكيده على تشجيع الدولة لهم بتوفير الأعلاف والطاقة، وإشادته بالاتفاق الذي تم معهم على بيع الدجاجة بعشرين جنيها، وكرر تهديداته السابقة بأن الدولة سوف تكسر أي احتكار.
ولكن كانت هناك أخبار غير سارة أولها، الهجوم الإرهابي الذي تعرض له كمين شرطة في المنوات في محافظة الجيزة من قبل اثنين فوق دراجة بخارية، قتلا أربعة من الشرطة واستوليا على أسلحتهم، ثم فرا بها، في عملية شديدة الجرأة مماثلة لحادث الهجوم منذ أشهر على القوة التي كانت تحرس سفارة النيجر وقتلهم والاستيلاء على أسلحتهم، لكن الشرطة توصلت إليهم بعد ذلك وقبضت على البعض وقتلت باقي أفراد المجموعة.
كما أمرت النيابة بحبس ضابط شرطة أربعة أيام على ذمة التحقيق معه في اتهام سائق سيارة ميكروباص له بالاعتداء عليه، والقبض على ضابط آخر في قضية الاعتداء على طبيب بيطري في الإسماعيلية داخل صيدلية زوجته، عندما ذهب الضابط للتحقيق معها في بلاغ من صاحب البيت ضدها، ووفاة الطبيب وتأكيد وزارة الداخلية أنها لن تتواني عن اتخاذ كل الإجراءات ضد أي تجاوز بحق المواطنين.
وقد أخبرنا زميلنا الرسام إسلام أمس في جريدة «الوطن» اليومية المستقلة المقربة من النظام، أنه ذهب إلى قسم شرطة لاستخراج أوراق، فوجد الضابط وهو منهك بعد أن ضرب عددا من المسجونين يقول للعسكري:
– آااه جسمي اتكسر يللا بدل القعدة أهو الواحد كل ساعة بيقعد يتسلى على مسجون اتنين أنت عارف يا صبحي الواحد مخدش ع القعدة.
فرد صبحي عليه قائلا: ربنا يقويك يا باشا .

السيد البابلي: الأزهر عنوان للاعتدال والوسطية

ونبدأ تقريرنا لهذا اليوم عن الأزهر ودوره في محاربة الفكر المتطرف والانتقادات الموجهة اليه بدءا من شيخه الدكتور أحمد الطيب إلى ما يدرسه طلبته، فقام زميلنا في «الجمهورية» السيد البابلي بالدفاع عنه ضد ما يتعرض له من هجمات في جريدة «المقال» بصفة خاصة، من دون الإشارة إليها بقوله مخاطبا شيخ الأزهر ومخففا عنه:
«فضيلة الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد الطيب، تعرض لانتقادات وسخرية إعلامية تحاول النيل من قامته ومكانته، ووصلت «البجاحة» والوقاحة حد اتهامه ووصفه بالرجعي. ومولاي فضيلة الإمام الأكبر رمز أزهرنا الشريف وعلمائه الأجلاء، لا تحزن ولا تجزع من كلمات جهلاء وصغار اعتادوا أن يتحدثوا بلا وعي وان يعكسوا أفكارهم وآراءهم المريضة، من دون أن يستوعبوا قيمة ومكانة الأزهر وعلمائه الأجلاء، الذين كانوا طوال مسيرة هذا الصرح العظيم عنوانا للاعتدال والوسطية، ومنارة للإشعاع العلمي والفكري، تؤكد أن مصر بلد الأزهر ستظل هي الحامية للإسلام والمعبرة عن روحه السمحة وتعاليم الدين الحنيف، وإذا كان هناك حديث عن تطوير للخطاب الديني، فإن هذه مسؤوليتكم ووحدكم الأقدر على القيام بها وقطع الطريق على المتربصين والمشككين في مكانتكم ودروكم».

احتكار تمثيل الإسلام

أما زميلنا وصديقنا نبيل عبد الفتاح فيقول في مقاله الأسبوعي في «الأهرام»: «تحاول المؤسسات الدينية الرسمية في العالمين العربي والإسلامي احتكار تمثيل الإسلام، بدعوى أنها وسطية وأنها تخرجَ أهل العلم الديني المتخصصين في أصول الدين. ويتناسى رجال هذه المؤسسات أن يدافعوا عن منطق المؤسسة التي غالباً ما تتبع أجهزة الدولة الأمنية والتسلطية والشمولية، ويبررون لها سياساتها وقراراتها، بينما لا يقدمون إنتاجاً فقهياً تفسيرياً وتأويلياً وإفتائياً يتسم بالتجديد في الرؤى والإجابات عن أسئلة الحاضر، وإنما يعيدون إنتاج بني الأفكار الفقهية القديمة، ولا يختلف بعضهم في توجهاتهم عن الذهنية التقليدية التي تقدس الماضويات الوضعية في الآراء والأفكار، بل وبعض أساليبها اللغوية والسردية والشفاهية القديمة، دونما تجديد يذكر. من ناحية أخرى يتناسى الكثيرون أن الإسلام دين بلا واسطة بين الله سبحانه وتعالى وبين عباده المؤمنين، ومن ثم شرعية المؤسسة الدينية ومفهوم رجل الدين المحترف هو شأن وضعي تماماً، ولا يعطيه أي سلطة على إيمان المسلمين أو التفتيش في ضمائرهم وأفكارهم ودخائلهم».

زيارة البابا تواضروس للقدس واجب عزاء

وامتلأت الصحف المصرية بالمعارك حول زيارة البابا تواضروس الثاني بابا الكنيسة الأرثوذكسية للقدس، للصلاة على أستاذه الأنبا إبراهام، واتهامه بأنه كسر قرار المجمع المقدس الذي اتخذه أيام البابا شنودة، عليه رحمة ربك، بمنع زيارة القدس إلا بعد تخلصها من الاحتلال الإسرائيلي. فاتهم البعض البابا تواضروس بكسر القرار والبدء في الدخول في مرحلة التطبيع مع إسرائيل، وهو ما نفاه البابا، وأكد في أكثر من تصريح على أنها زيارة خاصة للصلاة على أستاذه. والملاحظ هنا أن هذه المعركة كشفت عن استمرار حالة عداء المصريين على مختلف اتجاهاتهم لإسرائيل، وأن قضية فلسطين لا تزال تحتل، كما كانت وجدانهم، وأن تأييد الأغلبية لاتفاق السلام مع إسرائيل كان على اعتباره إنهاء للحرب لا تحويل إسرائيل إلى صديق والعرب إلى أعداء، كما أجتهد السادات والبعض لمحاولة غرسه، ولذلك نلاحظ أن من دافعوا عن الزيارة اجتهدوا في إبعاد شبهة أنها توجه سياسي، أو لا سمح الله، تطبيع أو خروج عن خط الباب شنودة. لذلك قال زميلنا وصديقنا في «المصري اليوم» محمد أمين يوم السبت مشبها الزيارة بالمضطر: «أظن أن الزيارة تقع تحت عنوان زيارة المضطر أو المُكره، كأنها تشبه أكل الميتة، فقد زار القدس ليؤدي العزاء في أستاذه، وهي تحمل معاني الوفاء أكثر مما قيل إنها شرخ، فلا أرى زيارة البابا تواضروس شرخًا في الجدار، ولا شرخًا من أي نوع، ولا أرى أنها جناية ولا حتى سقطة لرأس الكنيسة، وإلا ما كان البابا في حاجة ليقدم مبررات أو اعتذارات عن زيارته. ويمكنك الرجوع إلى خُطبة العزاء ولا شك أن البابا قد تألم مرتين الأولى لرحيل أستاذه إبراهام، والثانية لأن الزيارة جاءت في ظروف قاسية وليس بعد فرحة تحرير القدس وكل ذلك دفعه للتعبير عن مرارته، فقدم ما يشبه الاعتذار حين قال «لا أعتبر أن هذه زيارة، لأن الزيارة يجب أن نُجهز لها ونعمل جدولا ومواعيد وأماكن، ولكنها واجب عزاء ولمسة وفاء لإنسان وطني ولتعزية كل أبنائه الأحباء الموجودين في الأماكن المقدسة» كان بمقدور البابا أن يقبل دعوة «أبو مازن» بزيارة القدس، وكان بمقدوره أن يهيئ لها الإعلام وكان من الممكن إطلاق حملة عنوانها «عروبة القدس»، وكان من الممكن أن يذهب مع البابا وفد رفيع المستوى من المسلمين قبل المسيحيين، ويقال إن الزيارة الآن انتصار للقضية الفلسطينية ومحاولة لعدم نسيانها كل ذلك كان من الممكن أن يحدث لولا أنه لا يعرف الالتفاف ولا يعرف المراوغة أبداً».

محمد الباز: البابا في القدس ودخلها عبر تل أبيب

لكن زميلنا محمد الباز رئيس التحرير التنفيذي لجريدة «البوابة» انتابته شكوك خفيفة في دوافع الزيارة فقال عنها في يوم السبت نفسه: «أراد البابا تواضروس أن يرسل رسائل خاصة إلى العالم كله – وليس للمصريين فقط – بزيارته إلى القدس، أعلى من قيم الوفاء والإنسانية، فقد انهارت كل المحاذير السياسية والأمنية أمام رغبته في أن يؤدي واجبًا إنسانيًا لرجل- يعتقد هو أنه- يستحق أن يودعه ويلقي عليه النظرة الأخيرة، لكنني أعتقد أن هذه رسالة، ولن تصمد طويلًا أمام المعاني السياسية التي حملتها الزيارة. في النهاية البابا في القدس ودخلها عبر تل أبيب، ولم يكن حتى حكيما مثل الرئيس الأسبق مبارك الذي رفض تمامًا أن يزور القدس طوال فترة حكمه، وعندما أجبرته الظروف على أن يسافر إلى إسرائيل كان ذلك من أجل تأدية واجب العزاء في إسحاق رابين، ويومها سافر مبارك وعاد في اليوم نفسه. سأترك كل الجدل حول زيارة البابا أعرف أن الجدل سينتهي وتبقى آثاره- إيجابية أو سلبية – لكنني سأتوقف عند معنى واحد، وهو أن البابا تواضروس كان في حاجة ملحة لمثل هذه الزيارة التي أصفها بأنها زلزال، هذا الرجل تنقصه أحداث عظيمة لتكتمل صناعته كبطريرك له كاريزما وتاريخ وأثر. وأعتقد أن الزيارة – حتى لو اختلفنا حولها- عمل كبير وضخم لقد دخل البابا تواضروس بما فعله طريق الكبار وليس عليه إلا أن يستسلم بعد ذلك لأقداره».

القرار يتحمله البابا وحده

أما زميلنا وصديقنا عبد الله السناوي فلم يقبل تبريرات البابا وقال في «الشروق» يوم السبت: «بقدر الرهان على البابا «تواضروس» والأمل فيه فإن الصدمة لا يمكن إنكارها بحكم تكوينه الشخصي فهو عروبي منذ أيام دراسته الجامعية، وينتمي للتيار العام للثورة المصرية من يوليو/تموز إلى يناير/كانون الثاني ويونيو/حزيران، رغم أن منصبه الرفيع ديني لا سياسيا، فإنه من الضروري قبل اتخاذ أي خطوات صادمة دراسة تبعاتها. التقدير السياسي مسألة ضرورية وإلا فإن الأخطاء سوف تتكرر. القرار يتحمله البابا وحده، غير أن الدولة بدت متحمسة شجعت الفكرة وتولت إجراءات السفر. لا يبدو أن هناك تنبها لمدى الآثار السلبية لمثل هذه الزيارة على صورة مصر، وأدوارها المحتملة في إقليمها. لا يمكن لهذا البلد أن يستعيد دوره إذا لم يمتلك خطابا سياسيا واضحا وملهما في القضية الفلسطينية مهما تدهورت هذه القضية، إلا أنها تظل البوصلة الرئيسية التي يقيس عليها المواطنون العاديون في العالم العربي أوزان النظم وطبيعتها».

الزيارة «شو إعلامي» للعدو الإسرائيلي

وإلى «اليوم السابع» في يوم السبت ذاته وزميلنا عبد الفتاح عبد المنعم الذي كان أكثر حدة في مهاجمة البابا بقوله: «البعض برر لنا أن زيارة البابا تواضروس بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية للقدس، للصلاة على مطرانها الراحل الأنبا أبراهام «أستاذ البابا»، الذي توفي مؤخراً. وهي ليست سياسية وتعد هذه الزيارة الأولى منذ عام 1967، التي يقوم بها أعلى رأس في الكنيسة المصرية للأراضي المحتلة، منذ إعلان الكنيسة مقاطعتها، عقب توقيع السادات الصلح مع الكيان الصهيوني، ولكن البابا تواضروس نسي أن هذه الزيارة مهما كانت الأسباب والتبريرات التي يروج لها البعض، فإنها «شو إعلامي» للعدو الإسرائيلي الذي ربما يجعل من هذه الزيارة عيدا للمسيحيين في القدس، والسبب أن البابا خالف قرار المجمع المقدس بعدم الزيارة للقدس باعتبار ذلك تطبيعا حتى للصلاة على مطران. لقد أخطأ البابا عندما كسر الحظر الإرادي الذي فرضه الأخوة الأقباط على أنفسهم، ليس للتضامن مع المسلمين، ولكن لأن إسرائيل تقوم بقتل الفلسطينيين المسيحيين والمسلمين فقط، وهو ما جعل الراحل العظيم البابا شنودة يؤكد أكثر من مرة قبل وفاته بأن زيارته للقدس في ظل احتلال إسرائيل لها لن تتم، ولن يكون هذا إلا بعد أن يزول الاحتلال عن القدس ويصبح المسجد الأقصى تحت سيطرة السلطة الفلسطينية».

فضح الاحتلال الإسرائيلي

وأمس الأحد طالب زميلنا وصديقنا في «الأخبار» ورئيس المجلس الأعلى للصحافة جلال عارف في عموده اليومي «في الصميم» بالتحذير من شق الصف قائلا: «لا نريد لرحلة البابا تواضروس للعزاء أن تتحول إلى موضوع للجدل العقيم أو محاولات شق الصف، أو أن يستغلها البعض لتبرير خرقهم لقرارات الكنيسة المصرية بهذا الشأن، على العكس من ذلك ينبغي استغلال الحدث لفضح الاحتلال الإسرائيلي ووضع قضية القدس العربية المحتلة أمام العالم، وإعادة تركيز الاهتمام على ما يعانيه شعب فلسطين وما يعانيه المسلمون والمسيحيون في العالم بسبب الاعتداء الصهيوني على مقدساتهم الأسيرة، لدى النازيين الجدد من الصهاينة المحتلين».

المواطن يفقد الثقة في الدولة وأجهزتها ومؤسساتها

ومن المعارك حول الأزهر وزيارة البابا تواضروس إلى القدس، ننتقل إلى مواضيع أخرى نبدأها مع جمال سلطان رئيس مجلس إدارة جريدة «المصريون» ورئيس تحريرها ومقاله يوم أمس الأحد ومما جاء فيه: «حالة من التوتر الواضح تنتاب أجهزة الدولة من دعوات الحشد ليوم 25 يناير/كانون الثاني المقبل، وهناك حملات اعتقال وملاحقة بدأت تنشط بين الشباب المعارض على خلفية هذه التوتر، الذي من الواضح أن الدولة تأخذه على محمل الجد، خاصة أن الأوضاع الاقتصادية للبلد وصلت حالة من السوء أثارت غضب ملايين المصريين، ولا يحتاج الأمر لكثير تأمل لكي ندرك أن السيسي خسر كثيرا من مؤيديه والحالمين بوعوده في الأشهر الأخيرة، ومثل هذه الأجواء عادة ما تكون مناسبة لاستقطاب الغاضبين لأي حراك في الشارع على النحو الذي حدث في 25 يناير/كانون الثاني 2011، الذي انتهى بإطاحة مبارك ونظامه وطي صفحته. في تلك الأثناء يفاجأ الرأي العام بمواقف من الأجهزة الأمنية تزيد من غضب الناس، وتخصم مما تبقى للسيسي من رصيد شعبي بشكل واضح، وتفقد المواطن الثقة في الدولة وأجهزتها ومؤسساتها الأمنية والعدلية، رغم أن المنطق السياسي البسيط يقول بأن السيسي ونظامه يفترض أن يعمل ـ الآن ـ على تهدئة الرأي العام وتحسين الصورة وتلطيف الخواطر لسحب البساط من دعوات الحشد ضده، وتفويت الفرصة على ترتيبات يناير المقبل، لكن العكس هو الذي يحدث الآن، وخلال أسبوع واحد شهدت مصر أربع حالات تعذيب في أقسام الشرطة انتهت ثلاثة منها بموت المواطن الضحية، أحدهم في الأقصر والثاني في الإسماعيلية والثالث في شبين الكوم، وهناك ضحية ثالث اليوم في قسم عين شمس، واستشاط الناس غضبا في تلك المواقع، وشهدت الأقصر مظاهرات غاضبة قطعت الطرق وحرقت الإطارات وهاجمت مديرية الأمن وتوعدت الشرطة بالعقاب…. الرئيس عبد الفتاح السيسي لم يكلف خاطره بالتعليق أو الاعتذار أو أي شيء، لأنه بالفعل في ورطة، ولا يجد ما يقوله، ويخشى عواقب أي كلمة تخرج منه في هذه المعضلة، وهو بين نارين، نار إغضاب الشرطة وتكتيفها، ونار الغضب الجماهيري ضده، حتى الآن هو يراهن على الشرطة، وقد منحها الحماية الكاملة منذ كان وزيرا للدفاع وفهمت الداخلية أن الأخطاء ستكون مغتفرة وأي ضابط لن يحاكم إذا ارتكب عنفا ضد المواطنين، غير أن الأخطاء تراكمت، ولم تعد ضد خصمه الرئيسي «الإخوان» وحدهم، وإنما شملت الجميع حتى المواطن العادي، وأصبحت تلك الأخطاء وقودا للحشد ضد السيسي… وجميعنا يتذكر أن واقعة الشاب خالد سعيد، الذي راح ضحية التعذيب من رجال الشرطة أواخر عهد مبارك، وحاولت الدولة بكل أجهزتها ومؤسساتها تزويرها أو التعتيم عليها وتخليص الداخلية منها، كانت الشرارة التي مهدت لثورة يناير. لا أعرف كيف سيتصرف السيسي في هذا المأزق، وكيف يفلت من شقي الرحى فيه، ولكن المتيقن أن تردده تجاه الحسم، فضلا عن تجاهله للمشكلة، سيفاقم الأمور أكثر، ويجعلها تفلت من يده تماما مع الوقت، وتصل للنقطة التي تخرج فيها عن السيطرة ويستحيل علاجها».

«الثمرة المعطوبة تفسد الصندوق كله»

ونبقى في «المصريون» عدد الأحد نفسه ومقال الكاتب طه خليفة، عن الموضوع نفسه الذي تناوله زميله سلطان، وقد دق لنا خليفة ناقوس الخطر قائلا: «الأخبار السلبية التي تتنشر عن عناصر في جهاز الشرطة تتزايد في وسائل الإعلام، والشكوى من بعض الممارسات في تصاعد على ألسنة الناس، وهذا ليس في صالح الجهاز في هذه المرحلة التي يواجه فيها من ينتهجون طريق العنف والإرهاب، كما لا يخدم صورته وعلاقته بالمواطنين، وهم حاضنته الشعبية التي لا غنى عنها، ندق ناقوس تنبيه، وحتى لو كان المبرر أنها ممارسات وأخطاء فردية، فإن الثمرة المعطوبة تفسد الصندوق كله، والأخطاء الفردية عندما تتواصل فإنها تكون مقلقة، وتحتاج بحثا وتقصيا وعلاجا سريعا. الأخطر من الشكوى أن يدخل مواطنون أقسام شرطة مقبوضا عليهم، ثم يخرج بعضهم محمولين على الأعناق إلى قبورهم، من سيصدق أنهم ماتوا ميتة طبيعية وهم كانوا في قبضة الشرطة؟ من سيقتنع أنهم لم يتعرضوا لأي انتهاكات لحقوقهم الدستورية والقانونية والإنسانية جعلت أرواحهم تصعد إلى بارئها؟ نعم، الوفاة ومكانها مسألة قدرية، لكن لماذا لا يتم التحسب للأقدار في مرافق الشرطة خصوصا بعدم المس بالمحتجزين، جنائيين أو سياسيين، حتى لا تكون دماؤهم في رقبة الجهاز المنوط به أن يكون أمينا على حياتهم؟ مع كل حالة وفاة لمحتجز داخل قسم شرطة، أو في سجن، فإنني اتمنى أن تكون الوفاة طبيعية، وألا تكون لجهاز الأمن صلة بالوفاة لسبب مباشر أو غير مباشر، وهذا التمني نابع من أمل أن يكون الجهاز قد أحدث قطيعة نهائية مع تراث الماضي، وأن تكون هناك مرحلة جديدة من التعامل أساسها احترام الإنسان وصيانة كرامته، بحيث لا يخشى شرطته لو كان متهما، أو بريئا، وحتى عندما يدخل أي مرفق من مرافقها فيكون كما لو كان في عمله أو بيته، وعندما يتحدث مع أحد من عناصرها فيكون كأنه يتحدث مع أخ أو صديق له، هل هذا صعب؟ أليست هناك بلدان كثيرة تحقق تلك المعادلة الطبيعية، أنا عشتها واقعا حقيقيا. ننام ونترك أمننا، بعد الله، على الشرطة، ونتحرك في الشوارع ملتمسين توفير الأمن من الشرطة، وردع الخارجين عن القانون، ونطمئن عندما تكون للشرطة هيبة مقرونة بالعدل، فإذا ما تواترت الأخبار السلبية عن الانتهاكات، وإذا ما تواصلت حالات الوفاة داخل الأقسام والمراكز وفي السجون، فإن ذلك خطر حقيقي على استقرار المجتمع، وإشارة للسلطة بشأن مدى جدارتها في الحفاظ على حقوق وحياة مواطنيها.. في أحد مقاييس مدى نجاح أي نظام حكم هو طبيعة العلاقة بين المواطنين وجهاز الأمن، إذا كانت ودية فإن النظام يكون شعبيا وناجحا ويحمي حقوق الإنسان، وإذا كان العكس فعلى النظام أن ينتبه فالكبت مثل نار تحت رماد….».

الرغبة في الانتقام

وفي «اليوم السابع» عدد يوم أمس الأحد فتناول ما يحدث في أقسام الشرطة من انتهاكات لحقوق الإنسان وتعذيب يصل حد القتل أحيانا الكاتب محمد السوقي رشدي قائلا: «الله يرحمك يا هتلر.. رحل جسدك وبقيت روحك السادية ترفرف داخل الأقفاص الصدرية لآلاف المصريين، يفرحون بأخبار التعذيب والقتل في بعض أقسام الشرطة ويتفنون في تبريرها ويغضبون بسبب غضبنا من التعذيب والعنف السياسي، الذي يتخذ لونا إقصائيا متأثرا بأفلام حسام الدين مصطفى عن كفار قريش. حتى ترتاح سريعا واجب علينا إخبارك أن أي محاولات لتبرير أو تمرير عملية تعذيب طبيب الإسماعيلية او مواطن الأقصر ليست سوى تعبير عن انضمامك إلى القائمة السابقة من أبناء هتلر. ومن أجل راحة أكبر عليك أن تعرف أن محاولة إيهام الناس بأنها حالات فردية أو أن ضحاياها متهمون بأبشع التهم لا تبرر أبدا تعرضهما للتعذيب داخل القسم على أيدي ضباط فاقدي الإحساس بالإنسانية والقانون والظرف السياسي الراهن، وبصراحة بلا شوائب، عليك أن تعلم أيضا أن أي اتهام لا يمنح الأمن الحق في تعذيب وقتل مواطن ولا يمنحك الحق في التعامل مع روحه وكأنها أرخص ما في الأسواق من سلع، هو في الأصل متهم، والقانون يكفل للمتهمين في هذا الوطن كثيرا من الحقوق، وأنت تقول إن مصر دولة قانون، أو هكذا نريدها أن تكون. أنت الباحث عن مبررات لتمرير التعذيب والتجاوزات في بعض الأقسام تحت مظلة شعار «نحن نحارب الإرهاب»، ولا يجوز التعرض للداخلية بالنقد في هذا التوقيت الحساس، كنت تقول منذ أيام إن أعضاء تنظيم «داعش» مجرمون وهمج ووحشيون، لأنهم لا يحسنون معاملة الأسير، ولأنهم يعذبون ويقتلون العزل من البشر، ومع ذلك تحولت وارتديت ثوبهم، وبررت التعذيب مع أن كلا الضحيتين كانا في قبضة الأمن وداخل قسم شرطة أي في حكم الأسير، ومن قبل ذلك هما أعزلان لا حول لهما ولا قوة، وكان يمكن لضباط التحقيق، التحقيق معهما واستجوابهما بعشرات الطرق العلمية التي تتبعها أجهزة الأمن في العالم، وكان يمكن تقديمهما للمحاكمة وسجنهما إن قالت الأدلة بذلك، ولكنهم اختاروا طريق داعش، وعذبوهما وقتلوهما واخترت أنت طريق أنصار «داعش» وهللت وصفقت لتعذيبهما. عزيزى المواطن المصري أيا كان لونك السياسي.. رغبتك في العدل لابد أن تكون أعلى من رغبتك في الانتقام او التبرير».
«لجنة لتنمية الأخلاق
والضمير في المجتمع»

«يا بيه ده كلام ده يا بيه؟» صدر الاستنكار من سائق التاكسي بمجرد أن قلت له، مشاكسا، إن الحمل ثقيل، وإن الحكومة لا تملك عصا سحرية لحل مشاكلنا المتفاقمة، وإن عقودا من الفساد والانهيار في الخدمات لا يمكن أن تتعامل معها أي حكومة.
هذا ما بدأ به الكاتب حسام السكري مقاله في «الشروق» عدد يوم السبت مواصلا كلامه: «لحد إمتى هنفضل نقول الكلام ده حضرتك؟ أنا باسمع الكلمتين دول من ساعة ما وعيت على الدنيا، خلاص.. حفظناها وآمنا وصدقنا بالله.. وبعدين بقى طيب؟ أنا عاوز رئيس وزراء أو مسؤول واحد ييجي يقول لي هنعمل إيه؟ خلاص، عرفنا.. اللي قبلك كانوا وحشين وانت الحمد لله كويس.. هتعمل لنا حاجة واللا هنكملها نواح»؟
اتسعت عيناي وتحولت من مشارك في الحوار إلى مستمع لحكمة الأسطى السائق. بكلمته البسيطة عرض بدايات رؤية لا أذكر أنني سمعت مثلها من مسؤولينا الذين اعتاد أكثرهم عرض مبررات الفشل، قبل أن يعلنوا لنا خططهم ورؤيتهم.. إذا أعلنوها.
تذكرت هذا السائق وافتقدته في آن واحد، وأنا أطالع احتفاء الصحف بأخبار اجتماع مهم عقد مع «مجلس علماء وخبراء مصر». وهو اجتماع فهمنا أنه خصص لمناقشة التنمية الشاملة، والارتقاء بالمجتمع، على هامش حوار احتل مركز الصدارة في موضوعاته الطلب الذي قدمه المجلس للرئيس لإنشاء «لجنة لتنمية الأخلاق والضمير في المجتمع».
مجلس العلماء والخبراء نظر في مشاكل مصر كلها، ولم يجد ما يطلبه من الرئيس سوى هذه اللجنة التي ستعمل مباشرة تحت رعاية مؤسسة الرئاسة.
خبراء مصر وعلماؤها، على الأرجح، يؤمنون بالعلم. ومن المؤكد أنهم قاموا بدراسات وأبحاث واستخدموا أجهزة خاصة، لقياس «مستوى الضمير» في المجتمع، وخلصوا من هذا كله إلى أن هبوطه هو السبب في ما نعانيه من مشاكل، وأن الحل الوحيد هو تشكيل لجنة تعمل مع رأس الدولة لوضع الآليات والحلول لعلاج هذا المجتمع «منخفض» الضمير.
لجنة الضمير وحدها لن تكفي، ولابد أننا سنحتاج معها إلى هيئة كاملة تضم لجانا للثقة، وأخرى للطمأنينة، وثالثة للسماحة والوئام تعمل كلها في تناغم لإنتاج كل ما ينقص المجتمع من أقراص أو أنابيب أو أمبولات للقيم والأخلاق. مشاكل السياحة والاقتصاد، وتدني الخدمات الصحية والتعليمية، وتحول منظومة الأمن في العديد من جوانبها إلى منظومة قمع تشهد عليها سبع حالات تعذيب في شهر واحد انتهت اثنتان منها بالقتل، ستحل جميعها برفع مستوى الأخلاق والضمير.. عند المجتمع وليس عند المسؤولين عنه!
خيارات الحل المطروحة أمام علماء وخبراء مصر كثيرة. فربما يمكن اختراع جهاز لتحويل الضمير الفاسد إلى أخلاق فاضلة تحت رعاية اللواء مخترع ابراهيم عبدالعاطي، وباستخدام طريقته المسجلة علميا تحت شعار «نحط الضمير في صباع كفتة ونأكله للمجتمع».
من الممكن أيضا وضع مستخلصات الضمير المركزة في أقراص أو لبوس أو حقن لحقنها في المجتمع، أو حتى توزيع أنابيب ضمير سائل ومضغوط لتكون ضمن ما يقدم من خدمات في محطات خدمة السيارات، على ألا يتم تزويد الضمير لأي شخص إلا بعد قياس نسبته بجهاز «الضميروميتر»، وبعدها يعطى الأسطى في المحطة تعليماته: «خرطوم الضمير يا محمد وزود الأستاذ.. الفرده الشمال مهوية».

لتحيا مصر بالدستور
والقانون والحقوق والحريات

وعن موضوع الضمير والأخلاق نفسه كتب أحمد عبد ربه زميل السكري في العدد نفسه من «الشروق» قائلا: «لا شأن للسلطة بالدين والأخلاق والضمير، هذه ليست منتجات مادية مطلوب من الدولة إمداد الشعب بها، هذه معطيات ثقافية واجتماعية تغيرت وتتغير وستتغير عبر التاريخ، نتيجة لتفاعل مع ظروف مادية ومعنوية متعددة، كل شخص حر إذا لم يخالف القانون أو يعتدي على حقوق الآخرين، كل شخص مستقل عليه تحديد مفاهيمه الخاصة عن الدين والأخلاق والضمير بإرادته الحرة وليس بإرادة السلطويات البائسة، التي لا تخجل من فشلها المتتالي على كل الأصعدة، ثم تعلن تنمية الضمير والأخلاق وحماية الدين! على الدولة حماية المواطن والالتزام بالدستور والقانون في علاقتها معه والبعد عن دينه وأخلاقه وضميره ببساطة! كما أنه لا شأن لهذه النخب البائسة المطنطنة بحديث الأخلاق والضمير وبحياة الناس الخاصة، وعليهم بدلا من ذلك دفع السلطة لإصلاح تلك الأوضاع المتدهورة على مؤشرات اقتصادية وسياسية واجتماعية، وإن لم يقدروا فليحملوا السلطة مسؤوليتها إذن أو ليسكتوا!
كثير من الإسلاميين في حالة تناقض ذاتي رهيب بين تصوراتهم عن قيم مثل العدل والأخلاق وحقوق الإنسان، وبين تصرفاتهم وانحيازاتهم الفعلية، فالعدل هو عدلهم هم، والأخلاق هي أخلاقهم هم، وحقوق الإنسان هي حقوقهم هم، وهذا في حد ذاته مأزق أخلاقي وحضاري عميق لا أعرف إن كانوا بالفعل على علم بخطورته! أما عن مدعي الحداثة والتمدن والليبرالية، فحدث ولا حرج، فباستثناءات محدودة للغاية فهم أيضا يعانون المأزق نفسه، فالسلطة التي يعولون عليها ويراهنون عليها للقيام بعملية تحديثية واسعة ــ وفي سبيل ذلك تخلوا عن كثير من قيمهم ورشدهم ــ تقودهم لحالة رجعية غير مسبوقة في عهد الجمهورية على الأقل، فهل يدركون هم أيضا هذا المأزق أم يواصلون حالة الغيبوبة التي دخلوا فيها منذ عامين؟
دعوا الأخلاق والضمير والدين لمساحات الناس الخاصة، ولتحيا مصر بالدستور والقانون والحقوق والحـــريات، دولة لكل المصريين بلا تمييز».

حسنين كروم

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية