قمة الرياض الخليجية المقبلة: قمة «سهلة» رغم المتغيرات الصعبة

حجم الخط
0

الرياض ـ «القدس العربي»: تنعقد قمة مجلس التعاون الخليجي الخامسة والثلاثون في الرياض يوم الأربعاء المقبل وسط متغيرات سياسية واقتصادية وعسكرية في المنطقة العربية بشكل عام والخليجية بشكل خاص.
ورغم ما تبديه حكومات مجلس التعاون من ثقة بانها قادرة على مواجهة المخاطر التي زادت بفعل المتغيرات الجديدة، إلا ان القلق يساور المواطن الخليجي لاسيما على صعيد انخفاض العوائد النفطية الذي لاشك سيؤثر على الأوضاع الاقتصادية للمواطن نفسه.
ولاشك ان أول المتغيرات التي شهتها المنطقة الخليجية تلك الحرب الدائرة في اليمن منذ أكثر من تسعة أشهر، والتي كان لابد منها لدرء تمدد النفوذ والخطر الإيراني إلى جنوب الجزيرة العربية، وهذه الحرب التي تشارك بها دول مجلس التعاون (عدا سلطنة عمان) بمستويات مختلفة وبدرجات متفاوتة أصبحت تستنزف دول الخليج لاسيما السعودية التي تقودها وتتحمل العبء الأكبر فيها.
وتعقد القمة الخليجية وما زالت الحرب في اليمن دائرة ولا يبدو ان النصر العسكري الحاسم الذي تريده السعودية قريب أو على الأبواب، ودولة الإمارات التي شاركت بجانب من هذه الحرب بشكل قوي، عادت وسحبت قواتها من اليمن، وان أبقت على نفوذها في عدن – من خلال المساعدات الاقتصادية الكبيرة التي تقدمها لإعادة إعمار عدن-.
ودولتان خليجيتان وهما (قطر والبحرين) لا تسمح لهما قدراتهما العسكرية سوى بالمشاركة الرمزية بالعمليات العسكرية، والكويت لا تريد التورط بزج ابنائها في هذه الحرب وتكتفي بالمشاركة المالية في نفقات الحرب.
وللحقيقة لا يوجد هناك اختلاف بين دول مجلس التعاون (عدا سلطنة عمان) على الحرب في اليمن وانها كانت شر لابد منه لدرء الشر الإيراني الأكبر فيما لو تمكن من الهيمنة على اليمن.
ولكن ما يلاحظ ان دولة مثل الإمارات تبدو ان لها حساباتها الخاصة من هذه الحرب، ولها منظورها الذي يبدو انه يختلف مع المنظور السعودي وان لم يكن يعاديه. ووفق ما يقول يمنيون جنوبيون ان أبوظبي ترى ان عودة التقسيم لليمن وإقامة دولة قوية في الجنوب سيكون هو الحل الأسهل للأزمة اليمنية، ودولة الإمارات تسعى لان تمنع مشاركة حركة الاصلاح (فرع الإخوان المسلمين اليمني) في الحصول على مكتسبات سياسية أو عسكرية من هذه الحرب، لذا لاحظنا انكفاء إماراتيا عن المشاركة في حرب تحرير «تعز « التي يقودها ويشارك فيها مقاتلو حركة الاصلاح.
في حين نلاحظ ان السعودية ترى انها التزمت بالعمل على إعادة السلطة الشرعية ليمن موحد، لان التقسيم سيبقي دولة الحوثيين في شمال اليمن، وبالتالي لن ينتهي خطر الحوثيين المتواجدين على الحدود الجنوبية للمملكة.
ورغم هذا الاختلاف في المنظورين السعودي والإماراتي إلا ان الرياض لا تريد خلق خلافات داخل البيت الخليجي بشأن اليمن، فهي بحاجة لتماسك التحالف الخليجي، بعد ما بدا انها خسرت رهانها على تحالف عربي تشارك فيه مصر بدور أساسي وحتى قيادي والأردن والمغرب.
والقمة الخليجية المقبلة لاشك انها ستبحث تطورات حرب اليمن ومستقبلها، ولاشك ان البيان السياسي للقمة سيؤكد التضامن والتحالف الخليجي في خوض هذه الحرب ولن يبدو هناك أي اختلاف بين دول المجلس حول أهدافها.
حرب اليمن لاشك انها أججت الصراع الخليجي – والسعودي بشكل خاص – مع إيران، وهذا الصراع يزيد من تأجيج الأزمات في المنطقة ، وهذا ما يمكن ملاحظته من تفاقم حدة الصراع في سوريا والذي يجعل إيران ومعها النظام السوري يخوضون معركة كسر عظم في سوريا، فاسقاط النظام السوري هو اسقاط للوجود والنفوذ الإيراني في سوريا ولبنان وبعد ذلك في العراق، والسعودية التي كانت تأمل من التدخل الروسي العسكري في سوريا ان يساعد على اقناع موسكو بان تتدخل لتغيير النظام في دمشق بدلا من اسقاطه، وجدت ان هذا التدخل أخذ يصب في مصلحة حماية تظام بشار الأسد وبقائه.
ومن هنا عززت الرياض من تنسيقها الذي قد يصل إلى درجة التحالف مع انقرة وبمساهمة قطر من أجل افشال التدخل الروسي لحماية النظام، ووجدت ان الخيار العسكري لاسقاط الرئيس بشار الأسد من خلال زيادة قدرات المعارضة السورية العسكرية والتسليحية والقتالية، يجب ان يترافق مع مساعي مؤتمر فيينا للبحث عن حل سياسي للأزمة السورية.
ولكن ليست كل دول الخليج منسجمة مع هذا الموقف، ففي حين نرى ان هناك انسجاما في العلاقات التركية – القطرية – السعودية، نجد ان أبوظبي تتخذ مواقف مناهضة لتركيا ومتحفظة تجاه الانسجام معها، بل حتى ان أبوظبي أيدت الموقف الروسي ضد تركيا، ويتحدث مراقبون عن وجود تفاهم إماراتي -روسي – أردني بشأن التدخل الروسي في سوريا.
الإمارات تبدو انها أصبحت تتخذ سياسة تغرد فيها خارج السرب الخليجي. هذا ما يراه بعض المسؤولين والإعلاميين الخليجيين.
وهذا كله يشير إلى ان التناقضات في السياسة الخارجية بين دول مجلس التعاون الخليجي لم تنته ولن تنتهي، وان كانت هذه الدول تحرص على ان لا تؤثر هذه التناقضات على العلاقات الداخلية بينها ولاسيما على علاقاتها مع المملكة التي سلمت لها الدول الخليجية أمر قيادة مجلس التعاون الخليجي وأمر قيادة تحالفها العسكري رغم عدم الانسجام التام في السياسات.
وهذا مما لاشك فيه سيجعل قمة الرياض الخليجية سهلة لاسيما ان العلاقات الخليجية على الأصعدة الأخرى (الأمنية منها بشكل خاص) تعيش أحسن أوقاتها.
وعلى ذكر العلاقات الأمنية المشتركة والتي تشهد كل الانسجام خليجيا، فان تنامي النشاطات الإرهابية لاسيما في السعودية حيث نجح تنظيم الدولة الإرهابي بتنفيذ بعض العمليات الإرهابية في المملكة وواحدة في الكويت، التي تترافق مع محاولات طهران لاشاعة أجواء عدم الاستقرار في المنطقة (دعم المعارضة الشيعية في البحرين وتشكيل خلايا مسلحة هناك، والكشف عن خلية لها علاقة مع طهران كانت تعمل على تخزين الأسلحة والمتفجرات في الكويت).
هذه التطورات الأمنية هي جزء من التحديات التي تواجه دول الخليج التي ترى انها مستهدفة أمنيا ولكن بفضل تنسيقها الأمني الذي وصل إلى حد الترابط فانها تجد نفسها قادرة على التصدي للإرهاب من أين كانت مصادره.

سليمان نمر

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية