عن زنوج فرنسا و كتاب تونس

حجم الخط
0

عن زنوج فرنسا و كتاب تونس

خميس الخياطيعن زنوج فرنسا و كتاب تونس مر الكلام، زي الحسام، يجرح مكان ما يمر/أما المديح، سهل ومريح وتعرفون البقية ـ أو علي الأقل يعرفها الجيل الذي عاش هزيمة 76 وحرب أكتوبر أو رمضان وحرب البترول وثورة حتي النصر و برة ياستعمار وغير ذلك من الزوابع والشعارات ـ من أغنية المرحوم الشيخ إمام عيسي… والتلفزات العربية ولكثرة حلاوة الكلام الذي تبثه نهارا وليلا تطبيلا ومديحا لجاه أصحاب الجاه من جميع النواحي، أصبحت كل كلمة يستشف منها درجة ولو بقدر قيراط من الحرية وكأنها ثورة علي الحرس القديم الذي، رغم ما يقال عن تبدل الأحوال وفتح الشبابيك ومجري الرياح، ما زال يحكم بحكمه ولو عن طريق المقص حتي في البرامج المباشرة كما حدث في برنامج اتكلم علي الأولي المصرية في حوار مع وزيرة القوي العاملة عائشة عبد الهادي كما إستجوبتها لميس الحديدي…هل إنقرضت العبودية حقا؟طبعا هذا غير موجود في قنوات شمال المتوسط، ليس لأن شعوبهم ومشاهدي قنواتهم أذكي من شعوبنا ومشاهدي قنواتنا. لا، وألف لا. ليس هذا جلد ذات، بل حقيقة يعرفها الشارع العربي المغلوب علي أمره من كسرة يومه. هل سمعتم مثلا عن أحد قادة شعوب الشمال سافر للإستشفاء في بلاد غير بلاده التي يرأسها وله صلاحية دعم أطبائها وتحسين مستشفياتها وتطوير صناعات الدواء بها؟ هل سمعتم عن قائد منهم سجل أطفاله في مدرسة الإرساليات الخاصة بعيدا عن المدارس العمومية وهو الذي بوسعه أن يحسن مناهج التعليم العمومي وتحسين وضعية المربين ولم يفعل، لأن مستقبل ذريته أهم من مستقبل ذرية رعيته؟ هل سمعتم عن قائد منهم يتستر عن القتلة والمجرمين الذين هم من حاشيته وبطانته إن لم يكونوا من أقرباء أقربائه؟ هل سمعتم…؟ قطعا لم يحدث ذلك لأن هناك توازنا بين النخب السياسية والمؤسسات العامة كما الخاصة في احترام وخدمة رغبات المواطن الناخب طبقا لما يسنه القانون وما يقول به الدستور. حتي وإن غيرت وجهة القانون، فإن الدستور لا يحور إلا بإستشارة شفافة للمواطن/الناخب… هذا ما يمكن إستخلاصه من برنامج أربعة أعمدة علي الأولي (تعبير صحافي) الذي تبثه القناة المنطوقة الفرنسية (هوتبورد، تردد 10873) التابعة للبرلمان ومجلس الشيوخ الفرنسيين والمخصص لإحدي إرهاصات البند الرابع من قانون إيجابيات الإستعمار وهو عن منزلة زنوج فرنسا بعد العبودية ومن إعداد آرنو آردونان وشارك فيه كل من كريستيان توبيرا (نائبة راديكالية يسارية)، كلود فالنتان ماري (عضو لجنة الذاكرة)، باسكال بلانشار (مؤرخ)، ستيفان بوكران (الناطق الرسمي السابق لحزب الخضر)، فيليكس تشيكايا (مساعد رئيس بلدية بوبينيي ـ ضاحية باريس). في ذات الفترة تقريبا كانت إحدي القنوات الفرنسية الأخري تبث فيلم أن تكون في الأوراس ولك من العمر 20 سنة للفرنسي من محافظة برتاني الشمالية روني فوتيي الذي ساعد جيش التحرير الوطني الجزائري علي تكوين أطره السينمائية في السنين الأولي من حرب التحرير… معني هذا، أن شيئا ما يتبدل في تعاطي الإعلام الفرنسي ـ وطبعا النخب الحاكمة الفرنسية ـ مع مسألة الفرنسيين من ذوي الأصول الإفريقية والعربية. خلاصة النقاش أن هناك عودة للعقد المدفونة وأن الذاكرة أصبحت اليوم صراعا شرعيا من أجل الإعتراف من طرف الآخر إن الشعور بالإنتماء إلي المجتمع الفرنسي تعارضه نظرة الآخر في حين يعبر البعض (مثل حفيد الشاعر سنغور) بأن الهوية القائمة علي الغضب ولون البشرة هي هوية مخيفة وانعزالية . لقد أكد المؤرخ باسكال بلانشار بأن اكثر من 33 مليون تذكرة بيعت لزائري متحف المستعمرات الذي غيرته الحكومة ليكون متحفا للهجرة عوض أن تجعل من بقايا مستعمراتها ألوانا متعددة تحيي بها فرنسا ويكون المتحف فرصة للتصالح بينها وتاريخها كل المتدخلين أكدوا بأن الفرنسيين البيض يتجاهلون تاريخهم ومنهم الرئيس شيراك (وتعطي النائبة اليسارية أمثلة مؤرخة عن ذلك قائلة الساحر الكبير لا يعرف تاريخه حينما يقول بأن هايتي لم تعرف الإستعمار ). من هنا ينزل إستنتاج النائبة بأن المجتمع الفرنسي الحالي لا يخيرك إلا بين الضحية أو الثائر .كل المتدخلين وحتي الذين عبروا عن آرائهم في المساحة التوثيقية، أجمعوا أن الجمهورية الفرنسية لم تعد جمهورية الجميع، بل هي جمهورية البيض كما عبر عن ذلك جماعة فقراء الجمهورية في بيان لهم بتاريخ كانون الثاني (يناير) للعام 2005 المنصرم. وبالتالي لا علاقة جذرية بين التاريخ والذاكرة إذ هناك ذاكرة بدون تاريخ وهناك كذلك ذاكرة بدون تاريخ (الفارق بين الحركية والزنوج). فتكون المواطنة العرجاء لأن الأغلبية تريد تطبيق ذاكرة العبودية علي مواطنين هم مواطنون جدد. إن المقاربة الفرنسية هي مقاربة محو الإختلاف وبالتالي تنسي فرنسا بإنها لم تعد قوة عظمي وعليها بالتالي أن تفسح المجال لتعابير سياسية وثقافية جديدة ومختلفة تخص مهمشي الجمهورية وهم الفرنسيون من ذوي الأصول العربية والزنجية… نشعر من خلال هذا البرنامج أن قناة رسمية مثل قناة البرلمان ومجلس الشيوخ الفرنسيين la chane parl‚e وليست قناة خاصة تسمح برؤية ليست مغايرة فقط للسائد بل هي في صراع جذري معه هو مثال يجب أن تأخذه بعين الإعتبار القنوات الرسمية العربية التي بدأت ريح جديدة تهب عليها هذه الأيام…الكاتب والكتاب العاطلون والمقاولون والدكاترة التلفزة العمومية التونسية (تونس7) تعيش في الأسابيع الأخيرة ريحا تغييرية نأمل ألا تكون مثل ذاك السنونو الذي لا يعلن عن مجيء الربيع… ذلك أننا نستمع إلي لغة جديدة ليست تلك الخشبية التي ألفناها فحنطتنا. لغة تقارب اللغة الحرة في النقد وتبيان الخيط الأبيض من الخيط الأسود. هذا لا يعني بأننا نعيش إنفتاحا كليا. لا. هي بوادر إنفراج نأمل أن تأخذها سلطات الإعلام مأخذا جادا حتي تحول دون قبضة الحرس القديم . برهان هذا الإنفراج يتمثل في الملف الذي بثته السابعة التونسية (مسجلا) مساء الأول من أمس والخاص بإتحاد الكتاب التونسيين. أدار الملف الصحافي وليد التليلي وأخرجه توفيق العلايمي وحضره كل من صلاح الدين بوجاه (روائي ونائب في البرلمان ممثلا للحزب الحاكم والرئيس الجديد للإتحاد)، سوف عبيد (شاعر وعضو بالهيئة السابقة)، خالد الغريبي (ناقد وجامعي ورئيس فرع مدينة صفاقس)، عبد السلام لعصيلع (شاعر وصحافي بجريدة الحرية، لسان حال الحزب الحاكم)، ظافر ناجي (روائي وسيناريست وصحافي) والروائي حسن بن عثمان الذي عاش ساعاته الأخيرة كرئيس تحرير مجلة الحياة الثقافية التابعة لوزارة الثقافة والمحافظة علي التراث…الحضور كان جيدا واللغة جديدة خاصة من طرف حسن بن عثمان وظافر ناجي وصلاح الدين بوجاه فيما بقي الشاعران سوف عبيد ولعصيلع والناقد الجامعي الغريبي خارج الحلبة. إلا أن هذا الحضور ينقصه الحضور النسوي ولا ندري لماذا لم تدع التلفزة روائية أو شاعرة أو ناقدة وتونس تعج بالأسماء ذات القيمة الإبداعية والنقدية ولا داعي لذكر الأسماء؟ ثم لماذا تم تسجيل البرنامج وبثه عوض أن يكون مباشرا كما قيل للعديد من الضيوف وأخيرا ما الداعي لحمل الصحافي وليد التليلي سماعة عند إدارة الملف؟ مشاهدة البرنامج ورغم الحرية التي إتسم بها جل الحضور تبين أن المؤلف (المنتير) أما أنه لم يعرف أبجدية مهنته أو أن المقص مر من هنا بسرعة غير متوقعة إذ ان هناك قطعين علي الأقل لم تقبلهما العين العادية… دار الحوار حول ممارسات الماضي التي جعلت من إتحاد الكتاب تحت رئاسة الشاعر ـ الرئيس السابق والعضو الحالي لمجلس المستشارين السيد الميداني بن صالح خلية في خدمة أغراض سياسوية عوض أن يكون في خدمة الكتاب وهو ما قيل بمناسبة الحديث عن عودة المطرودين والمستقيلين من الإتحاد وعن جدوي جذب الأسماء الهامة مثل الناقد توفيق بكار والمؤرخ هشام جعيط… وهي، وخاصة الأخير، أسماء تذكر للمرة الأولي بالتلفزة وحسنا فعلت… تحدث ظافر ناجي عن الإئتلاف والإختلاف المطلوبين من الإتحاد وأن يهتم بالكاتب والكتاب وإن أثير نقاش حول مفهوم الكاتب ، وهو نقاش هام بعث به الروائي المشاكس والذكي حسن بن عثمان ـ ونشعر أن كلامه ريشه المقص بحسب تعبير من شارك في الملف ـ في أكثر من مرة وأيده في ذلك الرئيس الجديد صلاح الدين بوجاه في إعتماد الكتابة كمقياس أساسي وليس الولاء، في الإنصات إلي الأدباء والإبداع… وإذ نشكر التلفزة التونسية علي مثل هذه المبادرة ونطالبها بالمزيد، إلا أنها في موضوع العدد الأخير من مجلة الحياة الثقافية التي وعدنا المقدم بالحديث عنه ولم يفعل لأنه سحب من المطبعة ومن مكتب المجلة بسبب إفتتاحية لم ترق لوزير الثقافة والمحافظة علي التراث، فلم تقم التلفزة بعملها الذي أشعرتنا به فـ صنصرت الموضوع برمته… ورغم هذه الفعلة، نأمل أن الربيع الذي ذقناه ذلك المساء ليس سرابا من سرابات الآمال المعلقة في الحدود المفتوحة… وكل عام ونحن وأنتم بخير.ناقد وإعلامي من تونس[email protected]

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية