على طاولة قمار جلس كل من الرئيس الأمريكي ونظيريه الروسي والصيني. جائزة قمارهم كانت العالم الذي فرشت خريطته أمامهم.
هذه الفكرة التي تلخص العلاقة بين الدول الكبرى المتنافسة ليست من خيالي، ولكنها مأخوذة عن رسم كاريكاتيري وضعته صحيفة «الإيكونومست» على أحد أغلفتها وهي تبرز موضوعاً بعنوان: «اللعبة الجديدة» .
كنا نجد أنفسنا دائماً أمام نظريتين متباينتين الأولى تلك التي تفترض تآمر القوى الكبرى، خاصة الولايات المتحدة وروسيا ضد مصالح العرب والمسلمين، وهو ما يجد مبرراته في ما ظهر من دلائل ضعف أمريكية ضد سلوك روسيا وحلفائها في المنطقة. أما الثانية فهي التي تذهب إلى أن الولايات المتحدة لم تعد كما كانت القوة المهيمنة الوحيدة، وأنها أصبحت في حالة متصاعدة من الارتباك والتردد والتراجع لصالح مراكز القوى الجديدة التي باتت تفرض صوتها. لكن ذلك الرسم الكاريكاتيري الذي ظهر في أوائل شهر أكتوبر الماضي، يمكنه أن يمنحنا وجهة نظر جديدة لا تفترض التآمر بقدر ما تفترض «التقامر» بين الدول الكبرى المتنافسة على المنطقة.
الفرق بين النظريتين كبير، فنظرية المؤامرة تقوم على افتراض هيمنة الآخر وقدرته المسبقة على تخطيط المستقبل ورسم الأقدار وخلق الظروف، وفي هذا بالتأكيد مبالغة تولد إحساساً بالضعف وقلة الحيلة والاستسلام أمام تلك المؤامرة القدرية.
أما المقامرة فهي على العكس منها نظرية أكثر واقعية، تتلخص في أن تلك الدول، ومهما بلغت من قوة وتخطيط وإمكانيات، فإنها لا تستطيع التحكم في كل الأقدار، ولا معرفة ما يخبئه الغيب، لكنها في الوقت ذاته لا تستسلم مثلنا لتداعيات الأحداث، بل تتدخل بسرعة من أجل فرض مصلحتها وتسيير دفة التاريخ، بما يجعلها تربح بشكل أو بآخر مع كل تغيير.
مثالان واضحان يثبتان واقعية ما نقول: الأول هو أحداث الانتفاضات العربية حيث فاجأت نتائجها كل الداعمين الغربيين للأنظمة الديكتاتورية. بعد فشل محاولة إعطاء قبلات حياة للحلفاء المخلوعين، سارعت ذات الأنظمة للتبرؤ منهم والعمل على خلق صداقات جديدة ومواءمات مع الأوضاع قيد التكوين. المثال الآخر هو مثال الثورة السورية، التي لا يمكن لأحد أن يزعم أنه تم التخطيط لها لتستمر لأربع أو خمس سنوات، ولم يكن بوسع أحد أن يتخيل كل هذا القدر من الصمود والتضحيات والثبات، كما أن أحداً لم يكن ليتخيل أن سوريا ستصبح محطة عمليات لأجهزة المخابرات العالمية ولعملائها وجيوشها بهذا الشكل الغريب المريب. مستفيدة من الضعف والارتباك العربي والإقليمي تتمدد الأحداث فتسارع الدول ذات المصلحة للاستفادة منها.
فهم الأمر بهذه الطريقة ربما لا يروق لأولئك الذين يرون في الولايات المتحدة المسيّر الحقيقي للأحداث، ويؤمنون بوجود حكومة عالمية ومؤامرة كونية تتسبب في إيجاد المشكلات وفي إضعاف العالم العربي والإسلامي المهدد من قبل الماسونية والصهيونية والإمبريالية العالمية.
الواقع أن الضعف العربي ليس نتيجة من نتائج المؤامرة الكونية، بل إن السبب الحقيقي في تقوية معسكرات الشرق والغرب وظهور قوى مزعجة كإيران وغيرها هو الانقسام العربي والانشغال بالمؤامرات البينية، التي هي أشد قسوة وغدراً بكثير من تلك الغربية. لم يمنع أحد العرب من التوحد أو التنسيق الإقليمي تجاه ما يعتبرونها «مؤامرات إقليمية ودولية». لم يطلب منهم أحد أن يتخلوا عن العراق وأن يسلموه ببساطة لإيران لتجعل منه ساحة للكراهية ولتصفية الحسابات الطائفية والعرقية. كذلك لم يطلب منهم أحد أن يكون دورهم في سوريا سلبياً ومتأخراً وعاجزاً، كما كان خلال السنوات السابقة، ما أدى إلى استفحال القتل والتهجير والإرهاب الذي سيرتد إليهم وإلى غيرهم.
في الوقت الذي تحاول فيه كل الدول، حتى تلك التي لا تمتلك مكانة كبيرة على ساحة الاقتصاد أو الجغرافيا، أن تجد لها موطئ قدم في هذه المنطقة الاستراتيجية، اكتفت أغلب الدول العربية بدور التابع الذي يرى أن أقصى طموحه يجب أن يكون المفاضلة بين نتائج التبعية لهذا المعسكر أو ذاك. وضع بائس بلا شك وحزين، خاصة حين نجد بعض ما تسمى بمراكز البحوث منشغلة بسؤال من قبيل: هل من المصلحة أن نقف مع حليفتنا السابقة الولايات المتحدة، أم أن الأفضل هو إعلان الانحياز لمعسكر روسيا الصاعد؟ بيّنت لنا التجارب التاريخية والأيام أن معظم القادة الذين كثيراً ما صدّعوا رؤوس أتباعهم بفكرة التآمر الغربي عليهم، مظهرين أنفسهم مثالاً للقومية ومناكفة الاستعمار، كانوا منخرطين في علاقة وارتباط وثيق بأولئك الأشرار المتآمرين! المشكلة ببساطة لا تكمن في عداء تلك الدول ولا في سوء نواياها تجاه قضايا العرب والمسلمين، بقدر ما تكمن في كونها دول براغماتية، أي باحثة في المقام الأول عن مصلحتها الذاتية، وإن تناقض ذلك مع قيمها المعلنة للحريات وحقوق الإنسان.
قبل يومين غرقت في عرض البحر أم وأطفالها السبعة، ولم ينج إلا الزوج الذي خسر عائلته. قصة مأساوية بلا شك، لكن متكررة وتلخص حالة اليأس التي تدفع البعض للهجرة بحثاً عن أي ملاذ آمن. بحسب القصة التي استمعت إليها عبر «بي بي سي» فقد فرّت العائلة هرباً من إرهاب «تنظيم الدولة» وهي نقطة مهمة لتكريس أن العدو الحقيقي للسوريين لم يعد النظام الرسمي، بل هذا التنظيم صاحب التمدد الغامض. لإكمال المشهد تسأل المذيعة الناجي رب العائلة عما إذا كان ينصح غيره باتباع سلوك الهجرة غير الشرعية عبر البحر. الإجابة كانت كما توقعت المذيعة بأنه لا ينصح بأن يكرر أحد تجربته، فهو نادم على المحاولة ويشعر بأن مصيره كان ليكون أفضل لو بقي في سوريا. أردت من إيراد هذا المثال أن أدلل على فكرتي المتمثلة في تغليب الدول الغربية لمصالحها، وهو ما يجعلها تصنع من هذه المأساة ومن غيرها وسيلة للدعاية ضد «تنظيم الدولة» من جهة وضد الهجرة غير الشرعية من جهة أخرى.
بنظر الغربيين ليست الأعداد الكبيرة من القتلى السوريين هي مصدر القلق بقدر ما هم مهمومون من تمادي الفوضى السورية وتأثيرات ذلك على المنطقة وعلى الحدود الأوروبية من خلال تعزيز ظاهرتي الإرهاب والمهاجرين غير الشرعيين. بالمقابل، فإن بعض المفاوضين السوريين والمهتمين العرب يظنون أنهم يتذاكون حينما يقدمون للقضية بما يناسب الأولويات الأوروبية والأمريكية، أي بالتأكيد على دعم الاستقرار الذي سينهي بالضرورة المهددات الأمنية. بوضع الأمر على هذه الصورة والتعامل مع الثورة السورية كمجرد أزمة تستوجب حلاً سياسياً وتسويات يكون الاستقرار، أي استقرار، مطلباً في حد ذاته حتى لو أدى ذلك إلى خيانة دماء الشهداء وتسويق الزمرة الأسدية من جديد كشريك في حل المشكلة التي تتلخص في مكافحة الإرهاب ومنع الهجرة غير الشرعية.
٭ كاتب سوداني
د. مدى الفاتح
انها الماساة الحقيقية للشعب السوري وقبلها العراقي،والفلسطيني،
من المسؤول الاول ،؟أليس الزعماء العرب،التاريخ يبرهن تخاذل الحكام العرب في احتلال فلسطين،وحديثا راينا كيف تخاذلوا في تدمير العراق واحتلاله،ودون خجل او وجل لم نسمع منهم اي اعتذار وأخذ العبر،بل هم يتمادون في ضلالهم،،ما حدث في سوريا،صحيح ان الهبة الشعبية السلمية كانت جيدة وربما لو بقيت سلمية لتغير النظام دون تدمير البلد،ولكن دخلت الصهيونية العالمية في الوحي بآذان الحكام العرب ان يمدوا الشعب السوري بالسلاح،ووعدوا الثوار بكل شيء في البداية،ولكن كان من مصلحة اسراءيل والغرب ان يضغطوا على السعودية ودوّل الخليج ان يتوقفوا عن دهم الثوار بالسلاح اللازم ،وذالك لاطالة النزاع ،لا بل سموهم ارهابيين،وخلقوا ما يسمى بداعش،وتركوا الشعب السوري ينزف دما دون معالجة،وأدخلوهم في حرب في اليمن،والقادم اعظم،هذا هو التهور في السياسات العربية وعدم اتزان الأمور،والإصغاء للصهيونية العالمية المتمثّلة في النظام الغربي عن بكرة ابيه،