باريس ـ «القدس العربي»: اسمها في التراث الإغريقي واللاتيني مستمدّ من النخيل، وأمّا في الدلالة المحلية فإن الاسم يعود إلى فكرة الحماية أو الحمى، بالنظر إلى مناعتها المأثورة عبر العصور.
وفي العصر الحجري، قبل 75 ألف عام، قطن الإنسان الواحة التي كانت تحتضن تدمر، والنبع الذي كان يسقيها. وأدواته الحجرية ما تزال شاهدة في مواقع عديدة من المدينة الراهنة. شواهد أخرى تعيد أصول المدينة إلى العصر البرونزي أيضاً، وإلى سنة 2200 قبل الميلاد، وإن كان أقدم نصّ يأتي على ذكر تدمر عُثر عليه في موقع آشوري ضمن إحدى مقاطعات الأناضول، ويعود إلى مطلع الألف الثاني قبل الميلاد. أمّا الشواهد الأوضح فإنها توفرت في مدينة ماري الشهيرة (القرن التاسع عشر قبل الميلاد) وإيمار (الرابع عشر ق. م.) وكلاهما على ضفاف الفرات.
ومن موقع كونها واحدة من أهم الإمارات العربية التي تمتعت بحكم ذاتي، استمرت في حيازة استقلال نسبي حين جرى إلحاقها بالإمبراطورية الرومانية سنة 64 ق. م.، بل لقد شاركت في حماية تخوم الدولة الرومانية من جهة الصحراء، وآل إليها دور البتراء الجغرافي والتجاري، حتى أن الإمبراطور الشهير هادريان أعطى تدمر صفة «المدينة الحرّة»، وخوّل حكّامها سنّ القوانين والتشريعات التي تنظّم الحياة فيها.
وحين تعرّضت المدينة لتضييق من زحف الساسانيين في فارس، تراجع دورها التجاري وأخذت تفقد سطوتها، حتى تولى الحكم الملك العربي أذينة، سنة 258 م.، فسارع إلى ردّ الفرس، وأنعش مكانة المدينة، واستحق لقب «ملك الملوك». وكان أن قُتل أذينة في ظروف غامضة، فتولت الحكم زوجته زنوبيا بعد أن منحت ذاتها حقّ الوصاية على ولي العهد وهب اللات، ثمّ توسعت في بسط سلطان تدمر نحو الأناضول ومصر معاً، مما جلب عليها سخط الإمبراطور أورليان. وعلى يد هذا الأخير جرى احتلال المدينة والقبض على زنوبيا، وثمة تباين لدى المؤرخين في كيفية انتهاء حياتها.
عند استقرار المسيحية في المنطقة، مطلع القرن الرابع الميلادي، أمر الامبراطور تيوديسيوس بتحويل معابد تدمر إلى كنائس، بل ذهب الإمبراطور جوستينيان إلى درجة التفكير في تدميرها تماماً. الفتح الإسلامي بلغها على يد خالد بن الوليد، فاستعادت المدينة بعض مكانتها القديمة. وفي القرن الحادي عشر تعرضت لزلزال هائل، ثم أعاد الأتابكة والايوبيون تشييدها. وخلال الحكم العثماني تعرضت للإهمال، ثم بقيت على حالها كمركز استقطاب سياحي وأركيولوجي حتى زحفت إليها كتائب تنظيم «الدولة» واحتلتها في أيار (مايو) 2015، ودمّرت بعض آثارها.
ويرى العديد من الآثاريين أن الأوابد الأثرية الأهم في تدمر هي التالية:
معبد بل: ويعود بناؤه إلى القرن الثاني الميلادي، ويتألف من ساحة مربعة مغلقة، يتوسطها مأوى صنم الرب الرئيسي، ويحيط بها رواق محمول على أعمدة، تنتصب فيه آثار درج لولبي، وحوامل لتماثيل كبار اشراف المدينة.
معبد نبو: يعود إلى القرن الأول الميلادي، ويقع على الغرب من قوس الشارع الطويل المعروفة باسم «قوس النصر»، والاسم يعود إلى ابن الرب بل- مردوخ، وأمين سر مجمع الأرباب. وللمعبد سور خارجي داخله باحة وفي منتصفه حرم. معبد بعلشمين: يقع في الحي الشمالي من المدينة، ويعود للقرن الثاني الميلادي، ويتألف من حرم وباحتين شمالية وجنوبية بهما أروقة. وعتبة الحرم تحمل ستة أعمدة بجبهة مثلثة.
معبد اللات: يعود إلى القرن الثاني الميلادي، ويتألف من باحة مستطيلة يتوسطها حرم يتقدمه رواق من ستة أعمدة، اكتُشف فيه تمثال مرمري للربة اللات/ أثينا، وتمثال أسد اللات.
الأعمدة التذكارية: في المدينة أعمدة تذكارية منفردة عديدة، أقيمت في أماكن بارزة لتكون حافزاً للأجيال، وذلك بأمر من مجلس الشيوخ والشعب، تمثّل الأشخاص المتميزين الذين ساهموا في ازدهار المدينة، وأنعشوا اقتصادها.
نبع أفقا ـ «الحمّام الكبريتي»: هذا النبع هو سبب نشوء مدينة تدمر ولا يزال شريانها الحامل للخير في قلب الواحة، يتدفق الماء من كهف في جوف جبل المنطار، مياهه معدنية كبريتية، حرارتها ثابتة في كل الفصول (33 درجة مئوية)، ويصب 60 ليتراً في الثانية.
قراءة التاريخ ضروري لكتابة برنامج المستقبل