2015: عام روسيا والسعودية

حجم الخط
0

انتهى العام 2015، بالنسبة لقطاع واسع من السوريين، بفاجعة اغتيال الناشط الإعلامي ناجي الجرف في مدينة غازي عنتاب، جنوب تركيا، ظهيرة الأحد 27 كانون الأول الجاري. الشهيد ناجي الذي تعرض لمحاولة اغتيال أولى، قبل فترة قصيرة، وتلقى الكثير من التهديدات المباشرة من بيئة «داعش» كان قد أخرج فيلماً وثائقياً بعنوان «داعش في حلب» يُعتقد أنه كان السبب المباشر لقتله اغتيالاً بكاتم صوت من قبل مجهولين لاذوا بالفرار.
غير أن ما أضفى أهمية أكبر على هذا الحدث هو أن سوريين من مختلف المشارب والتلوينات السياسية والمناطقية وحَّدتهم هذه المأساة التي لخصت، بمعنى من المعاني، المأساة السورية الكبرى. فناجي الذي اضطر إلى مغادرة سوريا تحت تهديد نظام بشار الكيماوي، اغتالته، على الأرجح، يد الغدر الداعشية، عشية لجوئه إلى فرنسا. كأن روح ناجي المعجونة بالوجع السوري أبت أن تبتعد عن الوطن نحو المنافي الأبعد.
يمكن تحميل حدث اغتيال ناجي معاني إضافية: فحيث تحول الوضع في سوريا من ثورة شعب يتوق إلى الحرية على نظام مجرم لا يعرف إجرامه أي حدود، إلى مسرح لصراعات اقليمية ودولية، أمكننا القول إن اغتيال ناجي الجرف هو ترجمة شفافة لإخراج العامل الوطني – التحرري – المدني من التسويات المقترحة بين الدول المتصارعة على أرض سوريا. بالمقابل، كان اغتيال قائد جيش الإسلام زهران علوش، قبل أسبوع، على يد الطيران الروسي، محاولة روسية للي الذراع السعودية في سوريا، عشية مفاوضات مفترضة بين النظام والمعارضة، على ما اقترح قرار مجلس الأمن الأخير بصدد المشكلة السورية. فالسعودية التي نجحت، في إطار مسار فيينا، في الإمساك بورقة المعارضة السورية من خلال توحيدها تحت مظلة مؤتمر الرياض، أصبحت وجهاً لوجه مع روسيا التي تسعى بكامل شراسة طيرانها إلى رسم حدود «سوريا المفيدة» وتثبيت النظام الكيماوي المتداعي عليها حاكماً تابعاً لموسكو على مثال الشيشان بعد دحر التمرد فيها. في حين تعمل السعودية على ضمان خروج إيران من المعادلة السورية بعدما سلمت واشنطن العراق لإيران، في أعقاب إسقاط نظام صدام حسين في العام 2003.
يبقى أن الحدثين الأبرز للعام 2015، هما انخراط موسكو المباشر في الحروب السورية، وانخراط السعودية المباشر في الحرب اليمنية. ويعبر الحدثان، كل من جهته، عن صعود العاملين الروسي والسعودي في المعادلات الدولية. وإذا كانت موسكو تمسك بورقة الفيتو في مجلس الأمن، ضامنة بذلك عدم صدور اعتراض أممي على سياساتها العدوانية في سوريا وأوكرانيا، فالرياض تستخدم سلاح النفط، ونفوذها العربي والإسلامي، في صراعها ضد طهران. أما هذه الأخيرة فلا شيء لديها غير استخدام العصب المذهبي الشيعي الذي لا ينفع غير في تخريب النسيج الاجتماعي في بعض الدول العربية. ووسط كل هذا الخراب الذي كان لطهران اليد الطولى فيه، تنعم إسرائيل بفترة اطمئنان ذهبية من تاريخها، فبات بمقدورها اغتيال بعض القادة البارزين لميليشيا حزب الله في ضاحية دمشق (جرمانا) كما لو كانت في نزهة آمنة.
ولم يقتصر صعود العامل السعودي على إطلاق «عاصفة الحزم» التي أسقطت، مبدئياً، الذراع الحوثي لطهران وحليفه الدكتاتور المخلوع علي عبد الصالح، بل تجاوزه إلى فرض السعودية نفسها كقوة أساسية في رسم ملامح أي تسوية محتملة للصراع في سوريا وعليها، من خلال الإمساك بورقة المعارضة السورية التي من المفترض أن تجلس على الطاولة في مواجهة رجل طهران وموسكو في دمشق. وكما «يفاوض» الروسي بسلاح طيرانه الذي يواصل ضرب التشكيلات العسكرية المعارضة للنظام، ضمت السعودية أبرز تلك التشكيلات إلى «الهيئة العليا للمفاوضات» المنبثقة عن مؤتمر المعارضة السورية في الرياض. في هذا الإطار من «التفاوض الساخن» يمكن قراءة اغتيال زهران علوش المدعوم من الرياض من قبل الطيران الروسي. وهو ما يعطي مؤشرات غير مشجعة على التفاؤل بشأن التسوية السورية في إطار مسار فيينا وقرار مجلس الأمن. فمعادلات القوة لم تستقر، ومن المستبعد نصب طاولة مفاوضات في ظل اشتداد الصراع العسكري، واتجاهه أكثر وأكثر نحو عمليات تغيير ديموغرافي كما حدث مؤخراً في هدنة الزبداني ـ الفوعة وكفريا، وقبلها ما حدث ـ في سياق آخر ـ في بعض مناطق سيطرة قوات حماية الشعب الكردية من تهجير قسري لسكان قرى عربية، على ما وثق تقرير لمنظمة العفو الدولية.
من زاوية نظر الغرب الأوروبي ـ الأمريكي، كان الحدثان الأبرز هما تدفق اللاجئين، بأعداد غير مسبوقة، إلى الدول الأوروبية، عبر تركيا فاليونان والبلقان، في شهر أيلول؛ والهجمات الإرهابية التي ضربت باريس في تشرين الثاني الماضي. وكلاهما يتصل بالحرب في سوريا.
ويندرج إسقاط تركيا للطائرة الروسية من طراز سوخوي على المنطقة الحدودية التركية ـ السورية، والتوتر الشديد الذي أعقبه بين موسكو وأنقرة، في سياق الحروب الدائرة على الأرض السورية. وبقدر ما كان انتماء تركيا إلى الحلف الأطلسي حماية لها من ردة فعل قوية من موسكو، شكل ذلك، في الوقت نفسه، إضعافاً لقوة تركيا كلاعب في الملعب السوري، وبخاصة في مواجهة العامل الكردي المدلل، في هذه الآونة، من قبل واشنطن وموسكو معاً. فكان أن أفرغت القيادة التركية جام غضبها المكتوم على المناطق الكردية داخل تركيا نفسها، الأمر الذي يزيد من إضعاف أنقرة بدلاً من تقويتها كما تأمل حكومتها.
لا شيء يدعو للتفاؤل بشأن العام المقبل غير هذا الإجماع الوطني الذي شهدته جنازة الشهيد ناجي الجرف في مقبرة «الوادي الأخضر» في غازي عنتاب، مع علم الثورة السورية الذي لف جسده.

٭ كاتب سوري

بكر صدقي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية