عمان ـ «القدس العربي»: تسمى بـ «ثغر الأردن الباسم» وعروس البحر الأحمر. وقديما اطلق عليها اسم «أيلة» والتي تعني في اللغة السريانية «الله» ثم أطلق عليها اسم العقبة نسبة إلى الطريق الوعر في الجبل.
محافظة العقبة التي تتمركز على ساحل البحر الأحمر وتبعد عن العاصمة الأردنية عمان 330 كلم، تتميز بمزيج من التاريخ والطبيعة وحياة المدينة، محاطة بالجبال الخلابة والبحر الأزرق. وبما أنها تتمتع بجو دافئ ومشمس على مدار السنة، تتيح لزوارها فرصة الاسترخاء على شواطئها والمشاركة في متعة رياضاتها البحرية، واستكشاف الشعاب المرجانية في البحر الأحمر.
وبالإضافة إلى أهميتها السياحية وخاصة في ظل الأحداث التي تمر بها دول الجوار، تتمتع العقبة بأهمية اقتصادية كونها المنفذ البحري الوحيد في الأردن وجلبت العديد من الاستثمارات المهمة، مثل سرايا العقبة وخليج تالا بي، ومرسى زايد، ومنتجع واحة آيلا، وشركات النقل البحري.
وعلى صعيد التعليم، تضم المحافظة فرع الجامعة الأردنية وجامعة العقبة للتكنولوجيا، وكلية العقبة الجامعة التابعة لجامعة البلقاء التطبيقية.
التاريخ
بقيت محافظة العقبة ُحتى أواخر الأربعينيات، قرية صغيرة، وقد بلغ عدد سكانها عام 1952 حوالي 3 آلاف نسمة، إلى أن بلغ العدد الإجمالي في عام 1962 حوالي 9 آلاف نسمة، ومع التطور الزمني والاقتصادي والعمراني بدأت العقبة تشهد تزايدا في عدد السكان، حيث بلغ تعدادهم عام 1979 حوالي 27 ألفا، ثم أصبحت العقبة ُمنطقة جذب سياحي وتجاري وسكاني، مما أدى إلى ارتفاع أعداد السكان في محافظة العقبة إلى 100 ألف، منهم ما نسبته 80 ٪ في مدينة العقبة.
تشير المصادر التاريخية وأعمال التنقيب والحفريات في مناطق مختلفة من العقبة، إلى أن العقبة كانت موقعا ًللاستيطان البشري منذ 6 آلاف سنة، إذ يشار إلى أن الملك سليمان بنى أسطولا ً بحريا، في الموقع الذي يسمى «تل الخليفة» غرب المدينة الحالية.
بما أن العقبة تعتبر منذ تلك العصور موقعا استراتيجيا بين قارتي آسيا وأفريقيا، ومعبرا للقوافل التجارية بين الجنوب والشمال والشرق والغرب، فقد كانت مركزاَ لجذب العديد من الأمم المتعاقبة كالآدوميين والأنباط والفينيقيين واليونانيين والرومان والمسلمين والأمويين والعباسيين والصليبيين والمماليك والعثمانيين، وقد أصبحت العقبة، بعد عهد النبي محمد عليه الصلاة والسلام، تحت الحكم الإسلامي، إذ فتحها المسلمون عام 631، إلا ّأن الصليبيين استطاعوا احتلالها، وبنوا فيها قلعة ما زالت بعض معالمها قائمة ًحتى اليوم، إلى أن استطاع صلاح الدين الأيوبي إعادتها عام 1170، ثم سيطر عليها المماليك عام 1250 وبنى «قانصوه الغوري» فيها حصنا في القرن الرابع عشر الميلادي، إذ تم العثور على نقش يشير إلى اسم «قانصوه الغوري».
أمـا العثمانيون فلم يولوا العقبة اهتماما مناسبا، ولم تشهد تغييرا أو تطورا، ففقدت أهميتها، مما أبقى عليها قريـة صغيرة. أما في عام 1917 فإن قوات الشريف الحسين ابن علي قائد الثورة العربية الكبرى أجبرت القوات العثمانية التركية على مغادرة العقبة. وفي عام 1965 تم الاتفاق مع المملكة العربية السعودية بتوسعة أراضي خليج العقبة بما يقدر بــ 12 كم مربع، مقابل أن تحصل السعــودية على 6 آلاف كيلو متر مربع من الأراضي الأردنية الصحراوية .
الكنوز البحرية
يعتبر البحر الأحمر موطنا لمئات الأنواع المختلفة من الشعاب المرجانية والإسفنجية، والأسماك الملونة السّاحرة. حيث وجد في مياهه في العقبة حيد بحري غير محدود من المرجان، يتكون من أنواع عديدة منها المرجان الرافد، والمرجان الذي يتخذ شكل الفطر، والمرجان الورقي المنقوب ومرجان الأركيليا وهو نموذج أسود شبيه بالشجرة وموجود في أعماق البحر. ونظرا لاعتدال المناخ ودفء شتائه وصفاء مياهه وهدوء أمواجه ونظافة شواطئه، يعتبر بيئة مثالية لنمو أنواع مختلفة من الحياة البحرية حيث الدلافين الودودة وسلاحف البحر تعيش وسط أسراب كثيفة من الأسماك الملونة النادرة علاوة على الكائنات البحرية الليلية كالسلطعون والكركند والقريدس، التي لا تظهر إلا ليلاً بحثاً عن غذائها.
وأما الراغبون في مشاهدة روائع البحر العميق ولا يرغبون في ممارسة رياضة الغوص فبإمكانهم التمتع بتلك المشاهد المدهشة من خلال القيام برحلة بحرية على ظهر قوارب ذات أرضية زجاجية شفافة يستطيع من خلالها رؤية الأحياء البحرية المتنوعة والنادرة. وبعد العودة من تلك الرحلة يمكنه الاسترخاء على شواطئها الرملية الساحرة أو زيارة المحميات البحرية التي تحتوي على أنواع نادرة من الأسماك والكائنات البحرية النادرة.
وتحتضن محطة العلوم البحرية الواقعة على الشاطئ الجنوبي لخليج العقبة معرضا للأحياء البحرية يستطيع الزائر ان يشاهد فيه الأنواع المختلفة من المرجان والأسماك والحيوانات الزاحفة مثل التمساح وغيرها من الكائنات الحية المستوطنة في خليج العقبة.
وتشتمل العقبة على أهم المشاريع المهتمة في السياحة البيئية في الأردن وهي محطة العقبة لمراقبة الطيور والتي تستقطب عشرات الألاف من الطيور المهاجرة أثناء رحلتها بين أوروبا وافريقيا خلال موسمي الهجرة في الخريف والربيع.
ويتضمن مشروع محطة العقبة لمراقبة الطيور غابة للأشجار الكبيرة وحدائق لأشجار مقيمة في المنطقة بالإضافة لمسطحات مائية كبيرة تلعب جميعها بشكل متكامل على استقطاب أنواع مختلفة من الطيور قد يكون بعضها نادر الوجود على مستوى العالم الأمر الذي يدفع العديد من المهتمين بمراقبة الطيور وعلماء الطيور لزيارة المنطقة وعمل التحاليل العلمية والأبحاث الخاصة بعلم الطيور. وتعد العقبة بشكل خاص ومنطقة الأردن بشكل عام من المناطق المهمة عالميا لهجرة الطيور بناء على تصنيف irdlife International.
الأهمية الاقتصادية
تتميز العقبة بأهمية اقتصادية، كونها المنفذ البحري الوحيد الذي يربط الأردن بالعالم عبر البحر الأحمر، إلى جانب اعتبارها نقطة انطلاق هامة لزوار الأردن القادمين إليه عبر البحر لاستكشاف المعالم التاريخية والأثرية في مناطق الأردن الجنوبية كالبتراء ووادي رم، لذلك توصف بأنها رأس المثلث الذهبي السياحي في الأردن حيث يتيح قرب المناطق وقصر المسافات بين العقبة وتلك الأماكن للزائر ان يقضي وقتاً أطول ورائع عند زيارته لها. حيث لا تستغرق الرحلة من العقبة إلى البتراء أو وادي رم أكثر من ساعة.
وتضم العقبة مشروع «العقبة الاقتصادية» الذي أطلقه الملك عبد الله الثاني في عام 2001، كي تكون مركزا للمشاريع الاقتصادية المتنوعة والمتكاملة، واعتبارها منطقة حرة للانطلاق نحو مركز إقليمي متطور في هذا الموقع الاستراتيجي، من أجل دعم الاقتصاد الوطني، من خلال فتح المجال للفرص الاستثمارية، والمساهمة في استقطاب الأيدي العاملة الأردنية للتخفيف من مشكلتي الفقر والبطالة.
كما تتميز العقبة بوجود منشآت ومرافق صناعية مركزية، وهي مصدر للفوسفات وبعض أنواع الصدف، كما تحوي مناطق تجارية حرّة، وفيها مطار الملك حسين الدوليّ.
الأثار والمعالم السياحية
يوجد في العقبة عدد من الآثار والمعالم التاريخية منها، وأهمها قلعة العقبة التي بنيت كقلعة صليبية، وهي ذات شكل مربع فيها أبراج شبه دائرية، ويحيط بها سور سمكـُه 130 سنتمترا، وقد اكتشف فريق ٌ متخصص أن مبنى القلعة الأصلي قد تعرض إلى دمار هائل بسبب هزة أرضية، ثم تم إعادة البناء وترميمه في القرن السادس عشر الميلادي، في عهد آخر السلاطين المماليك البرجيين السلطان المملوكي الجركسي «قانصوه الغوري»، كما تعرضت القلعة في عام 1911 إلى التدمير من قـبل السفن الإيطالية خلال الحرب التركية الإيطالية .
وهنالك أيضا «تل الخليفة» المكان الذي بنى فيه الملك سليمان أسطولا ً بحريا، للتجارة مع صوماليا وغيرها، وتشير مصادر استكشافية أن الذين بنوا الميناء هم «أهل مدين» قبل خمسة قرون من عصر الملك سليمان، وقد تم اكتشاف هذا الموقع بعد القرن الثامن قبل الميلاد، ويستدل من خلال تلك الاكتشافات أن العقبة كانت مأهولة ً بالسكان منذ العصر الحديدي الأول وحتى العهد الفارسي في القرن الأول قبل الميلاد .
«أيلة الإسلامية»
واكتشف الموقع الأثري منتصف الثمانينات، ويعود بناؤه إلى الفترة الإسلامية الأولى، وهو عبارةٌ عن بقايا مدينة إسلامية وسط العقبة، إذ بنيت في موقع أيلة القديم عام 650، واستمرت 450 عاما، إلى أن وصلها الصليبيون في عام 1116، وعملوا على تدميرها. تحيط المبنى أسوار وشوارع تؤدي إلى أربعة أبواب، هي باب الشام وباب البحر وباب الحجاز وباب مصر.
وتضم العقبة أقدم كنيسة في العالم وهي واحدة من أعظم الاكتشافات في وقتنا الحاضر وفق ما يؤكده علماء الآثار والتي تعود إلى القرن الثالث الميلادي، وهي أقدم بقليل من كنيسة المهد في القدس وكنيسة الميلاد في بيت لحم، وكلتاهما تعودان إلى القرن الرابع الميلادي.
بالاضافة إلى منزل الشريف الحسين ابن علي وميدان الثورة العربية الكبرى، تخليدا ًلانطلاقة الثورة العربية الكبرى وقائدها الشريف الحسين ابن علي، فقد تم رفع أطول سارية في العالم في مدينة العقبة في مكان أطلق عليه «ميدان الثورة العربية الكبرى» حيث ترتفع 137 مترا ً وتبلغ قياساته 20×40 متراً والقاعدة 17×17 متراً. حيث دخل العلم الأردني بألوانه والأسود، والأحمر، والأبيض والأخضر موسوعة جينيس للأرقام القياسية عام 2003، بعد أن أخذ العلم في عمان هذا اللقب.
العادات والتقاليد
نظرا لوقوع العقبة على طريق تجاري رئيسي فإن العقباوية مزيج فريد من أصول بدوية وحجازية، من شبه الجزيرة العربية ومصرية وشامية، لذلك بينما اللغة العربية هي اللغة الأم للعقباوية فإنه من الصعب تمييز العقباوي عن نظيره عند التحدث مع البدوي أو الحجازي أو المصري أو الشامي.
ويقدر العقباوية تقاليدهم وعاداتهم العربية والتي تتصف بالكرم والكرامة وإكرام الضيف. يحب العقباوية أن يشعروا ضيوفهم بأنهم في منازلهم.
من الأمور الشائعة والعادات المتعارف عليها في العقبة شرب الشاي مع الحبق، والأكلة الشعبية هي «الصيادية» وهي مزيج من الأرز والسمك والتوابل الشرقية اللذيذة، وطبق «الطاجن» وهو طبق خاص في طريقة تحضيره حيث يتم وضع السمك والبصل والطماطم والتوابل في وعاء ويتم دفنه في الرمال مع الفحم الساخن .
وطبق «البخاري» وله شعبية في مراسم الزفاف ويتكون من الأرز واللحوم وحبوب الحمص والسمن والتوابل، بالاضافة إلى طبق «الحوح» وهي حلويات تتألف من طبقات من المعجنات محشوة بالمكسرات أو التمر ومن ثم تقلى في السمن وتغمس في شراب السكر، وطبق «التمر والسمن» عبارة عن حلويات بسيطة تتكون من التمور الطازجة مغمسة في السمن.
رياضة الغوص والسباحة
أبرز ما يميز شواطئ العقبة، إمكانية السباحة والغوص والصيد والتفاعل مع الحياة المائية والبحرية.
ويتوفر على شواطئ العقبة إمكانية السباحة تحت الماء باستخدام أنبوب للاستنشاق للراغبين بالتفاعل أكثر مع الحياة المائية دون الغوص حيث تشتهر العقبة بالتنوع المرجاني والرخويات والقشريات، كما تمتاز شواطئها بإمكانية السباحة واستخدام قوارب الصيد والتوجه لمسافات أعمق لممارسة رياضة الغوص.
ويجعل مناخ العقبة منها مكانا مناسبا للغوص في جميع أوقات السنة، حيث تكون درجة حرارة المياه بمعدل 22.5 درجة. كما يمكن التمتع بـ 12 ساعة من الضوء وأشعة الشمس في العقبة يوميا، الأمر الذي يسمح بالرؤية تحت سطح الماء بعمق 150 متراً تحت سطح البحر. وتضم العقبة أكثر من 30 موقع غوص، بما فيها دبابتين عسكريتين غاطستين، ومرجان اصطناعي، وسفينة الشحن اللبنانية والتي غرقت عام 1995، وتعتبر أكثر مواقع الغوص شهرة وزيارة في العقبة.
ومن أهم مواقع الغطس، موقع محطة توليد الكهرباء ويقدم تجربة غوص مختلفة في منطقة يتراوح عمقها بين 12 إلى 70 متراً. وعادة ما يتم رصد أسماك القرش والمخلوقات البحرية الأخرى في هذا الموقع، كما يمكن أيضا مشاهدة سمك موراي الأنقليس وسمكة نابليون/شاحنة الموج.
وهنالك موقع شمال الخليج الأول ويقدم تجربة فريدة للغوص عند الشعاب المرجانية الكسولة في منطقة يتراوح عمقها من 12 إلى 30 متراً.
وهناك موقع رأس اليمنية، وموقع شعاب الملك عبد الله حيث تكون سلحفاة منقار الصقر، وموقع الصخر الأسود، وموقع شعاب قوس قزح، وموقع حطام سفينة «ارزة كرامة» والتي تحطمت عام 1985، وهي ترقد الآن على جانبها وتوفر للغواصين فرصة كبيرة للتنقل داخلها. وتقع هذه السفينة فوق مجموعتين من الشعاب المرجانية.
آية الخوالدة
سمك العقبة رائع بالرغم من صعوبة الحصول عليه . الشواطي اختفت الان مع الزحمة .