نمر النمر: المواطن أم الشيخ؟  

حجم الخط
14

 

في وسع المرء أن يتفهم الاعتراض على عقوبة الإعدام، إذا صدر عن دولة أو جهة أو منظمة تناهض هذا الحكم، أياً كانت النوايا ـ الحسنة أو السيئة، البريئة أو الخبيثة ـ التي ينطلق منها المعترض. أمّا أن تقيم الدنيا ولا تقعدها دولةٌ ـ ترتيبها الثاني دولياً في إنزال وتنفيذ حكم الإعدام (688 حتى أواخر حزيران/يونيو 2015) ـ لأنّ دولة أخرى ـ ترتيبها الثالث، برقم بلغ 102 خلال الربع الأوّل من العام ذاته ـ أعدمت فرداً واحداً… فهذه ليست ذروة المأساة، فحسب؛ بل لعلها، مع الاعتذار من الإنسان كقيمة عليا، واحدة من أدنى سفوح امتزاج المأساة بالملهاة!
هذه هي حال إيران مع السعودية، بصدد إعدام المواطن نمر النمر، الذي يحمل جنسية الجهة التي نفّذت حكم الإعدام، وليس جنسية الجهة التي تعترض عليه! وأن يتقصد المرء استخدام صفة «المواطن» ـ بدل صفة «الشيخ»، التي شاعت وترسخت حتى أنست الكثيرين أنّ الضحية يتحلى بوضعية المواطنة أيضاً! ـ فذلك لأنّ طهران لم تغضب إلا لأنّ مقام الشيخ أعلى، بما لا يُقاس، من مقام المواطن. هذه، استطراداً، فرصة ذهبية لتحريك ما تحت الرماد من جمر مذهبي متقد في المنطقة، بين «السنّة» و»الجماعة»؛ في تعبير حسن نصر الله، الأمين العام لـ»حزب الله»، والذي شاء الإحجام عن استخدام الثنائية الأدقّ: السنّة والشيعة.
وقد يتفق المرء أو يختلف حول حصيلة مواقف النمر السياسية والفقهية، خاصة تفسيره لمبدأ ولاية الفقيه؛ وما إذا كانت فلسفته الإجمالية إصلاحية، أو حتى مستنيرة، في كثير أو قليل؛ وهل ما تسرّب من مواعظه، حول الشقاق السنّي ـ الشيعي منذ فجر الخلافة، لا يُخرجه تماماً من صفّ تغذية الفُرقة وتسعير التحزب. كلّ هذا وارد، والتنازع حوله مشروع، سيما وأنّ البراهين عليه ليست غائبة في الواقع، وليست غائمة؛ وأمّا ذاك الذي يتوجب رفضه، سياسياً وأخلاقياً، فهو إعدام المواطن النمر، بتهمة معلَنة هي «الإرهاب»، وجرائر أخرى مضمرة، عابرة لأيّ، وربما كلّ، الاعتبارات المذهبية.
ذلك لأنّ المواطن النمر كان، في مستوى أوّل بسيط، شخصية معارضة للطغيان والفساد والاستبداد؛ وكان، في مستوى ثانٍ وثيق الارتباط، شخصية مذهبية قيادية تتمتع بشعبية واسعة لدى غالبية كبيرة من المواطنين الشيعة، في السعودية والبحرين على الأقلّ. وارتباط البُعد السياسي بالبُعد المذهبي في حضور شخصيته ـ ضمن المجال العام تحديداً، وليس داخل الحسينيات أو أروقة الوعظ فقط ـ أمر طبيعي، وغير استثنائي، بل قد تكون بعض وظائفه ذات نفع عام، غير هدّام بالضرورة.
إعدامه ينتهي، بذلك، إلى إعدام هذا النموذج في المعارضة، قبل أن يكون إزاحة من المشهد لفرد واحد معارض، أياً كانت مكانته. والمآل الأوّل أشدّ مضاضة، وأبعد عاقبة وأثراً، من المآل الثاني، الأمر الذي لم يكن خيار المملكة؛ وبالتالي أعطى طهران/ المؤسسة المذهبية والأمنية، وأتباعها هنا وهناك، فرصة ثمينة للقفز إلى بُعد واحد في شخصية المواطن النمر: أنه الشيخ الشيعي، أولاً وأخيراً. وأياً كانت الخسائر التي لحقت بصورة ما يُسمّى «تيار الاعتدال» داخل السلطة الإيرانية، جراء حرق السفارة السعودية؛ فإنّ مكاسب ما يُسمى «تيار التشدد»، على الضفة الأخرى من هرم السلطة ذاتها، أعطت أُكلها الأثمن، في تحشيد مذهبي عارم، بلغ بعض سوية الهستيريا الجَمْعية.
وهكذا فإنّ معنى المواطنة، أياً كان ما تبقى منها في ذهنية ابن الشرق الأوسط، هو الخاسر الكبير؛ والشقاق المذهبي، خاصة ذاك الذي يموّه الأجندات السياسية، كسب جولة جديدة، ومزيداً من الزيت يُصبّ على نيران مستعرة أصلاً!

صبحي حديدي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول فؤاد مهاني (المغرب):

    .وتعليقا على عنوان مقالتك القيمة أستادنا الكريم أن نمر النمر هو مواطن كأي مواطن داخل المملكة العربية السعودية ومهما علا قدره هو خاضع للقوانين الجاري بها العمل داخل بلده ولن يشفع له علمه أو مشيخته في تطبيق هذه القوانين.

  2. يقول غادة الشاويش المنفى:

    الاخ فؤاد لا اظن انك فهمتني صوابا ايران تتحمل وزر الدماء في اليمن وسوريا بالدرجة الاولى اما في العراق فتتحمل العربية السعودية مسؤولية حصار العراق ولا اقول ذلك ليستفيد الايرانيون الاكثر شرا وطاءفية ودموية اعني نظام الولي الفقيه من اخطاء العربية السعودية ولكن لان الانصاف واجب وكل المنطقة واغلب شعوبها باتت ترى في ايران خطرا لانها الاكثر تسببا في زرع الفتن لكن هذا لا يعطي المثالية للسعودية التي لها سقطاتها ومن المؤكد ان ايران لا تريد ان يلتف سكان المنطقة حول السعودية لكن ان كان لا بد من احد الشرين فالرياض اهون من طهران واوسع تمثيلا اذا وضعنا الروابط المذهبية التي يشير اليها الاخ علي في الاعتبار ! ما قصدته انه لو كان يوجدظدولة اسلامية حقيقية بين الدولتين لما سفك ابدم بهذه الكثافة كان ليقف اما ردعا او احتراما لدماء المسلمين تقبلا تحيتي كلاكما الاخ فؤاد والاخ علي وقولا معي بغض النظر عن الدولتين اللهم احقن دماء المسلمين وول عليهم خيارهم ولا اظن ان النظامين الايراني والسعودي هم الخير !

  3. يقول فؤاد مهاني (المغرب):

    نعم أحسنت يا أخت غادة.أتفق معك.وليس السعودية فقط التي لها ظلع في حصار العراق بل حتى دول خليجية ساهمت في ذلك سواء في حرب الخليج الأولى أو الثانية.وأخطائنا دائما يتصيدها أعدائنا الأزليين للنيل منا.ولكن لا يجب أخد العصى من الوسط رغم سقطات السعودية المعتدى عليها من النظام الصفوي والنظام العراقي السابق ولكن يبقى النظام الإيراني هو الأشد خطورة حتى من الكيان الإسرائيلي لأن صراعنا مع هذا الأخير هو صراع سياسي بينما صراعنا مع إيران هو صراع عقائدي سرطاني.

  4. يقول أ.د. خالد فهمي - تورونتو - كندا:

    شكراً للاستاذ حديدي على المقال حول النمر,,

    لم يكن النمر معتدلاً كما يدّعي الشيعا وأنما كان سفيهاً متجاوزاً على الصحابة الكرام رضوان الله تعالى عليهم أجمعين…

1 2

إشترك في قائمتنا البريدية