مشكلة السعودية مع أمريكا ومشكلة إيران (وأمريكا) مع الإرهاب؟

حجم الخط
2

ظاهر الحال في الشرق الأوسط غيره في باطنه. ما تقوله وتفعله السعودية مباشرةً غيرُ ما يهمها وتسعى إليه مداورةً. كذلك حال إيران. ما تقوله علناً ليس ما يهمها وتفعله باطناً.
السعودية قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران، رداً على اقتحام سفارتها في طهران. طلبت من بعض حلفائها العرب والمسلمين أن يحذوا حذوها دبلوماسياً. أوعزت إلى بعضهم الآخر بأن يصعّد ضغطه على حلفاء إيران في سوريا واليمن عسكرياً.
إيران ردّت على قطع العلاقات الدبلوماسية بمنع دخول منتجات السعودية أو المستوردة منها.
مددت إجراء منع مواطنيها من أداء مناســــك العمرة في مكة «حتى إشعار آخر».
اتهمت السعودية بأنها قصفت سفارتها في صنعاء، ولوّحت برفع هذا الانتهاك إلى مجلس الأمن الدولي. الطرفان احتربا في السياسة مباشــــرةً، وفي الميدان مداورةً. كل ذلك لأن الطرفين يصوّبان في الواقع على هدف ثالث أكثر مما يصوّبان على بعضهما بعضاً. أجل، كلاهما يصوّب على الولايات المتحدة، في الوقت الحاضر، ولغاية أو غايات خاصة به.
أمريكا، اذن، هي الهدف. السعودية قلقة ومتخوّفة من تداعيات سياستها سلباً عليها وعلى حلفائها عموماً، ومن مفاعيلها إيجاباً على إيران وحلفائها خصوصاً. وليّ وليّ العهد السعودي الامير محمد بن سلمان قالها مواربةً في مقابلةٍ دامت خمس ساعات مع مجلة «ذي ايكونومست». قال إن الرياض قلقة مما تراه ميلاً من الولايات المتحدة للعب دور أقل في الشرق الاوسط، موضحاً أن عليها «أن تدرك أنها البلد الرقم واحد في العالم، وعليها أن تتصرف على هذا الأساس».
أين ترى السعودية دوراً لأمريكا اقل مما تعتقد انه يتوجب عليها أن تلعبه؟
الرياض تعتقد ضمناً أن واشنطن تهاونت مع إيران وأهانت حلفاءها بعقدها الاتفاق النووي معها. ذلك من شأنه أن يريحها اقتصادياً برفع العقوبات عنها والإفراج عن أرصدتها المجمدة في الغرب، كما يريحها سياسياً ويعزز طموحاتها القومية، ويعطيها ضوءاً أخضر لمضاعفة دعم حلفائها مالياً وميدانياً، ولاسيما في سوريا واليمن والعراق. القلق المتزايد من سياسة إدارة أوباما في الشرق الأوسط عموماً والتهاون مع إيران خصوصاً كان قد دفع الرياض إلى التقارب مع تركيا التي تشاطرها سياسة معاداة دمشق، ورغبة مشتركة في إزاحة بشار الأسد من سدة الرئاسة، كما دفعها إلى التدخل العسكري في اليمن، بغية استنزاف إيران بما هي، في رأيها، حليفة خصومها الحوثيين ومن يجاريهم من قوى الداخل المعادية للسعودية. عندما بدا للرياض أن رهاناتها في سوريا واليمن لم تؤتِ ثمارها بالسرعة المرتجاة، وسّعت دائرة ضغوطها على نحوٍ بدا كأنها ستصل مع إيران إلى حافة حربٍ تشمل المنطقة برمتها. فعلت ذلك كله من أجل تعطيل تنفيذ الاتفاق النووي أو، في الاقل، لحمل واشنطن، عشيةَ الانتخابات الرئاسية، على التباطؤ في تنفيذه لحين انتهاء الانتخابات الرئاسية، إفساحاً في المجال أمام الرئيس والإدارة الجديدين لانتهاج سياسة اكثر تشدداً مع طهران في مرحلةٍ لاحقة توخياً لأمرين: الحدّ من طموحات إيران ونفوذها، وتوفير مزيد من الضمانات السياسية والأمنية لحلفاء أمريكا القدامى، وفي مقدمهم السعودية.
غير أن الرياض لاحظت أن ثمة حدوداً لممارسة ضغوطها على أمريكا مداورةً وعلى إيران مباشرةً، فكان أن اكّد لهما وليّ وليّ عهدها، عبر مجلة «ذي إيكونومست « الرصينة، أن الضغوط والتوترات لن تصل إلى حد نشوب حرب»ستكون ايذاناً بكارثة… وان من يدفع في هذا الاتجاه سيكون شخصاً لا يتمتع برجاحة العقل».
في الجانب الآخر من المشهد الإقليمي، نرى إيران تصوّب على السعودية ظاهراً وعلى أمريكا واقعاً. صحيح انها منعت دخول منتوجات السعودية والمستوردة منها إلى أراضيها، غير أن وزير خارجيتها محمد جواد ظريف سارع إلى إبلاغ أمريكا والعالم أن بلاده جادة ومثابرة على تنفيذ الاتفاق النووي، فكان أن ردّ جون كيري بما يفيد إقرار واشنطن بجدية طهران في هذا المجال. فأمريكا وإيران يجمعهما، في الوقت الحاضر، قاسم مشترك بل عدو مستجدّ هو الارهاب،
إذ يتضح أن إدارة أوباما لن تبادر خلال «الوقت الضائع» – أي في الفترة التي تفصلها عن الانتخابات الرئاسية – إلى تجاوز الاتفاق النووي أو الإخلال به لئلا يودي بالتفاهم المستجدّ مع إيران، فإن السعودية لن ترضخ، على ما يبدو، إلى الأمر الواقع، فماذا يمكن أن تفعل؟
من الممكن جداً، في ضوء ما يجري ميدانياً في سوريا واليمن، أن تعمد السعودية، بالتعاون مع تركيا وغيرها من خصوم إيران في المنطقة، إلى مضاعفة الدعم المالي والعسكري للحلفاء السلفيين الناشطين في الساحتين السورية واليمنية، بغية إبقاء ميادين القتال في حالٍ متفجرة ومعقدة، لحين مباشرة الرئيس الامريكي الجديد عمله، الامر الذي يعزز، في ظنهما، مركزهما التفاوضي إقليمياً بصورة عامة وإزاء إيران وحلفائها بصورة خاصة.
في حال اعتماد هذه السياسة، فإن مؤداها المؤكَّد سيكون استمرار الحرب وويلاتها وتداعياتها على سوريا واليمن من جهة، وجعل التنظيمات الإرهابية وحدها الرابحة من تمديد أمد الحرب من جهةٍ اخرى. لكن، ماذا لو تمكّن حلفاء إيران في سوريا واليمن من دحر التنظيمات الإرهابية وحلفائها المحليين؟ هل يبقى لتمديد أمد الحرب وسياسة الضغط على أمريكا من جدوى في تعزيز المركز التفاوضي للسعودية ولخصوم إيران في المنطقة؟ ثم، من سيدفع ثمن الحرب الفاشلة غير الشعوب البائسة؟
أيها القادرون المقتدرون، كباراً وصغاراً، وقفوا الحرب.

٭ كاتب لبناني

د. عصام نعمان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول hussain:

    ahsant
    the best article ever seen in alqudos

  2. يقول محمد المليص:

    الكاتب يريد تخويف الثورة السوري وداعميها بترويجه من أن دعم الثورة سيؤدي إلى دعم الإرهاب وأنه ممكن لإيران وليشياتها من أن تهزم الثورة وباتالي تخسر السعودية. يتناسى الكاتب أن روسيا احتلت سوريا عندما شعرت أن النظام كاد أن يهوى رغم الدعم الإيراني ومليشياتها المتعددة الجنسيات. نرجو من الكاتب عدم الإنحياز

إشترك في قائمتنا البريدية