التنظيمات الجهادية… تمرض ولا تموت!

حجم الخط
2

في أفغانستان قتل بن لادن بعد اسقاط حكم طالبان قبل أكثر من عقد، وفي العراق قتل الزرقاوي ثم المهاجر والبغدادي والعشرات من قادة تنظيم الدولة الإسلامية، وكذلك الأمر في سوريا والسعودية واليمن، ومع ذلك فان هذه التنظيمات التي تمكنت من السيطرة على مناطق واسعة في أفغانستان والعراق وسوريا تمتلك قدرة ملفتة على البقاء، الكمون في فترات حرجة حيناً والتمدد حينا آخر.
وبنظرة سريعة نجد ان طروحاتها وأفكارها هي التي تبقى ومن ثم تعيد الحياة بدماء جديدة لهيكلها التنظيمي، فمعظم أبناء الجيل الأول والثاني من القاعدة في أفغانستان ومن تنظيم الدولة في العراق، منذ 12 عاما، قتلوا أو اعتقلوا، ومعهم الآلاف من عناصر هذا التنظيم على مدى تلك السنوات، ومع ذلك تجد ان قيادات جديدة تخرج وآلاف العناصر ينتمون من حواضن تؤمن لهم الحماية في فترات كمون مؤقتة، مع دوام أسباب النزاعات الأولى التي نمت في تربتها هذه التنظيمات، فالصراع هو اكسير الحياة لها والاستقرار مثبط.
مناطق البشتون في أفغانستان، ومدن السنة في العراق وسوريا، ما زالت تعيش أزمة حقيقية ونزاعا داميا مع محيطها الطائفي والعرقي المعادي، وما دام هذا النزاع مستمرا، فان الجهاديين سيبقون مؤثرين بل الطرف الأكثر ثأثيرا ونفوذا في مجتمعاتهم.
في النزاع مع الجيش السوفييتي في أفغانستان، وفي مقاومة الاحتلال الأمريكي في العراق، ومن ثم في قتال النظام السوري في سوريا، كانت فصائل الجهاديين المسلحة هي الأبرز والأكثر تأثيرا، وهذا أعطاها مكانة الصدارة في مجتمعاتها، فكلما كنت قادرا على تلبية حاجات مجتمعك والتصدي للخصوم في حالة الحرب كلما بدأ الناس ينجذبون لما تحمله من أفكار .. وكلما أقتربت الحركات من هموم الطبقات الشعبية وقضاياها الملحة كلما فرضت نفسها كرقم أساسي، خصوصا ان هناك تلاقيا بين المزاج العام والمطالب الأساسية لهذه المجتمعات وبين ما تطرحه هذه الحركات، فالعداء للغرب والولايات المتحدة الذين يدعمون إسرائيل والأنظمة المستبدة هو أحد المشتركات، كما هو الحال مع العداء للأنظمة المستبدة، والعداء كذلك للقوى والأنظمة ذات التكوين الطائفي.
الكثير من الحركات الإسلامية المسلحة تحمل الخطاب الجهادي نفسه، وتتبنى قضايا المجتمعات الإسلامية، لكن الفرق ان الجهاديين الاصوليين يتميزون بمرجعية ذاتية مستقلة تستند لمفاهيم عقائدية صلبة تجعل تطويعهم من قبل قوى الأمر الواقع ( الأنظمة والقوى الدولية) أمرا صعبا.
وهذا هو ما يجعل تلك الجماعات تفترق عن الجهادية الاصولية في نهاية الطريق بعد ان ينطلقا سوية في البداية.
وهذا أحد الأسباب التي تجعل حركات إسلامية جهادية تختلف بل تقتتل مع الحركات الجهادية الاصولية، كما حصل مع الجيش الإسلامي وكتائب العشرين في العراق، وجيش الإسلام وأحرار الشام في سوريا، الذين افترقوا عن مسار تنظيمي الدولة والنصرة في سوريا والعراق..
لذلك فان من أسباب بقاء واستمرارية التنظيمات الجهادية الاصولية انها ترفض الذوبان في التسويات، فهي عصية على التدجين والانخراط في منظومات هجينة، لان هذه التسويات ما تلبث وان يتكشف انها ليست سوى صيغة استسلام، فيرفضها المجتمع ويعود للتمرد من جديد ولا يجد حينها سوى الحركات التي لم تنخرط في هذه التسويات، كما يحدث مع جماعات إسلامية مجاهدة ظلت تدور في فلك الأنظمة حتى أصبحت جزءا منها، وهذه الخطوة الأولى نحو التسوية النهائية مع أعداء هذه الفصائل السابقين، كما حدث مع الفصائل الإسلامية المقربة من الحزب الإسلامي الإخواني في العراق، وكما سيحدث قريبا مع الفصائل الإسلامية المعارضة التي قبلت مبدئيا التسوية مع النظام السوري.
ثم ان من المفيد ملاحظة ان التنظيمات ليست نفسها من تتوسع، بل ان المجتمعات المحلية التي تعيش ظروف النزاع نفسها قادرة على إنتاج تنظيمات تصبح بمثابة فروع تعلن تأييدها لرموز وأفكار التنظيمات الجهادية فتتحول إلى ذراع جديدة للتنظيم الأصلي، خصوصا بعد فترة من التجربة مع الفصائل والتيارات الإسلامية الأخرى، ويمتد التنظيم بها من خلال أفكاره وليس نتاجا لتطور رأسي من بنيته التنظيمية الأصلية، ورغم ان انتشار الفكرة يبدأ من فوق إلا انه يتكاثر هيكليا وتنظيميا من تحت لفوق وليس العكس، وهذا ما رأيناه يحصل بشكل حثيث في سوريا وليبيا، حيث انضمت مجموعات من الثوار والفصائل المقاتلة إلى تنظيم الدولة والنصرة والقاعدة بعد مخاض، ما أوصلها إلى الارتباط بالقيادة المركزية لهذه التنظيمات.
انها كفروع الأنهار الصغيرة التي تصب وتشكل في النهاية النهر الكبير، وليس العكس، وكلما جف فرع ظهر آخر!

٭ كاتب فلسطيني من أسرة «القدس العربي»

وائل عصام

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    الدافع لإستمرار داعش هو بإستمرار الظلم على السنة فقط لا غير
    فحال السنة الآن هو مجبر أخاك لا بطل – والإحتماء بالأقوى
    و داعش لا تقتل السنة كسنة إنما المعارضين منهم فقط
    أما الميليشيات الشيعية فهي تقتل السنة لأنهم سنة
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول Slam Adel:

    ان استمرار هذه التنظيمات هو بسبب ضعف الانظمة اولا وكذلك فان السبب الاساسي هو الحواظن من المناطق التي ينتمون اليها والمجتمع بصورة عامة يعانون من التخلف الفكري والحضاري ولهذا يعتبرون اي حركة دينية هي صادقة وستوفر لهم ما يتمنونه وكذلك الطائفية البغيظة مع العشائرية والمناطقية التي تتسم بها مجتمعاتنا

إشترك في قائمتنا البريدية