«هيومن رايتس ووتش» تطالب الشركات بإنهاء أنشطتها في المستوطنات

حجم الخط
0

رام الله – «القدس العربي»: طالبت «منظمة هيومن رايتس ووتش» الأمريكية في تقرير لها، الشركات بالكف عن العمل في المستوطنات الإسرائيلية وعن تمويلها وخدمتها والتجارة معها من أجل الالتزام بما عليها من مسؤوليات في مجال حقوق الإنسان. وقالت إن هذه الأنشطة تسهم في نظام غير قانوني ومسيئ من حيث التعريف ينتهك حقوق الفلسطينيين.
وفي تقرير بعنوان «تجارة الاحتلال: كيف تسهم الأعمال التجارية في المستوطنات في انتهاك إسرائيل لحقوق الفلسطينيين» توثق المنظمة كيف تسهل الشركات الناشطة في المستوطنات من تطويرها وتنمية الأعمال فيها. فهذه الشركات تعتمد على وتسهم في مصادرة السلطات الإسرائيلية غير القانونية للأراضي والموارد الفلسطينية. كما تستفيد من هذه الانتهاكات ومن سياسات إسرائيل التمييزية التي تقدم امتيازات للمستوطنات على حساب الفلسطينيين مثل إتاحة الأراضي والمياه والمساعدات الحكومية وتصاريح استصلاح الأراضي.
وقال أرفيند غانيسان مدير قسم الأعمال التجارية وحقوق الإنسان في «هيومن رايتس ووتش»» : تسهم شركات المستوطنات لا محالة في السياسات الإسرائيلية التي تستلب الفلسطينيين وتميّز ضدهم بشكل غاشم مع الاستفادة من نهب إسرائيل للأراضي والموارد الفلسطينية الأخرى. السبيل الوحيد لتحترم الشركات ما عليها من التزامات حقوقية هو أن تكف عن العمل في المستوطنات الإسرائيلية ومعها.»
ويعيش أكثر من نصف مليون مستوطن في 237 مستوطنة على امتداد مناطق الضفة الغربية المحتلة وتشمل القدس الشرقية. ويسرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من هذه العملية لكنها لعبت أيضا دورا مهما في إنشاء وتوسيع المستوطنات وتمكينها من الاستمرار. وبموجب «مبادئ الأمم المتحدة التوجيهية للأعمال التجارية وحقوق الإنسان» فإن على الشركات احترام حقوق الإنسان والتعرف على أي أثر حقوقي سلبي محتمل لأعمالها وتخفيفه. لكن بسبب طبيعة المستوطنات – وهي غير قانونية من الأساس بحسب «اتفاقيات جنيف» – لا يمكن للشركات من تخفيف إسهامها في انتهاكات إسرائيل طالما هي تعمل في المستوطنات أو تتعاون في أنشطة تجارية متصلة بالاستيطان على حد قول هيومن رايتس ووتش.
وتنخرط الشركات في جملة من الأنشطة الداعمة للمستوطنات، فبعض شركات المستوطنات مشاركة في إدارة الاحتياجات العملية للمستوطنات. وحققت «هيومن رايتس ووتش» في مصرف إسرائيلي يموّل الإنشاءات والبناء بالمستوطنات وفي شركة عقارية عالمية كبرى لها فرع في المستوطنات وتسوّق شركاتها التابعة الإسرائيلية عقارات في المستوطنات، وكذلك في شركة إدارة نفايات تجمع قمامة المستوطنات وتعالجها في مدفن قمامة في غور الأردن وهي تخدم حصرا المستوطنات وإسرائيل.
وتقع شركات أخرى في المستوطنات أو مناطق صناعية بالمستوطنات وهي تنجذب إليها عادة بسبب اليد العاملة الفلسطينية الرخيصة أو الإيجارات المتواضعة أو الضرائب الزهيدة. وحققت هيومن رايتس ووتش في مصنع نسيج في منطقة صناعية في مستوطنة يوفر الأقمشة لشركة كبرى. وانتقل المصنع إلى إسرائيل في أكتوبر/ تشرين الأول 2015. وتستضيف نحو 20 منطقة صناعية في المستوطنات حوالى 1000 مصنع ويشرف المستوطنون على زراعة نحو 9300 هكتار من الأراضي الفلسطينية. ويُصدّر المنتجون الصناعيون والزراعيون أغلب هذه السلع وتكون موسومة عادة بالخطأ أنها صُنعت في إسرائيل.
واعتبرت المنطمة أن النوعين المذكورين من الأنشطة التجارية في المستوطنات يسهلان من انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي الإنساني. وتحظر «اتفاقية جنيف الرابعة» على قوة الاحتلال نقل مدنييها إلى أراضٍ تحتلها و»نظام روما» المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية ينص على أن هذا النقل سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، يعد جريمة حرب.
وقالت «هيومن رايتس ووتش» إن على الدول الأخرى ضمان أن أي واردات تصلها من سلع المستوطنات تكون متسقة مع واجبها بمقتضى القانون الدولي الإنساني بعدم الاعتراف بسيادة إسرائيل على الأراضي الفلسطينية المُحتلة. ويشمل هذا حظر السلع الموسومة بأنها صنعت في إسرائيل واستبعاد منتجات المناطق المحتلة من المعاملة الجمركية التفضيلية المقدمة للمنتجات الإسرائيلية مع الامتناع عن الاعتراف بأي شهادات – مثل شهادات المنتجات العضوية – لسلع استيطانية، تمنحها الحكومة الإسرائيلية.
كما تستفيد شركات المستوطنات من مصادرة الجيش الإسرائيلي لرقع كبيرة من الأرض في الضفة الغربية وتسهم فيها، وهي أراض يحوّلها الجيش إلى مستوطنات. وفي هذا كما تقول هيومن رايتس ووتش، خرق للقانون الدولي الإنساني الذي يحظر على أي سلطة احتلال استخدام موارد أراض تحتلها لمصالحها الخاصة. بعض الأرض مملوكة لأفراد فلسطينيين ما يعني انتهاك حظرا آخر في القانون الدولي الإنساني ويفرض الجيش الإسرائيلي قيودا مشددة على وصول العديد من ملاك الأراضي الفلسطينيين إلى مزارعهم المجاورة لمستوطنات.
وقال غانيسان: «على الشركات أن تأخذ في الحسبان حقيقة أنها تستخدم أراضي ومياه ومعادن وموارد فلسطينية في عملياتها في المستوطنات، وكيف أن هذه العمليات غير قانونية ويدفع الفلسطينيون مقابلها ثمنا باهظا .» وأضاف: «لكن هذا التوجه في انحسار مع بدء المزيد من الشركات في فهم أنه من الخطأ التربح من مستوطنات غير قانونية من حيث التعريف».
وخلصت هيومن رايتس ووتش إلى أن تحويل الجيش الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية إلى مستوطنات غير قانوني والقيود المتصلة بالمستوطنات هي عناصر من نظام أعم وأعرض للتمييز تستفيد منه شركات المستوطنات فيما تُدمر الاقتصاد الفلسطيني. ووثقت هيومن رايتس ووتش نظام الاستيطان التمييزي إلى حد بعيد، وكيف يضر كثيرا بالفلسطينيين ويهجرهم قسريا عن أراضيهم في تقرير صدر عام 2010 بعنوان «انفصال وانعدام للمساواة».
وتمنع إسرائيل بشكل شبه تام الفلسطينيين من البناء أو استخراج المعادن من المنطقة «ج» وهي المنطقة التي تديرها حصرا بالضفة الغربية. بين 2000 و2012 رفضت الإدارة العسكرية الإسرائيلية 94 بالمئة من طلبات تصاريح البناء الفلسطينية. وفي عام 2014 أصدرت تصريحا واحدا فقط. حققت هيومن رايتس ووتش في شأن مقلع حجارة من 11 مقلعا بإدارة إسرائيلية في تلك المنطقة تملكه شركة أوروبية. لم توافق إسرائيل على إصدار تراخيص مقلع جديد لشركة فلسطينية واحدة منذ عام 1994 بحسب «الاتحاد الفلسطيني للحجر والرخام» وهو هيئة مستقلة تمثل أكثر من 500 شركة فلسطينية.
قال غانيسان مدير قسم الأعمال التجارية في المنظمة: «كل دولار تربحه شركات المستوطنات من استخراج الأحجار وبيعها من الضفة الغربية هو دولار مأخوذ من الفلسطينيين». وتابع: «الخلاصة أنه يجب ألا تعمل أية شركات في المستوطنات وتتربح من أراضٍ وموارد مأخوذة دون وجه حق من الشعب الفلسطيني». وقدر «البنك الدولي» في 2013 أن القيود الإسرائيلية على المنطقة «ج» تكلف الاقتصاد الفلسطيني 3.4 مليار دولار سنويا أي نحو 33 بالمئة من إجمالي الناتج المحلي الفلسطيني. وتسهم شركات المستوطنات في هذه السياسات غير القانونية والتمييزية وتستفيد منها وهي السياسات التي تخلف العديد من الفلسطينيين دون بدائل سوى العمل في إسرائيل أو المستوطنات.
ويقدم هذا النظام للعمال الفلسطينيين في مستوطنات إسرائيلية تدابير حماية قليلة جدا. وقال مسؤولون حكوميون إسرائيليون إنهم لا يشرفون على ظروف عمل العمال الفلسطينيين في المستوطنات بسبب الوضع القانوني الملتبس للعمال بموجب القوانين الإسرائيلية ما يجعل الفلسطينيين عرضة للإساءات. وقال غانيسان: «تساعد شركات المستوطنات في تعميق أثر السياسات الإسرائيلية التمييزية التي تفضل المستوطنين على الفلسطينيين في المنطقة «ج» رغم أن وجود المستوطنين هناك غير قانوني من الأساس».الشركات التي تزعم أنها تساعد الفلسطينيين بتوفير فرص عمل بأجور زهيدة للفلسطينيين المُحاصرين دون تدابير حماية لحقوق العمال هي كأنها ترش الملح على الجرح.

فادي أبو سعدى

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية