لماذا تعتبر «دابق» مجلة تنظيم «الدولة» مهمة؟ ولماذا لا تستطيع أمريكا مواجهتها؟

حجم الخط
0

لندن- «القدس العربي»: في 12 كانون الثاني/يناير الحالي نشر موقع «دايلي بيست» مقالاً أعده الخبيران في الإرهاب ويليام ماكانتس وكلينت واتس تساءلا فيه عن السبب الذي يمنع الولايات المتحدة من إصدار مجلة تشبه «دابق» التي تعتبر الناطق باسم تنظيم «الدولة ـ داعش» باللغة الإنكليزية.
والداعي للتساؤل هو الدور الذي تلعبه هذه المجلة في دعاية التنظيم، فهي ليست مصممة فقط بشكل متقن وليس لأن محتوياتها تعبر عن وجهة التنظيم وأخباره وتؤكد في كل مرة مقتل أو عملية قامت بها كما في العدد قبل الأخير حيث أكدت تنفيذها لتفجير الطائرة الروسية فوق صحراء سيناء بل ولأن الخبراء والساسة ورجال الأمن والإستخبارات يحللون ما فيها من معلومات.
وأضاف الكاتبان أن «دابق» تظل من أهم المنشورات الإعلامية لداعش، فهي لا تقرأ من قبل نخبة قليلة من القراء، أي من المتعاطفين مع التنظيم بل ومن عدد كبير ويتوزعون حول العالم «وهؤلاء يشعرون بالبهجة بالأخبار التي تحملها المجلة وعن التقدم الذي يحققه الجهاديون في ساحات المعارك وتثير حماسهم قصص المقاتلين الذين يرغبون بتقليد نموذجهم ويحاولون البحث عن دور يؤدونه في الدراما الدينية المقدسة، التي تتكشف أمام ناظريهم». وهناك نوع آخر من القراء وهم المحللون والصحافيون الذين يقرأون بذات الكثافة التي يقرأها عشاق المجلة.
وعادة ما تنقل محتويات الأعداد الجديدة من المجلة على مواقع مراكز الإبحاث. ويرى الكاتبان أن الإهتمام بها ليس غريباً لأنها تقدم أخباراً عن نشاطات وأهداف التنظيم وتعد صورة عن حاله وتحتوي على قصص عن الأشخاص المرتبطين بنشاطاته. وكذلك تعلن عن التطورات الكبيرة التي اتخذها قادته وتقدم معلومات ثرية لا يستغني عنها الباحث كل شهرين.
وتعترف الولايات المتحدة بالدور الماهر للتنظيم على مواقع الإنترنت. ووصف الرئيس باراك أوباما المجموعة بأنهم «حفنة من القتلة الأذكياء الماهرين في استخدام وسائل التواصل الإجتماعي». وذلك بعد هجمات باريس في العام الماضي.

ما هو السبب؟

وإزاء هذا الإعتراف يتساءل الكاتبان عن السبب الذي يمنع أمريكا من إصدار مطبوعة تنافس مطبوعة تنظيم الدولة وتقدم معلومات ضده «مطبوعة تحتوي معلومات مهمة وتقرأ بشكل موسع» ويتساءلان «هل هناك مطبوعة أمريكية تقدم لنا صورة عن المعارك التي يعلن عنها ومن يقوم بالقتال فيها ميدانياً؟ وما هو التقدم الذي حققه التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة»، ولماذا يهمنا هذا كله؟ ولماذا لا نكون قادرين على إصدار شيء كهذا؟».
ويعترف الكاتبان أن العقبة أمام مشروع إبداعي على مستوى «دابق» هي غياب الخيال الأمريكي والبيروقراطية والخوف من نشر معلومات عن الجنود والمؤسسة العسكرية. فالحكومة الأمريكية تصدر أصواتاً مزعجة ومشاريع على «باور بوينت» فقط. فالفرق بين دابق والحكومة الأمريكية أن الاولى شاملة وتحتوي على قصص الجهاديين والعمليات التي يقوم بها التنظيم أو تلك التي يدعيها حول العالم من محاولاته للسيطرة على قواعد عسكرية إلى ملاحقة أجانب في بنغلاديش وهو ما يؤكد تمدد أصابعه كالأخطبوط.
فالتنظيم ينشر أخباره على العلن لكن أخبار العمليات الأمريكية عادة ما توزع داخل مؤسسات الإدارة وعندما يتسرب منها شيء للإعلام يثير مشاكسات وخلافات بين وزارتي الخارجية والدفاع.
وتضيع الحقيقة في زحمة افتراضات حول علاقة المنشور وتأثيره على استراتيجية الرئيس ضد داعش وعلاقته بعمليات الجيش العراقي وهل يحتوي التقرير على معلومات تفيد العدو. وما يميز تقارير مجلة «دابق» أنها تحتوي على قصص ومقابلات مع جهاديين أجريت قبل مقتلهم وهو ما لا يمكن للولايات المتحدة عمله حفاظاً على صورة الجنود وعدم تعريض حياتهم للخطر.
ولهذا «فبدون قصص شخصية لم يبق لدينا سوى طائرات زنانة في السماء وضجيج الضباط الذين يتحركون في أروقة البنتاغون حيث يتم تقليص الخسارة الإنسانية الفادحة لمجرد أرقام تظهر على شرائح مصورة، وهو ما يعني أن الأمريكيين لن يعرفوا الثمن الحقيقي للحرب، ولن يعرف الحلفاء أيضا عن التضحيات التي تقدمها أمريكا في هذه الحرب».

حدث إعلامي

لكل هذا يبدو ظهور عدد جديد من دورية داعش كل شهرين حدثاً إعلامياً مهماً والعدد الأخير ليس استثناء. ففي «دابق13» كان المحور الرئيسي للعدد هو «الرافضة: من إبن سبأ إلى الدجال».
ولعل ما لفت انتباه الإعلام هو تأكيد مقتل المتحدث الملثم باسم التنظيم في أشرطة ذبح الرهائن المعروف بجون الجهادي أو محمد إموازي الكويتي المولد والذي نشأ ودرس في بريطانيا قبل انتقاله إلى سوريا والقتال في صفوف التنظيم. وكان إموازي قد قتل بغارة جوية في سوريا العام الماضي وقال مسؤولون أمريكيون في شهر تشرين الثاني/نوفمبر إنهم متأكدون بشكل قاطع من مقتل «جلاد التنظيم» ونشر التنظيم في العدد الأخير تأبيناً له.
وفي الصورة الشخصية له أكد كاتبها على أهمية الشهادة خاصة في معركة دابق قبل ظهور الدجال. «من المؤمنين رجال صدقوا» كان عنوان التأبين حيث ذكر أن اسمه أبو محارب المهاجر «وهو المعروف حول العالم بجون الجهادي.
ولد في شمال شرق الجزيرة العربية، أما والدته فتعود بأصولها لليمن. وسافر وهو صغير إلى لندن حيث نشأ مع سكانها «الكفار» والذين تختلف عاداتهم وتقاليدهم عن العادات الحميدة التي تعود عليها».
وأشارت المجلة إلى علاقة إموازي في بداياته الجهادية مع بلال البرجاوي ومحمد صقر اللذين قتلا لاحقاً في الصومال.
وتحدث التقرير عن محاولات إموازي الخروج من بريطانيا حيث منعته المخابرات «أم آي فايف» من ركوب الطائرة عندما كان يريد السفر إلى الكويت.
وقال له أحد المحققين «لن تذهب إلى أي مكان فسنلاحقك مثل ظلك». ولكنه نجح مع زملاء له بالخروج ووصل إلى سوريا نهاية عام 2012 حيث انضم إلى تنظيم الدولة الذي كان يعمل في ظل جبهة النصرة «قبل خيانة الجولاني».
وكان إموازي أول من انشق عن الجولاني واكتشف خيانته حيث قال توقع أنه «سيكون شريف آخر» في إشارة لزعيم المحاكم الشرعية الصومالية شيخ شريف أحمد «الذي مارس الردة عندما انضم لبرلمان الشرك وتعاون مع الولايات المتحدة والدول الأفريقية الصليبة في الحرب ضد الإسلام والمسلمين».
وذكر تقرير المجلة أن إموازي كان طموحاً ومتحمساً وأجهد نفسه بالعمل وهو ما جعله يحظى باحترام من حوله.
وشارك في الهجوم على قاعدة تفتناز الجوية في إدلب والفرقة 17 في الرقة. وقاتل ضمن من تسميهم المجلة «صحوات الشام» أي جماعات المعارضة السورية وجرح في ظهره. «وبرزت قسوته ضد الكفار من خلال أفعاله التي أغضبت الشعوب الكافرة والأديان والجماعات. وكل العالم شاهد على هذا». وعن طيبته ولطفه يقول التقرير إنه تبرع بسبية تلقاها كهدية لأخ جريج غير متزود. ومن الأمثلة التي تشهد غيرته على الإسلام هي مناقشته للمدخلي «السلفي المؤيد للحكومة السعودية» في مسجد ببلاد الكفر. ويزعم التقرير أن المدخلي علق على أن الفلسطينات يستأهلن الطريقة التي يعاملهن بها الجنود اليهود. فكان رد إموازي غاضباً وحاول ضرب المدخلي. ومن الأمور الأخرى رعايته لابن البرجاوي الذي تيتم بمقتل والده حيث كان يأخذه للجامع وللمتنزهات وحديقة الحيوان. ويؤكد التنظيم أن أبو محارب/إموازي قتل في 29 محرم 1437 الموافق 12 تشرين الأول (نوفمبر) 2015 بغارة لطائرة بدون طيار على سيارة كان يستقلها في الرقة.

عملية «سان برناندينو»

وخصصت المجلة افتتاحيتها لعملية سان برناندينو حيث قالت إن هناك من يهاجر من الجهاديين إلى «الدولة الإسلامية» ولكن هناك من اختار ترويع «الصليبيين» بعقر دارهم «فمع زيادة الحملة الصليبية التي يقودها الأمريكيون على الخلافة تظهر أعداداً من المسلمين استعدادها للتضحية بالنفيس والغالي للقيام بواجبهم أمام الله.
وفي الوقت الذي يقوم فيه الكثيرون بعمل هذا من خلال الهجرة إلى الدولة الإسلامية اختار آخرون ترويع الصليبيين في عقر دارهم، وكان هذا هو حال سيد رضوان فاروق وزوجته تاشفين مالك في 20 صفر اللذين قاما بهجوم على الكفار في سان بيرناندينو بكاليفورنيا ونجحا بقتل 14 شخصا وجرح 22 آخرين».
وذكرت المجلة ان تاشفين أكدت بيعتها لأميرالمؤمنين أبو بكر البغدادي في بيان على الإنترنت. واعتبرهما التنظيم شهداء «ولا نزكي على الله أحداً» و «عليه تدعو الخلافة كل المسلمين لضرب الصليبيين في أراضيهم. ولكن في هذه المناسبة كان الهجوم استثنائياً. فلم يرض المجاهد لنفسه المضي وحيداً للشهادة بل أخذ معه زوجته حيث ساعدا بعضهما البعض في طريق التقوى».
وقدمت المجلة تفسيراً دينياً لعدم تعلقهما بالدنيا ولا خوفهما على أبنائهما لأن الله هو الذي يتولى من سيتركان وراءهما. وتأمل التنظيم أن يوقظ مثال فاروق ومالك مسلمين آخرين في أستراليا وأوروبا وأمريكا.

دعوة لقتل أئمة الكفر

وعن تنفيذ أحكام الإعدام بمجموعة من عناصر القاعدة في السعودية بداية الشهر الحالي دعا التنظيم لاستهداف ليس فقط العائلة الحاكمة ولكن «فقهاء» السلطان. وقال التنظيم إن من الشخصيات البارزة التي تم إعدامها كان أبو جندل الأزدي (فارس الشويل الزهراني) وحمد الحمدي وعبد العزيزز الطويلعي.
وقالت المجلة إن العائلة السعودية ارتكبت أكثر مما ارتكبه رافضو إلإسلام. ويرى التنظيم أن الكثير من الناس جاهلون بما يقوم به «فقهاء القصر» و»هؤلاء وبدون شك مرتدون، وردتهم اعظم من ردة الآخرين خاصة أنهم درسوا النصوص التي تظهر ارتكاسهم نحو الكفر. فقد حاولوا تبرير ردة أسيادهم بالخداع. وزينوا كلامهم باقتباس غير صحيح للآيات والأحاديث وآثار السلف. ونصحوا الشباب لرفض المعنى الصحيح للجهاد واستبداله بالعزة القومية».
وقالت المجلة إن علماء القصر من المفتي عبد العزيز الشيخ إلى أصغر شيخ نشروا دعاية الطاغوت من على منابر «المملكة» وأصبحوا في الطليعة لثني الشباب عن الجهاد. وفعلوا كل هذا بالتخفي وراء زعم «السنة» وإتباع تعاليم ابن حنبل ومنهج السلف ومحمد بن عبدالوهاب. واتهم التنظيم علماء مثل سعد الشتري وعبدالله المطلق الذين أيدوا أحكام الإعدام وسلمان العودة وعبدالله الشيخ وعايض القرني وسلمان النشوان وسليمان الماجد ومحمد السعيدي وسعيد بن المسفر القحطاني ويوسف المهاوس وغيرهم بقبول تبرير الحكومة قتل «المجاهدين». بل وخرج ايمن الظواهري في واحدة من إطلالاته ناصحاً علماء الجزيرة بالوقوف ضد الحكومة و»لم يذكر علماء السوء الذين يدعمونهم» أي الحكومة. وتساءلت المجلة «متى سيستيقظ مسلمو الجزيرة العربية ويتحركون ضد علماء القصر؟ فهؤلاء حنثوا بوعدهم مع الله والمسلمين.
وتقول «كان سفك دماء علماء القصر واجبا قبل عام نظراً لردتهم طوال الأعوام ودفاعهم ومساعدتهم للطاغوت. وأصبح الدافع اليوم لقتلهم أعظم».

إعرف عدوك

وضمن حربه ضد إيران الشيعية خصص العدد ملفاً لتاريخ الدولة الصفوية حيث قال إن الصفويين لم يكونوا يوما مسلمين إلا بالإسم وأنهم تعاونوا مع الصليبيين.
ولم يكتف العدد بالحديث عن الصفويين بل وخصص محوراً آخر لظهور التشيع وربطه بشخصية عبدالله إبن سبأ. وعن حكم الدين فيهم قدمت المجلة رأي أبو مصعب الزرقاوي الذي لخص آراء السلف فيهم. وبعد ذلك قدم نظرة أخرى حول معالم تفكيرهم من مثل تكفير الصحابة وشتم عائشة وموقفهم من الأئمة ويربط المقال بين فكرة المهدي عند الشيعة وظهور الدجال حيث يرى أنهما متشابهان.
وشمل العدد مقالاً كتبه نائب مدير الاستخبارات الأمريكية السابق مايكل موريل حول التعامل مع تنظيم الدولة وخطره على أمريكا. ومقابلة مع من قالت إنه والي ولاية خراسان شيخ حافظ سعيد خان. وتحدث في المقابلة عن أهمية خراسان للمسلمين والتاريخ الإسلامي وعن حركة طالبان التي توصف بالقومية ووجودها في «الولاية».
واتهم «الوالي» زعيم طالبان اختر منصور بالعلاقة مع المخابرات الباكستانية. وبدا التعاون من تعزية منصور في وفاة حامد غول، مدير المخابرات السابق الذي يصفه الوالي بـ «المرتد». واتهم خان حركة طالبان بالمبادرة في القتال مع تنظيم الدولة في أفغانستان. واتهم خان أيضا حركة طالبان بالتجارة بالمخدرات والسماح للمزارعين بزرع الخشخاش وهو ما منعته «ولاية خراسان.
وقال خان إن الإعلان عن وفاة ملا محمد عمر زعيم طالبان في العام الماضي أدى لانقسام داخل طالبان. واعترف خان بوجود «الرافضة» في الولاية لكنهم يعيشون في مناطق بعيدة عن سيطرة التنظيم. ومع ذلك هناك حرب مستمرة ضدهم.

بانوراما

وضمن تغطيته لعمليات التنظيم قدمت المجلة بانوراما عن العمليات بدءا من بنغلاديش واغتيال رجل إيطالي فيها وانتهاء بعمليات ولاية حلب ودمشق والرقة. وذكر التنظيم عملية جاكرتا التي قدم فيها أرقاماً جديدة عن القتلى 15 قتيلاً وكذلك إغتيال محافظ عدن جعفر محمد سعد، وتحدث عن عمليات في القوقاز ومصر حيث تم استهداف مسؤولي أمن في الجيزة قرب القاهرة.
وأشار لعملية استهداف حافلة الحرس الرئاسي التونسي والتي نفذها أبو عبدالله التونسي وعملية نفذها أبو سليمان الأنصاري من ولاية غرب أفريقيا في مدينة كانو بنيجيريا.
واحتوى العدد على عدد كبير من الصور لقتلى التظيم وصورة جامعة لمنفذي هجمات باريس «إرهاب فقط: لتكن باريس درساً للدول التي تريد ان تتعلم». وكتب تحت كل صورة كنية المقاتل «أبو عمر البلجيكي وأبو محمد البلجيكي وأبو فؤاد الفرنسي وأبو ريان الفرنسي وعلي العراقي وذو القرنين الفرنسي وأبو مجاهد البلجيكي…».

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية