لا خيار لدى الثوار سوى المضي قدما

حجم الخط
0

هناك حل سياسي يلوح في الأفق، وكل الدول من الحجم الكبير والمتوسط، راحت تتداعى من أجل إنضاج هذا الحل، ما الذي تغير؟ في الحقيقة، ما هو واضح قبل أي شيء آخر، هو أن كل الممارسات القمعية والإجرامية التي ارتكبتها قوات الأسد بحق الشعب السوري، لم تؤد إلى كسر ثورة هذا الشعب، وذلك بعد مرور أكثر من عامين على انطلاق الثورة، وبعد أن قدم الشعب الثائر مئات الألوف من الضحايا. وثانياً، بات من الصعب اليوم تجاهل الانتصارات التي راحت تحققها قوى الثورة على الأرض، إذ أكثر من ثلثي الأراضي السورية بات تحت سيطرة الثوار، فإذا ما أخذنا العاصمة دمشق على سبيل المثال، سنلاحظ أن القوس الممتد من حي جوبر الدمشقي وحتى المليحة البوابة الثانية للغوطة الشرقية، ومن مدينة دوما وحتى لعتيبة، جميعها تقع تحت سيطرة الثوار بالكامل، ومن بلدات يلدا وببيلا في الجنوب مروراً بالمخيمات الفلسطينية والحجر الأسود وحيي القدم والعسالي، وحتى داريا، أيضا جميع هذه المساحة وحتى حدود الميدان تقع جميعها تحت سيطرة الثوار، وهذا الكلام ينطبق أيضاً على أجزاء واسعة من الغوطة الغربية كالزبداني ومضايا، ووادي بردى، بينما منطقة القلمون، باستثناء مدينة دير عطية، جميع البلدات تحت سيطرة الثوار (يبرود، النبك، عسال الورد رنكوس..إلخ).
قوات الأسد تعجز عن اقتحام بلدة صغيرة مثل داريا أو جوبر، وذلك بعد حصار دام أكثر من مئة يوم بالنسبة للأولى واكثر من ستين يوماً للثانية، رغم استخدام النظام لكل أنواع الأسلحة المتاحة، وهو شيء ينطبق على عشرات البلدات والمدن السورية الأخرى، كالعتيبة، وخربة غزالة، ومخيم اليرموك.. إلخ. بينما مطارات النظام العسكرية تسقط الواحدة تلو الأخرى.
ما بات واضحاً اليوم اكثر من أي وقت مضى، هو أن نظام الأسد يملك قوة تدميرية مرعبة، بيد أن الثوار يملكون قوة صمود تثير الدهشة، وهو شيء لا يحتاج إلى الكثير من الحجج لإثباته، وهذه المعادلة هي التي دفعت مجتمعاً دولياً متهافتاً، كي يدرك بعد عامين من الصراع المرير، أن الشعب السوري جادّ في فعل التغيير الذي اختاره، وأن إرادة الشعوب لا تحتمل المزاح.
إن طرح الحل السياسي على هذا المستوى، يعد انتصاراً لقوى الثورة، وهو خطوة إلى الأمام، بيد أنها خطوة، وليست نهاية المسير. يجري الحديث اليوم عن إعادة نظام الأسد لهيكلة قواته العسكرية، وضم حوالي ستين ألف مقاتل، مشكلين أصلاً من ميليشيات الشبيحة، الذين جرى تدريبهم وتهيئتهم لمباشرة القتال على الأرض. في الحقيقة، لا يسعى نظام الأسد عبر إعادة الهيكلة هذه إلى استرداد تلك المواقع، التي استطاعت قوات الثوار تحريرها، بقدر ما يحاول الحفاظ على ما تبقى من مواقع يسيطر هو عليها.
على هذه القاعدة بالذات، وبالاستناد إلى هذه المعطيات، بدأ التحرك الدولي باتجاه إيجاد حل سياسي ‘للأزمة’ السورية، وهو تحرك يشير بطبيعة الحال إلى بدء رجحان كفة الصراع باتجاه انهيار نظام الأسد، فهل نضجت ظروف الحل السياسي الموضوعية؟ حسب رأيي، الأمور تتجه في هذا الاتجاه؛ لا نستطيع اليوم أن ننكر حجم الخراب الذي بات يلف كل بقعة من سورية، وأن هذا الخراب يدفع الشعب السوري ضريبته على كافة المستويات، وأن الانهاك طال الجميع. سورية اليوم في خطر، ومعها كل المصالح الدولية أيضاً. إن طرح الحل السياسي اليوم يعد حداً فاصلاً بين الذهاب بسورية إلى برّ الأمان، بما يعنيه ذلك من بناء نظام ديمقراطي يلبي مطالب الشعب الثائر، ووضع حدّ لحكم عائلة الأسد، وبين الذهاب بسورية نحو حرب أهلية يبدو أن لها أول ولن يكون لها آخر في المدى المنظور. إذن يبدو الحل السياسي هنا ووفق هذا المنظور خيارا بين إنقاذ سوريا ودخولها في مرحلة من التشظي، لن يكون من السهل التنبؤ بمدى خطورتها وامتداداتها.
لا يوجد لدى الثوار سوى خيار المضي بالثورة، وإكمال الطريق حتى نهايته في اسقاط نظام الأسد، حتى لو كلف ذلك ضعف ما كلفه من خسارات للشعب الثائر، هذا ما تؤكده مجريات أكثر من عامين على الصراع المرير. بيد أن رأس نظام الأسد لديه الخيار في أن يضع حداً لهذه المجزرة، ويدرك ألا مكان له بعد الآن في سورية المستقبل.

‘ كاتب من سورية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية