الدوحة ـ «القدس العربي»: ثلاثة أيام فقط كانت كفيلة بأن تغير قطر الصورة الحاضرة في أذهان كثيرين عن بطولة كأس العالم لكرة القدم المقررة على أرضها عام 2022.
ولم يكن الحدث الذي نظمته قطر هذه المرة مباراة أو بطولة أو حتى دورة ودية، وإنما كانت النسخة الـ79 من اجتماعات الجمعية العمومية للاتحاد الدولي للصحافة الرياضية، أفضل وسيلة ليكشف البلد الخليجي عن آخر التطورات في استعدادات المونديال القطري من ناحية والرد على الاتهامات والانتقادات التي طالته بشأن الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان.
ومرة أخرى، أكد المنظمون في قطر قدرتهم على تنظيم أكبر الأحداث الرياضية وهو ما أكده نحو 400 صحفي وإعلامي توافدوا على الدوحة لتمثيل 107 دول في كونغرس الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية على مدار الأيام القليلة الماضية، حيث أبدوا انبهارهم بالإمكانات التي وفرتها قطر ليكون الكونغرس الأنجح من بين جميع النسخ التي أقيمت حتى الآن. واعتبر كثيرون من المشاركين في الكونغرس والذين يمثلون شريحة عريضة من وسائل الإعلام والصحف من جميع أنحاء العالم، أن نجاح الكونغرس تنظيميا وكذلك الاستعدادات التي تجرى على قدم وساق في مشاريع المونديال تمثل دليلا مبكرا على أن مونديال 2022 سيكون «أسطوريا». وإلى جانب حسن الضيافة وتسخير كل الإمكانات المادية والبشرية لخدمة هذا الكونغرس، كانت المفاجأة الإنسانية الاجتماعية التي شهدها حفل الافتتاح باستضافة وتكريم اللاجئ السوري أسامة عبدالمحسن (أسامة الغضب) ونجله زيد. وحرصت لجنة الإعلام الرياضي القطري، التي نظمت هذه النسخة من اجتماعات الكونغرس، على استضافة اللاجئ السوري الذي أثار ضجة هائلة على مستوى العالم عندما عرقلته الصحفية المجرية بترا لازلو وأسقطته أرضا خلال محاولته الهروب وطفله من الشرطة المجرية في محاولة للوصول إلى دول اللجوء. وحظيت استضافة اللاجئ السوري ونجله باهتمام وترحيب بالغ من الحضور الذي اشتمل على مئات الصحفيين من كل أنحاء العالم. وجاءت استضافة عبدالمحسن ونجله لتوجيه عدة رسائل منها أهمية الحوار بين الشعوب وبين الشرق والغرب وكذلك التأكيد على حق العيش عند البشر. كما استغلت لجنة الإعلام الرياضي وجود هذا العدد الهائل من أعضاء الكونغرس والضيوف والذين فاق عددهم 500 عضو وضيف، ونظمت اللجنة بقيادة الشيخ فيصل بن أحمد آل ثاني رئيس اللجنة وأعضاء اللجنة خالد جاسم ومبارك البوعينين وعبدالله المري ومحمد عبدالعزيز السبيعي ومحمد الحنزاب وعبدالله العيدة، هذه الفرصة ونظمت زيارة للوفود المشاركة والضيوف إلى كل من أكاديمية أسباير للتفوق الرياضي ومؤسسة قطر ومجمع كاتارا.
وتزامنت هذه الزيارة مع اليوم الرياضي لقطر والذي تحصل فيه جميع مؤسسات وهيئات الدولة على إجازة رسمية مدفوعة الأجر. وأبدى الجميع انبهارهم أيضا بالأنشطة والخدمات التي تقدمها كل من أكاديمية أسباير ومؤسسة قطر ومجمع كاتارا الثقافي الترفيهي. كما كانت الإشادة الأكبر بفكرة اليوم الرياضي الذي يمثل عيدا حقيقيا في قطر، بعدما شاهدت الوفود خروج أعداد هائلة من القطريين والمقيمين في قطر من مختلف الجنسيات من منازلهم لممارسة الرياضة سواء في المنشآت الرياضية، ومنها أسباير ومؤسسة قطر أو في الحدائق والمتنزهات وعلى كورنيش الدوحة. وقالت الصحفية كريستي كيرسبرغ ممثلة استونيا في اجتماعات الكونغرس إن فكرة تخصيص يوم إجازة قومية للرياضة أمر رائع. وأضافت إنها لم تشاهد يوما كهذا تدعم فيه أي دولة الرياضة بين جميع الافراد المقيمين على أرضها. وأوضحت أن بلدها يقيم يوما رياضيا لكنه يقتصر على الرياضـــة المدرســـية ولا تحصل فيه الدولة على إجازة قومية، معربة عن أملها في أن تنتقل الفكرة القطرية لبقية بلدان العالم.
وفي اليوم التالي، اقتربت فعاليات الكونغرس بشكل كبير من استعدادات المونديال حيث زارت موقعين على درجة عالية من الأهمية. وكان الموقع الأول هو مدينة العمال التي تم إنشاؤها في مسيمير والتي نالت إعجابا شديدا لدى أعضاء الكونغرس والضيوف لما تتضمنه من منشآت وخدمات مثل المسجد الكبير، الذي أصبح ثاني أكبر مسجد في قطر والذي يراعي العدد الهائل من العاملين في المدينة والذي يبلغ عشرات الآلاف من العمال الذين أتوا من بلدان مختلفة مثل الهند وباكستان إضافة إلى إنشاء ملعب كريكيت ضخم يمارس فيه العمال رياضتهم المفضلة. كما راعى المنظمون في قطر توفير خدمات ومرافق أخرى للعاملين مثل مركز التسوق ودار السينما والمطاعم الخاصة وصالات الجيمنازيوم التي توجد في كل بناية، كما راعى المنظمون توفير أماكن خاصة للطعام تسع أعدادا كبيرة من العمال بخلاف مراعاة النظافة والأمن في كل المباني والمنشآت التي توجد في المدينة. وكانت المفاجأة الحقيقية للزائرين والضيوف المستوى الرائع للمستشفى الذي يوفر الرعاية الصحية للعاملين في المدينة، حيث توجد في المستشفى مجموعة من أحدث الأجهزة والأطباء المتميزين. وحرص أعضاء لجنة الإعلام الرياضي المرافقين للضيوف في هذه الجولة، وفي مقدمتهم خالد جاسم وعبدالله المري ومبارك البوعينين على إتاحة الفرصة لأعضاء الكونغرس والضيوف للتحدث إلى بعض العمال الموجودين في المدينة بدون تدخل من الملاحظين أو المراقبين في المدينة العمالية حتى يطمئن أعضاء الكونغرس والوفود على أحوال العمال ومدى ارتياحهم لظروف العمل وكذلك الإقامة. وبالفعل حظي الضيوف بفرصة كبيرة للتحدث إلى العمال سواء في مدينة العمال أو في الزيارة الأخرى والتي كانت إلى استاد «خليفة الدولي» أحد الاستادات المقررة لاستضافة فعاليات مونديال 2022 والذي سيكون جاهزا بالفعل خلال الشهور القليلة المقبلة بعدما اقترب فيه العمل من الانتهاء وسيكون جاهزا لاستضافة مباريات كأس الخليج (خليجي 23) في حــال اعتذار الكويت مجددا عن عدم استـضـــافة هذه النسخة، علما أن الكويت حصلت على مهلة جديدة حتى حزيران/ يونيو المقبل لتحديد موقفها النهائي.
ومثلما كانت فعاليات الكونغرس وبرنامج الزيارات مبهرة على مدار فترة اجتماعات النسخة 79، جاء حفل الختام على نفس الدرجة من الإبهار، وكان طبيعيا أن يقدم أعضاء الكونغرس شكرهم الهائل إلى لجنة الإعلام الرياضي في قطر على التنظيم الجيد والمثير لفعاليات هذه النسخة. وجاءت كلمات كبار مسؤولي الكونغرس كشهادة اعتراف بالاستعدادات الرائعة للمونديال وكذلك كشهادة نجاح مبكرة للمونديال. وقال الإيطالي جاني ميرلو رئيس الاتحاد الدولي للصحافة الرياضية: «عندما حضرت لأول مرة إلى قطر (نسخة 2006 من الكونغرس)، كانت نقطة تحول لنا وللاتحاد الدولي، ونحن الآن أمام نقطة تحول أخرى حيث وعدت منذ انتخابي أن أعمل بجد للارتقاء بالاتحاد، وكانت في الدوحة خلال ثلاثة أيام نقاشات بناءة أهمها متابعة الحديث عن حرية الصحافة والإعراب عن إرادتنا ولولا هذه الإرادة لم يكن يمكننا أن نتقدم». وأضاف: «ما يدعوني للفخر أننا أجرينا نقاشات مهمة قبل حفل الختام، وكانت جيدة لأنها أوضحت العديد من النقاط حول مونديال 2022». وقال اليوناني يانيس داراس، في كلمته نيابة عن عزت يلماير رئيس الاتحاد الأوروبي للصحافة الرياضية: «عندما شاهدنا قطر، وجدنا الاستثمار في الرياضة في كل أرجائها وأيضا الحفاوة من الشعب القطري»، مشيرا إلى أن «قطر تقدمت كثيرا. نرحب بالانتقاد ولكن المهم أن يكون بهدف بناء وليس للتدمير». وأضاف: «أعتقد أن الأمن مسألة مهمة لقطر وأيضا تذاكر المباريات، والمهم أن نحمى الجماهير من الصراعات والسرقة والعنف وأن نتفرغ لمشاهدة المباريات وأن نلتقي مع أناس من أعراق مختلفة. قطر تستطيع أن تحقق لنا ذلك، وأؤمن بأن قطر ستنظم كأس عالم لا تنسى على أن تفكر مستقبلا في تحقيق حلم استضافة الأولمبياد. حافظوا على قطر من الانتهاكات لتكون جسر التواصل بين الشرق والغرب». وقال ميشيل أوبي رئيس الاتحاد الأفريقي للصحافة الرياضية إنه لم يكن يعرف قطر منذ 20 عاما عندما حضر للدوحة لتغطية إحدى البطولات. وأوضح: «لم أكن أعرف أين توجد قطر على خريطة العالم. والآن، نحن في قطر التي اختلفت كثيرا عن السابق بعد أن أظهرت الكثير من الاهتمام بالرياضة ودائما أدعو لزيارة الشرق الاوسط الذي يتغير كل يوم. وقطر مثال يحتذى به في المنطقة».
وبعيدا عن الحفل، أكد الألماني هاردي هانسبروغ رئيس القسم الرياضي للكرة العالمية بمجلة «كيكر» أن قطر مستعدة تماما لاستضافة كأس العالم. وقال: «هناك وقت طويل لمواصلة التحضير. والحقيقة أن البعض يترقب ويرغب في معرفة كل شيء وقد يكون تواجد البطولة لأول مرة في المنطقة العربية أمر مهم للغاية والكل يترقبه. قطر على الطريق الصحيح وما شاهدته هنا أنه بلد متطور لديه كثير من الإمكانات وفي حالة بناء وهذا أمر جيد للغاية». وعن الجهود القطرية لاستضافة المونديال، قال: «لم أر شيئا سلبيا فالأمور كلها منظمة. لدي فكرة عن المخططات التي رسمت حول الملاعب والبنية الأساسية والأماكن التي يسكنها اللاعبون وكذلك العمال ويمكنني أن أقول إن في ألمانيا 2006 لم يكن هناك عدد مماثل مما شاهدته لاحتواء العمال». وأشاد جاي ستروك نقيب الصحفيين في فرنسا بالجهود الكبيرة التي تبذل من أجل استضافة استثنائية لمونديال 2022، وقال: «ما زال أمامنا ست سنوات قبل كأس العالم 2022. ورغم ذلك، الحديث أكثر عن هذه البطولة مقارنة بكأس العالم 2018 بروسيا». وأضاف: «ولدت في تونس وأشجع وصول كرة القدم لمناطق جديدة، كانت أوروبا هي مركز الثقل في عالم كرة القدم خاصة من النواحي الاقتصادية لأن بها البطولات الكبرى وبطولات الدوري الكبيرة. وصلت كأس العالم لآسيا وأفريقيا وأمريكا الجنوبية وكان من المهم أن تصل للمنطقة العربية والشرق الأوسط. كرة القدم لا تقف عند الجنسيات أو الألوان بل هي للجميع».
وفد برلماني بريطاني
يشيد بالتقدم والتطور
أكد فيليب لي عضو البرلمان البريطاني أنه شاهد مؤشرات حقيقية في عدد من المجالات في إطار استعدادات قطر لاستضافة فعاليات كأس العالم 2022، بينها التطور والتحسن في ظروف معيشة العمال.
وجاءت تصريحات لي بعد اختتام زيارة لوفد برلماني بريطاني إلى قطر استغرقت ثلاثة أيام، شملت لقاءات مع عدد من كبار المسؤولين القطريين وزيارة إلى مكاتب اللجنة العليا للمشاريع والإرث المسؤولة عن استعدادات قطر للمونديال وكذلك زيارة أحد مواقع البناء المتعلقة بمونديال 2022 إضافة إلى زيارة ميدانية إلى مساكن العمال في «المدينة العمالية». وفي تصريح نشره موقع اللجنة العليا للمشاريع والإرث، أكد لي الذي ترأس الوفد البريطاني أنه شاهد مؤشرات حقيقية على التقدم في عدد من المجالات ومن بينها ظروف معيشة العمال، وقال: «ركزنا خلال الزيارة على كأس العالم وزرنا مكاتب اللجنة العليا للمشاريع والإرث. وبعدها، زرنا المدينة العمالية وأحد الاستادات المقترحة لاستضافة نهائيات كأس العالم 2022. ووجدنا مستوى عمليات التطوير المذهل التي تشهدها قطر لأن تنفيذ جميع هذه المشاريع ومن بينها بناء مترو الأنفاق والاستادات إنجاز مدهش حقا لمثل هذا البلد الصغير نسبيا. ومن الرائع وجود هذا العدد الكبير من الناس الذين يعملون في الوقت نفسه، حيث تنجز المشاريع قبل موعدها المحدد بحيث يبدو أنها ستكتمل قبل حلول 2022. إنه أمر مذهل حقا». وأضاف أن اللجنة العليا للمشاريع والإرث تبذل جهودا حقيقية لكي تكون بطولة كأس العالم 2022 ممتعة للمشجعين من جميع أنحاء العالم. وتابع: «كنت عضوا في نادي المشجعين بإنكلترا، وحضرت بطولتين عالميتين كمشجع. أتيت إلى هنا بنظرة مختلفة لأنني أعرف شعور جمهور كأس العالم. أستطيع أن أرى أن القطريين يبذلون أقصى جهدهم لجعل هذه البطولة تجربة جيدة وممتعة للمشجعين حيث ستكون التنقلات بواسطة المواصلات سهلة كما أن تصميم الاستادات رائع. أعجبت كثيرا بكل ما رأيت. كما أن إقامة هذه البطولة لأول مرة في هذه المنطقة أمر مهم للغاية».
ورافق الوفد البريطاني خلال زيارته السفير يوسف الخاطر سفير قطر لدى المملكة المتحدة، واطلع الوفد على عرض تقديمي موسع للخطط والتقدم الذي تحققه قطر استعدادا لمونديال 2022. كما جرى خلال اللقاء مناقشة معايير اللجنة العليا الخاصة برعاية العمال وتلتها زيارة ميدانية إلى المدينة العمالية للاطلاع على تطبيق هذه المعايير. وأكد لي أن القطريين «كانوا منفتحين للغاية وأقروا بحدوث أخطاء وبذلوا جهودا حقيقية لتحسين الوضع. رأينا أدلة ملموسة على ذلك. الانطباع الذي تكون لدي هو أنهم بذلوا جهدا كبيرا للتغلب على صعوبة منح العقود لمقاولين تتوفر لديهم ظروف العمل المناسبة. زرنا المدينة العمالية ورأينا أنها بيئة مثيرة للإعجاب الشديد. وتحدث زملائي إلى العمال. تمكنا من الدخول بحرية ولم تتم مرافقتنا بشكل يوحي بالرقابة على عملنا. من المهم التحدث عن الفرص التي يحصل عليها هؤلاء العمال هنا ولا يحصلون عليها في أوطانهم. كما استمعنا إلى قصص حول تمكن العديد من العمال من توسيع منازلهم سواء في الهند أم بنغلاديش وأولئك الذين أصبحوا قادرين على إرسال أولادهم للتعلم في مدارس خاصة». وعن الانتقادات الموجهة لقطر، قال النائب: «ترتبط بعض الانتقادات لقطر بأجندات معينة. أعلم أن القطريين يقرون بوجود بعض المشاكل ولا أعتقد أنهم يقولون إنه لا توجد بعض المشاكل التي تجب معالجتها وهم مصممون على معالجتها. يريدون أن تكون هذه البطولة ناجحة وأن تخرج منها قطر بسمعة طيبة لأن لقطر حق استضافة البطولة، وستنظم هذه البطولة. نريد لها النجاح، فقد وضع القطريون الكثير من الجهد والتفكير في هذه البطولة ويواصلون العمل بجد وجهد كبيرين على جميع المستويات وقد استجابوا للانتقادات». وذكر: «يتسم القطريون بالصراحة والانفتاح. كانت هذه زيارة مشجعة وأتطلع إلى حضور كأس العالم في قطر. ترغب قطر بحق وبقوة في أن يأتي المشجعون إلى هنا. لهذا السبب، عالجت مسائل بينها تناول الكحول في مناطق المشجعين كي يأتي الناس إلى هنا ويحملون معهم عند انتهاء البطولة مفهوما إيجابيا ومختلفا عن قطر والمنطقة بشكل عام. أعتقد أن هذا هدفا مثيرا للإعجاب بالنظر إلى حالة عدم الاستقرار في الشرق الأوسط». وشارك سفير المملكة المتحدة في قطر ايجاي شرما الوفد البريطاني في جولته. وقال: «سرني أن الوفد البريطاني تمكن من الحضور لقطر واطلع بنفسه على الوضع واستمع إلى كبار المسؤولين القطريين ومن بينهم رئيس الوزراء. يتحدثون على الشراكة القطرية مع المملكة المتـــحـــدة فيــما تمضي قطر قدما في تنفيذ مشـــروعاتها الطموحة والمثيرة للإعجاب ومن بينها استضافة كأس العالم 2022».