موسكو تريد نظاماً مستقراً وموالياً لها في دمشق… ولن تقوي النظام ولن تحارب من أجله إلى الأبد

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: زاد عدد قتلى الحرس الثوري الإيراني في سوريا وذلك في الآونة الأخيرة ومن بينهم ضباط وجنرالات ومعظمهم سقط في المعارك حول مدينة حلب في شمال سوريا.
ولم يكن قادة الحرس الثوري يعلنون عن مقتل عناصرهم لكن جنازاتهم أصبحت واضحة في طهران كما هي في الضاحية الجنوبية ببيروت حيث زاد عدد قتلى حزب الله الذي دخل للقتال حماية لنظام الرئيس بشار الأسد وكذا في مقبرة السلام في النجف جنوبي العراق حيث تصل أكفان الذين سقطوا في المعارك من عناصر الميليشيات الشيعية.
ولم يعد دور الحرس الثوري في الحرب السورية سراً مكتوماً، فقد تناقلت مواقع التواصل الاجتماعي صوراً لقائد فيلق القدس التابع للحرس الثوري، اللواء قاسم سليماني وهو يوزع الحلوى على أطفال من بلدتي الزهراء ونبل الشيعيتين بريف حلب الشمالي.
وظهر سليماني في المقطع وحوله مجموعة من الأطفال يوزع الحلوى عليهم. وهذا هو الفيديو الثاني. وشارك سليماني في الهجوم الأخير الذي شنته قوات النظام السوري على مواقع المعارضة السورية في شرق حلب حيث قاد ميليشيات عراقية وأفغانية وعناصر من حزب الله ومن الحرس الثوري. وتحفل مواقع التواصل الاجتماعي الإيرانية بأخبار القتلى من الحرس الثوري في سوريا. وكان الجنرال حسين الهمداني الذي قتل العام الماضي من بين عدد من الضباط الكبار الذين خسرهم الحرس الثوري في معارك سوريا. وكان قادة الحرس مثل بقية الميليشيات يغلفون مشاركتهم في الحرب السورية تحت غطاء الدفاع عن «المزارات» الشيعية.

مستعد للتضحية بأبنائي

وفي هذا السياق كتب أنتوني لويد من طهران عن عزاء لمقاتل اسمه مسعود قتل في معركة حلب. وقال صحافي «التايمز» إن عائلته علقت على واجهة البيت يافطة «عزيزي مسعود، مبروك لقد نلت الشهادة» رغم أن جو العزاء في شقة والديه بالطابق الثاني كان يسوده الحزن والفخر في الوقت نفسه.
وقال والد مسعود، سفدر أصغري «أنا مستعد لمنح ابني الثاني للدفاع عن المزارات وكذا الثالث إن كانت هناك حاجة له». ويقول لويد إن ابنه قتل في الليل في معركة مع الثوار حول مدينة حلب بعيداً عن بيته 800 ميل.
ولم يكن مسعود واحداً من مئات الألوف من السوريين الذين ماتوا دفاعاً عن نظام الأسد بل عنصراً تلقى تدريباً جيداً في قوات الباسيج، الميليشيا التابعة للحرس الثوري الإيراني. ويضيف لويد أن قرار عائلته الحديث عن وفاته يقدم صورة عن الحرب السرية التي خاضها الحرس الثوري في الأسابيع السابقة في سوريا، وهي الحملة التي أدت إلى حرف ميزان الحرب لصالح النظام مما زاد من نفوذ إيران في المنطقة في الوقت الذي تراجع فيه التأثير الأمريكي. وفي حداثته قرر مسعود الذي كان مبرزاً بدراسته الإنضمام إلى الباسيج أو «قوات التعبئة الشعبية».
وعندما وصل العشرين من عمره كان قد تلقى تدريباً كجندي وطيار وخبير في أساليب الدفاع عن النفس وكسائق.
وتغطي صوره جدران شقة والديه الصغيرة في حي أبوزر في جنوب- غرب العاصمة طهران. ويقول والده إن مسعود جاءه في ربيع العام الماضي وطلب إذنا منه للتطوع والخدمة العسكرية كـ «مدافع عن المزارات» في إشارة إلى مقام السيدة زينب في جنوب العاصمة دمشق. ويقول والده «كنت فخوراً أنه ذهب إلى هناك».
ويعلق الكاتب أن المستشارين الإيرانيين لعبوا دوراً قيادياً منذ عام 2012 وتحت قيادة اللواء سليماني في تدريب وتمويل الموالين للنظام الذين يتفوق عليهم على عدد عناصر الجيش التابع للحكومة. وأضاف لويد أن عدد العناصر التابعين من حزب الله والأفغان والباكستانيين الشيعة قد زاد في الأشهر.
وتزامن وصولهم مع الحشود البرية التي تجمعت ولقيت تغطية جوية من روسيا وتم قصف مواقع المعارضة المسلحة.
ويقول لويد إن عدد عناصر الباسيج والحرس الثوري غير معروف «وهو سر محفوظ إلا أن صور «الشهداء» منتشرة حول العاصمة طهران. وفي مقبرة بهشت الزهراء للشهداء دفن مسعود في قبر قريب من قبور المقاتلين الذين سقطوا معه في سوريا. وكتب على شهادة قبر «يا زينب، كلنا إخوانك».
ويقول إن الجنرال سليماني المسؤول عن العمليات الخارجية وتحول إلى «محارب معاصر» في نظر الكثير من الإيرانيين لعب دوراً في إنقاذ نظام الأسد من الإنهيار. فقبل عام كانت الولايات المتحدة تتوقع انهياره في وقت قريب. فيما أصرت القوى الغربية على رحيله كشرط لتحقيق السلام. ولكن الوضع الآن تغير فبمساعدة من الحرس الثوري والطيران الروسي يبدو الأسد اليوم قويا.
وكان مسعود قبل مقتله في تشرين الثاني/نوفمبر 2015 قد قضى ثلاث مهام في سوريا. وتقول عائلته إنه في زياراته لهم لم يكن يتحدث عما فعله هناك سوى التحدث بفخر عن مرافقته مرة اللواء سليماني في رحلته إلى سوريا.
وتتذكر والدته زهرة قائلة «اخبرنا أنهما التقيا أكثر من مرة وتبادلا النكات» و»في اليوم الذي قتل فيه انضم سليماني إلى عزاء نظمه له أصدقاؤه في سوريا وقدم تعازيه لهم ورفع من معنوياتهم». وتقول إنها شعرت قبل ساعات من مقتل ابنها بهواجس عميقة عما سيأتي «عند الغروب شعرت بألم في قلبي بأن أمراً مشؤوماً سيحصل لابني» و»عندما جاءوا في اليوم الثاني ليخبروني أن ابني مسعود مات قلت لهم إنني أعرف ماذا حدث له». قتل مسعود يوم الخميس ونقلت جثته التي تأثرت بفعل انفجار يوم الجمعة إلى إيران ودفن يوم الأحد إلى جانب إيرانيين قتلوا معه في الحادث نفسه.

لن تتغير السياسة

ورغم الخسائر المتزايدة للحرس الثوري إلا أن السياسة الخارجية لن تتأثر بنتائج الانتخابات البرلمانية التي حقق فيها الإصلاحيون نتائج جيدة، خاصة في العاصمة.
ومع أن الحرب السورية لا تحظى بشعبية واسعة إلا أن الكثير من الإيرانيين يتعاملون معها كحرب نبيلة لأنها تجمع بين الواجب الديني والدفاع ضد توسع تنظيم «الدولة» حسبما يقول لويد. وتطوع شقيق مسعود، محسن، 29 عاماً في سوريا وتقول عائلته إن 200 من الشباب عبروا عن رغبة للقتال بعد مقتل مسعود وأربعة مقاتلين من الحي نفسه. ويقول محسن «هناك أربعة أسباب للقتال، للدفاع عن المستضعفين والدفاع عن المزارات ووقف تقدم العدو دفاعاً عن الكرامة الوطنية».
وقالت أخرى «يحتل قاسم سليماني مكاناً مهماً في حياتنا، وهناك عدد كبير من الشهداء لكن هذا لا يثير الحزن فشجرة الثورة تنمو كل يوم». ويظهر مقتل عناصر الباسيج والحرس الثوري أن الذي يقرر مسار العلاقات الخارجية الإيرانية خاصة مع جيرانها هم قادة الحرس الثوري وليس وزارة الخارجية وعليه فمن الباكر الاحتفال بنتائج الإنتخابات البرلمانية التي فاز فيها الإصلاحيون بمقاعد مهمة.
وكما علقت صحيفة «التايمز» فلا تزال إيران دولة راعية للإرهاب. ولهذا فنتائج جولة انتخابات واحدة لن تغير من منظور الدولة ورؤيتها للعالم كما ولا تعتبر تأكيداً على ما حققه اتفاق نووي طبخ على عجل، أي عودة إيران للمجتمع الدولي وكبلد تغير سلوكها كما يؤمن الرئيس باراك أوباما.
ومن منظور صناديق الإقتراع فالنتائج هي تعبير عن تحول وليس «ربيعاً فارسياً» وهي مكافأة من الناخبين للرئيس روحاني الذي يتوقع أن يفوز بدورة رئاسية العام المقبل.
وتظل خطوة مهمة تزامنت مع بدء تطبيق الهدنة في سوريا التي لا تزال صامدة رغم بعض الخروقات التي رافقت بدء تطبيقها. ولا بد من الإشارة إلى أن الهدنة هي تحرك روسي تم بشروط روسية وبدون تأثير أمريكي ولهذا يخشى المقاتلون في المعارضة أن يكون وراء الهدنة والإنسجام الأمريكي معها حيلة.

لا أفراح

وقالت شبكة أنباء «سي أن أن» الأمريكية أن وقف «الأعمال العدائية» وإن أدت لتخفيف الغارات الجوية إلا أن المعارضة والسكان في مناطقها لا يحتفلون.
وبحسب كلاريسا وورد، مراسلة الشبكة التي استطاعت دخول مناطق المعارضة في حلب، وهي المناطق التي شهدت قصفاً مكثفاً في الأشهر الماضية. فقد حدة الغارات الجوية لكن الناس لا يعبرون عن فرحهم.
وقالت إن الساعات التي سبقت بدء الهدنة تميزت بقصف مكثف كما نقلت شك الناس بالتزام نظام الأسد ويعتقد السكان أن الهدنة هي محاولة لمنح النظام الوقت للسيطرة على أراض جديدة «ولهذا السبب فالكثير من الناس الذين تحدثنا إليهم هم ضد وقف إطلاق النار».
وسجل فريق «سي أن أن» تظاهرة ضد الهدنة رفع فيها المتظاهرون يافطات كتب عليها «وقف إطلاق النار خيانة للشهداء»، وهتف المتظاهرون «يجب أن نواصل القتال» و»يجب أن نتحد». ودعا إمام مسجد في خطبة يوم الجمعة المصلين لعدم الإلتزام بوقف إطلاق النار. وتعلق وورد «أعتقد أن هذا الوضع يظهر الإنفصال الحاصل بين الناس الذين يقاتلون ويموتون في الميدان وبين الذين يتوصلون لاتفاقيات».
وكانت الهيئة العليا للمفاوضات التي تمثل فصائل المعارضة قد أكدت أن 97 من الفصائل التابعة وافقت على الهدنة التي ترى صحيفة «الغارديان» في افتتاحيتها أنها «اللعبة الوحيدة» المتوفرة.

الخيارات الروسية

وقالت «لقد طال أمد الحرب ولم تثبت الدبلوماسية نجاعة فيها حيث كان يؤمل بأن تنهي الحرب أو توضع تحت السيطرة وهو ما بدا أنه صعب المنال». ولاحظت الصحيفة أن اتفاق وقف الأعمال العدائية يبدو حتى هذ الوقت صامداً.
ويعطي المراقبون فرصة النجاح للهدنة ليس لأنها تعبير عن تغير في مواقف المشاركين في الحرب، فلا يزال كل طرف يكره الطرف الآخر. إلا أن الهدنة تخدم مصالح اللاعبين في الأزمة من أجل ملاحقة أهدافهم وتحقيقها بطريقة مختلفة.
ولا يستثنى في هذا العنف ولكنه يقلل من دوره في النزاع. وتضيف أن سوريا هي مسألة معقدة وخطيرة وتدفع الدول التي تواجه بعضها البعض للتعاون من أجل منع مخاطر لا يمكن لطرف مواجهتها بنفسه.
وتصف الصحيفة سوريا بأنها تقاطع معقد على طريق سريع في يوم طقسه سيئ يهدد بتراكم الحافلات والعربات في أي لحظة. ويجب التأكيد هنا أن الهدنة تمت بشروط روسية وتخدم النظام السوري حيث ستستمر الخروقات وكذا مخاطر مواجهة روسية- تركية.
وتعتقد الصحيفة أن المخاوف من توسع الحرب كانت الدافع الرئيسي وراء المفاوضات التي انتهت باتفاق الهدنة.
وأشارت إلى الأثر الذي تركه التدخل الروسي على الحرب السورية فقد «هز الشجرة» على حد تعبير العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني و»بالتأكيد فقد غير قرار الرئيس فلاديمير بوتين إرسال قوات كبيرة إلى سوريا الوضع في ذلك البلد».
وقوى التدخل العسكري النظام بطريقة جعل من الإطاحة به أمراً بعيد المنال. ووضع التدخل العسكري المعارضة في حالة حرجة وحرمها من تحقيق هدفها الرئيسي وهو الإطاحة بالأسد. لكن النجاح الروسي جلب معه مشاكله لأن شن الحرب أسهل من تحقيق تسوية سياسية.
وعلى ما يبدو لا يريد الروس تقوية نظام الأسد عسكرياً ولا القتال من أجله للأبد. فهدف موسكو كما تقول الصحيفة هو تحقيق الإستقرار في سوريا بنظام صديق وموالٍ لها وهذا الهدف يتناقض مع الدعم المطلق للأسد أو مساعدته استعادة السيطرة على كامل سوريا. وقالت الصحيفة إن روسيا التي اتصلت بعدد من رموز المعارضة السورية ربما فهمت الآن أن عدداً قليلاً منهم لن يقبل بتغيير تجميلي لنظام لا يتغير ولا بد من تسوية نهائية تقبل بها الدول العربية السنية والأكراد.

أين أمريكا؟

وتعتقد أن التدخل الروسي ونتائجه ستؤثر على حملة مشتركة ضد تنظيم الدولة الإسلامية مثلما سيجعل من مهمة إعادة سوريا لما كانت عليه أمراً معقداً، وهي مهمة ضخمة فعلاً. وتنبع ضخامة المهمة من تخلي الولايات المتحدة عن دورها في سوريا. فقد بدا جون كيري، وزير الخارجية الأمريكي الطرف الأضعف في محادثات الهدنة. وخسرت واشنطن مصداقيتها عندما هدد باراك أوباما بضرب الأسد ولم ينفذ تهديداته بعد استخدام السلاح الكيميائي عام 2013. ولم تحقق واشنطن مكاسب سريعة في حملتها ضد تنظيم الدولة في العراق. وبات تأثيرها على هذا البلد ضعيفاً ولا يثير الإعجاب.
ومن هنا فما قام كيري بعمله هو تبني المشروع الروسي في سوريا وتطويعه بشكل يخدم المصالح الأمريكية والأوروبية والدولة المعنية بالنزاع. وتختم «الغارديان» بالقول «أمريكا وروسيا بحاجة لبعضهما البعض ولكن كل منهما يحاول استغلال الآخر. وقد ينحرف مسارهما لكن المشكلة أن هذه هي اللعبة الوحيدة المتوفرة في المدينة، وهي اللعبة الوحيدة التي يمكن أن تحمل وعوداً للسوريين بتخفيف معاناتهم».
وعبر عن الموقف نفسه ديكستر فيلنكس في «نيويوركر» حيث كتب متحدثاً عن ظروف الهدنة ووعودها ببدء المفاوضات من جديد لكنه قال «في ظروف صعبة كالتي تشهدها سوريا- حيث قتل نصف مليون نسمة وشرد نصف عدد السكان من بيوتهم- فأي اتفاق مهما كان محدوداً ويعد بتخفيف المعاناة يجب الإحتفال به». ولكن الهدنة ليست سوى مصادقة على «الوضع القائم» الذي بدأ عندما أمر بوتين قواته بالتدخل في روسيا.

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية