20 آذار/مارس 2016 هو الذكرى الستون لاستقلال تونس عن الاستعمار الفرنسي الذي استمر لخمسة وسبعين عاما. المناسبة متميزة وهكذا يفترض أن يكون الاحتفاء بها، لذاتها أولا، ولكثير من الأشياء الأخرى التي تحتاج البلاد اليوم أكثر من أي وقت مضى لاستنهاضها في النفوس قبل أي شيء آخر.
قبل عشر سنوات لم يكن همّ نظام زين العابدين بن علي، وهو يحيي مناسبة نصف قرن على الاستقلال، سوى مزيد من محاولة النفخ في صورة الرجل وتهميش غيره، حتى لكأن تاريخ البلد بأكمله لم يبدأ إلا معه. اليوم، هناك حاجة حقيقية إلى احتفالات ضخمة للغاية لإحياء هذه الذكرى، إلى شيء استعراضي مبهر، ليس على الطريقة السوفييتية أو دول أوروبا الشرقية السابقة، وإنما بطريقة أخرى أكثر ابتكارا وأعمق دلالة وأقوى نفاذا وذلك لعدة أسباب:
أولا، لأن عيد الاستقلال في السنوات الخمس الماضية مناسبة لم تأخذ حظها من الاحترام والاحتفاء، بل وجرى أحيانا محاولة تجاهلها والتقليل من شأنها. المشكلة لم تكن إهمالا، بل كانت أمرا ما زال عالقا في النفوس تجاه شخص الزعيم الحبيب بورقيبة وإرثه. الحدث ما كان ليُعزل عن هذا الرجل الذي، وإن كانت له مساوئه العديدة، لكن لا أحد منصفا قادرا على جحود دوره في بناء دولة تونس الحديثة وإعطائها مكانة تفوق حجمها وإمكاناتها.
ذهب في ظن البعض أنه بالامكان تكرار ما كان يفترض في تونس ما بعد الثورة ألا تكرره وهو اختزال بورقيبة للدولة في شخصه، واختزالها من بعده في بن علي، وجنوح البعض الآخر الآن في محاولة اختزالها في من جاءت بهم الثورة. إن نحن فعلنا ذلك نكون قد كررنا نفس الخطأ التاريخي الذي عبناه على من سبق.
ثانيا، لأن البلاد بحاجة اليوم، كما لم تكن محتاجة من قبل، لإعلاء حس الانتماء العالي والخالص للوطن، دونما اعتبارات ايديولوجية أو حزبية أو جهوية. الرأي العام بحاجة إلى نوع من الهزة الكبرى تعيد الاعتبار للشعور الوطني النبيل بعد ما أصابه من «كدمات» بفعل الممارسات المحبطة للفريق الحاكم الأول بعد الثورة، وللفريق الثاني الذي جاء من بعده. كلاهما، للأسف، وغيرهما كثير، لم ينجحا في شيء نجاحهما في «تطفيش» الناس من السياسية والسياسيين إلى حد استغله رموز عهد بن علي، من ساسة وإعلاميين، للعودة بقوة إلى الساحة دافعين الشعب، سرا وعلانية، إلى ما يشبه إعادة الاعتبار لعهد ولي نعمتهم.
ثالثا، أن تونس، وهي تواجه موجة من الأعمال الإرهابية لم يسبق لها أن عرفتها في تاريخها الحديث، تحتاج إلى تصليب روح الانتماء الوطني في أعلى صوره القائمة على حب البلاد البعيد عن أي شبهة تفسده، سواء المسارعة إلى توظيفها في تصفيات حسابات سياسية، أو إعطاء الأولوية للانتماء الفكري العابر للحدود، الديني وغير الديني، أو الارتباطات الخارجية، عربية أو أجنبية، أو الطموح الشخصي الجارف لشخصيات سياسية مسكونة بنهم مضخّم لتولي مقاليد الأمور في البلد بغض النظر عن وجاهة أو أخلاقية الوسائل المعتمدة لبلوغ ذلك.
رابعا، أن تونس، وهي تواجه كذلك وضعا اقتصاديا واجتماعيا خطيرا ومقلقا إلى أبعد الحدود، تحتاج لاستنهاض الهمم حتى يضع الجميع نصب أعينهم أن غطاء الوطن إذا ما سحبته أي جهة بأنانية لتتدثر به هي دون غيرها تمزّق، وأنه لا مفر من العمل المخلص والاقتناع بأن الدولة تعطيك على قدر ما تعطيها، وأنه لا بد من روح الإيثار والتكافل الاجتماعي لاجتياز هذه المرحلة الصعبة. هذا لا يكون إلا بإعطاء المثل من الحاكم قبل المحكوم، والدفع في اتجاه مجموعة إصلاحات إقتصادية كبرى، من أبرزها إصلاح ضريبي شامل يدفع بمقتضاه كل واحد ما عليه للدولة حتى تستطيع أن تقوم بأعباء الخدمات الاجتماعية الأساسية من صحة وتعليم وتوفير الخدمات الأساسية والبنى التحتية أسوة بكل دول العالم. وبالتوازي، لا بد من إعطاء الأولوية لتشغيل العاطلين وتحسين ظروف الحياة في المناطق المحرومة، وأي تأجيل لمعالجة هذا الملف الحارق لعقود سيحوله بالتأكيد إلى قنابل موقوتة جاهزة للانفجار ولأكثر من مرة كذلك.
لكل ما سبق، وغيره كثير جدا، لا بد من توظيف مناسبة الذكرى الستين لاستقلال تونس لتعبئة الناس، ولا سيما الشباب بل والأطفال والتلاميذ في المدارس، نحو مرحلة جديدة أكثر أملا وتحديا، حتى يستعيد الشعب روحه الجميلة التي طفت أيام الثورة وما بعدها. لا بد أن تترافق مظاهر الزينة الكبرى، من أعلام في شرفات البيوت وعلى السيارات وفي كل مكان، مع خطاب جديد طموح وصادق. المسألة ليست مستحيلة، فقط لنبدأ مع هذه المناسبة بعزيمة وقلوب صافية.
٭ كاتب وإعلامي تونسي
محمد كريشان
” الماء إللي ماشي للسدرة الزيتونة أولى به”. على مدى حكم بورقيبة وقعت محاربة ” الكونترا ” أي التهريب بشتى الوسائل وبنصب الكمائن للإيقاع بالمهربين وذلك للحفاظ على أمن البلاد الإقتصادي ومن تثبت إدانته من أي موظف ديوانة يقع عزله ثم محاكمته. أما اليوم فسلام على تونس التي أصبح الديواني نفسه هو المهرب المباشر خاصة للوقد الذي يقع به تزويد نقاط البيع المنتشرة في المدن والقرى وعلى قارعة الطريق. كان على ليبيا والجزائر بعث نقاط بيع داخل التراب التونسي في نطاق شراكة بينهما وبين تونس حتى يقع قطع الطريق أمام المهربين من كل أصناف المجتمع التونسي.
كان الاحتفال بعيد الاستقلال في عهدي بورقيبة و بن علي يرتكز أساسا على ما يقدمه الاعلام الرسمي من مزايا الرجلين على البلاد و العباد..حتى أصبح الشعور السائد أن بدونهما ستسقط السماء على رؤوسنا و نهلك جميعا.. يجب أن تتغير نظرة التونسي لهذا العيد..أولا لا بد من رد الاعتبار لآبائنا المناضلين ضد الاستعمار دون اقصاء .. ثانيا اعتبار الوطن لكل التونسيين و يتسع لكل الحساسيات..ثالثا العمل على تنمية الجهات المحرومة و رفع مستوى عيش المواطن.. رابعا اعتبار أن لا خير بين تونسي و آخر الا بما يقدمه من عمل صالح لبلده و مواطنيه..
يا سي حسن الزين
لا تنسى أن معركة بنزرت التي من خلالها تم الجلاء وحينها من البنزرتيين من كان يسكب الماء الساخن على الشباب التونسي المتطوع وقنصهم في تلك الأيام العصيبة الإعتراف بالجميل أمر محبذ.