لبنان لم يعد أولوية للرياض وتخليها عنه يضعه في يد حزب الله وإيران

حجم الخط
0

لندن ـ «القدس العربي»: كتب إيان بلاك، محرر شؤون الشرق الأوسط في صحيفة «الغارديان» البريطانية عن التوتر في العلاقات السعودية – الإيرانية والتي انتقل ميدانها من العاصمة طهران إلى لبنان. فبعد قطع السعودية علاقاتها الدبلوماسية مع إيران على خلفية حرق السفارة الإيرانية بداية كانون الثاني/يناير احتجاجاً على إعدام رجل دين الشيعي السعودي نمر النمر لم تتوقف الحرب الكلامية بين البلدين.
وتحدث بلاك وهو يصف الحي الدبلوماسي الذي يقع في ظل جبال البرز المكتسية قممها بالجليد. فالحي الذي تتنشر فيه الطرقات والقصور الجميلة التي أنشئت قبل الثورة هو المكان الذي تقع فيه السفارة السعودية التي تحرسها الشرطة اليوم وتبدو فارغة ومحطمة.
ووضع خارج السفارة يافطة لامعة وجديدة زرقاء اللون مكتوب عليها «شارع نمر النمر» الرجل الذي أدى إعدامه لموجة التظاهرات والتوتر الحالي بين البلدين.
ويعلق بلاك أن طهران لديها تقاليد بتسمية شوارعها بأسماء تعبر عن مزاجها السياسي، فقد غير اسم شارع وينستون تشرشل قرب السفارة البريطانية لاسم الناشط من الجيش الآيرلندي الحر بوبي ساندز، الذي مات في السجن مضرباً عن الطعام. وأطلق اسم عماد مغنية، القائد العسكري لحزب الله على شارع فيلياسر.
واحتفلت طهران بخالد الإسلامبولي الذي قتل الرئيس المصري أنور السادات على منصة الإستعراض العسكري في عام 1981.
ويقول بلاك إن الهجوم على السفارة السعودية في طهران والقنصلية في مدينة مشهد كان على ما يبدو من تنظيم الباسيج- قوات التعبئة الشعبية- التابعة للحرس الثوري الإيراني وجاء بعد تحذيرات من المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي والذي توعد «بعقاب إلهي» إن أعدمت السعودية النمر.
ويضيف الكاتب إنه عندما ردت السعودية بقطع العلاقات مع إيران بدا الإيرانيون وكأنهم ضربوا هدفاً في مرماهم حيث حرفت التظاهرات والهجوم على سفارة الرياض الإنتباه عن سلسلة الإعدامات التي نفذتها المملكة بحق 47 شخصاً وفي يوم واحد. وأكدت السعودية على أن النمر كان شخصاً إرهابياً فيما اعتبره أتباعه في المملكة «شهيداً» وداعية تغيير بالأساليب السلمية.
وعبر السعوديون عن غضبهم من تدخل طهران في شؤونهم الداخلية ولم يقتنعوا بسلسلة الاعتقالات التي قامت بها سلطات الأمن ضد بعض المشاركين في الهجوم على السفارة.
ولم يرض السعوديون شجب كل من الرئيس حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف الإعتداء على السفارة السعودية. وكان التوقيت كارثياً وجاء قبل «يوم تطبيق الإتفاق النووي» الذي وقع في صيف العام الماضي والذي رفعت فيه العقوبات المفروضة على إيران.
وينقل بلاك عن دبلوماسي مقيم في طهران «كان أسوأ شيء حدث»، واعترف خامنئي لاحقاً أن الاعتداء أضر بإيران والإسلام. وكان بمثابة الشعرة الأخيرة في العلاقات الصعبة بين البلدين منذ الثورة الإسلامية عام 1979.
تأثرت العلاقات بين البلدين في السنوات الأخيرة بما يجري في البحرين ولبنان واليمن والعراق إضافة للتحولات في المواقف الأمريكية لإدارة الرئيس باراك أوباما الذي بدأ يرجح كفة العلاقات لصالح إيران في سعيه لتوقيع اتفاق معها حول نشاطاتها النووية. ومن هنا يعتقد بلاك أن إيران عززت من موقفها وثقتها بالنفس على حساب الرياض.
وبحسب مسؤول إيراني بارز «يشعر السعوديون بأن إيران تكسب وهم يخسرون». وأضاف «إيران في صعود والعالم العربي في عالم النسيان، ويقوم السعوديون بلعب لعبة غاضبة وعنيفة».
ولا يخفى أن هذه التصريحات هي جزء من الحرب الكلامية. ففي الوقت الذي هاجمت السعودية إيران لدعمها نظام الرئيس السوري بشار الأسد رد إيران باتهام الرياض بدعم الجماعات الجهادية وتصدير الآيديولوجية الوهابية أو ما تسميها «التكفيرية».
وعليه فالتنافس الإقليمي مشبع بلغة طائفية تستغل الخلافات السنية – الشيعية والعربية- الفارسية.
وضمن هذه الرؤية ينظر الإيرانيون لأنفسهم على أنهم أحفاد حضارة فارسية قديمة أما عرب الجزيرة فهم مجموعة من الملوك والأمراء غير المنتخبين لا يملكون إلا دفاتر الشيكات.
ويقول فؤاد أزادي، المحاضر في جامعة طهران «ليس مهماً أن يكون لديك دفتر شيكات» وأضاف «من يرتبطون بأمريكا لا رغبة لهم في القتال».
ويعلق بلاك أن لغة كهذه وغيرها من الخطابات الناقدة والشديدة ضد السعودية زادت عندما قررت السعودية شن حملة جوية ضد المتمردين الحوثيين في اليمن وبعد حادث تدافع الحجاج العام الماضي حيث قتل 460 إيرانياً.
ويقول بلاك إن الإيرانيين يستخدمون لغة مهينة على مواقع التواصل الإجتماعي، ويقوم بعضهم بمقارنة الملك سلمان بأبو بكر البغدادي «الخليفة» وفي حالات أخرى يصورون السعوديين وهم يقودون جيشاً من الأغنام وفي الوقت نفسه يتبجحون بالنصر.
ويبدو الإيرانيون في مواقع التواصل الإجتماعي السعودية كرافضة ومجوس. وعندما كشف عن احتواء كمية من البطيخ المستورد من إيران على آثار مبيدات حشرية، أطلق السعوديون عليه «بطيخ صفوي».

حاجة للتخفيف

ويشير بلاك لكتاب جديد يدرس العلاقة المتشابكة بين البلدين من تأليف الباحثة الإيرانية بنفشه كينوش حيث لاحظت الدور الذي تلعبه الشخصيات الأمنية في تشكيل العلاقات بين البلدين.
ووجود هؤلاء يعقد تطور العلاقات رغم وجود النوايا الحسنة من قادة البلدين. وتعلق «أكد لي الإيرانيون على المستويات البارزة وبقلق أنهم لا يريدون تقويض العلاقة مع السعودية بشكل لا رجعة فيه. وهم يعون أن عملاً كهذا سيؤدي لتغذية التطرف».
وفي الأسبوع الماضي أعلنت السعودية عن اعتقال 32 شخصاً في المنطقة الشرقية قالت إنهم يتجسسون لصالح إيران. وبحسب دبلوماسي «لا يزالون يرمون الوحل على بعضهم البعض» و «لكن عليهم البحث عن طرق للتخفيف».
ويعلق أزادي أن إيران لديها الكثير من الأعداء «ولدى السعوديين الكثير من الأموال ومواجهتهم لا يخدم في الحقيقة مصالح الأمن القومي الإيراني».
ويعتقد الكاتب أن عمان التي لعبت دوراً مهماً في القنوات السرية التي قادت للإتفاق النووي يمكنها لعب دور الوسيط في مصالحة مع بين البلدين. فهي الدولة الخليجية الأقرب إلى إيران ويمكن لقطر أيضاً أن تلعب هذا الدور.
ويعلق الكاتب أن الإنتخابات البرلمانية الإيرانية والتي فاز التيار الإصلاحي بحصة جيدة فيها قد تعزز من المصالحة. فقد تحدث كل من روحاني وظريف في لقاءاتهم الخاصة عن الحاجة لتصحيح العلاقة مع الجيران العرب.
ويمكن للأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ووزير الدفاع والمسؤول عن الملف الإقتصادي الإعلان عن مفاجآت.
وهناك حاجة للإتفاق على حصص لإنتاج النفط في وقت تنخفض فيه أسعاره. كما أن الصين وروسيا قلقتان من توتر العلاقات بين البلدين وراغبتان بتضييق شقة الخلاف بين طهران والرياض من أجل استمرار الهدنة في سوريا.
ورغم هذا فلا يتوقع الكاتب نزع اليافطة الجديدة لشارع نمر النمر التي علقت أمام السفارة السعودية في وقت قريب. خاصة أن ساحة التصعيد الجديدة انتقلت من اليمن والعراق وسوريا إلى لبنان.

الساحة اللبنانية

فبعد إلغاء المساعدة السعودية للجيش اللبناني ودعوة الرياض رعاياها مغادرة لبنان، جاء قرار وزراء داخلية الدول العربية في اجتماع لهم بتونس بتضنيف حزب الله كـ»منظمة إرهابية» وهو قرار تحفظ عليه لبنان ولم يوافق العراق عليه.
وردت عليه إيران بشدة حيث قال مساعد وزير الخارجية الإيراني للشؤون العربية والإفريقية حسين عبد اللهيان إن من «يصف حزب الله بالإرهاب يستهدف وحدة لبنان وأمنه بقصد أو بدون قصد»، لافتاً إلى أن «تصنيف حزب الله في خانة الإرهاب وهو الذي يعتبر من أهم تيارات المقاومة، وتجاهل جرائم الكيان الصهيوني، يمثل خطأ جديداً لا يخدم الاستقرار والأمن في المنطقة».
وفي هذا السياق علقت صحيفة «نيويورك تايمز» على المعركة الحالية في لبنان بالقول إن كلا من إيران والسعودية دعمتا الأطراف المتضادة في الحرب الأهلية السورية الدموية والمرة واستطاعتا في الوقت نفسه إبعاد التوتر عن لبنان الذي كان ساحة صراع بينهما ومنذ عقود.
وتكتب آن برنارد «يبدو الآن وفجأة أن السعودية تخرج تاركة لبنان وربما بقوة في قبضة حزب الله وراعيته إيران».
وتعلق الكاتبة أن السعودية تخلت عن طريقتها السابقة في إدارة الدبلوماسية وهي التنافس مع إيران من خلف الستار وتبنت بدلاً من ذلك استراتيجية عقابية للبنان الذي وقف إلى جانب إيران وسوريا ضدها.
وتمضي قائلة «فجأة، دفع بهذا البلد الصغير، الذي أحبه السعوديون لحياته الليلية وشواطئه وجباله إلى وسط معركة السيادة الإقليمية بين إيران الشيعية والسعودية السنية.
وستكون النتائج ضخمة على بلد نجا بالكاد من حربه الأهلية وحرب حدودية مع إسرائيل واستقبل أكثر من مليون لاجئ سوري ويعتمد على اتفاقيات محاصصة هشة بين الطوائف للحفاظ على استقراره».
وتعلق الصحيفة أن إيران لم تغير من أساليبها في لبنان ولكن السعودية هي التي غيرت من طريقة إدارة سياستها، فيما يراه نقادها ميلاً لسياسة خارجية حازمة تقوم على رد الفعل.
وتشير الكاتبة إلى الطريقة التي تعاملت فيها السعودية مع كل حالة من اليمن وسوريا حيث رأت واجباً عليها مواجهة التأثير الإيراني فيها.
ففي اليمن شنت حملة ضد المتمردين الحوثيين. وفي سوريا دعمت المعارضة السورية التي تعمل على الإطاحة بنظام الأسد.
ولكن المثير للدهشة أن تتراجع الرياض خطوة للوراء في لبنان. وهو ما تراه الصحيفة تطوراً خطيراً قد يزيد من تأثير إيران في هذا البلد ويؤثر على حلفائها السنة فيه. وتقول الصحيفة إن السياسة التي تنتهجها السعودية في لبنان لن تنجح بالضغط على حزب الله.
وتنقل عن علي رزق، وهو محلل سياسي قريب من حزب الله قوله إن التصرفات السعودية نابعة من غضب على الاتفاق النووي.
ومع ذلك فتحرك الرياض ضد لبنان لا يهدد فقط بإعادة تشكيل الخريطة السياسية بالمنطقة ولكنه سيقوض اقتصاد هذا البلد المتشنج والتوازن السياسي الحساس.

تداعيات

وبدت آثار التوتر واضحة وإن بشكل صغير خاصة بعد الفيلم الكوميدي الساخر للأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله على قناة تلفزيونية سعودية حيث هاجم مؤيدوه في بيروت جماعات مناوئة لهم وحرقوا إطارات سيارات وأغلقوا الشوارع.
ورد حسن نصر الله في خطاب يوم الثلاثاء متهماً السعودية بارتكاب جرائم في اليمن ودعاها لتصفية حساباتها مع الحزب وليس مع الشعب اللبناني. وتشير الصحيفة إلى أن المحللين تساءلوا عن الإجراءات العقابية ضد حزب الله وربما ضد حلفائهم.
ويعتقد ساسة في المعسكر المؤيد للسعودية أن التحركات تركتهم في وضع مستحيل في ظل قوة حزب الله وهيمنته السياسية والعسكرية، فهو يتصرف بشكل مستقل ويخوض عملياته العسكرية في سوريا التي ساعدت نظام الأسد.
ورأت رموز سياسية أن مطالب السعودية من لبنان شجب إيران وحزب الله لم تكن واقعية. ونقلت قناة «أورينت» السورية المعارضة عن الزعيم الدرزي وليد جنبلاط قوله «لو فكر البعض أن حزب الله سينسحب من سوريا نتيجة لبعض المواقف العربية»، «فلن ينسحب». ولم تستطع حتى كتلة المستقبل التي يقودها سعد الحريري، نجل رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري أن تصم حزب الله بالإرهاب بل قالت إنه منخرط في «نشاطات إرهابية». وتشير الصحيفة إلى جذور التوتر الحالي التي تعود لموقف جبران باسيل، وزير الخارجية الذي رفض التوقيع على بيان لوزراء الخارجية العرب يشجب حرق السفارة السعودية في طهران. فردت المملكة بالإجراءت التي نعرفها الآن.
ولا يزال بيدها ورقة ضغط أخرى وهي ترحيل العمال اللبنانيين لديها. وتشير الصحيفة إلى أن الموقف السعودي الجديد مرتبط بتغير أولوياتها التي تركز على اليمن وسوريا و»لم يعد لبنان أولوية» كما يقول دبلوماسي. ولهذا السبب تقول الصحيفة إن السعودية قللت من دعم حلفائها ومن بينهم العاملون في مؤسسة إعلامية ممولة سعودياً.

رحلة بين طهران والرياض

ويتفق روبرت فيسك مع هذا الرأي حيث كتب في صحيفة «إندبندنت» قائلاً «بعد ضخ المليارات إلى لبنان ولعقود طويلة وإعادة إعمار البلد بعد الغزوات الإسرائيلية والغارات الجوية المتعاقبة- وجد السعوديون أنهم غير قادرين منع الشيعة والذين تضم الحكومة اللبنانية عدداً من ممثلي حزب الله من التعبير عن غضبهم ضد الرياض، خاصة بعد إعدام المملكة لرجل دين شعبي ومتعلم وهو نمر النمر».
ويرى فيسك أن السعودية ستندم على العقوبات التي مارستها ضد لبنان لأن سحب الدعم المالي سيفتح البلد «للأصدقاء» الآخرين وليس أقلهم إيران والتي تعهدت حسب بعض التقارير الصحافية في بيروت عن دعم الجيش اللبناني بسبعة مليارات دولار أمريكي. ويضيف أن الأمريكيين والبريطانيين الذين يريدون تقوية الجيش اللبناني العلماني كي يكون قادراً على حماية البلاد من تنظيم «الدولة» ناشدوا السعودية وطالبوها بالعدول عن قرارها.
ويرى أن إيران ستكون سعيدة بأخذ مكان السعودية التي تواجه تحديات على حدودها من اليمن وأخرى نابعة من انهيار أسعار النفط.
وفي المقابل ستجد إيران الخارجة من نظام العقوبات الفرصة للعب دور شرطي الشرق الأوسط الجديد مكان الولايات المتحدة.
وعندها لن ترى غير إيران في لبنان. ففي بداية تقريره قال فيسك «إذا سافرت من صيدا السنية إلى الجنوب الشيعي فكأنما سافرت من السعودية إلى إيران في رحلة لا تستغرق عشر دقائق» فصيدا مثل مدينة طرابلس نالت من الهبات السعوية.
وفي الجنوب حيث يتمركز مقاتلو حزب الله الذين تمولهم إيران تمتلئ الجدران بصور «الشهداء» وتعتبر هذه المنطقة «الرئة» التي تتنفس منها إيران في لبنان.
وفي النهاية لن تعرف آثار الخطوات التي اتخذتها السعودية وحلفاؤها من دول مجلس التعاون الخليجي في لبنان. ولكن ما هو واضح كما ناقش المحلل الأمريكي بروس ريدل بموقع «المونيتر» أن خطوات السعودية رمزية فهي لن تؤدي للحد من تأثير حزب الله في لبنان ولن تهزمه كما أثبتت تجارب إسرائيل السابقة معه.
مشيراً إلى أن قطع المساعدة عن الجيش اللبناني لن تضره أكثر مما ستضر بقطاع صناعة الأسلحة الفرنسية. فالجيش اللبناني لم يعد قادراً على استيعاب السلاح الفرنسي.
ويعتقد ريدل أن من حق السعودية جعل إيران وحلفائها يدفعون ثمن أفعالهم الإرهابية وعدم حمايتهم للسفارات والدبلوماسيين.
وعلى إيران إثبات أنها تحترم الحصانة الدبلوماسية التي تشكل عصب النظام العالمي. وعلى الرياض أن تكون واقعية في أهدافها، فالشرق الأوسط اليوم ليس بحاجة لدولة «فاشلة» أخرى.

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية