افتقدت خالد الذكر «توفيق عكاشة»، وجارته بالجنب «حياة الدرديري» التي تستحق عن جدارة «جائزة الصمود»، فهي تجلس أكثر من ثلاث ساعات يومياً، في مكانها، بشكل يخشى معه أن تصاب بالغضروف، وقد أدخلت بحضورها الصامت لأطول فترة، تقليدا جديدا على العمل التلفزيوني، وهو وجود مشاهد في الأستوديو، وعلى أيأمنا كان هناك إعلان عن ماركة تلفزيون يروج لجودته ونقاء شاشته بالقول: «تشاهد المباراة وكأنك في المعلب»!
في الأيام الأخيرة، كنت قد اعتدت على مشاهدة «عكاشة» والصابرة المحتسبة «حياة»، فأنام على إيقاعهما، أو إيقاعه لأننا لا نسمع لها إيقاعاً، فقد كانت في حضرته مثالاً للمرأة «المعيلة» التي جار عليها الزمان، وفقدت بعلها في حادث «توك توك»، وترك لها صغاراً، فتعمل على تسيير أمورها، حتى لا تفقد وظيفتها فيتشردوا بسبب ذلك. وإن كانت في غيابه يتعالى صوتها وهي تتحدث عن «الإعلامي والنائب الدكتور توفيق عكاشة»، يبدو أنها مؤمنة به، ولا تنس أي لقب من الألقاب الأربعة حتى مع التكرار، فهو «النائب»، وهو «الدكتور»، وهو «الإعلامي»، وهو نفسه «توفيق عكاشة»!
في اللحظة التي أصدر البرلمان فيها قراره بإسقاط عضوية «توفيق عكاشة»، توقف بث قناة «الفراعين»، بقرار من الإدارة، مع أن «عكاشة» حريص دائماً على القول إنه ليس مالكاً للقناة ولكنها محطة السيدة والدته، وفي السابق كان يقول إنه مجرد مذيع بها، منتدب من التلفزيون المصري، كما لو كانت «الفراعين»، واحدة من قنوات هذا التلفزيون يجوز معها «الانتداب الوظيفي»، ومؤخراً ردد أنه مجرد «ضيف» على «الأستاذة حياة»، فقد توقف عن مخاطبتها باسمها مجرداً، وهذا التحول بدأ منذ أن أعلن أنه مرشح لرئاسة البرلمان، وحرص في هذه الفترة على أن يتكلم بوقار رجل الدولة، وقال إنه عندما كان يمثل دور «الأهبل»، فقد كان هذا ضمن خطة موضوعة لكنه في الواقع ليس «أهبلاً»، وبدأ يخاطب «حياة الدريري» بـ «الأستاذة».. لزوم التطور الجيني!
«الفراعين» التي توقف بثها، وضعت لافتة يُعلن فيها عن تصفية القناة وبيعها، وفي آخر سطر تقدم «عكاشة» بالشكر للرئيس عبد الفتاح السيسي، ربما ليجدد له البيعة بعد كل ما حصل، وربما لتبكيته، وعلى قاعدة شكراً يا أصيل، وهو يتعامل على أنه مفجر ثورة 30 يونيو التي جاءت بالسيسي رئيساً، ولأنه شريك في الحكم، فكان من الطبيعي أن يطمع في منصب رئيس مجلس النواب!
الفراغ العاطفي
بعد يوم من وجود هذه اللافتة، انقطع الإرسال تماماً، من قبل شركة «نايل سات»، فشعرت بالفراغ العاطفي خلال الليالي الطوال الأخيرة، وبينما كنت أسعى في مناكبها، وجدت «أسامة كمال» على إحدى القنوات، ربما «القاهرة والناس»، كان يتحدث عن «توفيق عكاشة»، يقدم رجلاً ويؤخر أخرى، فهو متعاطف معه، لكن لا يعرف أزمته مع من؟ ويخشى أن يقترب من سلك مكشوف فيرديه صريعاً!
فلا أحد في مصر الآن يعرف من مع من؟ وإذا كانت مصر تحكم بحسب الوزير السابق «كمال أبو عيطة» بـ «المخبرين»، يقصد الأجهزة الأمنية. وهي لا تتكامل ولكن تتصارع وتتنافس، فلا أحد يعرف الجهاز الأقوى اليوم، وهل هو نفسه الجهاز الذي كان قوياً بالأمس؟ ومع أي جهاز كان يعمل «توفيق عكاشة»؟ وهل إسقاط عضويته، كان لأنه يعمل مع جهاز كان قوياً بالأمس فضعف اليوم وتمدد آخر؟ فما أعلمه أنه قبل أن يدعو السفير الإسرائيلي للغداء في قريته أحاط جهازي «الأمن الوطني»، و»المخابرات العامة» باللقاء.
والذين قادوا حملة تصفية توفيق عكاشة من الإعلاميين، كانوا ممن يتعاملون معه على أنه رمز من رموز الوطن، وعندما تم سجنه في السابق بإيقاظ حكم نائم منذ خمس سنوات، كان هؤلاء يجرون خلفه من قسم لسجن، ويتباهون بزيارته لصحفهم بل وإلقاء المحاضرات على الصحافيين في مستقبل الإعلام!
دعك من استدعاء العاطفة الوطنية، وتبرير إعلان الحرب بأنه خرج على الإجماع الوطني بالتطبيع مع إسرائيل، فالمعروف من «عكاشة» بالضرورة انحيازه للإسرائيليين، وجلوسه معهم، وسبه أهل فلسطين ليل نهار، في وقت كان هو عندهم «الرمز الوطني» مفجر الثورة وهازم الإخوان، هذا فضلاً عن أنهم لم يفاجأوا بأن الدكتوراه التي ادعى حصوله عليها مزورة، وليست معترفاً بها من المجلس الأعلى للجامعات.
حماية عكاشة
في برنامجه قبل أسابيع قال عمرو أديب، إن سيارة من جهة أمنية لم يسمها، ذهبت إلى مدينة الإنتاج الإعلامي وإلى القناة لتحميه من القبض عليه تنفيذاً لحكم قضائي بحسبه كان قد صدر لصالح زوجته السابقة، وبذلك يكون «أديب» قد وضع النقاط فوق الحروف في هذه القضية!
كان الحكم بسجن عكاشة قد صدر قبل حكم الرئيس محمد مرسي، ولم ينفذ، وظلت الأجهزة حريصة على عدم تنفيذه، وقد خاض في عرضها، وبدت السيدة كما لو كانت تحارب قوى عظمى، فلا تستطيع أن تسكته أو تسجنه، وقد استخدم قناته «الفراعين» في الإساءة إليها، وبدت كل أجهزة الدولة عازفة عن تنفيذ الحكم، ولم ينشغل الإخوان بذلك، لكن في أخر أيام مرسي كان قد تجاوز كل الخطوط الحمراء، ويبدو أن الحكومة طلبت من وزير الداخلية تنفيذ الحكم فأرسل قواته على مضض إلى مدينة الإنتاج الإعلامي!
عكاشة في هذه الليلة، هدد على الهواء بأنه إذا اقتربت منه قوات الأمن فسوف يقتل نفسه بمسدسه، وأعلن أنه حصل على دورة في «التنشين» ويعرف كيف يصوب سلاحه إلى المنطقة التي تنهي حياته بأول طلقة.
وسائل الإعلام حرصت على نشر رواية واحدة ملخصها أنه بمجرد خروجه من إحدى بوابات المدينة، فلا يجوز للشرطة دخولها قانوناً باعتبارها منطقة حرة، صوب عكاشة مسدسه على رأسه، فآثر رجال الأمن السلامة وانصرفوا ليتبين الآن أن الرواية غير حقيقية، ومعلوم أن المحامي العام لنيابات شرق القاهرة وكان معروفاً عنه انحيازه للثورة المضادة، أصدر قراراً بوقف تنفيذ الحكم حماية للمذكور، الذي كان مكلفاً بمهمة رسمية للتمهيد للانقلاب العسكري، وبالضحك على «ذقون الإخوان» والهجوم على وزير الدفاع عبد الفتاح السيسي والقول إنه من الإخوان وإن زوجته منتقبة، والذين بلعوا الطعم، فقد كانوا يعرفون أنه ليس من الإخوان، فهو من الاختيار الحر المباشر لحسني مبارك، وأن زوجته التي كانت تحرص على حضور الدروس الدينية لزوجة الرئيس ليست منتقبة فهي معروفة لديهم، لكن هذا الهجوم أشاع روح الطمأنينة بأن السيسي مع الرئيس وأن الجيش بالتالي لن ينقلب عليه!
وبعد الانقلاب العسكري، اعترف عكاشة بأنه كان ينفذ خطة متفقاً عليها، وبدون هذه الخطة، فقد كان معلوماً للجنين في بطن أمه أن أجهزة التلفزيون في معسكرات الجيش لا تتعامل إلا مع قناة واحدة هي «الفراعين»، بغية غسل الأدمغة، استعداداً لساعة الحسم، عندما يصبح من الواجب الوطني التحرك لإسقاط الرئيس المنتخب الذي سيبيع قناة السويس لقطر، والذي تنازل عن «حلايب وشلاتين» للبشير، والذي قتل أهله وعشيرته الجنود في سيناء وغل يد الجيش عن القبض على الجناة، والذي يتآمر على الأمن القومي المصري!
تقبيل الأيادي
كان فيديو رائج على «السوشيال ميديا» يظهر «عكاشة» وهو يستجدي النائبة المعنية لميس جابر ويتوسل إليها أن تبلغ رئيس المجلس السماح له بدخول القاعة لحظة التصويت على إسقاط عضويته للاعتذار رسمياً، مبدياً استعداده لتقبيل يديها، وهو ما طلبه من كثيرين في لحظة انهيار معروفة عنه، فهو يتوحش حتى يعتقد في نفسه أنه زعيم الأمة ومفجر الثورات والسائح في الجبال، وعند المواجهة يعود لأصله في تقبيل الأيادي، كما كان يفعل مع الرائد متقاعد صفوت الشريف.
في الفيديو لم يُسمع صوت للميس جابر، مما أعطى الفرصة للقول إنها باعت زعيمها المفدى، فاستدعاها أسامة كمال على الهاتف ليعرف حقيقة الموقف في إقباله وإدباره، وإذ وضحت موقفها بأنها لم تبعه فقد طلبت من رئيس المجلس السماح له بالدخول والاعتذار، والذي أبلغها بدوره في ورقة مكتوبة أنه نادى عليه فلم يجده موجوداً، فبدأ في عملية التصويت!
توفيق عكاشة كان طوال الوقت أمام القاعة ممنوعاً من الدخول، ومنعه بدا لي هو لفتح ثغرة في قرار إسقاط العضوية، إن لم يفده الطعن عليه في العودة، فسيكون بطلانه سبباً في خوضه الانتخابات من جديد، لأن إسقاط العضوية يمنع من خوض الانتخابات على عكس الاستقالة، وقد ينجح في الانتخابات الجديدة فيكون رسالة مهمة للإسرائيليين بأن التطبيع ليس مرفوضاً من الشعب المصري ليتحرك عكاشة بحرية في هذه الساحة.
وتبدو الأسباب التي اتخذ على أساسها القرار متهافتة قانوناً، وربما أريد لها أن تكون كذلك، فهو لم تسقط عضويته بسبب مقابلته مع السفير الإسرائيلي، ولكن لممارساته داخل المجلس، والدستور يمنع أن يؤاخذ النائب بما يبديه من آراء ومواقف في المجلس!
لا تقلقوا عكاشة باق وعائد، فالسيسي لا يمكنه أن يستغني عن خدماته وإن هان علىه توفيق فلن تهن عليه حياة، التي قال السيسي إنها ابنته.
صحافي من مصر
سليم عزوز
الاستاذ سليم : لقد كنت استمتع بقراة مقالاتك وأسلوبك في
طرح المواضيع القيمة والجادة وان كانت تبدو احيانا في قالب
فكاهي . غير أني وبعد مقالك السابق حوال أستاذ الصحافة
الراحل هيكل وما بدى انه تشويه للرجل بعد ان اصبح في ذمة
الله فقد المني كثيرا وخاصة ان للرجل تاريخا طويلا وتجارب كثيرة
وحضور عربي وعالمي لا يمكن نكرانه اتفقنا معه ام اختلفنا فهو
سيبقى قامة كبيرة لا يمكن إنكارها او تجاهلها .
اعتب عليك ايها الصحفي الكبير ، ورغم هذا لن أتوقف عن قراءة
مقالاتك ،لك خالص تحياتي .
والسيسي باق ما بقي نتنياهو …..اطمئنوا
فقط فى بلد العجائب مصر يحدث الآتى; تجلس لمدة ساعة مع سفير إسرائيل بمصر, تُعتبرُ خائناً وتُطرد من البرلمان شر طردة …. تتغزل فى حكمة وحنكة وذكاء وعظمة وبهاء وجمال نتنياهو, وتجاهر بأن مهمتك الأولى فى الحياة هى حماية أمن إسرائيل, تُعتبر بطلاً قومياً, وتُنصَّبُ رئيساً لمصر, ويغنون لك تسلم الأيادى!!!!!ا
مع تحياتى لك اخى سامى
هو السيسى متى واين قال ان مهمته الاول فى الحياة هى حماية امن وسلامة اسرائيل بعكس مرسى الذى ارسل لرئيس اسرائيل خطاب يهنئ الشعب الاسرائيل بمناسبة يقوم الاستقلال ويصف الشعب الاسرئيل بالصديق والرئيس الاسرائيلى بالصديق الوفى
أحسنت أخي سامي عبد القادر لقد عبرت أحسن تعبير عما يحدث في بلد العجائب والغرائب.
أثناء زيارة السيسى لليابان الأسبوع الماضى, قال لأعضاء البرلمان الياباني: “حضارتكم تعبر عن قيم الإسلام”
Egypt is a joke now, nobody gives it any thoughts! It is just a card for the bigger players to play with!
أكثر شخص منزعج مما حصل لعكاشة هو السيسي كونه يعمل ضمن برنامج مدروس لصهينة مصر، وهذا ما نلمسة منذ أن اعتلى على كرسي الحكم حيث أطلق العنان لكل من يطعن في القضية الفلسطينية ولكل من يروج للأفكار الصهيونية، ولهذا ما جرى لعكاشة انتكاسة كبيرة للسيسي سيعمل ما بوسعة للخروج منها.
اسعدت وامتعت. ..وإن كان في الحلق غصه. ..لكنك اروع من يكتب في الشأن المصري خاصه والعربي عامه..لك كل التحيه والحب
مقال رائع كالعادة .. حفظك الله استاذ عزوز ..
السيسي و عكاشة وجهان لعملة واحدة
السيسي باق بإرادة شعبه الذى نادى به و انتخبه بنسبه ساحقه .
هذه النسبة الساحقة لا توجد إلا في مخيلتك يا أخ soliman لأن نسبة المشاركة في مسرحية ما سمي انتخابات رئاسية أصلا لم تتجاوز 8%…