أدى تزايد الاهتمام بالرواية ودخولها من لدن مبدعين من خارج الفضاء السردي، الروائي والقصصي، إلى اغتناء عوالمها وتعدد مشاربها. فالشعراء الذين انصرفوا إليها أغنوا رصيدها اللغوي، كما أن المؤرخين والباحثين من اختصاصات متعددة أعطوا ألوانا جديدة للرواية العربية بإدخال موضوعات مختلفة عما كان سائدا. ناهيك عمن دخل إليها من زاوية قراءاته المتعددة للرواية العربية، أو مشاهدة السينما الأمريكية وعمل على توليد حبكات لا تخلو من أبعاد عجيبة أو غريبة.
كل هذه السمات التي جاء بها غير الأدباء ساهمت مساهمة كبرى في تطور الرواية العربية على صعيد الكم. وجاءت مساهمة المرأة العربية في الكتابة الروائية لتضفي عليها طابعا جديدا، وسمات مميزة. يبين هذا الوضع أن الرواية بوابة مفتوحة لكل من يستطيع تقديم مادة حكائية، وعنده القدرة على صياغتها، من خلال خطاب له مواصفات الرواية في مختلف تجلياتها وتحققاتها.
وساهمت الجوائز الخاصة بالرواية لتصب في مجرى التنافس بين مختلف التجارب وأنواع الكتابات، وفي التشجيع على خوض غمارها، من خلال الإقدام على التفكير في نصوص جديدة بمجرد الانتهاء من عمل، لقي حظوة أو اهتماما ما. فما كان للرواية العربية إلا أن تعرف التراكم الذي لم تشهده في العقود السابقة. لا يمكن سوى تشجيع هذه الظاهرة، والتنويه بالعمل الذي تقوم به الجوائز في تكريس الإبداع الروائي. لكن هذا الكم الهائل من الروايات التي تصدر سنويا، رغم أنه لا يتناسب مع واقع العالم العربي، لا يمكن إلا أن يدفع في اتجاه طرح الأسئلة حول واقعها وآفاقها، في غياب المواكبة النقدية الجادة التي تقيس الرواية بميزان الإبداعية، من جهة، والمساهمة في تطوير القراءة، من جهة ثانية، والارتقاء بالوعي الفني والجمالي والفكري لدى القارئ العربي، من جهة ثالثة.
إن تطوير الرواية العربية رهين بتطوير الوعي السردي العربي، وبدون إعادة التفكير في النقد الروائي، ومواكبته لهذا الزخم الهائل من الإنتاج لا يمكنه أبدا التحول إلى كيف. وسيظل التراكم دالا فقط على كثرة الروائيين والروايات، ولكن بدون إبداع ولا قراءة ولا وعي. سيتجاور الجميل مع الرديء، وسيضيع الإبداع وراء الإسهال. ولا يكون بالإمكان تمييز نقط العروس عن بعر الغزلان؟ إننا أمام قراءات نقدية متعددة، وتطويرها مقيد بإعادة النظر والتخطيط والتنظيم.
لا يمكن للقراءة المجيزة أن تتطور لأنها مقيدة بشرط واحد هو إعلان النتيجة النهائية. وهذه القراءة قد تفلح في اختيار النص الذي سيصبح محط الاهتمام المؤقت، ولكنها لن تنجح في الاضطلاع بالدور النقدي الذي يسهم في تحقيق الأهداف المحددة للتطوير والإغناء. يمكن للجهات المنظمة للجوائز الخاصة بالرواية أن تلعب بعضا من هذا الدور، لو أنها تتجاوز ما هو محدد للجان القراءة، بإضافة إنجاز قراءات نقدية يقوم بها الأعضاء، خاصة للائحة القصيرة، بحيث يقوم كل عضو بكتابة دراسة متأنية عن إحدى هذه الروايات. وبذلك تبرز لنا قيمة هذه النصوص، من جهة، وكفاءة اللجنة، من جهة ثانية، ومساهمة في قراءة الرواية العربية قراءة نقدية، من جهة ثالثة. وبذلك يصبح للقراءة المجيزة دور في تطوير النقد الروائي.
كما يمكن للاتحادات والروابط إنجاز قراءات، بصورة دورية، لجديد الإصدارات الروائية، وألا يكتفى بالقراءة المرتجلة والانطباعية، بل تطبع هذه القراءات بعد المراجعة في كتب. وأتذكر هنا تجربتي في المكتب المركزي لاتحاد كتاب المغرب، في بداية الثمانينيات، حيث كنا نداوم على هذا النوع من القراءات، وكانت حصيلتها، بالنسبة إلي كتاب «القراءة والتجربة». وكانت تجربة مهمة. إن نقل مثل هذه القراءات إلى المدارس والجامعات قمين بتطوير القراءة، والتعريف بالإنجازات الروائية، بغض النظر عن أصحابها. ولعل لتجاوز الحساسيات والعلاقات الشخصية أن يلعب الدور المنوط به في التعريف بالتجارب المتميزة. فكم من التجارب الروائية المتميزة في مختلف أقطار الوطن العربي، لا يتعرف عليها القارئ العربي. وأتوصل، بين الفينة والأخرى، بنصوص من لدن أصحابها، يعبرون عن استيائهم من واقعنا الأدبي الذي لا يلتفت إلى إبداعاتهم لسبب أو لآخر. ويكون قد مر زمان، على صدور تلك الأعمال، وحين أقرؤها أجدها فعلا نصوصا جديرة بالاهتمام، وأنها أجود من الكثير من النصوص التي نالت جوائز، أو يكثر تداولها.
تزايد نشر الروايات في كل الوطن العربي، لا يسمح للمتتبع أن يتعرف على كل ما يصدر من روايات، بغض النظر عن قيمتها. ويمكن للإعلام الثقافي أن يضطلع بهذا الدور من خلال الإعلان والتعريف، شريطة أن يقوم بذلك صحافي محترف، يطلع على الروايات، ويقدم عنها تقريرا متأنيا. ويمكن في هذه الحالة، استكتاب طلاب الماجستير والدكتوراه لإنجاز قراءات نقدية حول جديد الروايات، فيكون ذلك إدماجا لهم في الواقع الثقافي، وإكسابهم خبرة في القراءة والكتابة، فتتحقق بذلك غايات بعيدة: الحث على القراءة، من جهة، وعلى الكتابة من جهة أخرى، وبذلك أيضا، يمكن إيجاد جسور بين الإعلام والجامعة.
تحول كم الرواية إلى كيف مشروط بتطوير القراءة، وإلا فلا قيمة للرواية ولا للقراءة.
كاتب مغربي
سعيد يقطين
تحياتي : نعم إنّ الجامعة هي أفضل ( فضاء ثقافي ) لممارسة النقد الأدبي الناضج
المرافق لسرد المنتج.ولها فائدة أخرى ضمنية ترتبط بالحفاظ على التخصص في
مضمارالكتابة ( الاحترافية المسؤولة ) بدل الهرج والمرج الذي يشهده عالم الرواية
من الكتبة.والذين يسمونهم بالهواة لمرّة واحدة.أيْ يكتبون أويكتب لهم عملاً واحداً
لأغراض غيرروائية ؛ وتتقاذف وسائل الإعلام أعمالهم ( اليتيمة ) لتضفي عليهم هالة من النشاط الثقافي في مجال الإبداع.بعدها لا يستطيعون تقديم عمل لاحق للعمل الأول الذي أرادوا به ما وراء الأكمة.ومن هنا ( يجب ) وضع المعاييروالضوابط
لمنْ يسمون بالروائيين ؛ من أهمها أنْ يكون لأحدهم عملان روائيان منشوران على الأقل لاثبات هويته في مضمارالاحتراف.{ وفوق كلّ ذي علم عليم }(يوسف76).
نشكرالدكتورسعيد يقطين على رؤيته الأكاديمية : النظرية والعملية المنيرة.
سعيد يقطين مهتم بالرواية ونقدها.رائع. انا معه في غياب المواكبة النقدية للأعمال الروائية والشعرية. قد يعتبر المبدع الروائي خططه الروائية سراً لايكشف عنه إلا الناقد الحصين، لا الناقد الزائف وراء الرداء والألقاب والندوات .في نظري أن الإبداع الحقيقي لن يضيع أمام “الأسهال الروائي” بالرغم من أن هذا الوصف يكتنفه بعض الغموض بسبب المجاز فاللغة لاتخلو من مجاز قد يطفوعلى الحقيقة ،وإذن فقد دخلنا في الخيالات ونحن مطلوبون بالتحديد ، وبتسمية الأشياء بمسمياتها.
الناقد أيضاً ينبغي أن يسمي الأشياء بمسمياتها ليستفيد منه المبدعون ويتجاوبوا معه .
في نظري ، وحسب علمي الضعيف، سوف يتميز الغث من السمين في التراكم الروائي الحالي بالمغرب ، عن طريق النقد النزيه الذي لا شك أن الأستاذ يقطين يبحث عنه ويضمر رغبته في إيجاده بالرغم من إسهابه- ولا أقول إسهاله الكتابي- العالم العربي ومنه المغاربي لم يبلغ في الإنتاج الروائي الكمي ما بلغه الغرب. والرواية ذاتها جاءتنا من الغرب فينبغي أن نحسب لذلك حسابه كما فعل كبار النقاد عندنا أمثال محمود الغنايم وغيره الواسعي الاطلاع على الآداب الغربية بتدقيق واختصار. وعن الكم الوائي الغربي غثه وسمينه يمكن إحالة الأستاذ سعيد على الإحصاء السنوي الشامل لما يطبع في الجنس الروائي، بفرنسا على سبيل المثال ، وفرنسا بثقافتها هي القريبة إلينا – نحن المغاربيين- فرنسا هذه أصبحت تتطلع إلى لغات أخرى كالإنجليزية وغزتها كلمات منها. لابد من الخروج إذن من القوقعة.
وبما ان النقد عندنا مصاب ببعض الفشل، فإن لجان القراءة في الجوائز يمكن اعتبارها صوتاً غير مستوف لشروط إنصاف الروائيين، وربما الشعراء أيضا، لأأنهم يعتمدون على اعتبارات أخرى ربما تفوق اعتبارات نقدية. لا أريد أن أطيل في هذا الموضوع بالرغم من أنه ذوشجون.
محمد الإحسايني
كاتب روائي