لفظتا: «القرآن» و»القراءة» مشتقتان من الأصل اللغوي ذاته، وهو الأصل القائم على الجذر (ق ر أ). وبما أنه لكل لفظة «معنى أصلي» هو الدلالة القاموسية لها، و»معنى ثانوي» هو الدلالة السياقية أو الدلالة المتداعية التي تختلط بالمتلقي وطاقته الذهنية والنفسية، فإن لفظة «قرآن» تعني القراءة في معناها الأصلي.
لكن تداعيات اللفظة توحي بأجراس صوتية تنفتح على دلالات الحيوية والحركة والتجدد والتعدد والاستمرارية والانبعاث، فيما تنفتح لفظة «القراءة» على الأحادية والمحدودية الظرفية الزمانية والمكانية. وبعبارة أخرى فإن «القراءة» فهم أحادي منغلق، فيما «القرآن» دلالة متعددة منفتحة. القرآن قراءة متعددة غير أحادية، ولأنه كذلك فإنه لا يجوز أن تزعم «القراءة» – مهما علا شأنها – أنها هي القرآن.
القرآن سماوي مقدس (عند المسلمين على الأقل)، فيما القراءة بشرية غير مقدسة، ويستحيل أن تزعم القراءة أنها هي القرآن. مجال القراءة هو التفسير أو التأويل، والتفسير لا يعدو أن يكون تقشيراً للنصوص، لا يلامس لبابها، في حين أن مجال التأويل هو الاشتغال على مآلات النصوص في لبابها ودلالاتها النصية. ولأن القرآن يوحي بالاستمرارية والتجدد، وجب أن تكون له قراءات متعددة، من دون أن يضعف ذلك من قدسية النص، الذي قال عنه الإمام علي «حمال أوجه».
وعليه، فإن القراءة يجب أن تسلك مسلكا مغايراً، يركز في الأصل على بنية النص اللغوية، من دون التحرج من إضاءات السياقات الخارجية، التي لا تدخل ضمن التركيبة البنيوية للنص، مثل الظروف المحايثة، وواقع القراءة، الأمر الذي يمكن أن يجعل عدد القراءات فيما يخص «المعنى الثانوي»، مساوياً لعدد القرَّاء، لأن كل قارئ يقرأ النص، يكوّن فكرته الخاصة المرتكزة على تجاربه الروحية، واستعداداته النفسية، ومعارفه العقلية، حتى إن كانت القراءة في ما يخص «المعنى الأصلي» واحدة أو محدودة الدلالات. وبالنسبة لآيات الجنة والنار في القرآن الكريم ـ على سبيل المثال ـ هناك العقل الأحادي الذي ينطلق في قراءته من منطلق حسي، ولا يرى في الجنة أكثر من «بستان عنب ورمان أو سوق للخضار والفاكهة»، في حين يرى النار أشبه ما تكون بهولوكوست كوني مرعب تفرم فيه أجساد المجرمين، حسب التأويل الحسي للوصف الذي تورده النصوص القرآنية للنار.
وفي المقابل هناك القراءة التي يمكن أن تنفتح على عالم من الثراء الدلالي الذي يمكن أن ينفتح عليه النص، مرتكزة على حقيقة أن عالم الجنة والنار هو عالم غيبي، وما النصوص الواردة في توصيف هذا العالم الغيبي إلا إشارات موجزة إلى عالم هو أكثر تعقيداً، بشكل لا يمكن لإمكانات اللغة أن تنقله، أو للعقول البشرية أن تستوعبه، حسب النص: «فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر». ولو أخذنا على سبيل المثال الآية «فيها فاكهة ونخل ورمان»، فإن القارئ الذي ينطلق من أحادية القراءة بنى فهمه للآية السابقة على أساس أن الجنة «دكان خضار وفواكه»، ونسي أو أغفل أن آية «مَثَل الجنة التي وعد المتقون…»، بدأت بالبنية النصية «مثل»، في إشارة إلى أن كل ما سيأتي بعدها يجب أن يحمل على محمل «التمثيل» الذي يتوخى تقريب دلالات العالم الغيبي إلى عقل الإنسان ووجدانه، وبذا يظهر حجم الخطأ الذي وقع فيه صاحب قــــراءة «دكان الخضار» في فهم هذا النص. وينبغي هنا ألا نغفل حقيقة أن المتلقي الأول للنص القرآني كان العربي البسيط الذي يحتاج إلى التمثيل الحسي في وصف العالم الغيبي، ولا شــك أنه ليس هناك من هو أحوج من ذلك الشخص لألفاظ مثل التي وردت في الآية، لإثارة خياله البعيد، نحو هذه الجنة الغيبية التي مثلت لنا في صورة بستان من الفواكه، ثم نسينا أن البستان مجرد صورة للأصل، وذهبنا نجعل الصورة أصلاً راسخاً في القراءة الأحـــادية الضحلة.
من هنا يمكن القول إن القراءة أشبه ما تكون بالترجمة، ولكنها ترجمة داخل اللغة ذاتها للنص ذاته، والقراءة الحرفية هي الترجمة الحرفية، والترجمة الحرفية لها ضررها الكبير على السياقات الدلالية، لأنها تغفل السياقات الثقافية والتاريخة التي تولد فيها النص، كما تغفل الشروط السـيكولوجية والسوسيولوجية والذهنية للقراءة. إن واحدة من أهم معضلات «العقل المسلم» – اليوم في تصوري – تكمن في أن القراءة السائدة هي تلك القراءة التي أنتجتها ظروف تاريخية مغايرة، مع أن القراءة يجب أن تكون مبنية على أساس من ظروف التلقي المعاصرة، لكي نتمكن من أن نبدع قراءتنا المعاصرة بأداوتنا المعرفية المرتبطة بسياقاتنا الحضارية، من دون أن يعني ذلك إغفال القراءت الماضية، مع التأكيد على ضرورة عدم سقوط القراءة في غياهب الماضوية التاريخانية المنبتة عن واقعنا المعاصر.
ويتجلى الإشكال – في جانب منه – في الانتقائية في فهم النصوص، تلك الانتقائية التي أدت إلى قراءات مبتسرة لا تستقيم، كما أن ربط الدلالات النصية ببعضها، ولَّد فهماً أحادياً في القراءة، أدى بدوره إلى نظرة أحادية في تأويل تراثنا وتاريخنا بشكل أعم.
وتتجلى خطورة «القراءة الأحادية»، في تفكير جماعات التطرف التي تغفل نصوصاً واضحة مثل «لا إكراه في الدين»، ومثل «فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وتأخذ بنصوص أخرى تقول بحمل الناس على الإسلام. مع أن النصوص القرآنية أقرت التعددية الدينية في الآية «إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين، من آمن بالله واليوم الآخر، فلهم أجرهم عند ربهم، ولا خوف عليهم ، ولا هم يحزنون».
وأخيراً، أعتقد أن منهج القراءة المتعددة للقرآن يجب أن يسود في ما لو أراد المسلمون اليوم الخروج من المأزق النصي والحضاري الذي صنعوه لأنفسهم، بفعل اعتماد مناهج في القراءة تقوم على حتمية الدلالة وقطعيتها في نصوص هي أصلاً منفتحة على دلالات متعددة.
٭ كاتب يمني من أسرة «القدس العربي»
د. محمد جميح
نحن بحاجة الى المعاصرة التي لا تنبت عن الاصول ولا تجزيء فهم الدلالات القرءانية والحديثية التي اتت شارحة للقرءان الكريم في السنة النبوية نحن بحاجة الى فتح الدلالات على مصراعيها بنصي الكتاب والسنة لا باحدهما والى اعتماد الية القراءة المتجددة الى مداها الفكرة الرائعة التي اشار اليها بيانك السامق في فهم كلمة قرءان وتمييزها عن قراءة، نحن والاسلام من قبل في كل عصوره عانى من النصية في الفهم ومن المبالغة ايضا في التاويل الى حد الانحراف عن اصل اطلاق اللفظ والفكرة الاساسية اذن نحن بحاججة الى اصالة تحفظ ضوابط التاويل والى بلوغ المدى في استخدام اليات تجديد القراءة التي حتما هي ابعد مما يتصور كثيرون تجدد المعاني وانبعاث حياتها ابدا الى لحظة القيامة اشار الله تعالى له (قل لو كان البحر مدادا لكلمات ربي لنفد البحر قبل ان تنفد كلمات ربي ولو جئنا بمثله مددا )
ولو ان ما في الارض من شجرة اقلام والبحر يمده من بعده سبعة ابحر ما نفدت كلمات الله ان الله عزيز حكيم ) صدق الله العلي العظيم وشكرا لقلمك الرائع سيد جميح
تحياتي للدكتورمحمد جميح…وهل الحكمة إلا يمانية ؟ إنما أقول إنّ لا علاقة البتة بين القراءة والقرآن.بل القرآن اسم غيرمسبوق قائم بذاته مثل : التوراة والإنجيل
مشتقّ من قرْن القوم.وهوسيدهم الذي لا يغلبه غلاب ولا يقف دون كرمه مدّكرولا علل ولا أسباب ؛ وإذا قرن به غيره علاه.هوالسّيد حينما ( للزمان ) وأينما ( للمكان ) وكيفما ( للحال ).ولعلّ أبوجهل خيرمنْ عبّربضميرالشأن : ( إنه يعلوولا يُعلى عليه ).وهومن باب المقارنة…فما اقترن به شيء إلا قرنه بالبرهان والحقّ ؛ فكان عليه المهيمن بملكوت الصدق حتى يقرّبين يديه بالسيادة والقدَمة والقيادة…لذا فهوقرآن ؛ من لدن عالم الغيب والشهادة الرحمن.
إنما أضمّ صوتي مع صوتك بضرورة الانفكاك من قواقع التفسير( العتيقة) التي أصبحت اليوم ( مقدّسة ) ولا مقدّس إلا النصّ الربّاني المنزل وهوالذكر.وهذا لن يتأتى إلا بسيادة تفسيرجديد علمي حضاري لآيات القرآن الكريم ؛ برؤية عصرية للمعاني ؛ تتناسب مع العلم المؤمن…لأنّ ( أحدث تفسيرمتداول ومعتمد حتى اليوم ) مضى عليه أكثرمن سبعة قرون من الزمن الغريب.والكلّ ( ينهل ) منه.
والمفتروض أنْ يكون ثمة تفسيراً للأجيال كلّ قرن ( مائة عام ).لأنّ القرآن لفظه ثابت قديم غيرمخلوق ؛ فيما التفسيرمتجدد خلاق ؛ لأنه مرتبط بتطوّرالمعاني.إنما المنتفعون من ( استقرار) التفاسيرالعتيقة في حياتنا الثقافية حتى الآن حالوا دون محاولة جادة لتجديد المعاني ؛ فحالوا دون ظهورتفسيرجديد…وهذه هي القارعة.
وشيء مهم ؛ وأعني أنّ دلالات ألفاظ القرآن لها خصوصية المعنى والصورة الدقيقة ؛ فهي لا تشبه في الغالب ظاهراللفظ العام الذي نتداوله في حياتنا اليومية.
لأنّ السياق القرآني يعتمد علوم البلاغة الثلاثة ( من حقيقة ومجاز) لتحقيق السعة
والتوالد في المعاني ؛ عليه فإنّ معاني اللفظ القرآني نجدها في الأحاديث النبوية والشعرالعربيّ خاصة :( الجاهلي والأموي ) ومعاجم اللغة والبلاغة.وتأسيساً عليه : إنّ كلّ حؤلة وعقبة عن الحقّ ؛ سيعقبها طوفان الموت المحقق.ألم تقرأ في قصة النبيّ نوح مع ولده : { فحال بينهما الموج فكان من المغرقين }(هود43). إنّ تفسيرالقرآن لا يصلح له إلا العلماء الخشّع من أصحاب الشهادات في الكيمياء والفيزياء والطبّ والهندسة والتاريخ والجغرافية واللغة والبلاغة وعلوم الاجتماع وعلم النفس والرياضيات والاقتصاد ؛ لأنه منهج عملي الوظيفة ؛ لبناء حضارة إنسانية مؤمنة في الأرض.وليس (الفضائيون) أصحاب أنصاف الكـُم الفضفاض.
مع الودّ.
تصويب لغوي : ( والمفتروض أنْ يكون ثمة تفسيراً للأجيال كلّ قرن ( مائة عام ).
والصواب : ( والمفترض أنْ يكون ثمة تفسيرللأجيال كلّ قرن ( مائة عام ).
هذه قضية قديمة فالمبالغة في التأويل (الباطنية) استفزت و اثارت الخوف في جماعة المسلمين و كانت ردة الفعل المبالغة في الالتزام بالنص و التمسك بتفسير السلف (السلفية)
ارى ان التطرف هو اصل المشكلة
شكرا أخي محمد جميح “كلام عين العقل” كما يقال بالسوري
تصويب للدكتور جمال البدري للكلام الذي نسبه لأبي جهل والصحيح هو للوليد بن المغيرة وهو كالآتي: “سمعت منه كلامًا ليس من كلام الجن ولا من كلام الإنس، والله إن له لحلاوة، وإن عليه لطلاوة، وإن أعلاه لمثمر، وان أسفله لمغدق، وإنه يعلو ولا يُعلى عليه”.وقد نطق بالحق،والحق ما شهدت به الأعداء.
الأخ محمد جميح،
كما قلتُ تعقيبًا على مقال واسيني الأعرج «الثقافة العربية بين مسدس غوبلز وسيف الفقيه» (ق ع، 9 آذار 2016)، إن المشكلة الثقافية الكبرى التي تعاني منها الأغلبية الساحقة من الشعوب العربية إنما هي مشكلة القراءة أولاً وآخرًا. وإضافة إلى ذلك، فإن مما ترتَّب على هذه المشكلة الثقافية الكبرى، على صعيد العلاقة الزمنية بين سيادية واستبدادية الطبقات الحاكمة وبين عبودية واستذلالية الشعوب المحكومة، هو تحديدًا إحلال «القراءة» الأحادية والمنغلقة الدلالات للنص الديني محلَّ «القراءة» المتعددة والمنفتحة الدلالات لهذا النص الذي تأوَّج في «القرآن». فماذا كانت عواقبُ هذا الإحلال القهري، إذن، سوى تلك الأمراض والأسقام النفسية والاجتماعية والحضارية الخطيرة التي ابتُلي بها العرب والمسلمون على مدى قرون وقرون؟! أطرح هذا التساؤل بكل مرارة وحزن، وسواءً كانت اللفظتان «القرآن» و«القراءة» مشتقتين من الأصل اللغوي ذاته، وهو الأصل القائم على الجذر (ق ر أ)، أم لم تكونا على غرار ما جاء به الأخ جمال البدري (وعلى فكرة، يا أخ جمال، هناك تصويب لغوي آخر، *ولعلّ أبو جهل: ولعلّ أبا جهل).
غير أن أحرف الزيادة التي أُضيفت إلى مجموعة المصادر المشتقة من فعل من الأفعال، أو جذر من الجذور، لها دلالتها النفسية السياقية الخاصة قبل أن تكون لها دلالتها اللغوية السياقية الخاصة، وإلا لما أُضيفت هذه الأحرف في المقالم الأول. فمثلما أن هناك فروقًا دلالية هامَّةً بين مجموعة المصادر التي يقتضيها الفعل «خَفَقَ» (نحو: «حَفْقًا» و«خُفُوقًا» و«خَفَقَانًا»، إلخ)، على سبيل الثال، فإن ثَمَّةَ فروقًا دلالية هامَّةً بين مجموعة المصادر التي يقتضيها الفعل «قَرَأَ» (نحو: «قَرْءًا» و«قِرَاءَةً» و«قُرْآنًا»، إلخ) كذلك. ناهيك، بطبيعة الحال، عن مجموعة المعاني المعجمية أو القاموسية التي اقترنت بهذا الفعل الأخير على مرِّ الزمن.
ولمن يحبُّ الاطلاع – قرَأ الكتابَ ونحوَه: تتبَّع كلماته نظرًا سواءً نطق بها أم لم ينطق (نحو: قرأ فلانًا، وقرأ لفلان، وقرأ الحزنَ أو أيَّ شعور نفسيٍّ آخرَ في وجه فلان). قرَأ الكتابَ ونحوَه أيضًا: جمعه وضمَّ بعضه إلى بعضه الآخر (نحو: «فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْءَانَهُ»). وقرَأ الغيْبَ: تكهَّنَ به (نحو: قراءة الكفّ، وقراءة المستقبل، وقراءة ما بين السُّطور). وقرَأ على فلانٍ السلامَ: أبْلَغَهُ إيَّاه. وقرَأ على فلانٍ النحوَ: دَرَسه على يديه. وقرأت الحامل: ولدت، إلى آخره، إلى آخره.