اخترت الكلمات

حجم الخط
0

حافظ الاديب دافيد غروسمان وهو واحد من أكبر الادباء الذين عرفهم الادب العبري، وواحد من أكثر الاشخاص تواضعا فيمن نشأوا في الثقافة الاسرائيلية، حافظ مدة طويلة على الابتعاد عن وسائل الاعلام، لا لانه فقد الامر بسبب الوضع الامني، او لان رأيه استقر على رفع يديه استسلاما عما يتعلق بالمسيرة السياسية.
بعد سقوط ابنه اوري في حرب لبنان الثانية مرت عليه فترة صعب عليه فيها أن يجد كلمات، وكانت الكلمات هي التي اعادته آخر الامر الى الحياة.
‘ان الكتابة نفسها فيها اختيار للحياة’، يقول غروسمان في مقابلة خاصة ستنشر في ‘يديعوت احرونوت’. ‘هذ شيء أتذكره في الفترة التي تلت سقوط ابننا. ان القدرة على الانتاج وايجاد الخيال والحب والشوق وحس الفكاهة كل ذلك كان القوة التي تستطيع أن تعمل على مواجهة ثقل الاسى والحداد. وبعد ان اصابتنا الكارثة تلقيت الكثير من رسائل التعزية من ادباء في العالم. وكتب جميعهم تقريبا بنفس الاسلوب قائلين: ‘ليست عندنا كلمات’. وهم الناس الذين يعدون اساتذة الكلمات الكبار في العالم اليوم ويقولون انه ليست عندهم كلمات. وفي الحقيقة في الفترة الاولى بعد الكارثة لم تكن عندي بالطبع كلمات ايضا. بالعكس شعرت حتى بانها بغيضة اليّ. لكنني أتذكر آنذاك انني فكرت في أنه اذا اصابني هذا الشيء وأُرسلت الى هذه الجزيرة النائية فانني اريد على الاقل ان ارسم خريطتها في طريقي وطريقي هي طريق اعطائها الكلمات. ان كتابة كتابي ‘ساقط من خارج الزمان’ الذي أتى بعد الكارثة كانت صعبة على نحو غير عادي، لانه كان معناها ان آتي في كل صباح الى الغرفة التي اكتب فيها وادخل نفسي بالقوة في وضع اكون فيه على اتصال باصعب شيء حدث لي في حياتي. لكنه شيء حدث لي في حياتي واذا كان قد حدث لي فانني اريد ان اكون فيه وطريقي الى أن اكون فيه هو طريق الكتابة فهذا ما اعرف فعله. ولا اعرف ان اكون في الاشياء بطريقة اخرى سوى طريق الكتابة’.
في مقابلة صحافية مؤثرة يعود غروسمان الى كتابه ‘انظر مفهوم: الحب’ الذي صدر في سنة 86 ويتحدث عن مسار عمله، وعن الكتابة نفسها، وعن قوة الكلمات وعن الغنى الادبي الموجود في اسرائيل وحب الفضول الذي يثيره في العالم. ويتحدث عن السلام باعتباره البديل الوحيد للكارثة. ‘انا مدمن ما يحدث ههنا’، يبين. ‘وانا اخمن انني كنت أستطيع أن احيا حياة طيبة جدا في اماكن شتى في العالم لكنها اماكن ليست لها صلة بي واسرائيل ذات صلة بي. ان ما يحدث ههنا ذو صلة بي حتى حينما يصيبني بالجنون’.
ان الشر عند البشر من النقاط المركزية التي تشغل غروسمان في كتابه ‘انظر مفهوم: الحب’. ان هذا الكتاب الذي يعود الى فترة المحرقة يحاول ان يفهم كيف يمكن ان يكون انسان سوي قد أدى بالبشرية الى كارثة كبيرة جدا. ويبين قائلا: ‘الشر اليوم مخادع. اليوم خصوصا يعبر الشر عن نفسه بعدم اكتراث ينبع من اليأس من تغيير الاشياء والاصلاح. انك لتشعر مرات كثيرة بان الناس الذين هم في اساسهم اناس اخيار وعدول واخلاقيون فيهم يأس من امكان تغيير اشياء كثيرة تحدث حولهم’.
ويتناول غروسمان بتوسع نشاطه في الدفع بالسلام قدما، رغم أنه يلقى كما يقول عدم اكتراث يثير الغضب. ‘عندنا فيل ضخم في حجرة منذ 46 سنة وطورنا طرقا عجيبة للعيش مع الفيل من غير ان نشعر به. لست مثاليا ساذجا لكنني بصفتي انسانا يثير غضبي التعامل مع عمل كهذا. توجد دائما اسباب كثيرة تبين لماذا لا نفعل شيئا ما وكل الذين يقولون ان ذلك سيفضي الى كارثة لا يفهمون الكارثة التي سيجلبها عدم السلام. ورغم الاحتمالات الضئيلة لا زلت اقول انه يجب علينا ان نسمع هذه الكلمات طول الوقت لتكون هناك. وان نترك طريق وعي امكان السلام هذا مفتوحا طول الوقت. وان نبين للناس مبلغ كون وضع عدم السلام مدمرا، لانهم لا يشعرون بذلك ولان الناس يريحهم هذا الوضع فهم لا يدركون كم هو خطر. وبهذا المعنى اتابع واقول هذا الكلام في كل منتدى استطيع أن اقوله فيه. وان اعتقد أن كل كتبي من ‘ابتسامة الجدي’ الى ‘ساقط من خارج الزمان’ تتناول المشكلة التي يسببها لنا هذا العمى. ولهذا ليس عند الكثير من الامال والتوقعات من مجتمعنا الذي لا يريد ان يعلم بصورة عميقة وفعالة’.
ويقول غروسمان ان ‘انقلاب الوعي سيأتي على يد من يقودنا أو سيقودنا في المستقبل، ويدرك انه لا يمكن سوى ذلك. هذا شيء قد يحدث لنتنياهو ايضا. وقد يكون القرار ايضا نتاج ضغط خارجي من الولايات المتحدة، خاصة وانا اعتقد في هذا المعنى حقا ان الرئيس اوباما هو الامر’.
اجتمع غروسمان مع الرئيس اوباما حينما زار رئيس الولايات المتحدة منزل الرئيس بيرس وقال له الرئيس الامريكي انه قرأ كتبه. ويقول غروسمان ان ‘اسرائيل موجودة في وضع هزيل جدا لن ينقذها منه سوى تغيير حاد جدا يأتي من الخارج. ورغم وهم الفعل والانتاج فانني اعتقد ان كل اسرائيلي في اعماق قلبه يدرك اننا نحيا بموازاة حياة كنا نستطيع ان نحياها.
وستنشر المقابلة الصحافية الكاملة مع غروسمان في اطار ملحق خاص لـ’24 ساعة’ احتفاء باسبوع الكتاب الذي يتناول انتاج الادب العبري المميز. ويشارك سوى غروسمان: عاموس عوز، وأ.ب يهوشع، ومئير شلو وغيرهم الكثير.

يديعوت 4/6/2013

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية