الجدل البيزنطي يعود إلى اسطنبول مرة ثانية

حجم الخط
0

عملية الاستعصاء التي عاشها مؤتمر الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة المنعقد في اسطنبول منذ 23 أيار/مايو الماضي وما يزال، أثار تساؤلات مراقبين عن الأسباب التي تقف حجر عثرة أمام المؤتمر لاتخاذ مواقف حازمة من الملفات العالقة، فلا يستطيع اتخاذ قرارات بشأنها. إذا كان أعضاء الائتلاف يعتقدون أن هناك من هو وراء الأكمة يعرقل إنجاز ملفات المؤتمر، ويخاف أن يشير مجرد إشارة إلى الجهة أو الجهات التي تعطل مسيرة الائتلاف الوطني في مؤتمره هذا أو قبله وربما بعده، فليسمح لي السادة أعضاء الائتلاف أن أقول لهم: ليس هناك من أحد يكمن وراء الأكمة إلا أعضاء الائتلاف أنفسهم. وإلا فإنهم إن كانوا أكْفاء للمهمات التي انتدبوا أنفسهم لها، فإنهم سوف يعطون ‘أذنا من عجين واذنا من طين’ لكل من يحاول أن يفرض عليهم أجندة غير الأجندة السورية الحرة، التي نذروا أنفسهم لها في خدمة الثورة. حتى الآن نجد أن الائتلاف يدور في حلقة مفرغة بين نفوذ الدول العربية ونفوذ الدول الأجنبية، حيث تدور مصالح تلك الدول ورغباتها.
لا يفوتنا هنا أن نؤكد أن أعضاء الائتلاف الوطني لم ينبثقوا ديمقراطيا عن الثورة السورية مباشرة ولا بصورة غير مباشرة. أي أنهم لم يأتوا بانتخاب ولا بشبه انتخاب. ليسمح لي أعضاء الائتلاف الموقرون أن أسألهم واحدا واحدا: أيها السادة الـ63 عضوا، من انتخبكم أعضاء في الائتلاف؟
ما هو مؤكد ولا يحتاج إلى برهان أنه ليس ثمة هيئة عامة منوط بها استقبال طلبات الأحزاب وهيئات المجتمع المدني لتضم أشخاصا منها، كأعضاء في الائتلاف. واقع الحال يؤكد أنه ليس هناك هكذا هيئة وطنية جرى اختيارها ديمقراطيا بمواصفات لها صفة القبول عند الثوار وعند الشعب السوري تستطيع أن تقبل أو ترفض. إذن فنحن مضطرون للقول ان تشكيل الائتلاف تم خارج العرف الديمقراطي.
هذه النتيجة البسيطة كانت هي سبب كل التعثر الذي واكب مسيرة الائتلاف الوطني. فإذا كانت الهيئة القيادية (رئيس الائتلاف ونوابه والأمين العام)، قد جاءت بالانتخاب، فإن كون أعضاء الائتلاف جاؤوا بطريق غير ديمقراطي، كما بينا آنفا، جعل أعضاء في الائتلاف ومن خارج الائتلاف يطعنون بوصول الهيئة القيادية ديمقراطيا إلى مناصبهم. قد لا يكون هذا التمهيد كافيا لقراءة المشهد الذي يحيط بالائتلاف، لكنه يلقي ضوءا وإن كان شاحبا، على المشهد.
ما يؤجج نار الألم بالنفوس أنه بينما يستعد حسن نصر الله ومقاتلو النظام للإطباق على مدينة القصير، كان مؤتمر اسطنبول منشغلا بالحصة الإضافية التي تمنح لمجموعة ميشيل كيلو في الائتلاف، وهل تكون 8 أعضاء أو 25 عضوا؟ ما أعاد إلى اسطنبول مرة ثانية – يوم كانت تسمى القسطنطينية – مشهد ‘الجدل البيزنطي’عندما كان محمد الفاتح يستعد للإطباق على القسطنطينية العاصمة الرومانية في ذلك الوقت، بينما كان رهبانها وقساوستها يتجادلون في سفسطات تافهة قسمت المشهد البيزنطي، رغم توسل الإمبراطور قسطنطين الحادي عشر لهؤلاء لتوحيد الكلمة والوقوف في وجه السلطان العثماني المسلم.
مع أن القضية أكبر من تحديد نقاط بعينها، كان على الائتلاف أن يتجنبها، لكن لا بأس أن نذكّر ببعض تلك النقاط. فقد أصبح معروفا أن واشنطن كانت أهم داعم لتشكيل الائتلاف حتى يكون واجهة تقبل ما تريده واشنطن من هذا الائتلاف، بأن يكون الطرف المقابل لنظام بشار الأسد في مفاوضات جنيف2، فيقبل ما تمليه واشنطن في هذه المفاوضات. وعندما اكتشف معاذ الخطيب رئيس الائتلاف المستقيل ما تريده واشنطن، لم يكن الحل بأن يستقيل، بل كان الحل بأن يصمد في وجه الابتزاز الأمريكي، لأن استقالته سهلت على واشنطن ما تريد.
وإذ نقر بأن أعضاء الائتلاف لديهم الأهلية ليمثلوا الثورة في هذا الموقع، فإنا نؤكد أنهم ليسوا هم العينة الوحيدة بين مواطني الشعب السوري الذين يملكون هذه الأهلية، فهناك المئات، إن لم نقل الآلاف، الذين هم أهل لهذا الموقع. لقد كان من المفترض أن يسبق الائتلاف الأزمات التي عرقلت لقاءه في اسطنبول وهو يبحث مشكلة عضوية المنبر الديمقراطي، فيجعل من الائتلاف كله لجنة تعمل على إيجاد طريقة ديمقراطية لاختيار ائتلاف آخر يضم مقاتلين من الجيش الحر وآخرين معارضين من كافة الأطياف من كل المحافظات، فيتشكل من الائتلاف الجديد برلمان للثورة أقرب إلى الديمقراطية من الائتلاف الحالي، الذي تم تشكيله بتوافق قلة قليلة من الرموز.
مهما كان حجم التحفظات التي سجلها مؤتمر اسطنبول على مؤتمر جنيف2، فلن تكون إلاعينة صغيرة من الاعتراض الكبير الذي يبديه الجيش الحر على جنيف2، لاسيما أن واشنطن بقيت ترفض تقديم أي سلاح نوعي مضاد لطائرات بشار الأسد، لترغم قادة الجيش الحر على أن يقبلوا ما يُفرض عليهم على الأرض من أوزان، كما آل إليه الأمر في الآونة الأخيرة.
إذا كان مؤتمر الائتلاف في اسطنبول استطاع في ربع الساعة الأخير مساء 30 مايو، أن يتفق على إضافة 43 عضوا للائتلاف القديم، فإن هذه الإضافة لن تغير كثيرا من الأمر، وسيبقى الخلاف على العضوية والمناصب هو السمة التي تحكم هذا الائتلاف، لأن هذه الإضافة لن تلغي المطامح من نفوس أعضاء الائتلاف! وما خفي كان أعظم.
استطرادا فقد رأينا ما تعرض له الإخوان السوريون من انتقادات لفقها، بدون وجه حق، أعضاء في المنبر الديمقراطي وهم يزعمون أن الإخوان ‘كوشوا’ على الائتلاف، فلربما كان الموقف الأصح الجريء الذي على الإخوان المسلمين اتخاذه هو الانسحاب من الائتلاف، وتوجيه كل قواهم لدعم وحدات الجيش الحر. ولن يمضي وقت طويل حتى يكتشف إخوان سورية أن مكانهم الحقيقي هو بالقرب من كتائب الجيش الحر. وربما افتقدتهم ساحة معركة القصير كفئة إسلامية معروفة بصلابتها في مواجهة حسن نصر الله.
الإخوان المسلمون السوريون سجلوا خسارات عندما قبلوا الدخول في الائتلاف ـ ومن قبله في المجلس الوطني- كفئة بحجم صغير لا تناسب حجمهم في ساحة المعارضة، وإن زعم زاعم بأنهم يشكلون الأكثرية في الائتلاف. فقد كان انسحاب المراقب العام السابق للإخوان المسلمين علي صدر الدين البيانوني من اجتماعات مؤتمر اسطنبول مؤشرا قويا الى عدم قبوله بما يحصل داخل الائتلاف.

‘ كاتب سوري

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية