الأردن: ملك متواضع ونخب «مغرورة»

بالنسبة لبعض النخب والمسؤولين في الأردن الاقتراب من القصر الملكي وأحيانا من الملك شخصيا في اطار العمل والتكليفات لا يتحول خلافا للمعهود والمنطوق الملكي نفسه إلى طاقة ايجابية من طراز تلك التي يمكن اشتمامها وتلمسها في كل ثنايا خطاب الاصلاح والتطوير الملكي.
في بعض الحالات وللأسف الشديد يتملك بعض المسؤولين الغرور فيتجاهلون الطاقة الايجابية التي تأمر بها المرجعية ويحولون اتصالاتهم النافذة إلى طاقة سلبية يتم بثها وتسويقها حتى في اطار زملائهم بالمسؤولية.
المسؤولية في بلد كالأردن لا ينتخب فيه المتصدرون واصحاب القرار التنفيذي ولا تفرزهم قواعد انتخابية او عملية ديمقراطية ينبغي ان تكون دوما تكليفا لا تشريفا وبوصلة للعمل الجاد والدؤوب ولأخلاقيات التواضع.
ينسى بعض كبار المسؤولين ان المرجعيات منحتهم فرصة الصدارة ليس لسواد عيونهم او للإمكانات العملاقة المتراكمة في طاقاتهم وليس لأن وصفهم مقطوع ولأن الاردنيات لا ينجبن أمثالهم، ولكن لأن طبيعة وتركيبة البلد الاجتماعية تتطلب وجود كفاءات تكنوقراطية في بعض المواقع ونخب تتصدر في اطار المحاصصة الاجتماعية في مواقع اخرى.
الغرور يقضي على الموهبة والكفاءة.. تلك مسألة يمكن تلمسها بوضوح في بلد كالأردن عند تقييم طريقة اداء وحوار وترفع بعض المسؤولين الذين أتيحت لهم الوظيفة العليا لاعتبارات لا تتعلق اطلاقا بعدم وجود بدائل لهم، فبٌنية المجتمع الاردني مليئة بأصحاب الكفاءة الذين يغمرهم الاقصاء والتهميش ولا يحصلون على فرصة عادلة في خدمة البلاد والنظام ومؤسسات الدولة، اما لأنهم يحاربون كما يحصل دوما بسبب قدراتهم او لأنهم لا يمثلون طبقة الكريما التي اختطفت بعض العشائر الاردنية وهي تحتكر التمثيل او لأن الضعفاء في الادارة والحكم يطاردون في قوانين الفيزياء الطبيعية الأقوياء بدل استثمارهم والاستفادة منهم.
التعالي يقتل الكفاءة والمهنية وفي بعض الحالات التي نسمعها كصحافيين وكمواطنين يمكن القول بأن أخلاق التواضع الهاشمية والملكية لا تصل لسبب غامض بعض المسؤولين والمساعدين والمرافقين وتلك مسألة بطبيعة الحال تخص الطبيعة التراتبية في النظام والمؤسسات.
ينسى من أتيحت لهم فرصة الاقتراب من مركز القرار في بعض الحالات أنهم يخدمون ويقومون بالواجب تحت مظلة ملك شاب حمل بيديه الاداة التي تنقل التراب وشارك في دفن الشهيد راشد الزيود امام عشرات الآلاف من الاردنيين وهو يسقط كل البروتوكولات فتختلط دمعته امام الكاميرات بالتراب الذي يهيله على جثمان شهيد الواجب.
قد نقول كأردنيين وكمراقبين وغير اردنيين عشرات القصص والحكايات التي نعترض فيها على اداء ومواقف الدولة الاردنية وقد نلاحظ حتى على خطاب الاداء لأعلى وأرفع المسؤولين في الدولة وقد ننتقد ونتهم بالعبثية او المعارضة لكن العدالة والانصاف وبالرغم من عدم فهمنا أحيانا لكيفية ادارة الامور تقتضي الاشارة إلى ان الملك عبد الله الثاني سجل علنا وبصورة تلقائية عشرات المواقف التي تنطوي على أخلاقيات التواضع.
عندما اصطدمت سيارة أحد المواطنين بسيارة اخرى في موكب ملكي وبدا المواطن مجروحا توقف الملك ورفض الاستمرار وأصر على ان يعاين طبيبه الخاص المواطن الجريح ثم أمر بدون كاميرات ولا إعلام بمنح المواطن سيارة بدل التي ضربتها سيارة الحرس الملكي.
قد يقال في الاردن ومواقفه السياسية الكثير لكن الملك شخصيا نزل لمساعدة الناس وفوجئوا به عشرات المرات خلال العواصف الثلجية.
أشك شخصيا فيما سيحصل مع بعض الوزراء الذين يرتدون أغلى القمصان والازياء بمن فيهم وزير الخارجية الصديق وحتى مدير مكتب الملك لو أنهم اضطروا لا سمح الله لاحتضان ومعانقة اردني فقير في قرية نائية او لو اضطروا لتناول فنجان الشاي على بساط بائس بغرفة فراش ارضي في زقاق أحد المخيمات او لو سمعوا امرأة ما يعلو التراب ثوبها وتقود مجموعة من الخرفان تخاطبهم بأسماء آبائهم.
أتخيل الكوميديا التي يمكن ان تنتج عن مشاهد من هذا النوع يواجهها الملك المتواضع يوميا ودائما وابدا.
مشكلتي شخصيا تكمن بان مثل هذه الأخلاقيات في التواضع لا نلمسها تحديدا عند بعض المسؤولين الكبار الذين تتطلب طبيعة عملهم الاقتراب من مؤسسة القصر الملكي او حتى العمل فيها.
طبعا لا نطالب صديقنا ناصر جودة بتقبيل ثلاثة آلاف اردني صبيحة يوم العيد ولا نطالب صديقنا الدكتور جعفر حسان بتلبية دعوة خار ج البروتوكول والبرنامج أثناء عمل رسمي لمواطن فقير قوامها الجلوس على مصطبة إسمنتية وشرب كأس من الشاي يعلوه الذباب.
ما نطالب به قدر أقل من النزق والانفعال واحترام الموقع والصلة والتواصل وتقدير الزملاء وعدم الترفع عنهم.
نسمع بصراحة من سفراء أجانب تقييمات واحداث جارحة وطنيا عن النزق الذي يؤطر الخطاب الموجه لهم من قبل بعض المغرورين في الادارة الاردنية.
ونسمع بأسف من سفراء يخدمون مملكتهم بصمت عن صعوبات تواصلهم مع مركز وزارة الخارجية ومن وزراء ومسؤولين ونواب واعيان عن تلك النظرة الفوقية المترفعة المليئة بالنفاق التي تصدر عن زملاء لهم في الادارة يتطلب عملهم الاقتراب من السياق المرجعي.
نختلف مع رئيس الوزراء الدكتور عبد الله النسور مثلا اونتفق معه إلا انه يضرب مثلا حقيقيا في التواضع والإصغاء.
نختلف بشدة مع كل ما هو فكري وسياسي عند رئيس الديوان الملكي الدكتور فايز الطراونة لكن نقر له بتواضعه في الخطاب وبأدبيات الحوار مع الآخرين وبالإصغاء لصاحب حاجة او ضعيف وبالأمانة في نقل الرسالة والأمر والتوجيه والتكليف.

٭ إعلامي أردني من أسرة «القدس العربي»

بسام البدارين

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    تحية لملك الأردن على تواضعه لشعبه
    والسؤال هو :
    لماذا لا يقتدي به أعضاء حكومته ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول العجلوني:

    اه شكلك سامع طنطنه انه وزير الخارجية بجوز يشكل حكومه
    والله ما اظن حط ببطنك بطيخة صيفي الحكومة الجاية شمالية بامتياز
    ومن وزن جديد قد يكون من القلعة عجلون
    قد تكون مفاجئة لك لكن حسب المعطيات اما من عجلون او جرش 100%
    دورهم

  3. يقول يوسف احمد:

    استاذ بسام
    لا تقتصر هذه السلوكيات على بعض النخب الاردنيه فهو وباء متاصل على مستوى العالم العربي فالتعالى والتكبر على الغير وسوء المعامله لا تلمسها فقط في المراكز الاداريه فهي منتشره في كل المواقع وما عليك الا ان تزور سفارة او قنصليه عربية في اي مكان في الدنيا سوف تجد ذات الاخلاق والممارسات والتعالي في المعامله وكان المواطن المراجع جاء ليستجدي
    تقول اللوائح بان الزائر للاردن الحامل لجواز سفر اجنبي عليه ان يسجل حضوره في اقرب مركز شرطه من سكنه وبالفعل توجهت الى احد هذه المراكز فقابلني شرطي برتبه شاويش ( السلام عليكم فاجابني بعنطزه نعم ايش في ؟ ولما اخبرته باني اريد التسجيل اشاح بوجهه وقال بنفره هناك) وللحقيقه دخلت وانا اعلق بصوت مسموع على تصرفه قابلني شاب وسيم برتبه (كابتن) وسألني عن السبب فرويت له ما حدث فتبسم وطيب خاطري وقال لا تعتب عليه فهذه اخلاقه
    اوردت هذه الحكايه تأكيدا لرأيك بانه لا يخلو القمح من بعض الزيوان

  4. يقول حسين الفاعوري - الاردن:

    عزيزي الاخ بسام على مدى التاريخ الهاشميين مدرسة عريقة في التواضع وخدمة الناس شتان بينهم وبين من حولهم

إشترك في قائمتنا البريدية