عندما نتحدث عن الدويتو (الثنائي) في الغناء العربي فإن الكثير منا سيتذكر فورا المطربة الكبيرة شادية، التي ربما قدمت العدد الأكبر من أغاني الديو الناجحة على صعيد الغناء العربي.
وعلى الرغم من أن ليلى مراد ورقية إبراهيم وغيرهما سبقوا هذه التجارب، إلا أن شادية استطاعت ان تحتل مكانة متميزة وهي تغني بصوت فيه الكثير من الغنج والجمال والقبول لدى قاعدة جماهيرية عريضة، في الوقت نفسه شاركت شادية عددا كبيرا من نجوم الغناء العربي مثل، الموسيقار الكبير فريد الأطرش في أغنية «يا سلام على حبي وحبك»، ولعلنا جميعنا أيضا نتذكر أغانيها مع العندليب الأسمر في أغلب أفلامهما المشتركة. ولو عدنا إلى زمن أسبق سيتذكر أيضا الكثيرون أغاني محمد جمال مع طروب اللذين كانا في زمانهما أشهر ديو فني على الإطلاق، ولم يرتبط اسمهما فقط بالغناء عبر أغانيهما المشتركة، بل إنهما ارتبطا بزواج أثمر شراكة فنية رائعة. ولا ننسى موسيقار الأجيال عبد الوهاب ونحن نتحدث عن الثنائيات في الغناء، وتقفز فورا إلى ذاكراتنا أغنيته مع المطربة راقية إبراهيم «حكيم عيون». وعندما غنت المطربة أصالة على خشبة المسرح أغنية «على اللي جرى» مع المطرب صابر الرباعي أعادا الأغنية إلى الواجهة بقوة، وبدأ جمهور جديد من الشباب يسمع الأغنية ويتناقلها بشغف، بعد أن أصبحت على شكل ديو جميل جمع بين فنانين محبوبين لهما جماهيريتهما الكبيرة. أغلب الديو ارتبط في الغناء العربي بالعاطفة، وهكذا كان أغلب من اجتمعوا فيه مطربا ومطربة، ومع هذا كانت هناك حالات ديو جمعت بين مطربتين او مطربين، فيما ارتبطت غالبا الأغاني الوطنية بمجموعة من أصوات مطربين ومطربات مختلفين. وأنا أكتب هذه السطور بدأت ذاكرتي فعلا تستعيد زمنا كان يجتمع فيه العمالقة في غناء بسيط ورائع في الوقت نفسه، فالديو غالبا ما يعتمد البساطة، سواء في الكلمات أو اللحن، ونادرا ما اعتمد الديو على التطريب، بل على العكس من هذا اعتمد على رشاقة وسرعة الجمل موسيقيا، وخفة التنقل بين الجمل الحوارية. فكرة الغناء حين يجتمع فيه أكثر من صوت يحبها جماهير الموسيقى، كما انها ايضا قد تلهمهم عاطفيا بحوارات بينهم وبين من يحبون، وفي الأفلام السينمائية يحب الجمهور أن يرى مطربين في أدوار وبطولات ثنائية وغناء مشترك.
يحدث أحيانا أن يتمنى مطرب او مطربة لو كان عاش في زمن العمالقة الجميل، ولو كان ذلك الزمن أتاح له فرصة غناء مشترك مع نجم من نجومه، وربما هذا ما فكرت به المطربة شيرين عبد الوهاب وحققته عبر كليب جميل حينما غنت «أهواك» برفقة العندليب عبد الحليم حافظ، حتى أن تقنية التصوير بالأبيض والأسود والغناء المشترك، رسم حالة تبدو كأنها حقيقية، وربما حققت شيرين رغبتها وحلمها في مشاركة العندليب الأسمر أغنيته حتى لو في الخيال. ألم يبن الخيال أجمل أحداث العالم؟ نجوم هذه الأيام بحثوا عن فرص لغناء ثنائي، وطالما فكروا بأن يقدموه لجماهيرهم في عيد الحب، هكذا غنى الكثير منهم أغاني ديو، مثل عمرو دياب بديو مع محمد منير، كما غنى هاني شاكر مع شيرين ومجد القاسم مع مي كساب، وغنت آمال ماهر مع عبادي الجوهر وغيرهم الكثير. يتجه كثير من العازفين المعروفين لتقديم حفلات ديو أو حفلات تجمع أكثر من عازف واحد، وغالبا ما يتجهون نحو أطراف جديدة في العالم، فالموسيقى لا تعرف حواجز اللغة، وتستطيع التحاور من غير حواجز. وقد استمعنا إلى تجارب عديدة ملهمة على هذا الصعيد، ويحضرني الآن العمل المشترك بين الصديقين مارسيل خليفة وشربل روحانا في تجربتهما الجميلة التي حملت عنوان «جدل» ، وأتذكر أيضا متعة شخصية تخصني حينما استضافني عازف الجاز العالمي وينتون مارسيليز كضيف شرف في حفله، ومن دون سابق تدريب أو تمرين، قدمت مع فرقته فقرة لن أنساها.
على الصعيد الشخصي أحاول أحيانا الإفلات من مساحات المفرد للتحليق بصيغة الجمع، وعندما يكون شركاء المجموع على درجة ما من التفاهم الروحي والانسجام نحلق معا، وغالبا ما استمعت إلى آراء الجمهور الذي أحب هذه التجارب ويطالب بالمزيد منها. لن أذهب في رحلتي الشخصية مع الديو لأنها رحلة طويلة، ولكن الشيء بالشيء يذكر، وفكرة الثنائيات تستطيع أن تقدم أعمالا جميلة، في كل فنون الحياة على اختلافها، فجمع ريشة رسّام يرسم مع عازف يعزف، تبني خيالا مختلفا عن المفرد، وفكرة راقصة على مسرح مع عازف فلامنغو تغري الجماهير وتلهب حماسهم.
موسيقي عراقي
نصير شمه
عززي استاذ نصير كم أنت جميل في نشر معان عديده ومتعددة الاتجاهات في تعريف اللحن الموسيقي وتأثيره الذوقي على المتلقي ،