نجاح موجة «الثورات المضادة» في العالم العربي لا يعني مطلقاً إعادة الأنظمة البائدة إلى مكانها، وعودة الأنظمة السابقة إلى الحكم وحسب، وإنما يتم حالياً إنتاجُ أنظمة جديدة في العالم العربي أكثر استبداداً من السابقة، وأكثر توحشاً ضد معارضيها وأكثر فتكاً بشعوبها.. وهذا أسوأ ما في الثورات المضادة.
أصبح واضحاً أن الشعوب العربية على موعد مع موجة استبداد جديدة، وأن القمع الذي عاش العرب في ظله لعقود طويلة سابقة ليس سوى شيء يسير من الموجة التي تنتظر الشعوب التي فشلت في الإطاحة بأنظمتها، ولن تتوقف المشكلة على الشعوب التي فشلت في التحرر، وفشلت في اقتلاع الأنظمة البائسة التي تحكم بلادها، وإنما ستمتد رياح الاستبداد عبر الخريطة العربية بأكملها بسبب أن الأنظمة المستبدة لن تسمح بأي نسمة حرية في محيطها، أو الدول المجاورة لها، أي أن موجة الاستبداد المقبلة ستطالُ العرب من المحيط إلى الخليج بسبب «الثورات المضادة» التي أطاحت بأحلام الشعوب في دول عربية معدودة على أصابع اليد الواحدة.
إذا لم يكن العرب بانتظار موجة جديدة من القمع والاستبداد فماذا يعني وجود أكثر من 42 ألف سجين سياسي في مصر، التي يزعم نظامُها أنه نتاج «ثورة يونيو»؟ وما فائدة ثورة تنتج معتقلين سياسيين ووسائل إعلام مغلقة بدلاً من إنتاج مزيد من الحرية؟ وماذا يعني استمرار القتل في سوريا؟ وانقلاب الحوثيين في اليمن؟ وملاحقة الثوار في ليبيا والمسلمين السنة في العراق؟
نجحت «الثورات المضادة» ونجح الانقلاب على «الربيع العربي»، وبدأ الناس اليوم يدفعون الثمن، والمشكلة أن الاستبداد لن يتوقف على الدول التي فشلت ثوراتُها، وإنما يمتد إلى أغلب – إن لم يكن كل- الدول العربية، فالأنظمة المتوحشة الجديدة لن تسمح بوجود هامش حرية أكبر في دول الجوار، والأنظمة التي ظلت صامدة ولم تسقط ستظلُ تخشى من أن تواجه «ربيعاً» كالذي واجهته جاراتها، وهكذا نفهم كيف قامت قواتُ الأمن السودانية بقمع الطلاب المحتجين في الخرطوم قبل أيام، وقامت قوات الأمن الأردنية بإغلاق مقرات الإخوان، وتقوم السلطات في أكثر من دولة عربية بسجن مواطنيها عقاباً لهم على تغريدة عبر «تويتر» أو بوست عبر «فيسبوك»!
أمام المعطيات الراهنة فإن النصيحة التي يمكن إسداؤها تكون باتجاهين، الأول للأنظمة في العالم العربي، ومفادُها أن القمع والاستبداد يمكن أن يصمد، لكنه لا يمكن أن يستمر طويلاً، خاصة أن أغلب نظريات الثورة في العلوم السياسية تتحدث عن أن الشعوب التي تنجح في التغيير الثوري ولو مرة، يتغير سلوكها في كل مرة، وتصبح «شعوباً ثورية»، وهي نظرية لو أسقطناها على النظام في مصر مثلاً فإن النتيجة ستكون أن الرئيس السيسي بمقدوره أن يمارس القمع والاستبداد لفترة من الوقت، لكن المؤكد أنه يستحيل أن يصمد لثلاثين سنة، كما صمد الديكتاتور المخلوع من قبله.. لأن المصريين نجحوا في التغيير الثوري سابقاً وسينجحون به مستقبلاً.
أما الاتجاه الثاني للنصيحة فهو موجه للقوى السياسية في العالم العربي، التي ينبغي عليها اليوم أن تفهم أن الواقع قد تغير، وأن اللعبة اختلفت، وأن ظروف اليوم ليست كظروف الأمس، وما كان متاحاً في الأمس لم يعد ممكناً اليوم، وأن عليها أن تتكيف مع واقع جديد وأنظمة جديدة وهامش حرية أكثر تدنياً من السابق، وذلك حتى تضمن ممارسة العمل السياسي بأقل الخسائر. ثمة عالم عربي جديد يتشكل، وثمة منطقة جديدة تتكون، وربما تتغير الخريطة وتتبدل خطوط سايكس بيكو، لكن المؤسف أن العالم العربي بات مقبلاً على مرحلة جديدة من القمع والاستبداد كتلك التي تلت مرحلة التخلص من الاستعمار والاحتلال الأجنبي، وربما أسوأ، وهي مرحلة لا يمكن التخلص منها إلا بثورات مكتملة وليس ثورات ناقصة أو ثورات مضادة.
٭ كاتب فلسطيني
محمد عايش
كما أن الثورات المضادة أتت بأنظمة أكثر قمعية
فإن الثورات القادمة ستكون أكثر عنفا وسيكون هدفها الإنتقام
والحل هو بتوحد الشعوب خلف شعارات تدعوا لتغير بمعونة منشقين عسكريين
فهناك الكثير من العسكريين الشرفاء الذين لا يريدون قتل الشعب ولا إضاعة الدولة
والسؤال هو :
ألم ينقلب العسكر المصري سابقا على الرئيس اللواء محمد نجيب ؟
ولا حول ولا قوة الا بالله
هل سيحصل تغيير؟ وما هي ماهية هذا التغيير؟
الوعي الشعبي هو الاساس في التغيير.
و للاسف فان اعداء شعوبنا الخارجيين و اعوانهم المحليين قد ادركوا المعادلة. و برعوا في تغييب الوعي الشعبي حتى ان الكثيرين من الشعب نفسه باتوا يمجدون الظلم و الاستعباد و الاستبداد و الفساد. و لم يعد حتى ضروريا التستر بالطلاءات التجميلية مثل مكافحة الاستعمار او تحرير فلسطين او الوحدة العربية او الجماهرية الخ..
لقد تم تسميم المنابع. تم تسميم الانظمة التعليمية كما ونوعا. ثم الاعلام ثم المساجد و الدعوة.
و الاخطر ان المخرج الوحيد لمن يرفض هذا الواقع هو الهجرة او السجن او الموت.
و يبقى ان اثر العدو الخارجي ما زال هو الاكبر و هو الداعم للعدو الداخلي الذي يعمل بسوء نية او بحسن نية لخدمة العدو الخارجي.
امثل الحالة العربية كالمريض الذي تناول دواء ، لكن لم يشفيه من مرضه فحصلت له نكسة، فتفاقم عليه المرض أشد من الأول … حالة طبيعية إن لم يتناول الدواء اللازم والكمية المطلوبة لإعانة الجسد علي ذلك المرض، فتتكون للجراثيم مناعة وتصبح أقوي وأشد…. في تونس مثلا كان التعامل مع الثورة المضادة بقيادة الأنظمة المستبدة ، بكل لين و لطف، بل فسح لهم المجال للرجوع للساحة بكل وقاحة ، بل تري هذه الأيام من يمجد بالعهد البائد في وسائل الإعلام ليلا نهار…. علما وأن الثورات التي نجحت ، عملت علي إقصاء كل من له صلة ولو بسيطة لتلك الأنضمة البائدة… المم تبني بالإرادة والحزم لا باللين والعواطف…. مصيبتنا نحن العرب عاطفيون أكثر من اللزوم ، والعاطفة لا تبني مستقبل بلد.
إرادة الشعوب ستغلب بإذن الله..وبقدر وطأة الإستبداد يأتي لهيب الثورة ..ولن تكرر الشعوب أخطاءها.. لن تكون ثورة ناقصة أبدا..إستئصال الأنظمة المستبدة مهما تعمقت جذورها هدف الثورات القادمة..ولكن بلا إنتقام .. وإنما محاكمات عادلة لرد المظالم و إستعادة الحقوق..مع ترك ممرات آمنة للأنظمة التي تعي الدرس وتجنب شعوبها تكاليف التغيير الدامي..
أبدعت محمد عايش..
نتمنى من الكتاب والمثقفين في العالم العربي المزيد من تشخيص الحالة الراهنة..
ومزيد من طرق الالتفاف على أنظمة القمع العربية..
البحث عن طريق خلاص من استبداد حكام الضرورة..
بوركت..