نهاية العالم… متى؟

أعلن عالمان أمريكيان مؤخرا عن احتمال وجود كوكب أضخم من الأرض، يدور حول شمسنا ولكن في مدار بعيد جدا متجاوزا مدارات كواكب المجموعة الشمسية المعروفة وسمياه الكوكب 9. ولم يثر هذا الإعلان اهتماما غير عادي حتى بداية هذا الشهر، عندما نشرت صحيفة أمريكية أن هذا الكوكب وبطريقة غامضة سيرسل سيلا من النيازك باتجاه الأرض ليحطمها وينهي عالمنا، وأن هذا سيحدث هذا الشهر.
وقالت الصحيفة كل هذا بدون توضيح الأسباب التي دعتها لنشر خبر من هذا النوع. وسارع العلماء لتكذيب هذا الخبر مؤكدين أن وجود الكوكب 9 ليس مؤكدا، وأنه حتى إن كان موجودا فلن يهدد الأرض بأي شكل كان. ولكن ما هذا الهوس بنهاية قريبة للعالم الذي ينتاب الكثيرين والذي يجعلهم يتنبؤون بها، بل مع تحديد المواعيد. ومن الذين ركبوا هذه الموجة أشهر عالم في تاريخ بريطانيا وهو اسحق نيوتن (1642 – 1726) الذي قام بحسابات على أسس غير علمية إطلاقا ليصرح بأن نهاية العالم ستقع عام 2060. وعدد هؤلاء المتنبئين كبير ويمتازون بوجود من يصدقهم بل يتحولون إلى قادة لتجمعات عقائدية منظمة، وطبعا ما أن يثبت خطأ توقعاتهم حتى يعودوا من جديد مدعين أنهم قاموا بخطأ رياضي، مقدمين تاريخا جديدا وهلم جرا.
ففي عام 1822 ادعى الأمريكي وليام ميلر أن نهاية العالم ستحل عام 1843 وعندما لم يحدث شيء في تلك السنة عاد وقال بأن النهاية الموعودة ستكون يوم 22.7.1844 وعندما مر ذلك اليوم بسلام أطلق على ذلك اليوم اسم «الخيبة الكبرى» ولم يتوقف الرجل عن الإدلاء بمثل هذه التوقعات، بل أسس تنظيما لا يزال موجودا حتى اليوم، ويدلي بتوقعات مماثلة بين الحين والآخر. وقامت الأمريكية دوروثي مارتن بتوقع نهاية العالم في كانون الأول/ ديسمبرعام 1954، وعندما خابت آمالها وآمال اتباعها لعدم وقوع الكارثة ادعت بأن محاولاتها الدؤوبة للحول دون وقوع الكارثة قد نجحت، إلا أن النهاية مقبلة لا محالة بتاريخ جديد، وهكذا ضمنت بقاءها في دائرة الشهرة وضمنت أيضا وجود من يتبعها من السذج حتى وفاتها عام 1992. ولكن أشهر المتنبئين مؤخرا هو الأمريكي هارولد كامبنغ الذي قدم العديد من البرامج الإذاعية حول الموضوع وقام بحملة دعائية منظمة، حيث وصف يوم نهاية العالم كحدث رائع وجند أتباعا من مختلف أنحاء الولايات المتحدة، وما أن خابت الآمال لعدم تحقيق توقعاته حتى قدم توقعات جديدة لم يكن مصيرها أفضل من سابقاتها، واعتقد الكثيرون أن حملته ستتوقف بوفاته إلا أنهم كانوا مخطئين فقد استمرت جماعته بحملتها لتتنبأ بتواريخ جديدة. وطالما أننا في عصر الإنترنت فإن لهذه الجماعات مواقع وأشهرها يستلم حوالي 260000 زائر في الأسبوع الواحد. ولكن من الخطأ الأعتقاد أن هذا التفكير محصور في العالم الغربي، ففي اليابان ظهرت جماعة أوم شينريكيو. وتوسع التنبؤ ليكون موضوعا للعديد من الكتب وطبعا الأفلام السينمائية التي تؤثر على المشاهدين بدرجات متفاوتة.
لقد بدأت ظاهرة التنبؤ بنهاية العالم وإعطاء تواريخ محددة لهذا في القرن الأول الميلادي، إلا أنها زادت بشكل ملحوظ بعد نهاية الحرب العالمية الثانية وقد أثبتت الدراسات أن الناشطين في تحديد نهاية تاريخ العالم تختلف خلفياتهم كما تختلف تفسيراتهم عن أسباب النهاية وكيفية حدوثها حسب الزمن وأصحاب الادعاء. فمثلا هناك من يدعي أن زيادة حرارة الأرض ستتسبب نهاية الأرض وهذا الادعاء ممل بعض الشيء لأنه تدريجي ويخلو من الحدث الدراماتيكي.
ومثال آخر هو ارتطام نيزك أو كوكب بالأرض وأكبر من يدعم هذا، الأفلام السينمائية التي لا تتوقف عن سرد هذا الادعاء، بالإضافة إلى النظرية القائلة بأن الديناصورات انقرضت بسبب حادث مماثل قبل 60 مليون عام، وإن حادثا مشابها حدث مؤخرا في منطقة سيبيريا عام 1908 محا 2000 كم مربع من غابات المنطقة، ومن الطبيعي أن العلماء لا يستطيعون الجزم في استحالة حدوث أو عدم حدوث هذا، ولكنه بالتأكيد احتمال بعيد جدا، وهناك اعتقادا آخر وهو أن مرضا جرثوميا أو فطريا سينتشر في جميع أنحاء العالم ليقضي على البشرية، بل أن هناك الجراثيم المصنعة من قبل الإنسان، ويبرز هذا الاعتقاد كلما ظهر مرض جديد مثل، الأيدز وإنفلونزا الطيور وسارس. ولم يسلم علم الآثار من هذه الظاهرة، فقد ادعت بعض وسائل الإعلام أن حضارة المايا في جنوب المكسيك التي قضى عليها الغزاة الإسبان في القرن السابع عشر، آمنت بنهاية العالم في 2012 وصدق البعض هذا الادعاء على الرغم من تصريح العلماء بأن هذا لم يكن سوى تحريف لمعتقدات المايا، وطبعا لم ينته العالم في ذلك العام.
ومع تقدم الزمن تأخذ هذه المعتقدات أشكالا جديدة مثل غزو من الفضاء الخارجي وقد ساعد في هذا الأفلام السينمائية مثل فيلم «غزو خاطفي الأجساد» وفيلم «حرب العوالم» الذي صدق الكثيرون نسخته الإذاعية إلى درجة أنهم أعتقدوا أن التمثيلية كانت خبرا مما جعلهم يهربون من منازلهم وقد أخذت قصة الفيلم من رواية شهيرة للكاتب البريطاني الشهير أج. جي. ويلز (1886 – 1946) نشرت عام 1898 بل أن البعض أدعى بأنهم فعلا قد خطفوا من قبل كائنات من الفضاء الخارجي وقام أحدهم بإلقاء محاضرات في جامعات أمريكية حول تجربته هذه قبل أن يتم الكشف عن أن كل ما أدعاه كان كذبة كبيرة. ومن الطرق المؤدية إلى نهاية العالم المقترحة من قبل المدعين أيضا ابتلاع ثقب أسود للأرض، أو أن تقوم الشمس بذلك (يعتقد العلماء أن هذا قد يحدث بعد سبعة أو ثمانية مليارات سنة، فلا داعي للقلق) أو أن أشعة غاما مقبلة من الفضاء الخارجي أو حربا نووية تحدث بين الدول العظمى لتنهي الحياة على الأرض. وحسب الكاتبين أوليفر ستون (المخرج السينمائي الشهير) وبيتر كوزنيك فقد انتشر هذا الاعتقاد بشكل خاص في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين إلى درجة أن بعض الناس بنوا ملاجئ في منازلهم ضد الانفجارات النووية وأبلغوا جيرانهم أنهم في حالة حدوث كارثة نووية وحاول الجيران دخول الملاجئ فإن أصحابها سيمنعونهم. ومن طرق حدوث نهاية العالم أيضا، حسب زعمهم، أن رجالا آليين من صنع الإنسان خارجين عن سيطرة العلماء الذين صنعوهم يسيطرون على الأرض ويقتلون البشر، أو انفجارا بركانيا رهيبا أو غزوا من نمل هائج بالإضافة إلى انهيار اقتصادي عالمي وأفكار خرافية أخرى.
ولكن ما هي أسباب ظهور هذه التنبؤات الغريبة؟ يعتقد علماء علم النفس أن الذين ينجرون وراء هذه المعتقدات أناس في حالة من اليأس، ففي رأيهم أن عالمنا مليء بالأخطاء والمشاكل التي لا يمكن حلها من قبل الإنسان العادي ولذلك فإنه ستحل كارثة بالعالم لتنهي كل شيء وتكون هذه نهاية المشاكل ومسببيها وربما يبدأ بعد ذلك عهد جديد سيكون بالتأكيد أفضل مما هو عليه الآن. وهناك الذين يريدون الشهرة لأي سبب حتى إن قالوا شيئا غير معقول مثل إعطاء تاريخ محدد لنهاية العالم وأنهم على علم بأسرار الكون. والمشكلة هي أن البعض يصدق هذه الادعاءات، بل أن هناك من كان له رد فعل مؤسف فمثلا عندما سمعت امرأة من كاليفورنيا ما قاله هارولد كامبنغ أصيبت بالذعر وخشيت على ابنتيها أن تواجها هذا العذاب في هذه النهاية المأساوية فطعنتهما بأداة لفتح الصناديق وحاولت الانتحار ومن حسن الحظ أن السلطات نجحت في إنقاذ الثلاثة، ولكن رجلا مسنا في تايوان نجح في الانتحار عن طريق القفز من سطح مبنى. أما جماعة أوم شينريكيو التي ورد ذكرها أعلاه فإنها لم تتوقع نهاية العالم فحسب، بل قررت القيام بعملية النهاية بنفسها عن طريق إطلاق غاز سام في إحدى محطات طوكيو للأنفاق عام 1995. وهناك منظمة بوابة الجنة الأمريكية التي آمنت بنهاية العالم وكان من أسس اعتقادها برنامج تلفزيوني خرافي شهير فما أن ظهر مذنب في إحدى الليالي حتى اعتقدت الجماعة بأن النهاية قد حلت فانتحر ثمانية وثلاثون عضوا منها عام 1997، ومن الجدير بالذكر أن هذه المنظمة قامت بالتأمين على أعضائها لدى إحدى شركات التأمين ضد الاختطاف من قبل كائنات من الفضاء الخارجي.
سيستمر المتنبئون في تنبؤاتهم حول تاريخ نهاية العالم ويزداد عدد المصدقين الذين تتراوح درجة تعليمهم بين العلماء وغير المتعلمين بسبب الإعلام من كتب وأفلام سينمائية وبرامج تلفزيونية وإذاعية، تضاف إلى ذلك أسباب أخرى مثل الشعور بالكآبة والوحدة اللتين أصبحتا من سمات المجتمعات الحديثة والجمعيات والمنظمات، بالإضافة إلى أن الدورات التدريسية حول نهاية العالم في ازدياد وأخذ بعض المؤمنين في هذه الموضوع في التحضير للنجاة بأرواحهم عند حدوث النهاية، فهناك من يجمع المواد الغذائية أو يبني الملاجئ وأشياء أخرى ليتحول الأمر إلى تجارة أو صناعة تضيع الأموال والوقت الثمين.

زيد خلدون جميل

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    يَسْأَلونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلَّا بَغْتَةً يَسْأَلونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْهَا قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ. {لأعراف:187}.
    وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم لما سأله جبريل عليه السلام: متى الساعة ؟ قال: ما المسؤول عنها بأعلم من السائل. متفق عليه.
    إذا لا يعلم نهاية العالم إلا الله وحده
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول خليل ابورزق:

    مقال جميل شيق

إشترك في قائمتنا البريدية