لندن ـ «القدس العربي» : أكد الدكتور عبد الله الدردري، نائب الرئيس التنفيذي للجنة الاقتصادية والاجتماعية لغربي آسيا التابعة للأمم المتحدة (الاسكوا)، ونائب رئيس الجمهورية السورية للشؤون الاقتصادية (سابقاً) أنه من الضروري جداً انطلاق عملية التحضير لإعادة بناء ما تهدم في سوريا عمرانياً وإنسانياً في السنوات الخمس الماضية من الآن وعدم انتظار نتائج مفاوضات السلام التي جرت وتجري حاليا بين الفئات المتنازعة (السلطة والمعارضة) في جنيف أو غيرها.
وكان الدردري، الذي ترك منصبه في القيادة السورية، منذ سنوات، بسبب عدم استطاعته تنفيذ برامج الإنماء التي وضعها وعمل جاهداً لإنجاحها يتحدث في ندوة نظمها «المعهد الملكي للشؤون الدولية» (تشاتهام هاوس) في مقره في لندن إلى جانب الباحث في «مركز الدراسات السورية» في جامعة سانت اندروز البريطانية عمر العمادي وقدما فيها تقريرهما المشترك بعنوان «سوريا في حالة حرب» الذي وضعاه بمبادرة من «الاسكوا» والجامعة.
وأدارت الندوة الصحافية العراقية البريطانية مينا العريبي. استهل الدردري كلمته في الندوة بالقول إنه كان وما زال علينا ان نعالج جذور الأزمة في سوريا واذا لم نفعل ذلك لن نستطيع اعادة بناء سوريا (عنوان الندوة كان «كيف بالامكان اعادة بناء سوريا»). ومعالجة جذور الأزمة، برأيه، تتطلب وضع عقد اجتماعي جديد بين جميع الفئات السورية لكي تدرك هذه الفئات ماذا ستجنيه سياسياً واقتصادياً واجتماعياً من تنفيذ عملية السلام. ومفاوضات السلام في جنيف، برأيه، ضرورية ولكنها ليست كافية، إذ ان التوقيع على معاهدة سلام وحده يختلف عن بناء السلام. وبناء السلام يتطلب انشاء مؤسسات فاعلة توضح ما هي الأولويات التي ستحصل عليها هذه المنطقة أو تلك وهذه المجموعة الجغرافية والاقتصادية أو الأخرى. وهذه المؤسسات الجديدة يجب ان تقرر من اين تبدأ عمليات البناء، حسب الحاجات الماسة للمناطق المختلفة، وما هي الخدمات التي ستقدمها لهذه المناطق (الكهرباء والمياه والمنازل في مكان البيوت المهدمة والمدارس والمستشفيات). ما يعني بان توقيع السلام ليس في ما يُكتب على الورق، بل بما يشعر كل مواطن سوري بانه حصل عليه بالفعل مما يحفزه على العودة إلى سورية إذا كان مهاجرا والبقاء فيها.
وهذه العملية، حسب قوله، هي عملية سورية اولاً تنفذها الايدي السورية في الداخل والسلطة الجديدة والجهات السورية النافذة والقادرة مالياً في الخارج، بالتعاون مع الدول الاجنبية والمؤسسات الدولية، وليس العكس. اذ ان الاكثرية الساحقة من السوريين (في الداخل والخارج) ترغب بالبقاء أو العودة ومستعدة لبذل المجهود لتحقيق هذا الامر، ولكن المطلوب الثقة بالمؤسسات الجديدة التي يجب ان تنشأ وتعيد اللحمة بين السوريين وتجذب الاستثمار.
وأسف الدردري لغياب اي برنامج اقتصادي فاعل في سوريا حالياً مع ان بلده كادت ان تحقق خططها وبرامجها الاقتصادية قبل وقوع الأزمة وبرغم وجود طاقات صناعية وزراعية كبيرة لدى الشعب والارض السوريين وبراعة السوريين في الحقل التجاري والاقتصادي. المطلوب حالياً، حسب تقديره، لإعادة بناء سوريا ما يوازي الـ270 مليار دولار، والدول المانحة ليست قادرة على توفير هذا المبلغ. وإذا لم يضع المستثمرون السوريون القادرون مالياً جزءاً من استثماراتهم في سوريا، فلن يضعها الآخرون، وهذه الاستثمارات يجب ان توازي الـ180 مليار دولار على الاقل للعودة إلى الناتج المحلي الخام الذي كان متوقعاً في عام 2016.
اما بالنسبة إلى مشاريع التقسيم أو الفدرالية وتطبيقها في سوريا، فالدردري يرفضها لأنها برأيه ستؤدي إلى حروب ونزاعات اثنية وطائفية جديدة وتبعد أي استثمارات مطلوبة لاعادة البناء. وربما من المفيد انشاء الادارات المحلية المناطقية لتسهيل عملية التطبيق، ولكن بقاء السلطة المركزية والدولة السورية الواحدة امران اساسيان لنجاح أي مشروع بناء. وطبعاً المطلوب أيضا الشفافية والمحاسبة للمسؤولين عن ادارة البلد في شتى المجالات.
ولدى سؤاله عن طبيعة السلطة الجديدة المطلوبة لتنفيذ عمليتي السلام الداخلي وإعادة البناء، اشار إلى ان القرار الدولي رقم 2254 يحدد طبيعة هذه السلطة التي هدفها الأساسي يجب ان يكون اعادة اللحمة إلى سوريا، وفضّل عدم الدخول في التفاصيل عندما أعيد السؤال عليه في فترة الأسئلة والأجوبة. وطَرحَ تساؤلات حول جدّية أمريكا والاتحاد الأوروبي والدول المانحة في تنفيذ تعهداتها للمساعدة المادية والمالية لسورية، وخصوصاً تلك منها التي وعدت سوريا بها في المؤتمرات. وقال انه اينما ذهب وبحث هذا الموضوع يقال له ان هذه الجهة أو تلك تمر بأزمة مالية. ولذلك استخلص التقرير انه من الضروري الاعتماد على السوريين القادرين واصدقائهم واقناعهم بالاستثمار في سوريا. وهذا الامر سيساهم في عودة الـ12 مليون سوري المهاجرين إلى سائر انحاء العالم والذين برأيه اينما وجدوا سيشكلون عنصراً ايجابياً، ولكن قولبهم دائما موجهة أولاً للعودة إلى بلدهم.
كما انتقد الدردري وزميله العمادي العقوبات الاقتصادية التي فرضتها المجموعة الدولية على سوريا والتي تؤثر سلباً على امكان تقديم المؤسسات الدولية المساعدة إلى البلد ولا تحقق غاياتها ازاء السلطة. وأكد بأن مشروع إعادة بناء سوريا يتطلب دعماً معنوياً من سائر الجهات الإعلامية ومؤسسات المجتمع المدني والقوات الضاغطة شعبياً في العالم، وليس فقط الدعم المالي والمادي، لأن انتشار الأمن والاستقرار في سوريا سيساهم بشكل مباشر في انتشار الأمن والاستقرار في سائر أنحاء العالم، كما اثبتت الاحداث الاخيرة، ويجب لكي ينجح السلام والبناء في سوريا التأكيد لابناء البلد ان هناك مستقبلاً لهم ولاولادهم وان العالم ليس عدوهم. وهذا يفسر ان البناء الاقتصادي والعمراني يجب ان يرافقه بناء اجتماعي وانّ تسليح الفئات المتنازعة لكي تقتل بعضها الآخر لا يحقق الهدف المنشود.
واختتم بالقول ان السلام في سوريا لن يتحقق في اليوم التالي لتوقيع معاهدة السلام بل يتطلب مجهوداً كبيراً ولفترات طويلة تتحسن فيها الأوضاع تدريجياً لكن يجب وضع الأسس لانطلاق العملية في أسرع وقت ممكن.
سمير ناصيف
كلام مختص مطلع ومحترف وكم أتمنى ان ينفذ لكن لا حياة لمن تنادي