لم يمتثل رجب طيب اردوغان لنداء المتظاهرين الاتراك بـِ ‘البقاء خارج البلاد’. ولا اذعن، بطبيعة الحال، الى مطلبهم بمغادرة الحكم. عاد الى البلاد متحدياً عشرات الآف من خصومه بإعلان عدم عدوله عن مشروع تطوير حديقة ‘غازي بارك’ الذي اطلق الإحتجاجات في ميدان تقسيم باسطنبول.
اردوغان كان هدد المتظاهرين بأن يُطلق مليوناً من انصاره مقابل كل مئة الف منهم. لكن انصاره الذين احتشدوا في المطار عند عودته من جولته السريعة في المغرب والجزائر وتونس لم يتجاوزوا بضعة الآف. لعل غالبية اعضاء حزبه، العدالة والتنمية، لبّت نداء نائب رئيس الحزب حسين جيليك الذي دعاهم الى الإمتناع عن التوجه الى المطار لإستقباله من اجل تفادي تصعيد التوتر. ذلك شكّل دلالة على ان ثمة موقفين داخل الحزب من التظاهرات التي شملت تركيا كلها.
بات واضحاً ان الشباب اليساري كان البادىء بتفجير النقمة ضد من اسماه ‘السلطان العثماني الجديد’. لكن امتداد الإنتفاضة الى نحو 40 مدينة تركية دليل ناطق على ان السخط ليس لسان حال اليساريين وحدهم بل هو لغة اكثر من نصف عدد الاتراك، ولا سيما العلمانيين منهم.
هل نصف عدد الاتراك فعلاً ضد سياسات اردوغان؟
نعم، هم كذلك بدليل ان ‘السلطان’ كان هدد، خلال زيارته للمغرب، بأن يستنفر نصف تركيا الموالي له للنزول الى الشارع بغية الرد على النصف الآخر المعارض.
لا شك في ان اردوغان ليس ضعيفاً، ولا يستبعد مراقبو المشهد التركي ان يكون نصف البلاد موالياً له. لكن النصف الآخر الاوسع حيويةً وحركة يبدو اكثر قابلية للنمو والتزايد. فمن ميدان تقسيم في اسطنبول سرعان ما امتدت الإنتفاضة الى كل انحاء تركيا لتشمل العاصمة انقرة في الوسط وازمير في الغرب وانطاليا في الجنوب ومدن ساحل البحر الاسود.
لعل التطور الابرز إنضمامُ اتحاد عمال القطاع العام الى جبهة المحتجين والمعارضين. هذا الإتحاد اليساري يضم نحو 240 الف عضو في 11 نقابة. سبب سخطه على حكومة اردوغان ان ‘إرهاب الدولة ضد الإحتجاجات الحاشدة في شتى انحاء البلاد اوضح من جديد عداء حكومة حزب العدالة والتنمية للديمقراطية’.
ليس اليساريون قوام الإنتفاضة ضد اردوغان بل الديمقراطيون العلمانيون بصورة عامة. هم جميعاً ضد مشروع اردوغان الذي يسمونه ‘أسلمة تركيا’ او إعادتها الى’العثمانية الإسلامية’. لهذا السبب حرص اردوغان على اتهام حزب الشعب الجمهوري، حزب اتاتورك العريق، بأنه وراء ‘المؤامرة’ التي يجري تنفيذها في البلاد. غير ان اتهاماته لم تلقَ صدى حتى في صفوف حزبه. فقد حرص رئيس الجمهورية عبدالله غل على التحدث بلغة هادئة ومغايرة. قال، مخاطباً المتظاهرين، ‘إن الديمقراطية لا تعني فقط الإنتخابات’، مضيفاً ‘ان الرسائل التي وُجهت بنيات حسنة قد وصلت’.
لغة غل لم ترق لأردوغان الذي تمتم في المغرب بضع كلمات تنمّ عن عدم رضاه. غير ان نائب رئيس الوزراء بولنت ارينش انضم الى غل في السعي الى تهدئة عشرات الآف المتظاهرين المناهضين للحكومة وذلك بالإعتداز عن الحملة العنيفة التي شنتها الشرطة عليهم : ‘ إن العنف المفرط الذي استخدم ضد اولئك الذين كانوا يتصرفون بإحترام كان خطأً وظالماً. انني اعتذر لأولئك المواطنين… الذين كانت لديهم في الاساس مطالب مشروعة’.
اعتذار ارينش لم يُفلح في تنفيس الغضب المتصاعد. لعله افضى الى العكس تماماً. ذلك ان المتظاهرين سارعوا الى رفع شعار ‘عدم العــــودة الى الوراء’ الامر الذي فســـره مراقبون بأنه يعـــادل شعار ‘الشعب يريد إسقاط النظام’ الذي كان المتظاهرون قد رفعوه في ميادين تونس ومصر وساحاتهما وثابروا على المناداة به الى ان اجبروا زين العابدين بن علي وبعده حسني مبارك على الإستقالة.
غير ان بن علي ومبارك شيء واردوغان شيء آخر. الرئيسان السابقان التونسي والمصري كانا حاكمين مستبدين وما كانا منتخبين بطريقة ديمقراطية، في حين ان اردوغان رئيس وزراء تسلّم منصبه نتيجةَ انتخابات ديمقراطية فاز فيها حزبه بغالبية مقاعد البرلمان، فهل يجوز إسقاطه في الميدان ؟
قد لا يجوز دستورياً إسقاطه في الميدان، لكن المسألة الدستورية تصبح ثانوية في ظروف انتفاضة شعبية متصاعدة يتجاوز فيها المحتجون والمتظاهرون، غالباً، نص الدستور للتشديد، في المقابل، على روحه ومبادئه. الى ذلك، ثمة عوامل ثلاثة لها دورها في تقرير وجهة التطورات السياسية:
الاول، الوضعُ داخل الحزب الحاكم ومدى قدرة اردوغان على التحكم به او اخفاقه في ذلك. في هذا السياق يشير المراقبون الى مواقف غـــــل وارينش وجيـليك المتميزة عنه. ربما لهؤلاء الاركان في حزب العدالة والتنمية انصار كثيرون بين النواب، وقد يكون لهم تالياً موقف سلبي من اردوغان يؤدي الى واحد من اثنين : تغيير سياسته ازاء بعض القضايا والمشاريع، او حمله على الإستقالة.
الثاني، موقفُ المجتمع الكردي ( الذي لا يقلُّ عدد افراده عن 15 مليوناً) من الإنتفاضة الشعبية ضد اردوغان. ذلك ان زعيم حزب العمـال الكردستاني عبد الله اوجلان كان وقّع اتفاقاً مع اردوغان، لكنه وجد مصلحةً في إسقاطه بقوى سياسية معارضة يبدو بعضها اكثر تجاوباً منه مع حقوق الاكراد، فدعا انصاره الى مساندة المتظاهرين.
الثالث، موقفُ الجيش التركي من اردوغان الذي تسبّب في محاكمة او طرد مجموعة من كبار ضباطه ما اضعف نفوذ الجيش في مؤسســــات الدولة والحياة العامة، كما موقفه من الإتفاق الذي عقده اردوغان مع اوجلان وانعكاسه على الوضع الداخلي في تركيا.
فوق ذلك، ثمة موقف حزب الشــعب الجمهوري من سياسة اردوغان المناهضة لدمشق. فمن المعلوم ان الجمهوريين، وهم حزب المعارضة الرئيس، يشاطرون اليساريين عموماً معارضتهم لسياسة اردوغان تجاه سوريا. كما يجب ان نضع في الحسبان موقف الليبراليين والعلمانيين الاوروبيين الذين حضر بعضهم الى تركيا لدعم ‘رفاقهم’ الاتراك في تظاهراتهم الحاشدة، وجرى اعتقال 13 منهم.
كل هذه العوامل والإعتبارات تنعكس بدورها على موقف تركيا من مؤتمر جنيف 2. فهل تراها تحمل اردوغان على تليين موقفه من مسألة انعقاد المؤتمر في ظل ميزان القوى الحالي على الارض، وخصوصاً بعد معركة مدينة القصير الاستراتيجية وتداعياتها، ام ان ذلك سيدفع اردوغان الى الضغط لتأجيل المؤتمر كسباً لمزيد من الوقت الذي تتطلبه محاولة جديدة لدعم المعارضة السورية المسلحة من اجل ايجاد ميزان قوى اكثر تكافؤاً بين الاطراف المتصارعين قبل مباشرة المفاوضات ؟
اياً ما كانت الواقعات والتوقعات، فإن تطورات المشهد التركي تشير الى ان الازمة الاقليمية قد اكتسبت بُعداً جديداً الى جانب ابعادها الفلسطينية والسورية والعراقية واللبنانية والمصرية والليبية…
… وان الصراعات مستمرة، متصاعدة ومرشحة لتعصف بالمنطقة كلها.
‘ سياسي وكاتب لبناني
الصراعات مستمرة، متصاعدة ومرشحة لتعصف بالمنطقة كلها…هدا هو المتوقع دون تشاؤم …لأن اللاعبين الدوليين يلعبون بالمحليين لأن مصلحة كل طرف من صغيره الي كبيره فوق الجميع …بعبارة أخري تناطح الارادات والمصالح …والشعب السوري راح في الرجلين …أتأسف لسوريا البلد العربي الوحيد الدي لم يطلب مني الفيزا في المطار…ولم يسألني إن كنت مسلما أم مسيحيا سنيا أم شيعيا …وطيبة الشعب السوري تغمر الجميع و تفوق كل طيبة علي وجه المعمورة …والله نتألم لما يحدث لهدا البلد الدي لم يجد له صديق ولا شقيق …يقول المثل العربي عندنا ويوصي به الكبار الصغار : “أ كثرت من عددالأحباب والأصحاب من قلة عرفي وضعت في يدي الماء ما وجدت الا كفي “…شكرا .