مشروع «سينما غزة»… مبادرة لإنعاش السينما في القطاع

حجم الخط
0

غزة – محمود أبو ندى: أصواتٌ خفيضة تُسمع في الجوار. يعبر الداخلون من البوابة الخلفية بعد أن قطعوا تذاكرهم. يأخذ كل شخصٍ موقعه وتأخذ الأصواتُ بالخفوت. يعم السكون إلا من بعض الهمهمات أو الهمسات البطيئة العابرة في الصالة. فجأة، تُطفأ الأنوار. العيون تجحظ نحو الشاشة التي نسيها جيل كامل هنا في غزة، فلا سينما في القطاع الذي يعيش حصاراً وتقتله يوميات العيش البطيء.
ينتظر هؤلاء بدء العرض الذي غاب عنهم، حين توقفت دور العرض الغزّية عن العمل منذ العام 1996، حين أُحرقت آخر دور السينما على يد مجهولين. وأمسى ما بقي من أبنية هذه الدور مهجوراً بفعل قرارات ضمنية لبعض سياسيي القطاع، وهو ما حدا بشركة الخدمات الإعلانية «عين ميديا» أخيراً، إلى تسليط الضوء على هذا المجال المنسي، وإطلاق مبادرة عرفت بـ»سينما غزة». وهي مبادرة أشبه بتحدٍ للقول إن الفيلم ليس عيباً أو حراماً، أو أن الفيلم هو «إباحية»، كما يعتقد البعض.
أعاد البرنامج الذي أُطلق في غزة، لآلاء البابا، ذكريات تجربتها الأولى مع السينما في القاهرة. إذ كان الذهاب للسينما على رأس قائمة برنامج رحلتها السياحية كونها مغرمة بالأفلام ومتابعة لكل ما هو جديد في هذا المجال. تقول آلاء إن شعورها كان لا يوصف حين اشترت التذكرة، «ذهبت مع عائلتي وبعض رفاقي لمشاهدة الفيلم. لكني لم أرفع من سقف توقعاتي حقيقةً لاختلاف الظروف والبيئة المحيطة وكونها أول تجربة سينما حقيقية في غزة منذ مدة طويلة»، مؤكدة انها حين سمعت عن الفعالية، فإن أول ما تبادر إلى ذهنها مهاتفة الأصدقاء والتحقق من حضورهم، «وجدت جزءاً من حُلمي بأن تُقام سينما في غزة ربما، وأقول ربما لأنها تجربة جديدة قابلة للنجاح أو الفشل، بدأ يتحقق. والجميل هو أنه حين حدثنا القائم على الفعالية وأخبرنا أن التذاكر أوشكت على الانتهاء، حينها شعرت أن هناك كثرا مهتمين ولا يزال حلم مشاهدة فيلم في صالة سينما يراود معظم شباب غزة المحاصرة».
تعيش آلاء في القطاع وتقضي اياماً عادية فيه، وجدت في هذه التجربة على ضيق مساحتها أملاً يتيح لها التنفس في مكان يقصيه العالم بعنف. تقول: «كان لديَّ فضول كبير لمعرفة ما يمكن أن تنتجه السينما الفلسطينية، تحديداً أن الفيلم هو التجربة الأولى للمخرج. ما أستطيع قوله أنها تجربة جديدة، على الرغم من أن الفيلم ومضمونه عكر صفو هذه التجربة، لأنني لم أستمتع به و وجدت به الكثير من المغالطات التي لا يُسمح أن تكون في فيلم سياسي يتكلم عن فترة مهمة في تاريخنا الفلسطيني و لكن هذا لن يمنعني أن أكرر التجربة». وأكدت ألاء أن برنامج «سينما غزة»، سيكون عاملاً مهماً في رفع مستوى الاهتمام بالسينما في غزة و تجسيد فكرة أن السينما هي نظام حياة يمكننا من خلاله التقدم.
أما عزت السباخي، يشير إلى انه لم يعلم حقيقة عن سبب مجيئه في البداية، «ربما كانت الرغبة في تجربة شيء جديد وهو الأول من نوعه في حياتي. الرغبة في رؤية المقاعد الممتلئة بالجمهور. الرغبة في أن أكون ضمن أول المشاهدين للعرض الأول لأحد الأفلام وخاصة أنه فيلم فلسطيني وقد ندُر تواجد هذه الأفلام على الشاشة. كانت تجربة لرؤية أحداثٍ مصورة قد شهدت منها القليل أو ما يماثلها، والأجمل من ذلك بأن اللهجة التي طغت هي اللهجة الفلسطينية والتي لم نعتد تواجدها في الأفلام».
يقول رامي الحلو، أن «هذه المدينة لا تملك الكثير من الأشياء ولكنني ولسببٍ ما زلت أجهله ولستُ معنيًا بتحليله أردت السينما أكثر من أي شيءٍ آخر، على الأقل أردتها أقل بقليلٍ من فرصة للسفر واستكشاف العالم. إنها المرة الأولى التي أذهب فيها إلى سينما. برنامج «سينما غزة» جاء من حيث لا أدري. وفر عليّ ثقل الغم الذي يصيبني عند تذكر أنني بحاجة إلى السفر إن أردت مشاهدة السينما. كانت فرصة غريبة. أنا في سينما. الأضواء مطفأة والعيون معلقةٌ بشاشة بيضاء، الجمْع صامتٌ وكله مدهوش، جُلُّنا لم يدخل السينما في حياته، ولكنني نسيت، في المرة المقبلة سأحضر البوشار معي».
يشار إلى أن فلسطين عرفت العروض السينمائيّة منذ بداية القرن الماضي، وكانت أول دار عرض سينمائي ظهرت في فلسطين هي «أوراكل»، وذلك في مدينة القدس عام .1908 وفي الثلاثينيّات، انتشرت في المدن الفلسطينية الرئيسية مجموعة من صالات السينما المجهزة التي كانت تعرض الأفلام التجارية المصرية بشكل خاص على الجمهور، حيث عرضت أفلاماً عربية وأجنبية، ناطقة وصامتة.
وفي عام 1994، عقب تأسيس السلطة الفلسطينية، بعد توقيع منظمة التحرير الفلسطينية اتفاقيات أوسلو، تمت إعادة افتتاح بعض دور السينما في غزة، ومن بينها سينما «السامر» و«النصر»، غير أن جهات مجهولة قامت في عام 1996، بإحراق آخر ما تبقى من دور السينما في غـزة.

مشروع «سينما غزة»… مبادرة لإنعاش السينما في القطاع

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية