في الثامن عشر من آذار/مارس من هذا العام، أقيم في مدينة القدس «ماراثون القدس الدولي»، وهو تقليد سنوي تقيمه السلطات الإسرائيلية منذ سنوات قليلة، ويشارك فيه عداؤون وعداءات من بلدان مختلفة، وذلك في محاولة من السلطات الإسرائيلية وإعلامها للقول بأن القدس مدينة موحدة بأحيائها ومناطقها، خصوصا وأن المشاركين في الماراثون يطوفون بطرق وأزقة القدس المختلفة، كما وأن الادعاء الإعلامي الصهيوني، أراد من إقامة الماراثون الاعلان بأن لا تأثير يذكر للهبة الانتفاضية الفلسطينية الحالية على الحياة العامة، وأن الأمن مستتب، ولا يوجد ما يعكره! علما أن الكساد يعم جميع أسواق ومتاجر وفنادق ومصالح القدس، وإن كانت الطرقات خالية من الناس، فإن سبب ذلك هو الخوف من التعرض لاعتداءات قوى الأمن والجيش، والصدام بينهما وبين المنتفضين الفلسطينيين.
وبحسب المصادر الإسرائيلية فإن نحو 17 ألفا من المستوطنين، هاجروا من مدينة القدس في العام 2014، ولم يأت للسكن فيها إلا نحو عشرة آلاف يهودي من المستوطنين. هذا في ذلك العام، فكيف أصبح الحال في العام 2015 و 2016، عندما اندلعت الهبة الشعبية الفلسطينية الحالية، علما أن الفلسطينيين ردوا على ماراثون السلطات الإسرائيلية، بإقامة ماراثون فلسطيني في القدس نفسها، انطلق من ضاحية أبو ديس الفلسطينية، وشارك فيه نحو 800 متسابق ومتسابقة، كنوع من الإعلان بأن القدس ليست يهودية، إنما هي عربية أيضا، علما بأن الماراثون الإسرائيلي شارك فيه نحو 600 متسابق ومتسابقة.
وما أن خفت صوت الإعلام الإسرائيلي بضجيجه وشبكاته المحلية والعالمية عن هذا الموضوع، حتى سارع من جديد إلى الإعلان عن ضجيج إعلامي آخر، تمثل في الإعلان عن نجاح المنظمة اليهودية العالمية التي يرأسها ناتان شارانسكي، وهو مهاجر من روسيا في تسعينيات القرن الماضي، وانتخب عضوا في الكنيست، كما وشغل إحدى الوزارات الإسرائيلية، وكان مستشارا مقربا من الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن، حيث تم الاعلان عن تهجير 19 مهاجرا ومهاجرة من يهود اليمن إلى فلسطين المحتلة، بعد مشقات وعناء التنقل بين أربعة بلدان، بحسب ادعاء تلك المصادر، والمهاجرون الجدد، هم كما ذكرت المصادر الصهيونية، جاءت أغلبيتهم (14) من ريدة في محافظة عمران اليمنية، والباقون جاءوا من صنعاء ولم يبق من اليهود في اليمن بحسب بعض المصادر، إلا قلة قليلة جدا موزعين في ريدة وحارب وصنعاء، لا يصل عددهم إلى العشرات. ويمكن الإشارة إلى أن أفرادا قلائل هاجروا من اليمن في عامي 2009 و2012، بعد أن قتل متطرفون يمنيون فردا أو اثنين من اليهود، وتولت الولايات المتحدة الأمريكية نقلهم إلى إسرائيل.
هذا ويمكن القول أن علاقة يهود اليمن، ليست جديدة بفلسطين، إذ أن كتاب «الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة» للياس سعد، ذكر بأن نحو 15 ألفا من يهود اليمن، هاجروا إلى فلسطين أثناء الانتداب البريطاني عليها قبل العام 1948، وأن نحو 50 ألفا من يهود اليمن شماله وجنوبه، هاجروا إلى فلسطين المحتلة بين العام 1948 والعام 1951 بتواطؤ من المستعمر البريطاني الذي كان يحتل عدن والمحميات اليمنية الجنوبية، وبين السلطة التي كانت قائمة في الشمال (سلطة آل حميد الدين)، بضغط من المنظمات الصهيونية، التي ضغطت لتهجير اليهود من صنعاء وغيرها من المناطق.
وتذكر المصادر أن اتفاقا قد تم بين السلطتين اليمنية في صنعاء والسلطات البريطانية في عدن، على تسهيل انتقال اليهود إلى عدن، ومن ثم العمل على نقلهم إلى فلسطين المحتلة. مع العلم بأن الامام حميد الدين إمام اليمن آنذاك، وعندما وجد بأن يهود بلاده قد أزمعوا على الهجرة، فإنه طلب منهم توقيع وثائق تثبت أنهم باعوا أملاكهم، ولم يعد لهم في اليمن أية أملاك.
وأشار كتاب «الهجرة اليهودية إلى فلسطين المحتلة» إلى تفصيلات تتعلق بهجرة يهود اليمن، فذكر انه «تمكنت المنظمات الصهيونية من حمل أكثرية يهود البلاد (اليمن) على التدفق إلى عدن، حيث تجمعوا فيها قبل نقلهم إلى فلسطين، وقامت الوكالة اليهودية بالتعاون مع لجنة التوزيع المشترك (منظمة عالمية صهيونية) بتحويل هذه الهجرة عن طريق الجو إلى فلسطين، سميت بالبساط السحري. أما مجموع تكاليف هذه الهجرة، فقد فاق الـ 425 مليون دولار مقابل 43 رحلة جوية».
تجدر الإشارة إلى أن أغلبية اليهود اليمنيين الذين هاجروا إلى فلسطين المحتلة، لم يجدوا لهم بيوتا مناسبة، أو أعمالا تتوافق مع أعمالهم السابقة في اليمن، مع ذلك فإن من وجد عملا له، فإنه مارس أعمالا شاقة كرصف الطرق وتعبيدها والتبليط والدهان، وممارسة أعمال رثة كبيع الصحف في الطرقات والخدمة في البيوت، وقليلا منهم بالزراعة أو في الوظائف الحكومية، واعتبرتهم السلطات الاشكنازية الأوروبية الصهيونية من المتخلفين، ولا يمتون للمجتمع المتقدم بحسب تعبيراتها، وما زال يهود اليمن إلى اليوم يعانون في حياتهم الاجتماعية والاقتصادية من التمييز العنصري، ولم ينالوا الحقوق نفسها التي نالها اليهودي الأوروبي المهاجر إلى إسرائيل على سبيل المثال.
٭كاتب فلسطيني
سليمان الشّيخ
و لكنهم (يهود اليمن الاسرائيليون) غالبا من المتدينين و المنتمين حزبيا الى الاحزاب الدينية المتشددة. و ينظرون الى الفلسطينيين بكثير من الحقد و الشك. و الكثير منهم يسكن البيوت العربية الباقية في فلسطين المحتلة 1948.