أوغلو خسارة للعلاقات الأمريكية ـ التركية… وخلافه مع الرئيس غطّى على إنجازه مع أوروبا

حجم الخط
1

لندن ـ «القدس العربي»: يطرح خروج رئيس الوزراء التركي أحمد داوود أوغلو الدرامي من رئاسة الوزراء أسئلة على النظام السياسي التركي.
فهو باعتباره مهندس سياسة «صفر مشاكل» مع الجيران يترك الحكم وبلده يواجه تحديات كثيرة من كل الجهات، قلة في الأصدقاء وتحديات أمنية نابعة من حزب العمال الكردستاني «بي كي كي» وتنظيم «الدولة» وسبع عمليات انتحارية في عام واحد.
تزايد في معدلات البطالة وتراجع في نسبة السياحة بحوالي 40 في المئة واستقطاب سياسي وتدهور في حرية الرأي والتعبير واعتقال صحافيين. وهي حزمة من المشاكل لا يتحمل داوود أوغلو مسؤوليتها وحده ولكنه يبدو كبش الفداء.
والسبب واضح من مواقفه فهو مع استئناف المحادثات مع الأكراد ولم يكن راضياً عن استهداف الصحافيين والأكاديميين ولم تعجبه القوائم المختارة للإنتخابات البرلمانية عن الحزب في العام الماضي واختلف مع رئيسه حول عدد من السياسات الإقتصادية.
وأخيراً جاءت المهمة التي كرس لها كل وقته وهي الإتفاق مع الإتحاد الأوروبي. فقد غطت خلافاته مع الرئيس رجب طيب أردوغان على إنجازه الأخير الذي سمح بموجبه الإتحاد الأوروبي للمواطنين الأتراك دخول منطقة «الشنغن» من دون تأشيرات.
ويبدو أن الرئيس أردوغان لم يكن راضياً عن الإتفاق لاعتقاده أن الإتحاد الأوروربي ما هو إلا ناد مسيحي.

الخروج الهاديء

وفضل داوود أوغلو الخروج بهدوء حيث دعا إلى مؤتمر طارىء لحزب العدالة والتنمية في نهاية الشهر الحالي ليعبد الطريق لانتخاب قيادة جديدة للحزب من دونه.
كما تمسك رئيس الوزراء بأدبه وكياسته ورفض تصوير ما جرى بالإنقلاب كما جاء في الصحافة التركية وقال إنه خلاف رفاق ورفض في الوقت نفسه إثارة شكوك حول علاقته مع أردوغان التي قال إنها تعود إلى 25 عاماً.
ورغم هذا فالتغيير الذي تلقاه الإعلام الغربي بالنقد والتحليل وكدليل على تعطش أردوغان للسلطة مهم في سياقه المحلي والإقليمي والدولي. فتركيا هي الدولة السابعة عشرة في الإقتصادات الكبرى في العالم.
وتملك ثاني أكبر جيوش حلف الناتو ودولة مرشحة لعضوية الإتحاد الأوروبي وحليف مهم للغرب في الحرب ضد تنظيم «الدولة» باعتبار القرابة الجغرافية مع العراق وسوريا، وتعتبر تركيا عماداً مهماً للإستقرار في المنطقة.
ومن هنا فالتغير ليس شأناً داخلياً بل يترك تداعياته على المنطقة.

كيف وصلت الأمور؟

والسؤال كيف وصلت الأمور إلى نقطة اللاعودة بين الرئيس ورئيس وزرائه. يقول المعلقون أنها نتاج تراكمات وخلافات حول ملفات ولعل أهمها معارضة داوود أوغلو لطموحات الرئيس تغيير الدستور بشكل يعطيه سلطة تنفيذية.
ويناقش أردوغان أن النظام الرئاسي مهم لتركيا ويجعلها دولة فاعلة وقوية ويعطيه صلاحيات أوسع.
وظلت الخلافات بين الرجلين بعيدة عن الإعلام ولم يعبّر أوغلو عن العصيان أو التمرد على الرئيس الذي اختاره لقيادة الحزب، فهذه ليست طبيعته، فهو الرجل الهادىء، الأكاديمي والمحب للكتب.
وربما قرأ داوود أوغلوا تغيراً في المزاج العام وخاف من التهميش ولهذا قرر التنحي. لكن المحفز الرئيسي الذي كان وراء خروجه هو قيام مسؤول محسوب على أردوغان بسحب صلاحيات داوود أوغلو لتعيين مسؤولين محليين للحزب.
كما تم تداول ملف على مواقع التواصل الإجتماعي «ملف طائر البجع» والذي أضاف داوود أوغلو لقائمة الخونة الذين يتآمرون على تركيا.
ويبدو أن الملف من إعداد موال لأردوغان إن لم يكن بمباركة من الدائرة المحيطة به، حيث قال كاتب الملف إنه «سيضحي بروحه من أجل الرئيس» أي أردوغان.
وكان حرمان داوود أوغلو من تعيين المسؤولين المحليين رسالة تحذيرية من مراكز القوة في الحزب الذي يخيم عليه نفوذ الرئيس، فهذا لا يزال يحظى بشعبية واسعة في صفوفه. وهو أقوى رئيس وزراء يمر على البلاد منذ مؤسس البلاد مصطفى كمال أتاتورك.
ولدى أردوغان سجل واسع من الإنجازات، تحرير المرأة وإلغاء الحظر على لبس الحجاب في الجامعات الذي تمسكت به النخبة العلمانية. كما أشرف على نهضة عمرانية وصناعية، وأنشأ المستشفيات والمدارس والمطارات في كل أنحاء البلاد ووسع من تأثير الطبقة المتوسطة.
وفوق كل هذا لديه قائمة من الإنتصارات الإنتخابية. وفي النهاية قرر داوود أوغلو الإنضمام إلى قائمة الذين خرجوا بهدوء مثل الرئيس السابق عبدالله غل ونائب رئيس الوزراء السابق بولنت أرنتيش.

خسارة

وسيترك خروج داوود أوغلو أثره على العلاقات الأمريكية ـ التركية بحسب جون هدسون الذي كتب في «فورين بوليسي»، قائلاً إن البلدين الحليفين القلقين يحتاجان لبعضهما البعض في الحرب ضد تنظيم «الدولة».
وكان داوود أوغلو شخصاً يعتمد عليه وحليفاً للولايات المتحدة وصوت العقل في حكومة تتحول بشكل متزايد نحو الإستبداد بحسب هدسون.
ويقول إنه كان ديبلوماسياً ماهراً متسامحاً مع الأكراد- القوات الوكيلة للأمريكيين في الحرب ضد تنظيم «الدولة» – أكثر من رئيسه.
ونقل عن الجنرال جون ألن، المبعوث السابق لقوات التحالف الدولي ضد تنظيم «الدولة»، «كنا نستطيع العمل مع رئيس الوزراء بشكل جيد»، و»قد يكون خلفه موضوعاً مختلفاً جداً».

أكراد سوريا

وقال مسؤولون حاليون وسابقون في الخارجية الأمريكية أنهم سيفتقدون داوود أوغلو خاصة أنهم طوروا علاقات عمل جيدة معه. مع أن المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية وصف التغيير بأنه داخلي.
ولكن المسؤولين الأمريكيين عملوا ولعامين حاولت الإدارة الأمريكية دفع أنقرة التركيز على محاربة تنظيم الدولة إلا أن أردوغان ظل قلقاً من الحرب الطويلة التي تجري في بلاده مع حزب العمال الكردستاني والذي تتعامل مع تركيا وأمريكا كمنظمة إرهابية.
وتعتمد الولايات المتحدة على تركيا لوقف تدفق المقاتلين الإجانب إلى سوريا وغير ذلك من الإمدادات لتنظيم «الدولة».
كما ترغب واشنطن باستخدام قاعدة «أنجرليك» الجوية لشن غارات في العراق وسوريا، حيث منحت أنقرة الطيران الأمريكي الإذن باستخدامها العام الماضي.
وفي الوقت نفسه تعتمد تركيا على الطيران الأمريكي لإبعاد مقاتلي التنظيم عن حدودها، لكنها غير راضية عن التحالف الأمريكي مع حزب الإتحاد الكردستاني وجناحه العسكري «قوات حماية الشعب» حيث تفضل أمريكا التعامل معهم في الحرب ضد الجهاديين.
وسبب معارضة تركيا للتحالف مع أكراد سوريا هي علاقتهم مع «بي كي كي»، ولهذا ترى فيهم تهديداً لأمنها القومي. ويشير إلى خلافات أمريكية- تركية حول جيب منبج، الذي يعتبر معبراً رئيسياً للجهاديين.
وكانت أنقرة ترغب بتحويله إلى «منطقة آمنة» ونقطة إنطلاق للإطاحة بالنظام السوري لبشار الأسد وبالضرورة منع الأكراد من السيطرة عليه. وفي المقابل كانت أمريكا تريد تحويل منبج لمركز انطلاق لاستعادة الرقة.
وكانت الخلافات بين البلدين قد طفت على السطح خاصة بعد زيارة المبعوث الدولي للتحالف بريت ماغيرك كوباني/عين العرب وبعد نشر صور له مع قادة الأكراد اتهم أردوغان واشنطن بالتحالف مع أعداء بلاده.
وقال: «كيف سنثق بكم؟ هل نحن الشركاء؟ أم الإرهاربيون في كوباني؟».
ويقول هدسون إن الولايات المتحدة وجدت في داوود أوغلو محاوراً جيداً ولديه مواقف معتدلة تجاه الأكراد مع أنه كان رئيس وزراء ضعيف ولم يكن لديه ذلك التأثير أو الإستقلالية.
ولكنه كان القناة المهمة التي مرر من خلالها المسؤولون الأمريكيون أفكارهم وعبّروا عن قلقهم.
ونقل عن أندرو بوين المحلل في الشؤون التركية قوله إن «خروج داوود أوغلو يعني بقاء عدد قليل من الأصوات داخل الحكومة المستعدين لنقل أفكار براغماتية عن الأكراد لأردوغان». ويرى مسؤول في واشنطن أن خروج رئيس الوزراء قد يؤدي بالحكومة لتبني خطاً متشدداً يرفض التعاون الأمريكي مع المقاتلين الأكراد في سوريا.
وكان داوود أوغلو قد تحدث إلى صحيفة تركية الشهر الماضي عن نية الحكومة فتح محادثات مع «بي بي كي» ليرفض أردوغان الفكرة جملة وتفصيلا.
ورغم التوقعات باختيار شخصية موالية للرئيس تسمح له بالسيطرة على المشهد السياسي المحلي والعلاقات الدولية إلا أن تغييراً لن يطرأ على العلاقات الأمريكية- التركية خاصة أن اردوغان كان الذي يفكر ويقرر في الشؤون المهمة مثل سوريا بحسب قول أرون ستين، الزميل الباحث في المجلس الأطلنطي.

النظام الرئاسي

وفي تقرير لصحيفة «واشنطن بوست» قال إريك كاننيعهام إن قرار استقالة داوود أوغلو يعتبر خطوة قوية أمام الرئيس لكي يضعف النظام البرلماني وينشىء رئاسة قوية ويعزز سلطته، مشيراً إلى أن أردوغان «اتخذ وبشكل متزايد مواقف متشددة من معارضيه وتدهورت علاقاته مع داوود أوغلو».
ويعلق سونير شاغباتاي من معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى على استقالة رئيس الوزراء قائلاً: «بعد أن دفع باستقالته (داوود أوغلو) فأردوغان هو الآن رئيس الدولة ورئيس الحكومة الفعلي ورئيس حزب العدالة والتنمية». ويضيف: «أن طواعية داوود أوغلو ومرونته في التعامل مع أردوغان لم تكن كافية لأن ترضي رغبة الرئيس بمراكمة السلطة السياسية بين يديه».
وأشارت الصحيفة إلى التعاون الذي كان يبديه داوود أوغلو مع الولايات المتحدة مقارنة مع شخصية أردوغان الشائكة.
وتنقل الصحيفة عن شاغباتاي أن التغيير السياسي في تركيا لا يحمل الكثير من البشائر ويعبر عن توجه البلاد، مضيفاً: «لم يحدث في هذا النظام أن راكم شخص سلطات في يديه مثل أردوغان» وهو ما قد يفرغ المؤسسات السياسية في البلاد من سلطتها، ويحذر من أثر هذا التطور على مستقبل المؤسسة في البلاد بحيث سيتركها الرئيس ضعيفة عندما يغادر منصبه.

خروج المعتدلين

وتعلق مجلة «إيكونوميست» في السياق نفسه على التطورات الأخيرة بالقول إن الإطاحة برئيس الوزراء تعني عدم التسامح مع الخلاف مع الرئيس، مشيرة للأثر المباشر الذي تركه لقاء الرئيس ورئيس وزرائه الخارج من السلطة على الليرة التركية التي تراجعت أمام الدولار بنسبة 4 في المئة تقريبا وهي أعلى نسبة تراجع للعملة منذ عام 2008.
وهناك مخاوف من تردد الإتحاد الأوروبي الذي وجد في داوود أوغلو مستمعاً جيداً يمكن من خلاله نقل الرسائل إلى رئيسه وأن يفقد الشهية لمواصلة الحوار مع تركيا. وتقول المجلة إن أردوغان لا يعير الأمر اهتماما على ما يبدو.
وجاء رحيل رئيس الوزراء مفاجئا خاصة للذين شاهدوه العام الماضي وهو يقود الحزب نحو انتصار مهم في الإنتخابات. وتنقل عن رجل أعمال قوله: «إن الطريقة المفاجئة التي خرج بها داوود أوغلو تظهر أن أردوغان ماض في خططه لعقد استفتاء على الرئاسة التنفيذية وكان (داوود أوغلو) عقبة ويجب أن يرحل».

تحولات رئيس

وهو بالذات ما ذهبت إليه صحيفة «نيويورك تايمز» في قراءتها للتطورات التركية الأخيرة والتي رأت فيها تواصلاً لمحاولات الرئيس تعزيز سلطاته. وتقول إنه طهر القضاء وسجن الصحافيين وقمع التظاهرات المعارضة للحكومة وأضاف إلى كل هذا عزل حليفه السياسي المقرب والتي كانت محاولاته «المتواضعة» للتخفيف من طموحات الرئيس عبئاً.
وتعتقد الصحيفة أن استقالة داوود أوغلو كشفت عن الصدع في العلاقات بين الرجلين وتؤشر لتحول أردوغان «من ديمقراطي إلى أوتوقراطي بالكامل يقترب من تحقيق طموحه بإنشاء نظام رئاسي تنفيذي».
وتقدم الصحيفة تحولات الرئيس الذي قاد حزبه الإسلامي إلى السلطة في عام 2003 وأشرف على التحول الإقتصادي لبلاده وكان على ما يبدو جاداً في دعم الديمقراطية. وكشخصية جذابة ومدهشة فقد كان يجسد وعد التعايش والتصالح بين الإسلام والديمقراطية ولهذا تعاون الغرب معه وقبله.
وفي السنوات الأخيرة قال نقاده إن أردوغان لم يكن راغباً بأن يكون قائداً ليبرالياً وأشاروا إلى تصريح له وصف فيه الديمقراطية «كحافلة تنزل منها عندما تصل المحطة الثانية». ومن هنا يرغب أردوغان بتغيير الدستور كي يعزز سلطته ويصبح الرمز السياسي الأول. وعليه تمنح الإطاحة بداوود أوغلو مثالا آخر عن الأسلوب الإستبدادي عند أردوغان ومهارته في التعامل مع السلطة السياسية.
وتشير الصحيفة لمظاهر التشابه بين أردوغان وبوتين الذي أصبح رئيساً كي يحافظ على تفوقه السياسي.
أما داوود أوغلو فغالباً ما قورن بديمتري مدفيديف، رئيس الوزراء الروسي. إلا أن الأخير بقي فيما خرج رئيس الوزراء التركي من السلطة.
وتنقل الصحيفة عن نائب سابق في حزب العدالة، ومدير مركز الإتصالات الإسترايجية في أنقرة، وهو سوات كينكلي أوغلو قوله إن أردوغان لا يرغب في شخصيات مثل داوود أوغلو. ويضيف: «خطوة بعد أخرى يقترب من تحقيق النظام الرئاسي». ومهما قيل عن الخلافات بين الرجلين وتكهن البعض من ان رئيس الوزراء كان يحاول الظهور على المسرح الدولي على حساب أردوغان إلا أن عمر تاسبينار من معهد بروكينغز، يقول: «لا توجد خلافات أيديولوجية كبيرة بينهما» ولكن «هناك صراع سلطة يدفع فيه أردوغان نحو الولاء ودعم نظامه الرئاسي ومقاومة قليلة من داوود أوغلو الراغب في الحفاظ على نوع الموازنة من السلطات لحماية موقعه كرئيس للوزراء».
ويرى سيفان كورنيل من معهد وسط آسيا والقوقاز «أن المشكلة الرئيسية هي أن أردوغان يريد انهاء أي واحد في الحزب لديه طموح في سلطة مستقلة».
وتقول إن داوود أوغلو كان مهندس السياسة التركية في سوريا والتي فشلت. فقد سمحت تركيا ولسنوات بمرور السلاح والإمدادات للمقاتلين داخل سوريا وفتحت الحدود أمام اللاجئين.
ومن هنا يرى محللون أن داوود أوغلو قد يكون «كبش الفداء» لفشل السياسة في سوريا. وفي النهاية لن يتأثر أردوغان من خروج رئيس وزرائه إن أخذنا بعين الإعتبار الشعبية الكبيرة التي يتمتع بها.

أوغلو خسارة للعلاقات الأمريكية ـ التركية… وخلافه مع الرئيس غطّى على إنجازه مع أوروبا
أردوغان يقترب نحو تحقيق الحلم الرئاسي فهل سيصبح أب الأتراك الجديد؟
إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول سامح // الاردن:

    * الرئيس ( اردوعان ) طموح جدا وشجاع
    وهدفه احياء أمجاد الامبراطورية ( العثمانية)
    وله كل الدعاء والتوفيق .
    * في شبه بينه وبين زعيم العرب ( عبدالناصر ) من حيث الطموح والشجاعة والكرزما..
    سلام

إشترك في قائمتنا البريدية