الناصرة – «القدس العربي» : أمس الأول كشف أن 90% من الشباب اليهود في إسرائيل يمينيون ولا يقرأون. وبالأمس كشف عن كتاب «مدنيات» جديد غير مسبوق بخطورته هو عبارة عن عملية غسيل دماغ ينذر بتحويل الجيل الجديد من الإسرائيليين أكثر عدوانية وتطرفا.
والكتاب وهو بعنوان «أن نكون مواطنين في إسرائيل» أقرته وزارة التعليم في إسرائيل معد للمرحلة الثانوية، وكتبه مؤلفون يهود فقط. ويستدل من مراجعة بعض فصوله أن نصه العبري أقرب لغسل دماغ الطلاب المغسول أصلا ومزدحم بعبارات وفصول شيطنة العرب ونزع شرعيتهم كسكان أصليين وكمواطنين ويتعامل معهم برؤية فرق تسد كطوائف وأقليات.
وتطغى على الكتاب الذي تتصاعد الاحتجاجات العربية واليهودية عليه تربية الجيل الجديد على قيم الفكر الفاشي بتقديسه الدولة والعرق اليهودي. ولذا فالكتاب من ناحية مفاعيله وآثاره على جمهور المتلقين « قنبلة موقوتة» ويعني أن إسرائيل على موعد لتكون بعد سنوات أشد عنصرية وانغلاقا على «الأغيار» وأخطر مما ألمح له نائب قائد جيش الاحتلال يائير جولان الذي فاضل بين ممارسات إسرائيلية وبين النازية.
والكتاب الذي يتسم بمسحة يهودية طاغية يسوق عدة مسوغات لبناء «شعب إسرائيل» دولة في «أرض إسرائيل» مفادها أن هذا «وعد إلهي» .وفي قسمه الأول يعتبر الكتاب لائحة دفاع عن لماذا «دولة يهودية.»ويقصي الكتاب معظم فئات المجتمع وبالذات المواطنين العرب (17%) وتمت صياغته بعيدا عن التوافق والمشاركة وفق عقلية فئة يهودية معينة وهي الصهيونية القومية التي ينتمي لها الوزير نفتالي بينيت رئيس حزب «البيت اليهودي» حزب المستوطنين.
فكرة فاشية
لكن الأمر يتعدى كونه نصا غير توافقي لتعريف هوية الدولة، انما يعتبر استحواذا لفئة وفكر معين على هذا التعريف فهو تكريس لفكرة ومشروع الدولة القومية والعرقية اليهودية المتشددة. في النسخة المعدلة من الكتاب تم بالفعل تغيير الكثير من المغالطات الخطيرة التي وردت في النص السابق، ومنها ما يتعلق بحقوق المواطنين العرب، وإن كانت شكلية وتعبر عن إسقاط واجب في الكثير من المواقع، إلا ان المغالطات لم تختف من النص الجديد.
ويعكس النص المعتمد بوضوح أنه ينضح بأفكار لا يمكن القبول بها في نظام ديمقراطي حقيقي، ومنها تبرير للمس بحقوق الأقلية إذا كان هذا هو قرار الأغلبية، المس بمكانة القضاء ومحكمة العدل العليا. ناهيك عن تناقضات واضحة بالذات بين الفصول التي تتحدث عن ديمقراطية الدولة ويهوديتها. ويؤكّد الكتاب الجديد على الأبعاد الإثنية والقومية لفكرة المواطنة بحيث أن رسالته الواضحة تنص على وجود نوعين من المواطنين: الذين ينتمون للدولة تبعا لهويتهم اليهودية والذين ينتمون بدرجة أقلّ ـ وهم غير اليهود. ويشكّل الكتاب بصيغته الجديدة خطرا ليس فقط على التلميذ العربي بل يحاول أن يُصمم وعي التلميذ اليهودي على نحو شوفيني متعصّب منغلق ويعزز التوجهات القومجية الضيقة والمعادية للعرب.
غياب الرواية الفلسطينية
بالطبع الرواية الفلسطينية التاريخية مغيّبة بالكامل في هذا الكتاب مع التأكيد الواضح على الرواية اليهودية وتفاصيلها. وفيما يتعلق تحديداً بمكانة فلسطينيي الداخل تبرز في النص عمليات تهيئة وتحضير لإلغاء حقوقهم الجماعية بل إقصائهم من فكرة المواطنة المتساوية ويرفض الاعتراف بهم أقلية وطن قومية أصلية. وينضح الكتاب بمحاولات إنتاج الأفكار المقولبة عن العرب وشيطنتهم بالقول مثلا أنهم يتميزون باضطهاد المرأة دون أي كلمة عن مكانة المرأة لدى أوساط يهودية أرثوذوكسية تحرم المرأة حتى من الغناء والخروج للعمل.
ويزعم الكتاب أن مكانة اللغة العربية بالحيز العام كما في التشريع ليست ثابتة والوزارات تمتنع عن التعامل معها. ويستنتج من الصياغات أن الكتاب يمنح الشرعية لشطب العربية لغة رسمية. ويحاول الكتاب الإيحاء بان أفضل ما حل بالعرب هو وقوعهم تحت الحكم الإسرائيلي، وهذا عند الحديث مثلا عن انتقالهم من التقليدية إلى الحداثة، بدليل ارتفاع نسبة التعليم وتشكيل الأحزاب وغير ذلك وكأن ذلك نتيجة مباشرة للقرب من المجتمع اليهودي وليس بفعل عوامل التحضر الطبيعية.
من جانب آخر يتجاهل الكتاب حالة التمييز الصارخ في الحقوق والموارد التي يعاني منها المجتمع العربي، لا يعرض أي معطيات او إحصائيات لذلك. ويعرض الكتاب مكانة المجتمع العربي من خلال ما ورد في النصوص القانونية ووثيقة الاستقلال، وكأن هذه النصوص مطبقة اصلاً، وفي المواقع التي تم بها ذكر الأوضاع الصعبة للقرى والمدن العربية مثل وضع التعليم، يتم إرجاع ذلك إلى عدم استثمار السلطات المحلية بما يحمل اتهام للمجتمع العربي وليس للدولة.
فرق تسد
وتبرز أيضا التوجهات الاستعمارية التقليدية في الكتاب وتتجلى بمصطلحات « فرق تسد»، حيث يوصف العرب كمجموعة من الطوائف والمجموعات لا تجمعها قومية واحدة او حقوق قومية (مسلمون ومسيحيون ودروز وبدو( حيث يكرس الكتاب وجود هوية جديدة للمسيحيين. كما ينضم الكتاب لمساع إسرائيلية رسمية لاختراع قومية جديدة تدعى «الآرامية»، ويدعي ان هناك 130 ألف مسيحي يتبعون لهذه القومية. زاعما ان 9.5% من الفلسطينيين المسيحيين فقط يعرفون أنفسهن كعرب. كذلك يخصص الكتاب مقالا منفرداً لما يعرف بـ «الدروز الصهاينة» ويعدد مساهماتهم لدولة إسرائيل.
وعن المواطنين العرب البدو، رغم قلة هذه المادة، الا انها تظهر القرى غير المعترف بها كتجمعات خارجة عن القانون، وبنيت دون إذن وتخطيط، دون ذكر ان عددا منها بقي في موقعه من قبل قيام إسرائيل او ان قسما آخر قامت إسرائيل بترحيلهم ونقلهم من مكان إلى آخر. كذلك يذكر ان إسرائيل تحاول حل أزمة القرى البدوية من خلال خطط مثل خطة «برافر»، الا انها رُفضت من قبل العرب واليهود. وهنا أيضا يتم تناسي عمليات الهدم والتهجير التي قامت بها إسرائيل على مدار سنوات، وعند الحديث عن العمل والبطالة يعود النهج إلى ارجاع ذلك لعدم مشاركة المرأة في العمل وكأن المجتمع هو المتهم بذلك.
ذخيرة ضد إسرائيل
وعلى خلفية النص الخطير بمضأمينه ومصطلحاته يعتبر «الائتلاف لديمقراطية التعليم والمواطنة المشتركة» (منتدى عربي- يهودي) أن الكتاب معاد لقيم الديمقراطية. ويشير الائتلاف في بيانه إلى أنه رغم استجابة وزارة التعليم الإسرائيلية لإجراء تغييرات جذرية في مضأمين كتاب المدنيات، بصيغته التي سربت للإعلام مؤخراً، وذلك عقب الاحتجاجات المهنية والأكاديمية والشعبية الواسعة، فإن نصه الحالي المنشور على موقع وزارة المعارف، لا يزال معطوبا بجوهره أخلاقيا.
ويؤكد نائب رئيس «المعهد الإسرائيلي للديمقراطية» البروفسور مردخاي كريمينتسر عداء الكتاب للمواطنة وللديمقراطية وللمواطنين العرب، منوها أن مضأمينه من شأنها أن تستفز كل ديمقراطي بل كل يهودي ليبرالي في العالم. ويذهب لأبعد من ذلك بتحذيره ضمن حديث لصحيفة «هآرتس»» : «بحال ترجم النص وتم الاطلاع عليه خارج البلاد فسيكون سلاحا بيد من يريد نزع الشرعية عن إسرائيل».
وديع عواودة: