ابتدأ في تونس، مؤتمر حركة «النهضة» العاشر، وبحسب تقديرات المستشار السياسي لرئيس الحركة راشد الغنوشي، لطفي زيتون، فإن ارتدادات وتفاعلات هذا المؤتمر وتأثيراته ستنعكس على بقية العالم العربي.
تكتسي تجربة «النهضة» أهمّية خاصة فهي تمثّل ما يسمى بتيّار «الإسلام السياسيّ» المعتدل في تونس، البلد الذي بدأ موجة الثورات العربية عام 2011، والذي استطاع، على عكس البلدان الأخرى، تقديم تجربة سلميّة لانسحاب رأس السلطة من المشهد، من دون انقضاض الجيش على الحكم، كما حصل في مصر، أو تمسّك الرئيس بالسلطة وقيادة ثورة مضادّة مدعومة إقليميا ودولياً وجرّ البلد إلى خراب شامل، كما حصل في سوريا واليمن.
إضافة إلى طبيعة التركيبة التونسية، حيث لا يحتلّ الجيش الحيّز العام في المعادلة السياسية، وتمارس تشكيلات المجتمع المدني كالاتحاد التونسي للشغل والأحزاب دوراً كبيراً في التوازنات، فقد لعبت «النهضة» من خلال وسطيّتها ومرونتها وقبولها لآليّات التصويت الديمقراطي واحترامها لأسس الحوكمة الحديثة والحرّيات العامّة، دوراً في إفشال محاولات هائلة لجرّ تونس إلى السيناريوهات المصريّة والسورية واليمنية، وساهمت بذلك في الحفاظ على هذا التوازن العامّ رغم أن رأسها كان مطلوباً وأن المال السياسي الإقليمي اشتغل على دعم خيارات الثورة المضادة والاستئصال وجرّ البلاد إلى حرب أهليّة مدمّرة.
إحدى الطروح الكبرى التي لقيت تداولاً في الفترة الأخيرة ما تحدّث عنه مسؤولون في «النهضة» (وكذلك جماعة «الإخوان المسلمين» في مصر) عن مراجعات فكرية سينتج عنها فصل العمل السياسي عن الدعويّ، بحيث تتحوّل «النهضة» إلى حزب سياسيّ على الطريقة الحديثة يلتزم بتقديم برامج سياسية واقتصادية واجتماعية ويخوض معاركه على أساسها ولا يخلط العمل الخيريّ والدعويّ بالعمل السياسي.
نجاح «النهضة» في مسعاها، ليس منفصلاً عن سياق التيّار العامّ الذي تنتمي إليه في المغرب الذي يتولّى فيه رئاسة الحكومة حزب «العدالة والتنمية»، كما أنه مرتبط من جهته الأخرى بتطوّرات الحالة الليبية التي تعبّر حكومة «الوفاق الوطني» عن إرادة دوليّة لحلّ يقارب، في خطوطه العامة، الحلّ التونسي بدلاً عن الحل المصريّ الذي يسعى لتحقيقه الجنرال خليفة حفتر ورعاته الإقليميون في مصر وغيرها، ونجاح هذا المسار سيقطف نجاحات أخرى وسيؤثّر، بالضرورة، على المسار السياسيّ العربيّ العام.
وهو ما يأخذنا، بالضرورة، إلى المحنة الكبرى التي تعانيها جماعة «الإخوان المسلمين» المصريّة والتي، برغم حرب الاجتثاث الهائلة واعتقال واغتيال عدد من قياداتها وكوادرها العليا والوسطى، والأزمة الداخلية التي تعاني منها، ما زالت متماسكة، بل إن بعض قياداتها تعمل على انتخابات جديدة، وتعد بمراجعات فكرية، وتعبّر عن إرادة في تطوير نظريتها السياسية وأدائها ومدّ تنظيمها بأفكار جديدة.
أما في المشرق العربيّ فلا نرى، في المقابل، علامات على تقبّل كبير لفكرة المراجعة والتطوير والتجديد، وهناك أزمة كبيرة تعاني منها الجماعة في الأردن على خلفية انشقاق عليها، وضغط كبير للسلطات تمثّل بإغلاق مقرّاتها ومراكز حزبها المرخص «جبهة العمل الإسلامي»، ويجري كل ذلك الضغط تحت إطار مطالب السلطات بـ»أردنة» الحركة وفك ارتباطها بالتنظيم الخارجيّ، وخصوصاً بالجماعة المصرية، وحركة «حماس» الفلسطينية.
وهناك طبعاً أزمة «الحزب الإسلامي» في العراق، وهو تنظيم ضعيف التأثير والفاعلية وهو لا يحظى بمقبوليّة كبيرة لدى العراقيين السنّة، الذين هم جمهوره الافتراضيّ، لدوره في تأييد الاحتلال الأمريكي والانخراط في المنظومة الإيرانية الحاكمة للعراق والتي تعمل على الإفساد والتدمير المنهجي له.
ربّما يكون أكبر الدروس المستفادة من هذا الاستعراض السريع المقارن بين بعض تنظيمات «الإسلام السياسي» المغاربية والمشارقية هو أن ما يجمعها هو الحاجة الهائلة للتأقلم والتغيّر والتجديد في فهم واستيعاب التطوّرات السياسية الهائلة في العالم، وإلا فإن محنتها، والمحن العربية، ستطول.
رأي القدس
حقيقةً، لم يوجد في وطننا العربي ما يُسمى بـ«الإسلام السياسي» إلا ليخدم مصالح الغرب الإمبريالي الذي قام بتصنيعه ودعمه بالمال والسلاح، في المقالم الأول. حتى أضعف أشكال هذا «الإسلام السياسي» الذي يتجلَّى في «الحزب الإسلامي» في العراق لم يتوقَّف عن تأدية دوره المرسوم في تأييد الاحتلال الأمريكي والانخراط في المنظومة الإيرانية الحاكمة لهذا البلد، والتي تعمل على إفساده وتدميره المنهجي.
الأحزاب الدينية كبلت نفسها بنفسها عندما حكمت على نفسها بالجمود الفكري السياسي والإجتماعي المتطور على الدوام. ستبقى جاثمة في مكانها والزمن يهرول من حولها, الأفكار تتفتق وتتطور والحضارات تتلاقح وتزدهر وهم في عزلتهم لايرددون سوى ماترك لهم من آلاف السنين, .