العراق المغلوب على أمره

من يتابع المشهد السياسي العراقي في شكله الرسمي، المتمثل بالعملية السياسية، التي جاء بها الاحتلال، لا يجد صعوبة في فهم الواقع الجديد الذي تم فرضه، والذي يراد من خلاله بناء نظام من الكيانات المذهبية والعشائرية المؤتمرة من بعض رجال الدين وشيوخ العشائر، من خلال قوانين وفتاوى الدين السياسي الشيعي والسني، التي لا تختلف في المضمون والنتائج عن عقائد الجاهلية المتخلفة، التي يراد تطبيقها انطلاقا من الأيديولوجيات المرتبطة بالدين السياسي.
وهذا يدفعنا للتساؤل عن الأهداف التي تدفع الغرب للقبول بإبقاء العملية السياسية في وضعها الحالي، عن طريق شراكة بين الأحزاب الطائفية السنية التي يمثلها تجمع «الحزب الإسلامي»، والأحزاب المذهبية الشيعية المدعومة من إيران، رغم فشلها ورفض الشارع العراقي لاستمراريتها، إذ تم اختزال الواقع السياسي العراقي عن طريق معادلة المحاصصة سيئة الصيت التي قسمت العملية السياسية بسلطتيها التشريعية والتنفيذية، وتم إهداء رئاسة البرلمان إلى «الحزب الإسلامي السني» ومسؤولية رئاسة مجلس الوزراء إلى «حزب الدعوة الشيعي»، ضاربين عرض الحائط شرعية وأولوية حق التمثيل الوطني، الذي يجمع العراقيين بجميع أطيافهم ومذاهبهم، الذي أثبت وجوده في الحراك الأخير ودخوله للمنطقة الخضراء كقوة معارضة وطنية قادرة على تغيير المشهد السياسي العراقي، بثقافة وطنية عابرة للطوائف لا يمكن الاستهانة بها في المستقبل.
ومن يتابع المشهد العراقي في شكله الاجتماعي المُحتقن بوجود إرهاب «داعش» ومليشيات إيران، لا يجد صعوبة في معرفة الأسباب، بعد أن تم تقسيم المجتمع العراقي وعسكرته، من خلال الخطاب الديني المتطرف، وفقا لمعايير مذهبية تعتمد على القبلية الطائفية السياسية وبموافقة إقليمية ودولية، وقد ساهم الموقف الدولي المُبهم تجاه العراق والداعم للعملية السياسية الجديدة، التي شاركت إيران في دعمها بمؤسسة الحرس الثوري من جهة، والدور الخطير الذي لعبه رئيس الوزراء العراقي السابق نوري المالكي وممارساته الطائفية، بإيجاد تربة خصبة لإكمال المعادلة الطائفية التي تتلاءم مع الوضع العراقي الجديد.
وقد تمكّن تنظيم «داعش» والمليشيات وبدعم خارجي في تهيئة الظروف اللازمة لتوسيع نفوذهما، وما نلمسه اليوم من جرائم ثأر طائفية في مدينة الفلوجة، وما لحق بهذه المدينة من تدمير، تدفع كل من له بصيرة وطنية للعديد من التساؤلات عن مغزى هذا الصراع الديني، الذي يدفع بالعراق نحو مصير مجهول، ويذهب ضحيته المئات من المدنيين يومياً، وعن الأسباب التي ساعدت على استمراره وبقائه.
ورغم اختلاف أهداف الدين السياسي، التي سعى تنظيم «داعش» من خلالها إعادة خرافة مجد الخلافة، مع الثقافة الطائفية للأحزاب الحاكمة القريبة من إيران، وجدنا أحلام «أبو بكر البغدادي» تتلاقى مع حلم «الخميني» في تصدير ثورته لإعادة سيطرة بلاد فارس على العراق، بشهادة تصريحات القادة الإيرانيين الحالية، ووجودهم في العراق وعرض صور رجال الدين الإيرانيين في ساحات القتال في الفلوجة وشوارع العاصمة بغداد ومدنه وقصباته.
من هنا أصبح واضحاً، أن الأهداف السياسية في حملة الأحزاب الطائفية العسكرية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» المتطرف، والحضور المعلن لقادة الحرس الثوري الإيراني وميليشياتهم العاملة في العراق، لا يختلف من الناحية المنطقية والأيديولوجية عن أهداف «داعش» المتطرف، نظراً لعدم قبول الطرفين بتجاوز حدود المساحة الطائفية والمذهبية الضيقة التي تحدد أهدافهم، وترسم مجال الحقد المشترك للمكون العراقي الآخر الذي لا يتوافق معه.
من منا لا يعترف بجرائم «داعش» بحق المدنيين العراقيين شيعة وسنة وأقليات، ومن منا لم يسمع بوعّد أبوبكر البغدادي وأهداف دولته المزعومة بالخلافة على حساب العراق الحضاري والتاريخي، ليجعل من أهداف تنظيمه غطاء لمخطط جديد يعيد تقسيم المنطقة على أسس عرقية ومذهبية، وبتواطؤ أطراف إقليمية ودولية، وليثبت في النهاية انه ليس أكثر من تنظيم إجرامي متطرف لا يعترف بتاريخ وسيادة العراق وأصالة أهله، وحقوقهم في حرية الإيمان والعبادة والتنوع الاجتماعي.
ومن من دول الغرب الداعمة للعملية السياسية في المنطقة الخضراء لم تسمع وتشاهد جرائم مليشيات إيران في بغـداد وديالى وبابل والبصرة ومناطق غرب العراق، ودعم النظام الطائفي لها ماديا ومعنويا وغض النظر عن جرائمها، واعتبارها جزءا من المنظومة العسكرية الرسمية.
لازالت إيران ومليشياتها تحمل طابع الثأر، كما لا زال «داعش» يحــــرق الأرض ويستبيح البشر. يبقى الغريب هو في دعم الدول الغربية المتمدنة والفاعلة في العراق لهذا الوضع، وهي التي لم تتوقف يوما عن العمل على تطوير مجتمعاتها المدنية، فالتطور الاجتماعي للأمم كان ومازال يشكل حجر الأساس وهو مقياس الحضارة في تقرير مصير الأمم.
يبقى أمل العراقيين الوحيد في استمرارية الحراك العراقي، وثبات تياراته العابرة للطوائف، التي استطاعت من خلال تلاحمها في دخول المنطقة الخضراء، من تجاوز المساحة الطائفية الضيقة التي رسمت للعراق، والانتقال إلى الساحة الوطنية الثائرة المنسجمة مع طبيعة المجتمع العراقي الثائر ضد الفساد، ودعم إيران للنظام الحاكم في العراق، وضد تدخل الدول الإقليمية في المشهد السياسي العراقي، لإدامة الصراع الطائفي باختيار زعامات قبلية وعشائرية معارضة، لا تنسجم مع متطلبات الشارع العراقي، وعلى حساب المعارضة الوطنية المستقلة العابرة للطوائف.

٭ كاتب عراقي

العراق المغلوب على أمره

أمير المفرجي

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    أين العرب فيما يجري بالعراق ؟
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول نمير العبيدي:

    يا اخي الكروي داود المحترم ايطلب الاحياء من امواتهم معونة !

    وجوهكم أقنعة بالغة المرونة

    طلاؤها حصافة، وقعرها رعونة

    صفق إبليس لها مندهشا، وباعكم فنونه

    “.وقال : ” إني راحل، ما عاد لي دور هنا، دوري أنا أنتم ستلعبونه

    ودارت الأدوار فوق أوجه قاسية، تعدلها من تحتكم ليونة ،

    فكلما نام العدو بينكم رحتم تقرعونه ،

    لكنكم تجرون ألف قرعة لمن ينام دونه

    وغاية الخشونة ،

    أن تندبوا : ” قم يا صلاح الدين ، قم ” ، حتى اشتكى مرقده من حوله العفونة ،

    كم مرة في العام توقظونه ،

    كم مرة على جدار الجبن تجلدونه ،

    أيطلب الأحياء من أمواتهم معونة ،

    دعوا صلاح الدين في ترابه واحترموا سكونه ،

    لأنه لو قام حقا بينكم فسوف تقتلونه

    1. يقول الكروي داود النرويج:

      كلمات من ذهب – حياك الله عزيزي نمير وحيا الله أصلك الطيب وحيا الله الجميع
      ولا حول ولا قوة الا بالله

  3. يقول صادق جبرالعراق:

    الوضع العراقي وضع صعب وهذة ما خططت لة امريكا وايران والدولتين يريدونتقسيم الكعكة بينهم ايران تدافع عن مصالحها في العراق مع العلم ليس كل الشيعة في العراق هم مع ايران بل اكثرهم ضد ايران وطموحاتها امريكا لها طموح غير معلن في العراق ولكن مع الاسف الاحزاب الشيعية والسنية زرعت الطائفية وجعلت العراقين يتقاتلو بينهم وهم يتفرجون لكن ان شا اللة هناك صحوة ويسحق الشعب العراقي كل الرؤس الطائفية من السنة والشيعة

إشترك في قائمتنا البريدية