أربعة أسباب تمنع تركيا وألمانيا من التهور بتخريب العلاقات وصولاً لـ«القطيعة التامة»

حجم الخط
0

إسطنبول ـ «القدس العربي»: نفق مظلم ليس له أية نهاية في المدى المنظور دخلت فيه علاقات أنقرة وبرلين على خلفية اعتراف البرلمان الألماني قبل أيام بأحداث عام 1915 على أنها «إبادة جماعية» ارتكبتها الدولة العثمانية بحق الأرمن، وما تبعه من سحب تركيا لسفيرها في برلين، وسط سلسلة تهديدات أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
والأحد، شن أردوغان هجوماً غير مسبوق على ألمانيا ودول أوروبية أخرى، قائلاً: «الدول التي استعمرت أفريقيا، نهبت جميع موارد القارة، بزعم أنها تنقل الحضارة إليها، وارتكبوا المذابح خلال تحقيق ذلك»، مضيفاً: «حين ترفعون ستار البهاء، الذي تشاهدونه اليوم في عواصم غربية، ستجدون تحتها مآسي ودموع ملايين الأفريقيين.. الأرصفة الأنيقة ببرلين وباريس وبروكسل، مبنية على أرواح ودماء وعناء وعرق جبين الأفريقيين»، منتقداً الدول «التي تحاول إعطاء تركيا دروسا في حقوق الإنسان، في حين أن تاريخها في القارة ملطخ بالمجازر والإبادة الجماعية والدموع والدماء».
وحول قرار البرلمان الألماني، قال الرئيس التركي: «إذا كنتم تبحثون عن شريك لجرائمكم ضد الإنسانية، فنحن لسنا ذلك الشريك، ابحثوا عنه في مكان آخر، فأنتم تحاولون تحقيق مطامعكم القذرة عبر السياسة والبرلمانات، لا عن طريق بحوث علمية ودراسات أكاديمية»، وتابع: «لن نحني رأسنا أمام الدول التي لجأت إلى هذه الأساليب الرخيصة من أجل أن تخفف وطأة جرائمها»، مطالباً ألمانيا بدفع فاتورة الهولوكوست وقتلها لأكثر من 100 ألف شخص في جمهورية ناميبيا (جنوب غربي أفريقيا)».
لكن المتحدث الرسمي باسم الحكومة الألمانية «ستيفن سيبرت» أكد أنّ ألمانيا وتركيا ترتبطان بعلاقات متينة، على رأسها الاتفاقية الخاصة بأزمة اللاجئين، وأنّ اختلاف وجهات النظر حيال بعض المسائل لا يمكن أن يلحق الضرر بهذه العلاقات، على حد تعبيره، كما عبر عن أمله في ألّا ينعكس القرار المُتّخذ سلباً على علاقات الدولتين، وأنّ يستمر الجانبان في الالتزام بالاتفاقيات المبرمة بينهما على كافة الأصعدة، ولفت إلى أن ثلاث مليون مواطن تركي في ألمانيا، سيبقون جزءا من الدولة الألمانية.
وفي الوقت الذي توقع فيه مراقبون ومحللون تصاعد الأزمة بين البلدين وصولاً لـ«القطيعة التامة»، تبدو المصالح الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية التي تربط البلدين أكبر من الخلافات الأخيرة الأمر الذي قد يمنع كلا البلدين من المغامرة بمصالحهم المصيرية.

اتفاق اللاجئين

يعتبر اتفاق اللاجئين من أهم الأسباب التي من المفترض أن تدفع أنقرة وألمانيا نحو تهدئة الأزمة ومحاولة البحث عن حلول مشتركة خشية انهيار الاتفاق الموقع بين تركيا والاتحاد الأوروبي، والذي من المتوقع أن يؤدي أي تراجع أكبر في العلاقات بين البلدين إلى تسريع انهياره.
وقبيل أزمة الأرمن تعيش العلاقات التركية الألمانية حالة احتقان كبيرة على خلفية تهديد أردوغان بنسف اتفاق اللاجئين في حال لم يلتزم الاتحاد الأوروبي بشرط رفع التأشيرة عن دخول المواطنين الأتراك لدول الاتحاد مع حلول نهاية الشهر الجاري.
ويرى مراقبون أن تأزم العلاقات أكثر من ذلك سيؤدي إلى تنفيذ أنقرة لتهديداتها بنسف اتفاق اللاجئين، وبالتالي دخول مفاوضات انضمام تركيا للاتحاد في جمود لسنوات طويلة وربما عقود، وهو ما لا تريده أنقرة بنفس الدرجة التي لا تريد فيها برلين انهيار الاتفاق الذي قد يؤدي لوصول مئات آلاف اللاجئين الجدد إلى أراضيها.
وبحسب موقع خبر 7، فإن الحكومة التركية علقت قرار إعادة قبول اللاجئين غير الشرعيين المتفق عليه مع الاتحاد الأوروبي، وذلك لعدم التوصّل إلى نتائج فيما يخص مباحثات إلغاء التأشيرة عن المواطنين الأتراك.

العلاقات الاقتصادية

لا يبدو في حسابات الحكومة التركية على الإطلاق الدخول في مخاطرة قد تكلف الاقتصاد التركي الذي يعاني من تبعات الأزمات السياسية مع العديد من الدول مزيد من المتاعب والخسائر، لا سيما وأن ألمانيا تعتبر من أكبر شركاء تركيا الاقتصاديين.
ويصل حجم التبادل التجاري بين تركيا وألمانيا إلى قرابة 35 مليار دولار، وفي الوقت الذي يحاول فيه خبراء اقتصاديين أتراك إظهار أن ألمانيا ستكون المتضرر الأكبر من انعكاس الأزمة السياسية على الاقتصاد، يشير آخرون إلى أن الاقتصاد التركي لم يعد بحاجة إلى انتكاسات جديدة تضاف إلى التبعات الاقتصادية للأزمة السياسية المتواصلة بين تركيا وروسيا.
ويبلغ حجم التصدير إلى ألمانيا 13.4 مليار دولار، فيما يبلغ حجم الاستيراد 21.3 مليار دولار، بالإضافة إلى ذلك ينشط في ألمانيا قرابة 80 ألف رجل أعمال من أصول تركية، مسؤولين عن توظيف واستخدام 370 ألف عامل، ويبلغ صرف هذه الشركات في السنة 35 مليار يورو، بحسب موقع خبر 7 التركي.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصاءات دقيقة لهم، إلا أن العديد من المصادر تُقدر عدد الأتراك الذين يعيشون في ألمانيا بقرابة 4 مليون نسمة، ليكونوا بذلك أكبر جالية تركية خارج البلاد، وأكبر جالية أجنبية في ألمانيا.
ومنذ اندلاع أزمة الأرمن يواصل الآلاف من أبناء الجالية تنظيم مظاهرات تندد بمساعي البرلمان الألماني، وسط تخوفات من تصاعد هذه الاحتجاجات وتحولها إلى صدامات مباشرة مع السلطات الألمانية ودخول البلاد في اضطرابات على خلفية قومية، وهو سيناريو تخشاه برلين ولا تتمناه.
وحذر مراقبون من أن تدهور أكبر في العلاقات لن يكون في صالح الجانبين فيما يتعلق بالجالية التركية في ألمانيا، فأنقرة لا ترغب في جلب المتاعب لجاليتها الكبيرة والتي تعتبر قوة انتخابية لا يستهان بها، وميركل لن تكون معنية في تصاعد الاحتجاجات الأمر الذي قد يعزز المعسكر المعارض لها وزيادة شعبيته في البلاد.

أكثر من 5 مليون سائح ألماني

تعتبر ألمانيا أكثر الدول المصدرة للسياح إلى تركيا، حيث بلغ عدد السياح الألمان عام 2015 أكثر من 5.5 مليون سائح، ليحتل الألمان المرتبة الأولى بعد أن كان السياح الروس يتصدرون هذه المرتبة.
وتشكل هذه النسبة نقطة ضغط كبيرة على الحكومة التركية التي تعتمد ميزانيتها على السياحة بشكل كبير، لا سيما وأن هذه الأزمة تأتي بعد أشهر فقط من تراجع أعداد السياح الروس بشكل كبير جداً على خلفية الأزمة بين البلدين التي أعقبت حادثة إسقاط طائرات حربية تركية مقاتلة روسية على الحدود مع سوريا.
وفي آخر البيانات الرسمية الصادرة عن وزارة السياحة التركية، فإن عدد السياح الأجانب الذين وصلوا إلى تركيا في نيسان الماضي انخفض بنحو 30 بالمئة مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي وهو رقم يعكس قلق السياح إزاء الوضع الأمني في تركيا.
وقالت وزارة السياحة: «إن أكثر من 1.75 مليون أجنبي دخلوا إلى تركيا في نيسان الماضي بانخفاض قدره 28.70 بالمئة مقارنة بشهر نيسان عام 2015 وشهد عدد الزائرين الروس تراجعا حادا بلغ 3ر97 بالمئة». كما انخفض عدد الزوار الألمان إلى تركيا بنسبة 53 بالمئة، وهذا الانخفاض الحاد لعدد الزوار في نيسان الماضي هو الأكبر هذا العام ويعزز قلق القطاع السياحي الذي بلغت عائداته 28 مليار يورو عام 2015.
وتصاعدت أزمة الخلاف بين ألمانيا وتركيا، بعد مصادقة أغلبية مجلس النواب الألماني «البوندستاغ»، الخميس، على قرار يعتبر مقتل الأرمن على أيدي القوات العثمانية في عام 1915 «إبادة جماعية»، وسحبت أنقرة سفيرها في برلين ردا على القرار، الذي وصفه أردوغان، بأنه خطير وسيؤثر سليا على علاقات البلدين. كما استدعت وزارة خارجيتها، القائم بأعمال السفارة الألمانية في أنقرة، روبرت دولغر، وأعربت له عن انزعاجها حيال قرار برلمان بلاده.
ويعتبر نهاية الشهر الجاري تاريخ هام لمعرفة سير العلاقات بين تركيا وألمانيا والاتحاد الأوروبي بشكل عام، وذلك مع انتهاء المهلة التي منحتها تركيا للاتحاد من أجل رفع التأشيرة عن مواطنيها قبل وقف الالتزام في الاتفاق، وهو ما صرح به أردوغان بشكل مباشر بالقول إن بلاده ستتوقف عن صد المشاكل والمخاطر المحدقة بأوروبا ما لم تتعاون دولها مع تركيا بشكل أفضل.

أربعة أسباب تمنع تركيا وألمانيا من التهور بتخريب العلاقات وصولاً لـ«القطيعة التامة»

إسماعيل جمال

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية