هل تبقت من فرصــــة لأحد لكي يعــــبر عن حكم الضمير في ما يجري في ســـورية الآن، وبعد أن اختلطــــت الأوراق، وتداخلت الصور، واصطبغ وجه سورية الحبيبة بلون الدم والدمار، وتحول المشهد الدموي إلى حرب أهلية طائفية طاحنة، سقط فيها أكثر من مئة ألف شهيد، وجرى تشريد الملايين، وتحولت مدن وقرى سورية الجميلة إلى أنقاض وأطلال، وصار الحديث محصورا فيمن ينعقد له النصر العسكري في بلد جرى تحطيمه إلا قليلا؟
تطورات الأسابيع الأخيرة توحي بتقدم جماعة بشار الأسد عسكريا، خاصة بعد قرار ‘حزب الله’ الانضمام إلى جانب بشار، وهو ما يضفي على الحرب طابعا طائفيا صرفا، ويغري بتكرار المذابح الطائفية، التي ظهرت آثارها جلية في معركة مدينة القصير، التي استعادتها قوات بشار الأسد خالية من سكانها تقريبا، وظهر رجال ‘حزب الله’ الشيعي فوق مآذن مساجدها، وهم يرفعون راية سوداء مكتوبا عليها ‘يا حسين’.
في إشارة رمزية لأولوية مكانة سيد الشهداء الحسين بن علي حفيد النبي محمد عليه أفضل الصلاة والسلام، وبدت الراية السوداء المعبرة عن رمز شيعي، وكأنها تخاصم وتكيد لراية سوداء أخرى ترفعها جماعات التكفير السنية، وتزدان بعبارة التوحيد ‘لا إله إلا الله محمد رسول الله’، وكأن هؤلاء وهؤلاء قد أعلنوها حربا تدور بين النبي والحفيد (!)، أي أنهم جعلوا الإسلام يقاتل بعضه بعضا، وفي حرب طائفية مسعورة، لا يتبقى فيها من المسلمين سوى ركام الجثث.
نعم، لا شرف ولا ضمير ولا دين في الحرب المجنونة الدائرة، وما من ثورة ولا أشواق للحرية في القصة كلها، فقد أطاحت الحرب الطائفية بمعنى الثورة السورية، التي بدأت شعبية ونبيلة وسلمية تماما، وكان تفوقها الأخلاقي طاغيا، وجذبت الضمائر الحية إلى نصرتها في وجه نظام الطاغية، واتصلت وقائعها العفوية على مدى الاشهر التسعة الأولى من سيرتها، ووجد بشار الأسد نفسه في المأزق، ولم يجد لنفسه مخرجا سوى تحطيم سورية نفسها، وشن الحرب على الشعب السوري الثائر، وتحويل الصدام مع الثائرين إلى حرب أهلية طائفية، وهو ما اختفى معه صوت الثورة السورية، وخلت الساحة لصوت الجنون، وجرى التدويل الفعلي لأزمة التغيير في سورية، واستظل كل طرف بحلفاء من خارج سورية، استظل بشار بدعم روسيا وإيران وحزب الله، واتجهت قطاعات من الثورة إلى العسكرة، ثم إلى استدعاء دعم خارجي من أمريكا وأوروبا وتركيا وقطر ودول الخليج، ثم جاءت شياطين الإنس والجن من جماعات تنظيم ‘القاعدة’ عبر الحدود السائبة، واختفى صوت العقل والثورة، واختنق دور ‘هيئة التنسيق الوطني’ كإطار جامع للقوى المعارضة الحقيقية المناصرة للثورة في الداخل، فيما تشكلت جماعات في الخارج، بدا بعضها وطنيا مناصرا للثورة بحق، وبدت جماعات أخرى دخيلة بالكامل، ومجرد ‘صناديق بريد’ لتلقى الأموال والهبات، وتنفيذ أوامر أجهزة مخابرات خارجية، ولعل أظهرها كانت حكاية ما يسمى بالإئتلاف الوطني السوري لقوى الثورة والمعارضة، الذي تشكل برعاية قطر كوكيل إقليمي فاحش الثراء، وفي الإئتلاف ظهرت أقلية من شخصيات وطنية حقيقية، لكن الأغلبية كانت في اتجاه آخر، خاصة من منتسبي ‘جماعة الإخوان’ التي احتكرت الدعم القطري، وحاولت إقناع المخابرات الأمريكية بصلاحيتها لدور البديل المناسب لحكم بشار، واشترت كتائب مسلحة على الأرض السورية، واصطنعت لها أسماء دينية من نوع ‘لواء التوحيد’، وفي محاولة لكسب أرض على حساب جماعات سلفية وتكفيرية من نوع ‘جبهة النصرة’ و’حركة أحرار الشام’، التي زايدت على الإخوان في إطالة اللحى، وفي خوض المعارك الميدانية بحس طائفي صرف، ينتقم من الطوائف غير السنية، ثم يحول حياة السنة وهم أغلبية الشعب السوري إلى جحيم حقيقي، ويسخر من شعارات الديمقراطية والحرية التي بدأت بها ثورة الشعب السوري، ويبشر بإقامة ديكتاتورية أفظع من ديكتاتورية بشار، وعلى طريقة ‘دولة الشام الإسلامية’ المبايعة لأمير تنظيم القاعدة أيمن الظواهري.
إذن، لم يعد الخيار في سورية بين بشار والثورة، بل بين السيئ والأسوأ، بين بشار حليق الذقن وبشار الملتحى على طريقة محمد الجولاني زعيم ‘جبهة النصرة’، بين دموية بشار ودموية جماعات التكفير والقتل على الهوية الطائفية، وهب أن بشار انتصر في الحرب الأهلية بمعونة قوات حزب الله، فكيف يمكن له أن يستمر في حكم سورية؟ وهو الذي قـــتل القسم الأكبر من المواطنين، وهدم الجزء الأكبر من سورية، وكشف عداوته الدفينة للطائفة السنية الأكثر عددا في التكوين السوري الفسيفسائي، فنصر كهذا لو حدث لن يعنى سوى اتصال الحرب إلى ما لا نهاية، فليست القصة في سيطرة على مدن أو قرى بقــــوة السلاح، يهجرها غالب سكانها فور دخول قوات بشار أو قوات المعارضة المسلحة، ثم تدور حرب عصابات لا تنتهي، ولا يتوافر فيها الأمان التام لأحد، فقد أصبح من المستحيل العودة إلى ما كان قبل بدء الثورة السلمية المغدورة، ولا يبقى سوى أن تنتقل سورية من حرب إلى حرب، خاصة أن الأطراف الخارجية المتدخلة حريصة على إذكاء النار، ودعم الأطراف المتقاتلة بمزيد من السلاح، وتحويل الأرض السورية إلى حقل تجارب للأسلحة المتقدمة، وبدعوى حفظ التوازن بين بشار وجماعات المعارضة المسلحة، وفتح الطريق إلى حل سياسي يستبعد بشار و’جبهة النصرة’ وأخواتها معا، وتكوين حكومة انتقالية هشة بلا أدوات سيطرة على الأرض، وإدخال سورية في دوامة جديدة من تداعيات الحرب الأهلية، وبما يقوض أشواق الحرية والديمقراطية والعدالة التي دفعت السوريين إلى الثورة.
إنها الثورة ال، التي رفعــــت في صـــبواتها الأولى نداء ‘مالنا غيرك يا الله’، وكم كان التعبـــير صادقا ومؤثرا ودامعا وبليغا، فلا يبدو من حل يوقف نزيف الدم السوري وينتصر لوحدة سورية ويضمد جراحها، لا يبدو من حل بغـــير عـــناية الله، واختفاء بشار الأسد عن المسرح فجأة، ولو بانقلاب داخلي، واستعادة وحدة وصلابة الجيـــش السوري، وطــرد كل الجماعات الطارئة والتكفيرية بالذات، وإخراج مقاتلى حزب الله من سورية، وحفظ وحدة الوطن السوري، وإعادة ملايين اللاجئين والمشردين إلى مدنهم وقراهم، وإجراء انتخابات متزامنة لرئاسة جديدة وبرلمان جديد، وبشرط إعلان وقف الحرب على كل الجبهات.
كاتب مصري
الأستاذ المحترم عبدالحليم :صحيح أن غالبية الشعب السوري من الكرام السنة لقد حكموا سوريا منذ بعث الرسالة المحمدية وبسبب الاسلام أبقوا الإستعمار التركي السني 400سنة فهل تتخيل بأن السنة الآن أكثر وعياً من أجدادهم ؟ لم يتعاونوا مع الرئيس جمال عبد الناصر الذي خلق الحس القومي العربي وحاولوا قتله ناهيك عن الآخرين الشعب السوري بكل مكوناته يفتخر بقوميته العربية وإن كانت غير مُشرِفة الآن. الأخوة العلويين كانوا الطبقة المسحوقة على مر مئات السنين نكل بهم الشعب السوري “الاقطاع ” كما الاتراك، كلهم شخصيات وطنية لم يُتَهم أحدٌ قط في العمالة أو خيانة الوطن !!! ومن حقهم حكم الوطن طالما لم تبرز شخصية وطنية قادرة على فرض نفوذها على الشارع السوري كل مواطن سوري له الحق لأن يصبح رئيساً حتى لوكان بوذياً وحيداً أو كان هندوسياً ويعبد البقرة وبالمناسبة الشعب السوري لا يمكن أن يقبل برئيس على شاكلة سيادة الرئيس محمد مرسي العياط , كوليٌ للخالق على سطح الأرض ويستمع خطبه الدينية إنه عصر حرمان التقنية والإلكترون ليس زمن البحث عن الأصدقاء عند الأعداء ! حقيقة الشعب المصري العظيم يستحق رئيساً يمثله ولا يمثل جماعات تعبث بالميتولوجيا وتبدع في إطالة الذقون ويتسابقون من سيدخل في موسوعة غينتس كصاحب أطول لحية في العالم !
:) كفيت ووفيت
رد يحترم للواقع
بصراحة راي يجبرنا على احترامه و احترام صاحبه اكثر….
شكرا عبد الحليم قنديل. مقالاتك مكسب كبير للقدس العربي
ياعبد الكريم
العلويين يستطيعون المشاركة في حكم سوريا لا الاستئثار بسورية
عبدالحليم قنديل .. الخصم الذي احترمه .
امنيتي الوحيدة ان تفكر الأطراف المتنازعه في سوريا بطريقة تفكيرك فلو حصل ذلك لانتهت الحرب اليوم قبل غد
نظام بشار الاسد نظام سني بدليل كثره الجوامع
رآي محترم حقا …. الحق بين و الباطل بين ….. أحيي الأستاذ عبد الكريم ….
كل من عاش بسوريا يعلم ان الوضع طائفي من البداية