الطريق إلى الرقة ومنبج: قوى وكيلة وأجندات متناقضة لن تنهي خطر «الخلافة»

حجم الخط
2

يواجه تنظيم الدولة الإسلامية معارك على أكثر من جبهة، وهي متوقعة خاصة أن أعداءه كثر ومتفرقون في أهدافهم ومشاربهم. وفي الماضي استفاد من خلافاتهم واستطاع تحقيق مكاسب على حساب فرقتهم. ولكنهم اليوم يضربون بقوة ويحاصرونه في كل معاقله من الفلوجة التي كانت أول المدن التي تسقط تحت سيطرته بداية عام 2014 إلى الرقة ومنبج في سوريا، وعلينا أن نذكر معقله الليبي في سيرت التي تخوض قوات متعددة معارك ضد قوات تابعة للتنظيم هناك. وكعادته رد على الحصار الذي يواجهه بهجمات انتحارية في العاصمة العراقية بغداد وتوسع على حساب جماعات المعارضة السورية في المدن الحدودية القريبة من سوريا. ورغم حس التفوق لدى أعداء التنظيم خاصة تلك التي بدت في تصريحات الرئيس السوري بشار الأسد أمام مجلس الشعب يوم الثلاثاء والذي اتخذ من استعادة مدينة تدمر مثالا عن استعداد جيشه المتهالك لتطهير أرض سوريا شبرا شبرا. وهو يعاند الحقيقة لأن الروس هم أسياد اللعبة في سوريا اليوم كما علق معارض لنظامه في تصريحات نقلها موقع «بازفيد» (10/6/2016) في معرض حديثه عن محاولات الروس استقطاب جماعات سورية معتدلة للتعاون معهم. وقال إن النظام السوري ما هو إلا واحدة من الميليشيات التي تقاتل للسيطرة على سوريا اليوم. وفقد النظام الحاكم صفته السياسية. وبالسياق نفسه تحدث السفير الأمريكي السابق في دمشق روبرت فورد قائلا، إن اللاعبين في سوريا اليوم كثر ولم يعد هناك طرف يستطيع حسم المعركة لصالحه. في إشارة للأزمة التي يعانيها الروس بعد تدخلهم العسكري في البلاد منذ خريف عام 2015. وقرأ فورد في محاولات الإتصال مع المعارضة السورية، أزمة استراتيجية تواجه موسكو وغياب خطة الخروج.

تحالفات غريبة

وأيا كان الحال، فقد خلط صعود تنظيم الدولة أوراق التحالفات في المنطقة خاصة على الساحتين السورية والعراقية. ففي كلا الجبهتين تتلاقى المصالح، تتقاطع وتفترق. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين في صف واحد مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والإيرانيين والرئيس السوري وحلفائه من حزب الله. وفي العراق يتلاقى الأمريكيون والإيرانيون والحكومة الشيعية في بغداد على الهدف نفسه ويفترقون على ترتيبات ما بعد المعركة. والأمر نفسه يصدق على القوى المحلية التي تتقاتل على تشكيل الوضع في مرحلة ما بعد تنظيم الدولة. فبالنسبة للأكراد سواء كانوا يقاتلون في العراق أم سوريا، فهي فرصة لتوسيع مناطق نفوذهم أبعد من تجمعاتهم التاريخية. وهم كما أشار ولدامير ويليغنبرغ في «فورين بوليسي» (6/6/2016) يخوضون حربا داخل حرب، فتقدم ما يعرف بتحالف قوى سوريا الديمقراطية، وهو مخلوق خلقته الولايات المتحدة والمستشارون العسكريون العاملون مع قوات حماية الشعب التابعة لحزب الإتحاد الديمقراطي كغطاء للتقدم نحو معاقل تنظيم الدولة في مدينة الرقة أو منبج، خلق حالة من الإنقسام بين أكراد داعين للتوقف عند حدود ما يرونه كردستان الكبرى أو التوسع حتى في المناطق ذات الغالبية العربية. ويعترف من يريدون دولة كردية صرفة بالمشاكل المقبلة. فقوات حماية الشعب الحليفة للولايات المتحدة رغم ارتباطها بحزب العمال الكردستاني «بي بي كي» الذي تعتبره واشنطن نفسها إرهابيا، متهمة بالتورط بجرائم تطهير للعرب من المناطق التي خرج منها تنظيم الدولة مثل تل أبيض وقرى الحسكة. وهي الإتهامات نفسها التي تكال لما يسمى قوات الحشد الشعبي، الذراع الميليشاوي لإيران في العراق والتي تحظى مثل الأكراد السوريين بغطاء جوي أمريكي.
وعلى المدى البعيد سيخلق هذا الوضع توترات وأحقادا عرقية وطائفية ولن يؤدي للقضاء على الجذور التي أدت لولادة تنظيم الدولة الذي كان بارعا في استغلال المظلومية التي عانى منها العرب السنة في ظل قمع نوري المالكي وحكومته الطائفية أو العرب السنة في ظل النظام العلوي القائم الآن في دمشق. والرابط الرئيسي الذي يربط بين الجبهات التي فتحت الآن ضد تنظيم الدولة هو تحقيق مكاسب قصيرة الأمد. فكل حملة مدفوعة بسياقها وظرفها السياسي. فقيادة حيدر العبادي للعملية العسكرية ضد الفلوجة التي لم تكن في حساب الخطط الأمريكية التي ركزت على استعادة الموصل جاءت مدفوعة بمشاكله التي سببها له التيار الصدري ومطالبه بمكافحة الفساد وبالتفجيرات الإنتحارية التي يعتقد النظام في بغداد أن منشأها الفلوجة، رغم اقتراح محللين أنها جاءت من ديالى. فخروج انتحاريين من الفلوجة المحاصرة يظل أمرا صعبا بناء على هذا التحليل. وفي سوريا تريد الإدارة الأمريكية التي لم يعد لها سوى أشهر في البيت الأبيض القضاء على تنظيم الدولة بأي «بندقية» متوفرة مهما كانت مصداقيتها. أما النظام السوري الذي يخوض حملته الخاصة على الرقة مدعوما من الخبراء الروس، فيريد استعادة ثقته بنفسه والعودة إلى المناطق التي طرد منها سواء قاعدة «الطبقة» الجوية عام 2014 في خروج مهين وقتل في الصحراء لمئة وستين جنديا أو الرقة نفسها عام 2013.

أين هم العرب السنة؟

والغائب الحقيقي في كل هذه الجولات العسكرية هو العنصر المحلي: العرب السنة في الأنبار الذين دربت الولايات بعضهم ورفضت بغداد المضي في إنشاء»الحرس الوطني» بسبب رفض أحزاب شيعية، وفي حالة الرقة هناك غياب للقبائل السورية. وفي المدينة الأخيرة فسيناريو السقوط ليس مرتبطا كما يقول فابريش بالانش من معهد واشنطن (3/6/2016) بقوات سوريا الديمقراطية ولا بقوات النظام. فالحسم سيأتي كما يرى من القبائل العربية التي تحولت في العقود الماضية إلى عامل ورقة مهمة استخدمها النظام للشراء حينا أو الإستئجار أحيانا أخرى. وأشار إلى جوانب الضعف في حملة «قوات سوريا الديمقراطية» التي لن تقود في النهاية إلى شوارع الرقة بل وربما استغلها الأكراد ودفعوا باتجاه عفرين ودمجوا هذا الجيب مع المحور الكردي في شمال شرق سوريا وهو ما يعملون عليه منذ بداية الانتفاضة السورية عام 2011. ومهما كانت أولويات الأكراد وطموحاتهم الساعية إلى ضم عفرين وربما الرقة، فأي هجوم على المدينة لن يتحقق بدون تجميع القبائل العربية التي تلعب دورا مهما في الديناميات المحلية سواء في علاقتها مع حزب البعث أو موالاة بعضها لتنظيم الدولة. ويرى بالانش أن الدور الذي لعبته القبيلة في الثورة السورية مرتبط بطبيعتها العابرة للحدود «النبيلة» الرافضة دائما للسلطة المركزية وتلك التي توطنت وأقامت مع القوى الحاكمة أو «العادية» فالأولى سارعت لدعم الثورة منذ أيامها الأولى، أما الثانية فبقيت على ولائها لنظام البعث خاصة أنها استفادت بطريقة أو بأخرى من سياساته المتعلقة بالإصلاح الزراعي وتوزيع الأراضي والتجنيد في الجيش وما إلى ذلك. وظلت قبائل الرقة حتى عام 2013 موالية للنظام قبل دخول القوى الخارجية من دول الخليج التي استطاعت شراء ولاء قوى منها لدعم الثورة. ولم تختلف سياسة تنظيم الدولة عن النظام إلا في التفاصيل والأولويات حيث حاول تغيير البنية التقليدية للقبيلة من خلال ترفيع الصغار أو الفروع الثانوية لقيادة القبيلة حالة رفض الشيخ الكبير التعاون. ولجأ لقمع كل قبيلة عاندت سلطته واستخدم لغة القتل معها مثلما فعل مع قبيلة الشعيطات. ولعل أهم تغير في البنية القبلية هو جنوح عدد من شبابها نحو التطرف بسبب تجنيدهم للقتال في صفوف الجهاديين وزرع الفكر المتطرف في أذهانهم وهي مشكلة كبيرة عندما تتم هزيمة التنظيم. ومن هنا يظل العامل المحلي ضروريا في أي جهد لهزيمة التنظيم. ويقتضي كما يرى بالانش منح شيوخ القبائل دورا وحماية قضائية ودعما ماليا ليكونوا البديل عن التنظيم حالة انهار هذا داخليا أو فقد شرعيته بين السكان الذين يحكمهم. ويظل العامل القبلي في معركة الرقة محفوفا بالمخاطر، فانقسام العشائر في الولاء لتنظيم الدولة والتحالف الأمريكي «قوات سوريا الديمقراطية» يحمل قنبلة موقوتة للمستقبل. فلا يمكن ترك القبائل مثلا لتدير المناطق فيما بعد هزيمة الجهاديين. فقد يقود الوضع إلى حرب قبلية- جزء منها انتقام وآخر تنافس على مصادر المياه وغير ذلك ولا يمكن نقل التجربة الكردية في كوباني وغيرها إلى الرقة ودير الزور، ذلك أن قوات حماية الشعب متهمة بالتطهير العرقي. وكل هذا يقتضي تدخلا من الخارج للتوسط بين القوى المتصارعة. لكل هذا لا تبشر الجهود الحالية والزحف على الرقة بخير فهي تحمل عناصر الإنشقاق والخلاف. وسيظل تنظيم الدولة موجودا حتى لو هزم. ففي العراق هزم الأمريكيون والصحوات القاعدة ما بين 2007- 2008 إلا أن بقاياه أعادت تجميع نفسها، مستفيدة أولا من الحراك السني وثانيا من الانتفاضة السورية وعادت بشكل جديد وهو «تنظيم الدولة الإسلامية».

جيب منبج

والمخاوف المشروعة نفسها واضحة في الحملة التي تقوم بها قوات سوريا الديمقراطية على ما يطلق الأمريكيون عليه «جيب منبج» الواقع غرب نهر الفرات قريبا من الحدود التركية. ويأتي التركيز على هذه المنطقة لقطع آخر خط للإمدادات متوفر للتنظيم مع الحدود التركية. وفاجأ الأمريكيون الأتراك الذين كانوا على ما يبدو يخططون لاستعادة الجيش مع قوات المعارضة المعتدلة. وفشلت حملة هذه وأدت لتوسع التنظيم في بلدة مارع وخلقت أزمة لاجئين. ومن هنا قررت الولايات المتحدة المضي في مشروعها مع الأكراد. وبحسب «واشنطن بوست» (2/6/2016) فقد تجاهلت أمريكا مظاهر القلق التركي ورافقت قوات كوماندوز القوات المتقدمة نحو الجيب. وضربت الطائرات الأمريكية جسورا بين منبج والحدود التركية بطريقة أظهرت الدعم الأمريكي للأكراد السوريين في توسيعهم لمناطق نفوذهم إلى غرب الفرات، شمال سوريا قريبا من الحدود التركية. ورأت صحيفة «التايمز» (6/6/2026) أن تجاهل الولايات المتحدة مظاهر قلق أنقرة ودعم اجتياز الأكراد إلى غرب الفرات يعبر عن تراجع التأثير التركي بمناطق شمال سوريا بعدما أسقطت الطائرة العسكرية الروسية في تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي. ونشر روسيا أنظمة صاروخية متقدمة تمنع القوات التركية من التوغل في داخل الأراضي السورية. كما أن الحملات الجوية الروسية المتكررة أنهت تقريبا ما يطلق عليها المعارضة المعتدلة التي تدعمها تركيا. وعلق آرون ستين من المجلس الأطلنطي قائلا «أضعف الموقف التركي بشكل كبير. وتعاني الجماعات التي تدعمها من انقسامات وبقيادة ضعيفة». ورأت الصحيفة أن تركيا اليوم تتبنى موقفا أقل حدة ويميل نحو البراغماتية. ونقلت عن مصدر تركي قوله إن رحيل أحمد داوود أوغلو رئيس الوزراء السابق سيعجل بتحول في السياسة الخارجية. فقد كان أوغلو مهندس سياسة بلاده التي قامت على «صفر مشاكل» مع دول الجوار.

أكثر من انتصار عسكري

وفي النهاية لن ينجح التحالف الدولي أو التحالفات المحلية الهشة والهلامية بالقضاء على تنظيم الدولة بتحقيق مكاسب عسكرية آنية، فالأهم هو الحل السياسي والتوافقات الدولية والمحلية. وبحسب الكاتب ديفيد غاردنر في صحيفة «فايننشال تايمز» (8/6/2016) البريطانية فأهم من النصر العسكري هو اتفاق اللاعبان الدوليان- أمريكا وروسيا والإقليميين السعودية وإيران وتركيا على خطة سياسية معا، وبدون هذا يصعب علينا تخيل القضاء على تنظيم الدولة، فقد يفقد أراضيه لكن الخلاف عليه يجعله يتمظهر بشكل»الدولة» وقوة حرب العصابات والخلافة وربما جيل جهادي جديد أكثر راديكالية من سلفه.

الطريق إلى الرقة ومنبج: قوى وكيلة وأجندات متناقضة لن تنهي خطر «الخلافة»

إبراهيم درويش

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    إنتزاع الرقة من داعش هو في مصلحة النظام الأسدي ولهذا شن النظام عدة هجمات على مدن بريف الرقة لكي يكون قريباً من مدينة الرقة
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول سلام عادل:

    لقد قلنا من البداية انها ليست ثورة انها مؤامرة تركية امريكية عربية .فالاتراك كانوا يعتقدون ان سقوط النظام سيكون كما في ليبيا ثم ياتي الاخوان المسلمون للحكم وبالتالي يكون اردوغان حاكما على تركيا وسوريا والعرب بسبب خلافاتهم الشخصية كحكام ارادوا التخلص من الاسد لياتي بدله حاكم يسيطرون عليه باموالهم كما في مصر او الاردن والمغرب اما الامريكان وهم فقط يعرفون ما يريدون مع الروس فهو تقسيم سوريا الى مناطق نفوذ كردية وروسية وامريكية.والخاسر الوحيد هم السوريون فقط

إشترك في قائمتنا البريدية