«الإرهاب» والمثلية الجنسية

حجم الخط
4

قبل عام قام رجل دين يهودي بقتل فتاة يهودية طعنا وأصاب آخرين أثناء مشاركتهم في مسيرة لمثليي الجنس في شوارع القدس.
الرجل القاتل كان يضحك عندما اعتقل بعد قتلها، وما زال يطل ضاحكا على شاشة التلفزيون أثناء محاكمته، وله مؤيدون كثيرون يرافقونه في محاكمته تأييدا وتضامنا معه، وهو يؤكد، أن ما قام به إنما فعله لأن المثليين يدنسون الشعب اليهودي والمدينة المقدسة!
الرجل نفسه سبق وقام بالعمل نفسه عام 2005 إذ طعن ثلاثة في مسيرة لمثليي الجنس وأصابهم بجروح خطيرة، وسجن بضع سنوات، وعندما أطلق سراحه أعاد الكرة فقتل الفتاة ابنة السادسة عشرة. لم نسمع لا من يهودي ولا من أجنبي اتهاما لليهود واليهودية بالإرهاب، تهمة القتل وجهت للقاتل، لم يوصف كإرهابي يهودي ووصفت جريمته في المحكمة بـ(جريمة كراهية)، رغم أنه جوهريا لا يختلف عن مسلم قام أو قد يقوم بالجريمة نفسها، ولكن لو ارتكب الجريمة المذكورة مسلم في أمريكا أو في أوروبا أو في القدس نفسها، لأصبح العمل كله من إنتاج الرسول محمد (صلى الله عليه وسلم) والصحابة والإسلام، ووجهت أصابع الاتهام إلى مليار ونصف مليار إنسان في خانة ما صار يعرف بـ»الإرهاب الإسلامي».
في فولغاغراد في روسيا في عام 2013 قام شبان روس بتحطيم جمجمة شاب في الثالثة والعشرين من عمره، وقبل موته نكلوا به جنسيا (اغتصبوه) ثم حاولوا إحراق جثته لأنه من مثليي الجنس، وقتها قال ممثلون عن مثليي الجنس في موسكو، إن سبب الجريمة وتشجيعها ضدهم، هو الرئيس بوتين نفسه الذي حمّل المثليين جزءا من مسؤولية عدم تكاثر الشعب الروسي، وصرح رئيس الكنيسة الأرثوذكسية في روسيا أن المثليين سيكونون سبب خراب روسيا، وهذا أدى لارتفاع الاعتداءات عليهم، وفي استطلاع للرأي العام في روسيا أيد 5٪ من الناس قتل مثليي الجنس وقال 50٪ إنه يجب معالجتهم من هذا المرض.
في فترتي هتلر وستالين وضعوا المثليين في خانة أعداء الأمة، فتعرضوا للسجن والتنكيل والحرمان من العمل، الطريف أن موقف دونالد ترامب المرشح للرئاسة الأمريكية ضد المثليين مشابه لموقف بوتين وستالين وهتلر، ولكننا لم نسمع من يتهم الكنيسة لا الأرثوذكسية ولا الكاثوليكية بـ»الإرهاب المسيحي»، ولكن تخيلوا ردة الفعل لو أن قاتلي الشاب الروسي المثلي، الذين مثلوا بجثته واغتصبوه من المسلمين، ماذا سيكون الرد سوى اتهام الإسلام والمسلمين بالوحشية والإرهاب.
يلتقي عدد من الزعماء والقيادات على مستوى العالم في صناعة «إرهاب إسلامي»، هذه الصناعة مربحة وسهلة جدا، تسهّل لهم تحقيق الأهداف السياسية، المرشح الجمهوري ترامب جعل الكراهية والتحريض ضد المسلمين أيديولوجيا لبلوغ هدفه، والكنيسة الروسية أيدت وباركت تدخل روسيا في حربها ضد ثورة السوريين بحجة محاربة الإرهاب (الإسلامي طبعا).
ترامب استفاد من الهجوم الإرهابي في فلوريدا، فالجريمة رفدت تحريضه على المسلمين بقوة، وبلا شك أنه يتمنى وقوع مزيد من جرائم إطلاق نار، حتى لو كانت ضد أطفال يرتكبها أناس يحملون اسم عمر وعثمان وعلي ومحمد ومصطفى، علما أن ضحايا جرائم إطلاق النار في أمريكا سنويا تعد بالآلاف، ولكن تختلف التسمية عندما يحمل الفاعل اسما مسلما. وتقع في أمريكا يوميا جريمة قتل جماعية بإطلاق النار، أي أن ضحاياها أكثر من واحد يوميا، ومعروف أن مشكلة جرائم القتل الجماعية وسهولة الحصول على سلاح تقلق الأمريكيين.
ترامب يريد الوصول إلى البيت الأبيض بأي ثمن كان، وهو ليس نبتة شاذة في المجتمع الأمريكي، فهو مثال وقدوة للنجاح، صادفت اسمه في أحد كتب التنمية البشرية، يتحدث فيه المؤلف عن الناجحين في أعمالهم ويستشهد بمقولات لرجل الأعمال دونالد ترامب، والكتاب ليس جديدا، وصادر منذ سنوات، قبل ترشح ترامب للرئاسة الأمريكية، هذا يعني أن ترامب وضع التحريض على المسلمين والإسلام كجزء أساسي من دعايته الانتخابية مهما كان الثمن، فالغاية تبرر الوسيلة، وهو ناجح حتى الآن في تسويق بضاعة التحريض والتحذير من خطر المسلمين، وبلا شك أنه يتمنى وقوع مزيد من الجرائم بأيدي أناس يحملون أسماء إسلامية، فالبضاعة غالية وهي رئاسة أمريكا، وماذا يضر لو كان ثمنها بضع مئات من الأمريكيين ومئات آلاف وربما ملايين المسلمين، لا أخلاق في السياسة لدى ترامب، والقاعدة هي «الغاية تبرر الوسيلة».
بعد كل حادثة مقاومة في فلسطين يدعو نتنياهو العالم للوقوف إلى جانبه في مواجهة خطر الإرهاب الإسلامي، ويقاطع ويحتج على كل من يربط بين أي عمل مقاوم وبين جرائم الاحتلال المرتكبة منذ عقود في فلسطين.
يتحالف قتلة ومجرمون من شتى الأشكال في صناعة «الإرهاب الإسلامي»، بيبي نتنياهو وصديقه الحميم بوتين، وبشار الأسد الذي جعل من ثورة السوريين كلها (إرهابا إسلاميا) ويلتقون في هذه الجبهة مع ترامب، واليمين المتطرف في أوروبا، ولا يوجد أي شك بوجود قنوات سرية تصل نتنياهو برؤساء وقيادات عربية، كلها تدعي محاربة «الإرهاب الإسلامي»، وتبني تحالفات بعضها علني، وبعضها سري والهدف واحد، بعضهم يريد الوصول إلى السلطة مثل ترامب واليمين الأوروبي، وبعضهم يريد التمسك بالسلطة مثل الأسد، وآخر يريد تخليد الاحتلال، وهذا عن طريق صناعة «الإسلاموفوبيا»!
موقف الإسلام من المثلية الجنسية معروف، وهو موقف المسيحية واليهودية وديانات أخرى رافضة لها، إلا أن التحريض على الإسلام والمسلمين بغية الوصول إلى هدف سياسي بات صناعة عالمية، أسهم فيها بقوة زعماء مسلمون، بعضهم مباشرة وبوحشية ممن اتهموا شعوبهم الثائرة بـ»الإرهاب»، وبعضهم في قنوات سرية مع أولئك الذين أسهموا بخلق «داعش» بهدف التخريب على الثورة العربية وذبحها في سورية قبل أن تمتد ويفقدوا السيطرة على شعوبهم.

٭كاتب فلسطيني

«الإرهاب» والمثلية الجنسية

سهيل كيوان

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

  1. يقول الكروي داود النرويج:

    بسم الله الرحمن الرحيم
    وَلَن تَرْضَىٰ عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ ۗ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَىٰ ۗ وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُم بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ ۙ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ (120) البقرة
    مهما فعلنا من ترضية للغرب فلن يقبل منا ما دمنا مسلمين لأنهم يعلمون علم اليقين بأن ديننا على حق ولكن لعل الله يهديهم ويؤمنوا
    بسم الله الرحمن الرحيم
    فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنتُم بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوا ۖ وَّإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ ۖ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ ۚ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (137) البقرة
    اللهم إكفينا شرهم وشر من تبعهم من زعمائنا
    ملاحظة : برايفك النرويجي قتل 77 مراهقاً ببرود ولم يقل عنه أحد قط بأنه إرهابي !
    ولا حول ولا قوة الا بالله

  2. يقول Samaher:

    في دول الغرب لا يخفون اصدار التهمه للقاتل ولا ينكرون الاعتراف بان المثليين اعتبارهم شواذ او غير شواذ يبقون في عداد الانسان ويجب النظر اليهم بعين الانسانيه ولكن يعتبرون المجرم والمنفذ على ان عمله هو حادثه فردية والملقب المجرم والمبرأ من ارهابيا يحتسب على انه معاق عقليا او به خلل نفسيا اي حاله منفرده لا تمت للباقين من ابناء جلدته بأي صلة ..ايام ولربما اسابيع وتغرب القضيه عن بكرة ابيها …اما القتل الفردي كان او الجماعي يكون له صدى كبير في جميع أنحاء العالم وخاصة ان يكون القاتل مسلم واذا حدث وحرج في احدى دول الغرب كان تشهيرا ارهابيا عالميا بحق الاسلام اجمع ..وكما يقال وصلت اللقمه لفم الذئب وبلغت الغايات السياسيه لتبرير الوسيله في الوصول الى الهدف ….
    اما عن جرائم قتل الرؤساء في الشرق واحتلال بلادهم وتدميرها وتشريد ابنائها لم يكن صدى في أنحاء العالم.
    هذا المسلم قتل 50 ولكن الرؤساء قتلوا الملايين ولم يحاسبوا!!…

  3. يقول خليل ابورزق:

    مقال رائع
    و ازيد ان معدلات القتل بالاسلحة النارية في داخل الولايات المتحدة رهيبة فعلا. و لطالما حاول الرؤساء الامريكيون و خاصة الديموقراطيون منهم و آخرهم اوباما الحد من انتشار الاسلحة و لكن يتصدى له صناع السلاح و يتذرعون بان الامريكيين يحملون السلاح دفاعا عن ثورتهم و عن حريتهم.
    و تشير الاحصاءات الى وقوع اكثر من 6100 قتيل في الولايات المتحدة الامريكية منذ بداية هذا العام حتى اليوم بمعدل نحو عشرة قتلى لكل مئة الف لكل سنة او 40 ضعفا ما يحدث في بريطانيا مثلا

  4. يقول سلام عادل:

    مع احترامي لاراء الجميع لماذاالاسلام متهم عندما يقوم احد المسلمين بجريمة نكراء والديانات الاخرى غير متهمة عندما يقوم اتباعها بنفس العمل الاجرامي لانه بكل بساطة لان المسلم نفسه يقول ان الاسلام امره بهكذا فعل.وبالتالي يقوم الاعلام والسياسيين بدورهم لاكمال الطبخة ولا ننسى مباركة عامة المسلمين واغلب شيوخ الفتنة لما قام به البطل المغوار.كم من المسلمين وشيوخهم استنكروا سبي داعش ل النساء غير المسلمات وبيعهم بسوق النخاسة

إشترك في قائمتنا البريدية