يأبون النسيان وهم العائدون!

حجم الخط
0

بعد مضي سنوات اللجوء الطوال وفي خضم محاولات القريب والبعيد وتفانيهم في تفريغ المشروع الوطني الفلسطيني من فحواه وتحويله الى قضية انسانية بحته، وتكرار المحاولات لاغتيال احد ركائز الحق الفلسطيني ألا وهو حق العودة الى ارض آبائهم واجداهم التي هجروا منها عنوة عام 1948. من خلال مطالبة العديد للشعب الفلسطيني بالاعتراف بيهودية دولة الاحتلال او من خلال طرح مشاريع تبادل الاراضي. يأتي الرد على كل هذه المحاولات والاقتراحات، يأتي من ابناء الجيل الثالث والرابع للجوء. انها مبادرة شبابية من شباب احدى القرى المهجرة غربي القدس ( من قرية قالونيا ) الواقعة على بعد 6 كيلو متر غربي المدينة المحتلة. اطلقوا على انفسهم ‘تجمع شباب عائدون’ والذين ينادون بالخروج من حيز الشعارات العودوية والانتقال بها الى حيز التطبيق والممارسة الفعلية على ارض الواقع.فكرة لاقت صدى وانتشار واسع النطاق بين ابناء القرى المهجرة غربي القدس والمحيطة بقريتهم. منذ انطلاقهم سعوا ونجحوا بربط الموروث الانساني والثقافي والوطني بحاضرهم مستشرفين المستقبل. وأخرها كان احياء صلاة الجمعة على تراب قريتهم وكان الخطيب الشيخ رائد صلاح. رئيس الحركة الاسلامية داخل الخط الاخضر. تلك خطوة قد سبقها اعمال اخرى من توثيق لمعاناة اهالي القرية التاريخية. وترميم ما تبقى من مقبرة القرية. ناهيك عن الزيارات التعريفية الميدانية للجيل الناشئ. وغير ذلك من احياء اعراس على تراب القرية وعلى اعين المستوطنين الغاصبين لأراضي القرية. هم بذلك عززوا الانتماء لتراب ارض لم يولدوا عليه ولم يعيشوا بين زقاق قريتهم، بل عاشوا كباقي اللاجئين الفلسطينيين مشتتين بين القدس ومدن الضفة الغربية. لكنهم ورثوا مفاتيح بيوتهم عن ابائهم وأجدادهم. مدللين بذلك على ان حق العودة لا يسقط بالتقادم، ولن يستطيع كائن من كان بان يعزلهم عن قراهم الذين هجروا منها عام 1948. مفندين المقولة الصهيونية الشهيرة بان ‘الكبار يموتون والصغار ينسون’. نعم قد مات الكبار لكن الصغار قد كبروا ولم ينسوا وهم الان يمارسون العودة الى قراهم فعلا لا شعار.
قد يتساءل البعض عن جدوى مثل هذه المبادرات العودوية في ظل المعطيات الميدانية والسياسية القائمة. ان مثل هذه المبادرات تحمل في ثناياها ابعاد وطنية وسياسية سيكون لها ما بعدها.خاصة إذا ما نظرنا عميقا في مكنونات هذه المبادرات الشبابية نستطيع قراءة المستقبل. لقد شكل هذا الفعل حالة وعي لأبناء وشباب القرى المهجرة غربي القدس والقاطن معظمهم في جزءها الشرقي بعد اللجوء. وشكل حالة الهام لمحاكاة التجربة في قراهم البالغ عددها اكثر 30 قرية خاصة انهم قادرين على الوصول لقراهم ولا يوجد امامهم معوقات لوجيستية او جغرافية. وبالتالي سوف نشهد حراك شبابي مقدسي جديد وفاعل، ليس فقط للدفاع عن عروبة القدس الشرقية بل ايضا الدفاع عن عروبة القرى العربية المهجرة غربي القدس.
مجددا يثبت الشباب المقدسي من خلال هذه المبادرات مقدرته على ابتكار وسائل نضالية جديدة تفاجئ الاحتلال والتي يقف عاجزا عن التعامل معها لفترة من الوقت. وهنا يدور الحديث عن الانتقال النضالي الى ساحة اخرى وهذه المرة ساحة في عقر دار الصهيونية والمشروع الصهيوني والذي يتمركز على طرد العرب اصحاب الارض وجعل المستوطنين الاوروبيين مكانهم. في كل مرة يرى المستوطنين العرب في هذه القرى يذكرهم العرب بان هذه الارض ليست لهم وانهم غاصبون لها. وان الارض لم ولن تنطق إلا اللغة العربية الفصحى. وبالتالي توسع دائرة الاشتباك مع المشروع الصهيوني ومؤسسات الاحتلال الذي سعى جاهدا لتضيق وتقليل ساحات المواجهة مع الفلسطينيين وخاصة فلسطينيو الداخل المحتل والذين سيشعرون بان اهالي قرى غربي القدس قد انضموا اليهم في الصراع على البقاء وبل وأكثر من ذلك باسترداد الحق المسلوب. هذه القرى التي تشكل لهم امتداد جغرافي ومد بشري فعال وجريء وسوف يكون له المردود الايجابي على مسيرتهم النضالية مما يجسد التلاحم النضالي بين الفلسطينيين امام الاحتلال، بين الداخل الفلسطيني وقرى غربي القدس المهجرة.
بالعودة الى الموقع الذي يشهد مبادرات ‘ شباب عائدون’ وهو قرية قالونيا والتي تحيط بها قرى القسطل، دير ياسين، لفتا، سطاف، ابو غوش، خربة اللوز. نلاحظ بانها قرى مطلة على طريق يافا القدس. تلك القرى التي استهدفتها العصابات الصهيونية عام 1948 لما لها من تأثير استراتيجي على سير المعركة في حال تم اخضاعها وتهجير اهلها، وللأسف هذا ما حدث فعلا بعد معركة القسطل البعيدة عن قرية قالونيا مئات الامتار سيرا على الاقدام. وهنا تتجلى رمزية الفعل العودوي وكأنه يعيد الصراع الى عام 1948 ومحاولة السيطرة على هذه البقعة الجغرافية الهامة جدا من الناحية الاستراتيجة. انه صراع رمزي يحاكي معركة القسطل مجددا بمبادرة يتملك زمامها شباب من الجيل الثالث والرابع للجوء من تلك القرية.
مهند صباح – القدس

كلمات مفتاحية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية