وضعت الصدفة المحضة كلاًّ من نيللي كريم ونادين الرّاسي في موضع المقارنة، كلاهما تؤدي دور السجينة المصدومة بعد جريمة قتل، الأولى في مسلسل «سقوط حر»، فكرة مريم نعوم، وتأليفها مع وائل حمدي، وإخراج شوقي الماجري. أمّا الثاني فمن تأليف نور الشيشكلي وإخراج وليد ناصيف.
كوكبة النجوم في العملين قدّموا ربما أقصى ما لديهم أو هذا ما يجب فعله، لكن الثغرات خلخلت العمل الثاني «جريمة شرف» ومع أني في هذه العجالة لا أريد التوقف عند تفاصيل العملين، إلا أنني من وجهة نظري رأيت أن شوقي الماجري بخبرته الكبيرة أتقن تقديم قصّته بالشكل الدرامي الذي جعلنا نتفق على الأقل أن الدراما العربية ما زالت بخير.
أمّا المصادفة التي جعلت كلا من نادين الرّاسي ونيللي كريم تحشران في حلبة واحدة، فهذا ما لم تتوقعه أي منهما أظن. كلاهما جميلتان ورشيقتان، وكلاهما أم، نادين أم لثلاثة أولاد من زيجة واحدة مستقرة (اللهم لا حسد) ونيللي لأربعة من زيجتين منتهيتين. كلاهما شخصية لذيذة في الحياة وهذا بشهادة من احتك بهما.
نادين ذهبت للتمثيل بالصدفة، أما نيللي فقد ذهبت إليه بقدميها من باب الباليه، وهي لا تنسى فضل الراحلة فاتن حمامة، التي نقلتها نقلة نوعية في مسلسل «وجه القمر»، حيث تميزت بشكل لافت.
من باب المقارنة الأولية أداء دور المصدومة أتقنته نيللي كريم بشكل مخيف، حتى أن الطبيب النفسي، الذي استشارته الدكتور بيتر سمير، واتبعت ارشاداته اعترف بأنها أدهشته بأدائها، وهذا ليس تقليلا من موهبة نيللي، بل عبقرية منها أن تلجأ لأخصّائي من أجل أن تتقن دورها، ويبدو أنها راهنت منذ انطلاقتها أنها ستذهب في مشروعها الفني صعودا ولا رجوع للخلف أبدا.
المتابع لدورها الذي تؤدي فيه دور مريضة نفسية متهمة بقتل زوجها واختها لأسباب لم تنكشف بعد في مسار الأحداث، يدرك أنها تقمّصت الدور حتى أن البعض أصيب بالاكتئاب جرّاء كم الحقيقة التي جسّدتها، في لحظة ما رددت شخصيا: «هذه فعلا ملك المريضة وليست نيللي كريم».
ندرك أن المسلسل لا يكشف أيّ تفاصيل عن الجريمة التي «تشعلقنا» بشباكها ونريد كمشاهدين أن نعرف بعضا منها سريعا، حتى لا نمل، لكنّه يركز على نوعية المرض الذي تعرّضت له ملك ومنابته، بدءا من الوسط العائلي إلى سلوكات المجتمع كله. ويبدو أن نيللي كريم عبر أعمالها الثلاثة الأخيرة أرادت أن تغوص في المسكوت عنه من زاوية الأعماق النفسية للفرد العربي وما تخفيه من عقد وما ينتج عنها من جرائم وعنف وأشياء أخرى.
تمضي هذه الفنانة العميقة والجبّارة في مشروعها حتى الأقاصي، وتهتم بأدق التفاصيل التي قد تغيب عن كاتب السيناريو والمخرج أحيانا، في اختيار ثيابها وتقليمة أظافرها وأدائها المرعب في هزة عينيها، وتقلصات عضلات وجهها وجسدها وأصابعها، وجفاف شفتيها… بالمختصر لا تعليق سوى أنّها بذلت جهدا كبيرا واجتهدت لتقوم بدورها وتبهرنا بهذا الأداء، سواء أحزنتنا أو لم تحزنّا، وسواء جعلتنا نكتئب في رمضان أو نبتهج بقوة أدائها، فهي قامت بواجبها كاملا كفنانة يعني لها التمثيل كثيرا.
في الضفة الأخرى ينجز وليد ناصيف مسلسله «جريمة شغف»، معتمدا طريقة الفيديو كليب، ومع أنّ نادين الرّاسي حاولت أن تقدم شيئا مميزا، لكنّها بقيت بعيدة عمّا يجب أن تكون عليه امرأة مصدومة بانتحار زوجها أمام عينيها بتلك الطريقة، ولعل كل النقائص بدت واضحة في العمل كله، وفي دور نادين، إلا أن العتب ليس عليها فعليا، ربما هي التزمت بما قرأته في النص، وبتعليمات المخرج، وفي هذه الحالة ستتحمل ثلث العتب.
ويبدو جليا أنها اجتهدت وحاولت الخروج من القوالب اللبنانية التي تحشر المرأة في كادر الأناقة المفرطة والماكياج الصارخ لكل الأدوار.
والمفارقة أن الدور الرئيسي لها والمسلسل بيع – حسب أقوال المنتج – بسبب اسمها، لكن دورها في الحقيقة صغير، وليس بالحجم الذي يتوقعه قارئ التترات… تتشتت الأحداث بين شخصيات أخرى تلفت الاهتمام أكثر من غيرها. قد يقول البعض لا مجال للمقارنة بين العملين، ولا بين دور الفنانتين، ولكنني فعلت ذلك من باب السؤال الملح عليّ: لماذا ينجح عمل دون غيره على المستوى العربي ولا ينجح آخر؟ لماذا تتربع اليوم نيللي كريم على عرش الأدوار النسائية في الدراما المصرية، وتمزق سياج الهبوط الذي نال من هذا القطاع على مدى سنوات؟ فيما غيرها يمتلك كل المعطيات والدعم اللازمين ولا يبلغ هذه المكانة؟
أنا لا أقلل من تجربة أحد، لكنني أحترم طريقة العمل التي التزمت بها نيللي كريم. وتوسيع أفق معارفها وإثراء أدوارها بعصامية تشهد لها لكي تقدم الأفضل.
أمّا نادين الرّاسي فأول عنصر عكّر صفو مضيها بعيدا في أداء دورها هو هذا المنظور الضيق الذي يعتمده بعض المنتجين، على أن العمل سيسوق لبنانيا فقط وعلى أساسه يكون النجم الرقم واحد لبنانيا ليرضي الجمهور اللبناني، فيما العالم فتح نوافذه على بعضه اليوم.
الأعمال الدرامية تقدم لجمهور عربي عريض، يتابعها من الأقاصي للأقاصي، وعلى شركات الإنتاج أن تبحث عن أسماء جديدة وقدرات جديدة تتجاوز لبنان، الذي لا يخلو من المواهب وتقدم أعمالا مشتركة لا تظلم مسيرة نجوم بلد آخر بتقزيم أدوارهم.
في أحد المشاهد تجتمع الفنانة القديرة أمل عرفة مع نادين الرّاسي فيبدو الخط الفاصل بين مستويين متباعدين في الأداء. وهذا واحد من المشاهد التي تبرز ما معنى أن يمنح ممثل كل الفرص الممكنة للنجومية ولا يقدم الكثير، لأن قدراته أقل من الجبة التي أدخل فيها، وبين أن يجرّد ممثل آخر بلغ القمّة وأنزلته ظروف الحرب في بلاده إلى مصاف صف لا يليق به.
لا علينا، ففي هذا العمل بالذات رغم هنّات كثيرة وثغرات في السيناريو، أنقذ وجود ممثلين كثر الموقف، ويبدو أن المسلسل نال إعجاب شريحة واسعة من الجمهور العاشق للأناقة اللبنانية والإسراف في أمور لا علاقة لها بالداء الدرامي، بقدر ما لها علاقة بعروض الأزياء وفخامة التجميل والماكياج وجمال البيوت ونمط الحياة ككل.
أكتب هذا وأنا أعرف أن تفاصيل كثيرة تحتاج لأن تعرض على السّطح وتعالج بموضوعية حتى نرقى بأعمالنا الدرامية لمستوى أرفع، حتى لا تفقد هذه الدراما مصداقيتها وتتحوّل إلى مجرّد تمثيل.
على الممثل اليوم أن يعرف كيف يشتغل على نفسه، فالدور لا يرتبط بالسيناريو فقط، بل بالقدرة على تجسيده، ومن يريد تجسيد شخصية معينة عليه أن يخلع شخصيته هو ويرتدي المطلوب.
كم من ممثل أجنبي يعترف بأنه اشتغل أشهرا على الشخصية التي سيؤديها، منقطعا عن الناس للتركيز عليها، بعضهم يذهب لممارسة المهنة التي يتطلبها الدور لفترة حتى يكون الأداء جيدا، وكثيرة هي التجارب التي يرويها بعضهم فتجعلنا نحترمهم أكثر ونقدر احترامهم لنا من هذا الباب.
أتعاطف من جهة مع الممثل الذي يعيش في بيئتنا العربية، التي تضغط عليه ليكون نجما ويظهر في الحفلات والكوكتيلات واللقاءات الاجتماعية ويتلقى النص الذي يجب أن يعمل عليه في فترة قصيرة قبل عرضه، ما يربكه ويفقده التركيز لإتقان الدور.
وأتوقع أن أجد إثراءات مهمة من أقلامكم لكلامي، فأنا أتابع ما يتركه قرائي من تعليقات…
و كل رمضان وأنتم جميعا بألف خير.
شاعرة وإعلامية من البحرين
بروين حبيب
لا أدري لماذا هذه السنة نال السجن أهمية كبيرة لدى كتاب السيناريو
غادة عبد الرازق في مسلسل الخانكة أخفقت أيضا
لم أتوقع أن أجدك اليوم في صفحة المنوعات سيدة بروين بعد غيابك هذا الأسبوع عن صفحة الثقافة
خير يا رب