■ خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي قد يؤدي إلى تفكيك وحدتها السياسية، وإلى انفصال دول أوروبية أخرى عن جسم الاتحاد.
خروجها المدوّي هو أهم حدث سياسي واقتصادي في تاريخ أوروبا والغرب، بعد الحرب العالمية الثانية، ذلك أن أكبر تكتل اقتصادي وتجاري عالمي خسر إلى غير رجعة دولةً كانت الثالثة في ترتيب أعضائه الأقوى اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، كما خسر العالم في أسواق المال والأسهم نحو ترليوني دولار في يوم واحد، إنه، بلا مبالغة، حدث العصر.
ثمة خاسرون ورابحون من خروج بريطانيا من أوروبا. أكبر الخاسرين أوروبا نفسها، كانت تتجه، ولو ببطء، لتصبح ثاني أكبر قطب عالمي، اقتصادياً وسياسياً، بعد الولايات المتحدة الامريكية. اكبر الرابحين روسيا التي ستصبح أقوى سياسياً حيال الاتحاد الاوروبي وأكثر اقتداراً على تسويق غازها ونفطها في دوله العطشى إلى كليهما.
الولايات المتحدة هي أبرز الخاسرين عالمياً لمجرد أن روسيا أصبحت أقوى اوروبياً وصار في وسعها أن تكرّس نفسها ثاني أكبر قطب عالمي بعدها. لهذا السبب إنحازت واشنطن بقوة، خلال حملة الاستفتاء على خروج بريطانيا أو بقائها في اوروبا، إلى جانب دعاة البقاء.
المانيا هي أبرز الخاسرين أوروبياً كونها كبرى أعضاء الاتحاد وقاطرته ومتعهدة إنقاذ دوله المفلسة، كاليونان مثلاً، من أزماتها المستفحلة. ستزداد من الآن فصاعداً أعباؤها حيال اعضاء الاتحاد المتعثرين اقتصادياً، ناهيك عن الأعضاء الذين يفكرون في مغادرة الاتحاد في المستقبل المنظور.
تطورات سياسية واقتصادية كبرى تنتظر بريطانيا في الداخل، كما تنتظر اوروبا والعالم خلال الأشهر الستة المقبلة، فماذا ينتظر العرب من تداعيات الحدث الأوروبي والعالمي، وما تأثيره عليهم في حاضر محنتهم المستفحلة؟
ثمة جوانب ثلاثة لحضور بريطانيا في عالم العرب: اقتصادي وسياسي وعسكري. الجانب الاقتصادي متداخل بعضه مع بُنى الاتحاد الاوروبي كتكتل اقتصادي قارّي وعالمي، وبعضه الآخر مستقل عنها كونه من موروثات بريطانيا الامبراطورية الذاوية. الخروج من الاتحاد الاوروبي سيؤثر سلباً على الجانب الاقتصادي المتداخل، لكن بريطانيا ستبقى متعاونة، اقتصادياً وتجارياً، مع الاتحاد رغم خروجها منه. والمرجّح أن مجالات المنافسة في عالم العرب لن تكون مؤذية لكِلا الطرفين.
اما الجانب الاقتصادي المستقل، خصوصاً ما يتعلق منه بعلاقات بريطانيا مع الدول العربية، فلن يتأثر سلباً بوجه عام.
الجانبان السياسي والعسكري متداخلان، ولن تكون للخروج تأثيرات سلبية على بريطانيا، كما على الاتحاد الاوروبي، لأن معظم دول اوروبا أعضاء في حلف شمالي الأطلسي «الناتو» وموالية لقائدته التاريخية الولايات المتحدة الامريكية. والملاحظ أن ثمة تعاوناً بين كبرى دول الاتحاد، المانيا وفرنسا وبريطانيا، مع الولايات المتحدة في كل ما يخص كبريات قضايا المنطقة العربية، ولاسيما ما يتعلّق منها بفلسطين والإرهاب والأمن والتطورات ذات الصلة خلال النصف الثاني من القرن العشرين، والقرن الحالي.
هل بإمكان العرب أن يفيدوا من خروج بريطانيا من أوروبا ؟
يقتضي، بادئ الامر، التذكير بأن العرب ليسوا كياناً أو جهة واحدة، غنهم شتات من دول وتحالفات وتنظيمات متنافرة بل متقاتلة، وأن لا مواقف وبالتالي لا سياسات موحدة لديهم حيال مختلف دول العالم. مع ذلك، يصعب القول إن الباب مسدود في هذا المجال، لأن تطورات سياسية واقتصادية عدّة سوف تتناول بريطانيا كما سائر دول اوروبا في المستقبل المنظور، وقد تنشأ عنها ظروف وفرص ممكن الاستفادة منها.
في بريطانيا، قد تتراخى قبضة المحافظين أو تزداد تشدداً في توجيه سياسة البلاد. المحافظون الأكثر تطرفاً سيكونون اقل تعاطفاً مع قضايا العرب، خصوصاً ما يتعلق منها بفلسطين. اليساريون، ولاسيما المناهضين منهم للعنصرية والتمييز واللامساواة والقمع، سيكونون اكثر تعاطفاً مع قضايا العرب عموماً وقضية فلسطين خصوصاً.
في اوروبا، قد تُقدم دول اخرى على الخروج من الاتحاد، هولندا تبدو مهيئة أكثر من غيرها لاعتماد هذا الخيار، ولعل ايطاليا هي الثانية على الطريق نفسه. إلى ذلك، ثمة دول قد لا تغادر الاتحاد، لكن قوى اليمين المتطرف فيها، كفرنسا مثلاً، ربما تصل إلى السلطة أو تصبح اكثر تأثيراً في صناعة القرار، الأمر الذي يؤدي إلى إجراء تعديلات مؤثرة في مواقفها وسياساتها حيال قضايا العرب. إن فوز الجبهة الوطنية اليمينية في الانتخابات الفرنسية المقــــبلة ســـيؤدي إلى اعــتماد سياسات اكثر تشدداً ضد هجرة العرب إلى فرنسا، وكذلك ضــــد العرب المقيمين فيها ممن يفتقرون إلى جنسيتها. كذلك سيكون لمعسكر اليمين الفرنسي سياسة مغايرة حيال الإسلام عمــــوماً والإسلام السلفي «الجهادي» المتهم بالإرهاب والعنف الأعمى خصوصاً.
من المبكر معرفة انعكاسات خروج بريطانيا على سياسة المانيا حيال قضايا العرب في قابل الأيام. هل ستتجه إلى تعزيز انتمائها إلى حلف «الناتو» فيزداد تعاونها، تالياً، مع الولايات المتحدة؟ أم انها ستحاول انتهاج سياسة اكثر استقلالاً عن الولايات المتحدة وتعاوناً مع روسيا ما يمكّن بعض العرب، وليس كلهم، من استثمار استقلالها النسبي عن امريكا الاطلسية لدعم قضاياهم؟
ثم هناك ما يجري عند العـــرب انفسهم وانعـــكاساته على علاقاتهم السياسية والاقتصادية مع اصدقائهم وخصومهم. هل تتطور (أو تنتهي) الحرب في كلٍ من سوريا والعـــراق وليبيا واليمـــن على نحوٍ يشجع بريطانيا غير الاوروبية وفرنسا والمانيا على انتهاج سياسة اكثر استقلالاً عن الولايات المتحدة في المنطقة العربـــية؟ أم يؤدي إلى تعزيز انتمائها الاطلسي وبالتالي تعاونها مع الولايات المتحدة، إقليمياُ وعالمياُ؟
بعض العرب يشعر بالإرتياح، بل الشماتة لخروج بريطانيا من اوروبا، وأرجحية تفككها أو صيرورتها أضعف وأقل نفوذاً وتأثيراً. إنه شعور الثأر من الامبراطورية الشريرة التي رسمت خريطة سايكس- بيكو وقسّمت بلاد العرب، واحتلت فلسطين وتواطأت مع غيرها على تقسيمها وزرع اسرائيل في ربوعها، وتعاونت مع امريكا في السيطرة على معظم دول العرب وربطها بالغرب الاطلسي. كل هذا وارد، لكن خروج بريطانيا من اوروبا لن يُخرج العرب من محنتهم لسبب رئيس: أنهم، قبل غيرهم، مسؤولون وخصوصاً حكامهم عمّا هم فيه من بؤس ويأس.
٭ كاتب لبناني
د. عصام نعمان
يا سيدي ما حك جلدك مثل ظفرك فتول انت امرك !!!