ضمن الموسم الرمضاني لهذا العام 2016، عرض برنامج الصدمة (The Shock) على قنوات «ام بي سي» الجهة المنتجة للبـــرنامج، الذي أشــــعل عدد من حلقاته شبكات التواصل الاجتماعي مثل، فيســــبوك وتويتر عبر تغريدات تؤيد أو تشجب بعض السلوكيات.
بينما أثارت بعض الحلقات موجة من الافتخار في بعض المجتمعات العربية أو الخيبة في مجتمعات عربية اخرى، وبدءا نقول إن البرنامج هو نسخة من البرنامج الامريكي (ماذا ستفعل؟) أو (ما هو رد فعلك؟) الذي عرضته قناة (ABC)، ولا أعلم هل تم شراء حقوق انتاج النسخة العربية مثل العديد من برامج الترفيه مثل «أرب ايدول»، «أربس كوت تالنت»، «ذا فويس» و»ستار أكاديمي»، أم أنه برنامج لعب على ثيمة البرنامج الامريكي فقط.
برنامج «الصدمة»، هو نوع من برامج الكاميرا الخفية، لكنه لا يقوم على فكرة المقلب التي يتم تنفيذها لتكون هنالك ضحية يتم الإيقاع بها والغاية النهائية الضحك، البرنامج الجديد، تم إنتاجه في الولايات المتحدة ضمن مشروع دراسة رد فعل الانسان العادي تجاه مواقف يمكن أن نصفها بـ (لاأنسانية) ودراسة مدى تفاعل الشخص العابر في الاماكن العامة مع الموقف الاشكالي، ثم يتبع بدخول كادر البرنامج وسؤال من تعرض للموقف عن سبب رد فعله، سواء أكان سلبيا أو ايجابيا، ثم تتم استضافة احد الاختصاصيين في علم النفس أو علم الاجتماع أو علم النفس الاجتماعي لتفسير الظاهرة، وردود الفعل التي صاحبتها من المارة لتتم الفائدة.
في الفرق بين التجربتين لابد من الإشارة إلى الفروق الاجتماعية المكونة للهوية الاجتماعية، بين المجتمع الامريكي والمجتمعات العربية، فمجتمعاتنا مازالت تعمل فيها مؤثرات اجتماعية وأخلاقية ودينية عديدة تحض على التماسك الاجتماعي والتفاعل القائم على الضبط الاجتماعي غير الرسمي المتمثل بالعادات والتقاليد والقيم الدينية، بينما المجتمع الأمريكي، ونتيجة شيوع الفردية المفرطة المصاحبة للحداثة وما فرضته من سلوكيات على المجتمع، بات الإنسان المثالي في مثل هذه المجتمعات هو من لا يتدخل في أمور غيره، وإذا أحب أن يتدخل فهنالك قنوات رسمية لذلك، أو إذا رأى أمرا يود الاعتراض عليه فيمكنه أن يتصل بالجهة المختصة كالشرطة أو البلدية أو المسؤول عن المكان ويبلغه بالمشكلة، وهذا ما أدى إلى أن تكون للبرنامج نكهة خاصة لدى المشاهد الأمريكي، وأدى إلى استمرار البرنامج لسبعة مواسم لحد الآن منذ 2008.
ما هي المواقف التي قدمها البرنامج الامريكي؟ على سبيل المثال لا الحصر، اشخاصا يسيئون التصرف مع رجل يستجدي بقصد اللهو، أو استغلال رجل من ذوي الاحتياجات الخاصة ممن فقدوا البصرمن خلال خداعه ومحاولة سرقة ماله عندما يسدد ثمن ما اشتراه، أو إذلال الاطفال بتأنيبهم علنا، او غش الزبائن أو سوء معاملتهم من قبل إدارة سوبرماركت أو مطعم أو صيدلية، بالمقابل هنالك بعض السرقات الصغيرة في المتاجر وكيفية التصرف حيالها، كل تلك السلوكيات تمثل اقسى ما يمكن أن يواجهه الانسان الامريكي، وقد تستفزه هذه السلوكيات فيتدخل بهدوء تارة وبقوة وعنف في بعض الأحيان التــــي يرى فيها سلوك الممثلين في البرنامج لاإنسانيا أو لاأخلاقــــيا، أن هذا الامر يعتبر خارقا للمألوف فـــي المجتمع الامريكي، إذ ليس من المعتاد أو المقبول اجتماعيا أن تتدخل فيما لا يعنيك، حيث يتربى الفرد في هذه المجتمعات على أنه قد يلقى ما يضره اذا تدخل في شؤون الاخرين حتى إن كان قصده خيرا، لذلك نجح البرنامج وبنى شعبيته على ما يقدمه من تسليط الضوء على هذه الظواهر، ثم ما يتبعها من شرح وتحليل بعد الكشف لمن كانوا موجودين في مكان التصوير ومحاولة فهم دوافعهم وسبب سلوكهم.
أما في برنامج «الصدمة»، فان مجتمعاتنا يظهر فيها الخلل والتمزق والتوزع بين الحداثة ومشاكلها، والقيم التقليدية وفقدان مميزاتها، وهذا التوزع بدا واضحا في ردود افعال الجمهور حيال الكثير من الظواهر، فمجتمعاتنا رغم تماسكها وخصائصها التي اشرنا لها في بداية الموضوع الا انها ابتدأت تنحو في بعض السلوكيات منحى المجتمع الغربي، في الانعزال والفردية وعدم مشاركة الاخر عند الاحساس بسلوك مسيء، والسلوكيات التي سلط البرنامج عليها الضوء تمثلت في اهانة عامل في محل أو اهانة الاب أو الام من قبل الابن، التحرش بفتاة، اهانة قصار القامة، اهانة أو استغلال بعض ذوي الاحتياجات الخاصة من المصابين بمتلازمة داون المعروفين بـ (المنغوليين)، إهانة الزوجة أو الطفل، إهانة أو استغلال الخادمة، وكل هذه السلوكيات نعرفها ونلمسها في مجتمعاتنا، إلا أن رد فعلنا تجاهها يختلف بحسب المجتمع والبلد العربي والمكان وطبيعته .
وتجدر الإشارة إلى أن بعض المتلقين ومن خلال ما كتبوه على شبكات التواصل الاجتماعي تعاملوا مع البرنامج على انه تنافس بين مجتمعات عربية مختلفة، لان البرنامج صور حلقاته في مصر والإمارات العربية والسعودية والعراق ولبنان، واعتبر البعض أن ردود افعال الجمهور تجاه ظاهرة ما مثل التحرش عندما انتهت الحلقة بضرب المتحرش في العراق، بينما كان التدخل بالمنع وحماية الفتاة في مصر أو لبنان، أن العراقيين أكثر شجاعة ونخوة تجاه ظاهرة التحرش، وهنا يجب أن نوضح أن هذا الامر ليس صحيحا، لأن ما يقدمه البرنامج عينة غير مثالية، ولا يمكن بأي حال من الاحوال بناء احكام قيمية على ما يتم تصويره من سلوك اجتماعي في البرنامج في هذا المجتمع أو ذاك، وإن ما حدث في مصر في مدينة ما أو في مجمع للتسوق في دبي أو مول في لبنان قد يكون مختلفا تماما اذا ما حدث في منطقة شعبية مثلا أو قرية، حيث ســــيكون تماسك الناس اكثر ودفاعهم عن جيرانهم ومعارفهم وحتى من يمشي في مناطقهم أشد.
لقد واجه برنامج الصدمة اتهامات البعض للمشرف العام على انتاج البرنامج اوس الشرقي، وهو عراقي، بانه متحيز للعراق في ما يقدمه من ردود فعل تجاه السلوكيات المرفوضة، وأوس الشرقي منتج ومخرج عراقي مجتهد، قدم قبل ذلك العديد من المسلسلات والبرامج الناجحة مثل مسلسل «سيلفي» بجزئيه، وكان متخصصا في الكوميديا، وربما كانت هذه تجربته الاولى في هذا النوع من البرامج، وقد رد الشرقي على هذه الاتهامات في الصحافة ونفى الامر جملة وتفصيلا. وهنا احب أن اشير إلى أن البرنامج الامريكي صور في عدد من الولايات والمدن الامريكية، وبالتأكيد هنالك اختلاف اجتماعي وقيمي بين هذه المدن لكن الاختلاف لا يوازي الفروقات الاجتماعية بين المجتمعات العربية في الدول التي تم التصوير فيها، لان مجتمعات مثل لبنان والعراق التي مرت بحروب اهلية وتعاني من تنوعات اجتماعية حادة لا تماثل المجتمع السعودي أو الاماراتي المحافظين أو المجتمع المصري الذي لم يمر بهزات عنيفة مثل باقي المجتمعات.
ان تجربة برنامج «الصدمة» رغم انها مستوردة ومعربة، تبقى تجربة مهمة في سياق برامج الترفيه التلفزيونية، لكنها تحتاج إلى الاضافات التي يمكن أن تجعل ما تقدمه اكثر فائدة عبر استضافة مختصين يوضحون للمتلقي طبيعة السلوكيات المرفوضة اخلاقيا واجتماعيا وما يمكن أن يقدم عليه المشاهد عند تعرضه لمواقف مماثلة.
٭ كاتب عراقي
صادق الطائي