«الأسطورة» بين شباب مصر: التماثل مع صورة «البلطجي»

حجم الخط
0

القاهرة – إسلام أنور : على مدار شهر رمضان ظلت شخصية «الأسطورة» مقصورة على شاشات التلفزيون، حيث عُرض المسلسل الشهير الذي قام ببطولته الفنان الشاب محمد رمضان، محققًا أعلى نسبة مشاهدة وبخاصة بين الشباب والطبقات الشعبية، ووصل نجاح المسلسل ذروته بتفوقه على مباريات كرة القدم. تدور قصة المسلسل في حي السبتية الشعبي حول شقيقين توأم، أحدهما تاجر سلاح «رفاعي الأسطورة»، والآخر شاب طيب وحسن الخلق وهو «ناصر» الذي يسعى للإنضمام للسلك القضائي، لكنه يفقد حلمه بسبب كونه غير لائق اجتماعيًا فهو يسكن بحي شعبي وأخوه مجرم وتاجر سلاح.
ويبدو أن رحلة المصريين مع «الأسطورة» لم تنته بإنتهاء المسلسل. صورته المطبوعة على ملابس الشباب كانت الأكثر إنتشارًا ومبيعًا في عيد الفطر، وكذلك «اللوك» حيث الرأس الحليق واللحية الحادة هى الأكثر حضورًا لدى مصففي الشعر في مصر.
يقول إبراهيم عبد الحميد صاحب محل «الشعر الذهبي» في منطقة شبرا، أحد أقدم الأحياء الشعبية في القاهرة، «كل سنة قبل العيد الشباب تظهر موضة جديدة بين الشباب، السنة الماضية كانت الموضة اللحية الكثيفة المصبوغة والشعر المقصوص على هيئة كابوريا، لكن السنة دي ناس كتير بتطلب «لوك» الاسطورة».
على الجانب الآخر تعامل رواد مواقع التواصل الإجتماعي مع شخصية «الأسطورة» باعتبارها أحد النماذج الميلودرامية التي تستحق السخرية وليس الإحتفاء ، لذا قام عدد من شباب مصممي الغرافيك والكوميكس بعمل رسومات ساخرة للرئيس عبد الفتاح السيسي في «لوك» الأسطورة وبجوارها الجملة الشهرية «بعون الله هنخربها»، وفي إحدى الصور الساخرة الأخرى يظهر أحد الشباب وهو يقول أنا ناصري فيسأله صديقه إنت من أتباع الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، فيجيب بالرفض ويؤكد أنا ناصري يعني تبع ناصر الدسوقي بطل مسلسل «الأسطورة».
وعلى الرغم من حديث معظم النقاد في مصر عن ضعف المسلسل على مستوى البناء والدراما والتمثيل والاخراج الفني إلا أن النجاح الساحق الذي حققه بين المشاهدين يطرح العديد من الأسئلة حول المعايير التي يقيم بها الجمهور العادي العمل الفني، يشير الباحث في علم الاجتماع تامر وجيه إلى أن المسلسل حقق نجاحا ساحقا حتى إن إحدى الكافيهات بجوار منزله قد غير اسمه إلى «الأسطورة».
ويضيف: «المسلسل يلعب على تيمة محمد رمضان الأثيرة: بطل المسحوقين، ابن العشوائيات، الذي يمارس الجريمة ولكنه يحب الضعفاء ويحميهم؛ البطل الذي يتماهى معه جمهور الترسو، لأنه ينتقم له من «الناس الدفيانة» بطريقتين: الأولى أنه يلاعبهم ويحاربهم ولا يخشى منهم، والثانية أنه ينتمي لهم ويصبح واحدا منهم». ويوضح ان «مشكلة الأسطورة في نظري هي ضعف الكتابة طبعا، ولكن كذلك عدم الإخلاص للميلودراما».
هذا النمط من الشخصيات البطولية الذي يمثله الأسطورة ليس بجديد على المجتمع المصري، لكن الجديد هو تغير صورته بصورة كبيرة، فمنذ خمسة عشر عاماً، كانت شخصية «اللمبي» التي قدمها الفنان محمد سعد هي النموذج الأبرز والأكثر حضورًا بين الشباب عبر طريقة كلامه المتلعثمة وشعوره بالضياع وأدائه الساخر من كل شيء في الحياة، هذه الشخصية العدمية التي تحمل قدرا كبيرا من البراءة والسذاجة وتحاول طوال الوقت التغلب على ظروف المجتمع القاهرة والتحايل عليها، لم تعد صالحة هذه الأيام، فمقدار الظلم الإجتماعي وصل ذروته ولم يعد بإستطاعة الجماهير إحتمال المزيد من الظلم،والتحايل علي ظروف الحياة، لذلك فالنموذج الذي يقدمه «الأسطورة» يعكس رغبة الجماهير في التمرد والثورة على هذا الظلم الفادح وعدم إستطاعتهم العيش بمنطق «اللمبي» الذي تحايل على الظروف والحياة القاسية.
وفي هذا السياق يقول الدكتور ياسر ثابت ان «مصر الآن بعد أكثر من هبّةٍ أو انتفاضة أو ثورة أو حراك اجتماعي، وجدت نفسها تبحث عن البطل الشعبي الذي يتمتع بكل ما هو خارق للعادة واستثنائي، وكونه خارقـًا يجعل من الصعب النقاش بشأن قدراته وأدائه، حتى لو كان يسلك مسلك البلطجي أو المنتقم، وفي حالة محمد رمضان، فإن أبناء الأحياء الشعبية وغيرها أخذوا في التماهي معه، بعد أن نحت شخصية البطل البلطجي أو المتمرد على كل شيء، وهو ينتقم باستمرار من خصومه، وينكل بهم حتى يصبح مثار إعجاب مجتمع افتقر إلى العدالة والإنصاف ورأى أن قانون القوة أهم من قوة القانون.. وهذا هو لب الموضوع في رأيي».
ويضيف «في كتاب «الأبطال»، ينزع توماس كارليل إلى الربط بين حركة التاريخ في كل أمة وظهور البطل؛ إذ يرى أن الشعوب البائسة أو المجتمعات اليائسة والأمم التي أوشكت على الانهيار هي التي نجدها دومـًا تصرخ مستغيثة بأعلى صوتها: أين البطل؟ أين الزعيم؟ أين المخلِّص؟ وهل ضنت الأقدار علينا بظهوره لتعاقبنا؟ أم عجزت النساء عن ولادته؟ أم أن ساعة ظهوره لم تحن بعد؟.
ويشير ثابت إلى أن خطورة ظاهرة محمد رمضان هي أنها تنزع إلى صورة البلطجي لا الفتوة، فالأخير يظل رغم كل المآخذ عليه شخصـًا يفرض حمايته على منطقة أو حي معين، وله قواعد منضبطة، أما البلطجي التقليدي، معتاد الإجرام، فهو يتحرر من كل القواعد إذ يمسك بذلك السلاح الأبيض الفتاك، وربما السلاح الآلي في زمن أحدث، يهدد به الأبرياء، لا يتوانى عن استخدامه، إذا لم يذعن الضحية لابتزازه، وهو، غالبـًا، يهدف لكسب مادي، سواء يعمل منفردًا أو لحساب غيره، وهذا بالضبط ما يفعله محمد رمضان على الشاشة!.

«الأسطورة» بين شباب مصر: التماثل مع صورة «البلطجي»

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

إشترك في قائمتنا البريدية