رام الله ـ «القدس العربي»: يبدو أن الفلسطينيين لا يأخذون العبر من ما تعرضوا له سابقاً. فها هم من جديد يجدون أنفسهم خارج اللعبة بعد أن نجحت إسرائيل في تقوية علاقاتها على مستويات عدة لفك عزلتها، وأصبح الفلسطينيون هم من يعانون العزلة حالياً خاصة بعد الموقف القائل بمقاطعة الرباعية الدولية بعد بيانها الأخير ورفض إسرائيل للمبادرة الفرنسية واقتحامها للقارة الافريقية بل ووصولها إلى الصين وروسيا ودخول القاهرة بقوة على خط القضية الفلسطينية.
على الجانب الفلسطيني فإن المستوى الرسمي الفلسطيني معني جداً بالتأثير على الموقف الإسرائيلي سواء بشكل مباشر أو عبر وسطاء أجانب أو عرب. وبما أن الأفق الاستراتيجي الفلسطيني بالنسبة للرئيس عباس هو المفاوضات فقط مع الإيمان أن لا حل عسكريا للقضية الفلسطينية، فإن القيادة الفلسطينية بحاجة لمصر وعلاقاتها المتطورة مع إسرائيل في هذا الوقت بالذات.
وبالنسبة للفلسطينيين تكاد تكون مصر الدولة العربية الوحيدة التي لا تخشى من الهوية الفلسطينية ولا تعتبرها خطراً استراتيجياً عليها وإن كانت علاقاتها ليست في أحسن حال مع حركة حماس في قطاع غزة بسبب ما يجري في سيناء.
وأكد أحد المسؤولين الفلسطينيين مفضلا عدم الكشف عن اسمه لـ «القدس العربي» أن كل ما تقوم به القاهرة حيال القضية الفلسطينية يتم بتنسيق كامل مع القيادة الفلسطينية وتحديداً الرئيس عباس. فقبل زيارة وزير خارجية مصر سامح شكري إلى إسرائيل استبق ذلك بزيارة خاطفة إلى رام الله التقى فيها الرئيس عباس وكان يحمل رسالة من الرئيس السيسي لم تكشف فحواها.
وبالنسبة للفلسطينيين بحسب ما طرح المسؤول الفلسطيني، فإن مصر تحاول إيصال رسالة إلى إسرائيل مفادها أن السلام مع العرب ما زال ممكنا من خلال المبادرة العربية التي قد تكون الفرصة الوحيدة المتبقية لإسرائيل لتطبيع علاقاتها مع الدول العربية والإسلامية بعد اتفاق سلام مع الفلسطينيين وحل القضية.
ولا يخشى الفلسطينيون من التقارب المصري الإسرائيلي على اعتبار أن أي تقارب مع دولة الاحتلال يمكن توظيفه لصالح القضية الفلسطينية. وأعطى المسؤول الفلسطيني مثلاً عن تركيا، فبغض النظر عن علاقتها الجيدة مع حركة حماس وتطبيع علاقاتها مع إسرائيل إلا أنها تنسق كل الخطوات على المستوى الرسمي مع الرئيس عباس وقيادته في رام الله.
وقال المسؤول الفلسطيني لـ «القدس العربي» أن مصر لها علاقات ومصالح أخرى مع إسرائيل، وليس فقط القضية الفلسطينية، مثل الأمن في سيناء وملف المياه والغاز الطبيعي. كما أن القاهرة وبعد تطبيع العلاقات بين تركيا وإسرائيل اعتبرت ما يجري بمثابة ضوء أحمر وأرادت استعادة مكانتها بعد أن اخترفت إسرائيل افريقيا وآسيا ووصلت إلى الصين وروسيا.
وتأتي هذه التطورات في العلاقات المصرية الإسرائيلية في وقت صرح فيه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أن «انقلابا طرأ على علاقات إسرائيل مع دول عربية هامة». وقال في خطاب ألقاه في مراسم إنهاء السنة الدراسية لكلية الأمن القومي في قاعدة الجيش في غليلوت، ان «تلك الدول تفهم أن إسرائيل ليست عدوا وانما حليفا وسندا أمام التهديدات الناشئة كتهديد الدولة الإسلامية».
وتطرق نتنياهو أيضا إلى تأثير هذه العلاقات على الصراع الإسرائيلي ـ الفلسطيني وقال: «لقد قلنا دائما انه في اللحظة التي سنخترق فيها العلاقات السلمية مع الفلسطينيين يمكننا الوصول إلى علاقات سلام مع العالم العربي كله. لا شك ان هذا الأمر كان قائما بشكل دائم ولكنني أعتقد بشكل أكبر انه يمكن لهذه العملية ان تتحرك بشكل معاكس».
وحسب نتنياهو فان «تطبيع العلاقات مع العالم العربي يمكن ان يساعد على دفع السلام الحكيم والأكثر استقرارا بيننا وبين الفلسطينيين». كما تطرق إلى العلاقات الأمنية مع الأردن ومصر وقال انه «يجري الحفاظ على السلام مع هذين البلدين وهو حيوي جدا لمستقبلنا».
ورد المستوى الرسمي الفلسطيني على تصريحات نتنياهو مباشرة عبر وزارة الخارجية الفلسطينية التي اعتبرت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يصر باستمرار على الإدعاء بتطور العلاقات الإسرائيلية العربية بعد ظهور أعداء مشتركين يهددون الجميع. وأعاد نتنياهو هذا الإدعاء وتحدث عن وجود ثورة في علاقات إسرائيل مع دول عربية مهمة وأن تلك الدول باتت تدرك أن إسرائيل ليست عدوة لها.
وأكد بيان الوزارة الذي وصل «القدس العربي» أن نتنياهو يسعى من خلال حديثه عن تقدم في العلاقات مع العالم العربي إلى توجيه رسائل سياسية إلى أكثر من جهة، فمن ناحية يرغب في أن يظهر للداخل الإسرائيلي أنه يحقق الانتصارات والإنجازات الدبلوماسية وأن حكومته لا تعاني من أي عزلة رغم حالة الجمود التي تعيشها عملية السلام. كما يحاول الترويج أن السلام من خلال البوابة الإقليمية ما زال ممكناً بهدف قطع الطريق على جهود السلام الدولية وإعطاء الانطباع أنه يبحث عن فرص ومخارج تسمح بعودة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية من خلال البوابة العربية. وهو بالتالي يعكس إطار تنفيذ مبادرة السلام العربية ويخرجها عن شكلها الحالي، حيث تعرض المبادرة علاقات تطبيع بين الدول العربية وإسرائيل، بعد التوصل إلى اتفاق سلام نهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين وإقامة دولة فلسطينية مستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشرقية والتوصل إلى حل عادل ومتفق عليه في موضوع اللاجئين.
ويعتقد المستوى الرسمي الفلسطيني أن نتنياهو يشطب كل ذلك ويقفز إلى محاولات خلق واقع شرق أوسطي جديد بحيث يعزز ما يدعيه عن علاقات إسرائيلية عربية على حساب القضية الفلسطينية دون أن يكون هنالك رابط بين هذا وانهاء احتلاله لأرض فلسطين أو وقف نشاطاته الاستيطانية التهويدية وسرقته للأرض الفلسطينية ووقف اعتداءاته المتواصلة ضد القدس المحتلة والمقدسات وهدم المنازل والإعدامات الميدانية.
ويعتبر الفلسطينيون التوجه الذي يفصح عنه نتنياهو بين الفينة والأخرى خطيرا للغاية، حيث أنه يدعو للتطبيع مع العالم العربي بينما تعمل حكومته وأذرعها المختلفة على تمديد عمر الاحتلال وتهويد الأرض الفلسطينية وضرب مقومات وجود دولة فلسطينية قابلة للحياة وذات سيادة.
لكن الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني هاني المصري يرى أنه بينما يتغنى البعض الفلسطيني بالانتصارات الدبلوماسية، وبدلًا من معاقبة إسرائيل فإنها تكافأ برئاسة لجنة القانون في الأمم المتحدة وبصدور تقرير من «اللجنة الرباعية» منحاز لها وتخترق افريقيا وتصالحت مع تركيا وعلاقتها مع روسيا أكثر من جيدة إضافة إلى إقامتها علاقات أكثر من حسنة مع الهند والصين والاتحاد الأوروبي ومع دول عربية ترتبط بمعاهدات معها أو لا ترتبط في ظل تسخين علاقتها مع النظام المصري وسط حديث عن السلام العربي مع إسرائيل والحل الإقليمي.
ويعتقد المصري أنه لا بد من استعادة الوعي والتخلي عن حالة خداع الذات وإنكار الواقع التي تظهر في الحديث الفلسطيني الرسمي والمدعوم عربيا حول الانتصارات الدبلوماسية الفلسطينية الذي يجد الترويج من أجهزة إعلامية مدفوعة الثمن ومن مداحي كل ما يقوله الحكام من مثقفين وأكاديميين وكتّاب ولو أدى كل ذلك بالعرب إلى التهلكة التي تعيشها المنطقة العربية الآن. فإسرائيل لا تعيش عزلة خانقة لا تقوى على احتمالها كما يدعون أو في أحسن الأحوال لا تمر بمأزق لا يقل عن المأزق الذي يعيشه الفلسطينيون والعرب.
ورأى المحلل الفلسطيني أنه بات من الملحّ إجراء مراجعة لمكانة فلسطين الدولية قبل أن تصل الأمور إلى نقطة اللاعودة لا سيما في ظل التطورات بالغة السوء التي حصلت خلال الفترة القليلة الماضية كثمرة خبيثة لما تشهده المنطقة العربية من حروب وشرذمة وانقسام. وتتمثل هذه التطورات بمكافأة إسرائيل بدلًا من معاقبتها بفوزها برئاسة اللجنة القانونية في الأمم المتحدة بعد تصويت 109 دول لصالحها منها أربع دول عربية، وصدور تقرير عن «اللجنة الرباعية» منحاز لإسرائيل وهابط بالموقف الدولي إلى مستوى لم يسبق له مثيل «ما ينذر بالثبور وعظائم الأمور» ما لم يكن هناك تحرك فلسطيني بمستوى هذا التحدي خصوصا إذا تبنّاه مجلس الأمن، الأمر الذي يجعل فلسطين معرضة لخسارة الشرعية الدولية.
فادي أبو سعدى