انشقاق خدام وخيارات النظام السوري
أسامة عجاج المهتارانشقاق خدام وخيارات النظام السوري لم تكن لجنة التحقيق الدوليَة بحاجة إلي حديث السيِد عبد الحليم خدام لتطلب مقابلة الرئيس بشَار الأسد. إنَها، وفق قرارات مجلس الأمن ذات الصلة، تستطيع ذلك دون مسوِغ. ولا تكمن أهميَة الحديث في مضمونه الذي كان تكرارا لمعلومات منشورة، بمقدار ما تكمن في التوقيت والمدلول اللذين يشيران إلي محاولات فرنسيَة متكرِرة لخرق الهيمنة الأمريكيَة علي مقدَرات الشرق الأوسط، والخطوات الأمريكية لصدِ هذه المحاولات. إنَه يكشف عن شبكة من العلاقات والمصالح المتضاربة ـ المتلاقية والممتدَة من لبنان إلي إيران عبر العراق والشام.نحن نتحفَظ علي تحليل الأستاذ عبد الله إسكندر في عدد الحياة الصادر في 1/1/2006 حيث يقول: إنَ قراءة السيِد خدام للأحداث عن بعد، وهو في خضم كتابة مذكراته، لم تترافق مع برنامج آخر للحكم يطمح إلي العودة إليه.. في رأينا، أنَه لو أراد السيِد خدَام مجرَد قراءة عن بعد لما وضع نفسه وعائلته وثروته في طريق الخطر الكبير الذي وضعها فيه، لا سيَما إذا كان مقتنعا بما ذكره عن النظام السوري. لو كان كلُ ما أراده السيِد خدام مجرَد قراءة ، لاكتفي بنشر مذكَراته، أو تلخيصها في مقال. إنَ حديثا كهذا لا يُعطي منَة لوجه الله!لا نخال السيِد خدَام يجهل معني الطلاق مع النظام الذي كان أحد أعمدته. فالعودة إلي بيت الطاعة مستحيلة، والطلاق في مثل هذه الحالات يعني حربا حتَي موت أحد الطرفين، يعتقد السيِد خدَام أنَه لن يكون الضحيَة فيها. إنَ خطر السيِد خدَام علي النظام السوري ليس فقط بسبب امتلاكه معلومات عمَا مضي، بل لامتلاكه مقوِمات تخدم ما قد يأتي لتغيير النظام في الجمهوريَة العربيَة السوريَة، وهناك بعض الجهات الطامحة إلي مثل هذا الأمر.ولا نخاله يجهل أنَ أحدا لن يقبض محاولة تقمُصه مُصلحا في زمن بشَار الأسد، متنطحا لإصلاح ما أفسده في زمن حافظ الأسد. ولا يجهل أنَ أحدا لن يقبض تحسره من غرفة استقبال قصر فرنسي علي شعب يبحث في القمامة عن لقمة عيش ساهم هو وسواه في حرمانه إيَاها. لقد أقدم السيد خدام علي خطوته مع معرفته هذه. إنَها مغامرة أخيرة، بل قل مقامرة، يدفع فيها بكلِ رصيده ورصيد عائلته وثروتها بل وحياتها، ناهيك عن حياة أصدقاء له أو مقرَبين منه لم يتمكَنوا من مغادرة دمشق معه. إنَها المقامرة الأخيرة، فإمَا أن يربح كلَ شيء أو يخسر كلَ شيء. العامل الأخير الذي نعتقد أنَه دفع السيِد خدَام إلي خطوته الآن هو الوقت. إنَه يقترب من منتصف السبعينيَات من العمر. بالنسبة إليه إمَا أن يصل اليوم أو لا يصل أبدا.نعتقد أنَ ثمَة مصلحة مشتركة وأصدقاء مشتركين جمعوا بين الفرنسيِين والسيِد خدَام. فرنسا التي تري نفوذها يتقلَص أمام الهيمنة الأمريكيَة تدرك أنَ مَنْفَذها هو عبر لبنان وسورية. فأبواب العراق موصدة دونها، والسوريُون لاعتبارات تتعلَق بالجولان والعراق، يفضِلون النوم في فراش من الخيش الأمريكي علي فراش من الحرير الفرنسي. وإسرائيل لا تريد دورا فرنسيا ـ أوروبيا يسائلها في معاملتها للفلسطينيِين. وهي تدرك أنَ كلَ ما قدَمته للفلسطينيِين لم يفلح في أكثر من لفتة عابرة من السلطة الفلسطينيَة الواقعة في غرام من طرف واحد مع الإدارة الأمريكيَة. استنادا إلي هذه المعطيات تبني فرنسا إستراتيجيَتها وشبكة صداقاتها ثمَ تراها تنهار عبر سقوط أصدقائها واحدا تلو الآخر. أليس من المفارقات أنَ كلَ الذين قضوا اغتيالا في لبنان السنة الماضية أو الذين نجوا من محاولات الاغتيال، باستثناء الشيخ محمَد يزبك ، كانوا قريبين من سياساتها! خدام هو حلقة في سلسلة.من الأصدقاء المشتركين ولو عبر الضرر المشترك، في رأينا، المملكة العربيَة السعوديَة. نحن نعتقد أنَ السنوات الخمس الماضية، وتحديدا منذ أحداث أيلول (سبتمبر) 2001، قد فرضت علي المملكة تغييرا في نظرتها إلي الولايات المتَحدة متأثِرا بالمناخ العدائي الذي نشأ ضدَ المملكة في الولايات المتَحدة منذ تلك الأحداث، ومحاولات الولايات المتَحدة تهميش الدور السعودي في مجلس التعاون الخليجي عبر تشجيع التحالفات الثنائيَة. هذا فرض تقاربا بين المملكة وفرنسا لم يكن الرئيس المغدور الحريري بعيدا عن المساهمة في قيامه. عامل الوقت الذي لا يرحم السيِد خدَام، وأيَة طموحات سياسيَة قد تكون لديه، لا يرحم كذلك فرنسا والسعوديَة. عامل الوقت يقول للفرنسيِين والسعوديِين إنَ الولايات المتَحدة سوف تنسحب من العراق عاجلا أكثر منه آجلا. إنَهما يفهمان تماما أن تقرِر الولايات المتَحدة أنَ الانسحاب من العراق هو شرٌ أهون من البقاء فيه، حتَي ولو كانت إيران هي المستفيد الأكبر من غزو العراق وقيام نظام حكم فيه يرتكز علي الأكثريَة الشيعيَة ويكون قريبا من طهران. فرنسا والمملكة العربيَة السعوديَة تخشيان قيام ما أطلق عليه العاهل الأردني الهلال الشيعي وهما يحاولان ترتيب شؤون المنطقة بما يبدِد مخاوفهما، بدءا من لبنان وسورية. علي ما يبدو لنا استنادا إلي ما سبق أنَ الإستراتيجيَة الفرنسيَة – السعوديَة تحاول القيام بتغيير جذري في الخارطة السياسيَة اللبنانيَة السوريَة تقوم علي أساس كتلة سنيَة كبيرة معتدلة موجودة في البلدين، لا تعارضها الطوائف الصغري، كالموارنة والدروز، تكون سدا منيعا أمام امتداد الهلال الشيعي من قرنه الشرقي في إيران، إلي الغربي في لبنان. من هنا نفهم الخطوات المتلاحقة التي قادتها فرنسا لعزل سورية وإخراجها من لبنان، والمستمرة في الضغط عليها عبر لجنة التحقيق الدوليَة، والتي لا يمكن أن تنجح من دون عزل حزب الله ونزع سلاحه.المفارقة الكبري هي في موقف كلٍ من الولايات المتَحدة وإسرائيل، وهنا يبدأ التقاطع التقاء وافتراقا. الولايات المتَحدة لا تمانع إخراج سورية من لبنان، ولكن ليس علي حساب تمدُد فرنسي فيه. إنَها لا تمانع من دور شريك تابع من الباطن للأوروبيِين، ولكنَها لا تقبل بدور منافس مضارب. وإسرائيل تعمل لعزل حزب الله ونزع سلاحه، ولا تمانع إضعاف النظام في الجمهوريَة العربيَة السوريَة، ولكنَها لا تحبِذ إسقاطه. إنَها تفضِل حكم الأقليَات علي حكم الأكثريَة. وتفضِل التقسيم السياسي القائم علي الطوائف والعنصريَات، الحقيقيَة منها والافتراضيَة، علي حكم يقوم علي أكثريَة واحدة تستطيع أن تكون عامل جذب واستقطاب خارج حدودها. هذه بعض العوامل التي نري أخذها في نظر الاعتبار لمحاولة فهم مسلسل الاغتيالات في لبنان ومحاولة فهم حديث السيِد خدَام مع قناة العربيَة. إنَها سياسات دول كبري تتصادم تحت الأرض في الهلال السوري الخصيب من لبنانه إلي عراقه، وصولا إلي إيران. أمَا منفذ الضغط الهائل المتولَد نتيجتها، فهو لبنان، النقطة الأضعف.وبعد، إنَ حديث السيِد خدَام سوف يزيد من الضغط علي النظام السوري برمَته. ولكنَه في الوقت عينه يقدِم فرصة للرئيس بشَار الأسد الذي نراه واقفا أمام مفترق طرق. إمَا أن ينتخبه الشعب بعد سنة من اليوم، في موجة شعبيَة عارمة وصادقة، أو يحكم البلد بسوط من حديد، وإن تكن اليد التي تمسك بها هي لدائرة صغيرة جدا من الموالين. نحن نفضِل الحل الأوَل. ولكن للوصول إليه، علي الرئيس الأسد أن يتصرَف كرئيس فوق المصالح الفرديَة، كلِ المصالح الفرديَة. لا يكفي التشهير بعبد الحليم خدَام بعد انشقاقه. يجب الكشف عن جميع الخدَامين ، وهم كثر، وتقديمهم للمحاكمة بسبب إساءتهم للبنان ولسورية قبل انشقاقهم، وليس بعده.ہ كاتب من سورية8