انتخابات العراق ومناخ الاستقطاب الطائفي والعرقي
خضر العزاويانتخابات العراق ومناخ الاستقطاب الطائفي والعرقي التفاؤل يجب أن يبني دائما علي حقائق واستنتاجات واقعية حتي تكون فرص تحقيقه كبيرة، وان لا يكون مجرد أمنيات في واقع من الصعب تحقيقه وإلا سيكون ضرباً من الخيال وبالتالي سيكون التفكير فيه مجرد سذاجة. وهذا هو واقع الجمعية الوطنية العراقية القادمة، فكل من يعتقد بأن هذه الانتخابات والجمعية القادمة التي ستنتج عنها ستكون فاتحة خير للتوافق الوطني فهو علي خطأ. وكل من يعتقد إن الأمر وصل هذا الحد وستتوقف معه كل دوائر العنف في العراق فهو بالتأكيد علي خطأ، وكل من يعتقد أن المرحلة القادمة هي مرحلة البناء والوئام وتحقيق الوحدة الوطنية فهو بالتأكيد لايزال يعيش في قصص ألف ليلة وليلة. هذا ليس تشاؤما بل هو النظر بعين واقعية للواقع العراقي الحالي لان ما تم بناؤه في المرحلة السابقة لم يتم علي أسس وطنية وشرعية. وحتي لو افترضنا جدلا إمكان حدوث مثل هذه الانتخابات في ظل وجود قوات احتلال تهيمن وتدير أمر البلاد إلا أن الانتخابات جاءت علي ضوء استقطابات منها ما هو طائفي ومنها ماهو عرقي ومنها ما يمثل مصلحة الاحتلال بشكل مباشر، وان كل ما تم من عملية تجميلية للوفاق الوطني في القاهرة كان مجرد صفقة مؤقتة لتمرير مسرحية الانتخابات والتي شاركت بها جماهير العراق ظناً منها أنها مرحلة الخلاص ولكن لنقرأ مستقبل الجمعية القادمة وبالتالي مستقبل العراق علي ضوء هذا الواقع في الفترة القادمة.أن الانتخابات والاستعداد لها شكلت خرقا فاضحا لأبسط قواعد الديمقراطية والعمل السياسي التنافسي الشريف ابتداءً من الاغتيالات التي حصلت لعدد من المرشحين ومن كل القوائم الكبيرة أو الصغيرة وكانت أصابع الاتهام تشير أن الفاعل هو من القوائم فيما بينها، ومرورا باشتراك أجهزة رسمية محسوبة علي الحكومة قامت بتمزيق وتشويه لإعلانات بعض الكيانات وعلي حساب كيانات أخري. والدعم المادي الهائل لبعض القوائم من خلال بث إعلانات ودعاية لم تحدث في بقعة في الأرض وبملايين الدولارات والتي تعددت مصادرها واتجاهاتها وبالطبع لم تكن مصادر وطنية وبالتالي لم تكن اتجاهاتها وطنية مرورا بعمليات التزوير التي ادعتها كل الكيانات المشاركة . ولنفرض جدلاً أن هذه الأمور سوف لن تؤثر علي العمل الوطني ولكن لننظر ما هي الكيانات الرئيسية وكيف تم استقطاب جماهيرها لكسب الأصوات.في الساحة الانتخابية، وبالتالي سيكون في ملعب الجمعية، أربعة مكونات رئيسية تتقاسم مقاعد الجمعية ولا تتقاسم الوفاق الوطني والتي جاءت جميعها ضمن استقطاب طائفي أو عرقي أو بدعم المحتل أو من خلال الإحساس بالتغييب أو الاضطهاد من الحكومات الاحتلالية التي تشكلت بعد الاحتلال. المكون الأول الائتلاف الشيعي والذي يتكون من أحزاب أسلامية شيعية كانت نواة عملها وتوجهاتها هو توجه طائفي والاعتماد بالتلاعب بالرموز الدينية وبالتالي التلاعب بشعور وانتماء المواطن العراقي من المذهب الشيعي واعتمادها علي إثارة النزعة الطائفية، وبالتالي جاء التصويت لها ضمن توجه طائفي ولم تكن للوطنية فيه أي دور.. ولوجود فراغ سياسي وطني توجه العراقيون من المذهب الشيعي للالتفاف حول الأحزاب الدينية لأنهم احسوا أنه الانتماء الوحيد القريب لهم في الوقت الحالي ورغم عدم قناعة الأغلبية بهذا التوجه إلا انه هو البديل الوحيد المعروض عليهم. وكان المكون الثاني هو التحالف الكردي وكان توجهه ولايزال توجها عرقيا انفصاليا والذي خاطب عقول وقلوب الأكراد من خلال النزعة الانفصالية التي تولدت عندهم من خلال ما عانوه من السنوات الماضية من تهميش وتغييب ولاعتقادهم أنها الفرصة التاريخية لنيل أكثر مما كانوا يطمحون إليه وأنهم سيدخلون الصراع السياسي لتطبيع المكاسب لهم وبناء دولة المستقبل المستقلة حتي لو كانت علي حساب باقي مكونات الشعب العراقي، رغم القناعة المتواجدة لدي كثير من المثقفين الكرد أن يكونوا جزءا مهما من مكونات المجتمع العراقي علي أن يكونوا جزءًا منفصلا ولا يملك مقومات الوجود ككيان مستقل علي الأقل في الوقت الحالي. وبالتالي كان تصويتهم كردياً وليس وطنيا عراقياً. والمكون الثالث هو ائتلاف القوي العلمانية باختلاف ايديولوجياتها تحت مظلة واحدة والتي لحد وقت قريب لا تملك أي رصيد شعبي رصين ولأنها تعرف أنها لا تستطيع التأثير في الشارع العراقي وطنياً لجأت إلي عمليات الضخ الإعلامي المدعوم وبكل صراحة من القوي الخارجية وعلي رأسها قوي الاحتلال التي ترغب بتغيير الجهة التي سيطرت علي مقاليد الحكم بالانتخابات الماضية أو علي الأقل موازنة الجمعية القادمة. أما المكون الرابع فهو القوي العربية السنية والتي غابت أو غيبت في الانتخابات الماضية والتي كان يحسب لها موقف وطني مقاطع للعملية السياسية تحت ظل الاحتلال. ولكن تحت ظروف وتعقيدات العملية السياسية وللطريقة التي تعاملت الحكومة الانتقالية والأجهزة الأمنية القمعية التابعة لها بمساندة قوات الاحتلال للمناطق السنية دون سواها وللوعود وللضمانات التي أعطيت لهم في مؤتمر القاهرة جعلتهم يدخلون الانتخابات من الزاوية الطائفية رغم قناعتهم بأن الحكومة القادمة لا تمثل خطا وطنيا يعتد به .وبالتالي فأن المكونات الرئيسية دخلت مع جماهيرها وليس بينهم أي عامل وطني مشترك ولكن فقط الاستعداد للمعركة القادمة فما بينهم وبهدف الاستحواذ علي مصير كل طائفة تمثل هذه المكونات. هذا يعني أن العراك سيبدأ مبكرا أن لم يبدأ أساسا وقبل إعلان النتائج والتهم والقذف بينهم واتهامات المفوضية بالتزوير من كل القوائم وتسقيط المقابل وغيرها والعراك سيبدأ في حال إعلان النتائج ومهما كانت النتائج وستكون الجمعية القادمة هي ارض المعركة بين التشكيلات المختلفة للمجتمع العراقي. فمثلا في حالة نجاح الائتلاف العراق بتشكيل الحكومة القادم هذا يجعل السنة العرب في حالة استنفار قصوي لما قد يتوقعونه من الحكومة القادمة وبالتالي سوف لن ينتظروا للائتلاف أن يجهز علي ما تبقي لهم. وسوف يزاد العنف بين الطرفين وقد يصل الأمر إلي توسيع رقعة الصراع لتصبح ما يشبه الحرب الطائفية. نفس الأمر ينطبق عندما تستبعد قائمة الائتلاف من تشكيل الحكومة سوف يشعرون أنهم سوف لن يستطيعوا تسيير أمر البلاد بالطريقة التي يريدونها وان ما حدث هو استبعادهم بشكل مقصود ليكونوا مكونا من المكونات الرئيسية وليس المكون الرئيسي الأول وهذا سوف يجعلهم يقومون بتحريك جماهيرهم وميليشياتهم بالقيام بإعمال عنف تستهدف باقي المكونات وهذا سوف يقود إلي اتساع رقعة العنف لتصل لحد ما يشبه الحرب الأهلية وهذا الأمر ينطبق علي فصائل المقاومة الوطنية سنية أو شيعية والتي قد تنحاز في ما بعد لتكون عامل إسناد لطائفتهم ضد الطائفة الأخري وهذه الطامة الكبري وبالتالي سوف يتجه السلاح من صدر المحتل إلي صدر المواطن العراقي وسوف تزداد إسالة الدم العراقي ليس من اجل الوطن بل من اجل قيادات كل هدفها هو التحكم بمصير البلاد. وهذا ليس حال الشعب العراقي في الواقع لأنه شعب وطني في كل مراحل تاريخه ولم يكن شعبا طائفيا ولكن بسبب غياب الحركة الوطنية الحقيقية التي تخاطب جماهير الشعب العراقي بلغة واحدة لكل ألوانه وأطيافه والتي تحرص علي استقلال ووحدة الوطن والتي يتطلع لها الشعب كممثل حقيقي لطموحه ولتطلعاته جعل هذه الجماهير تفكر بالبديل المؤقت وهو الالتفاف حول الأحزاب والقوي الطائفية والعرقية ويبقي الأمر علي ما هو عليه حتي تتم ولادة حقيقية للحركة الوطنية وبالتالي لا يهم ابن البصرة أو الأنبار حينها إلي ماهية طائفة أو عرق أبناء هذه الحركة ولكن المهم هو ما تحققه له من عدالة ومساواة واحترام لكيانه الشخصي ومعتقده الديني. وحتي حدوث هذه الولادة سوف يظل العراق يدور في دائرة العنف حتي وان رحل الاحتلال.كاتب من العراق8