الناصرة ـ «القدس العربي»: ذكرت شجرة التين في القرآن الكريم مرة واحدة فقط وتعددت آراء المفسرين لماذا قدمت على الزيتون (ذكرت سبع مرات) رغم أن السجع يقتضي العكس فالله تعالى يقول «والتين والزيتون وطور سنين وهذا البلد الأمين..». هل السبب في تقديمها على الزيتون لاعتبارها من قبل بعض المفسرين شجرة الخلد فقُدم الباقي على الفاني؟ المؤكد أنها شجرة معمرة عريقة، وعنيدة لكنها ليست حمقاء. فهي من أكثر الأشجار قدرة على تحمل الضربات والنجاة من النار والإشعاعات، وثمارها شهية وعلى أشكالها ومذاقاتها المتنوعة تقع. والتين شجرة تكثر في غرب آسيا وحوض البحر المتوسط وتنبت في أكثر المواقع وعرية بل تفلق الصخر بحثا عن الرطوبة وتكبر، وهي بعكس الزيتون لا تشتعل بسرعة. ولذا فهي كالصبار والزيتون لدى الفلسطينيين تحمل دلالة البقاء والثبات رغم توالي عمليات الترحيل وترتبط بروايتهم التاريخية من ناحية علاقتهم الوجدانية بالوطن وبهويتهم الجماعية.
وتنتمي شجرة التين لصنفين أولهما بري ويتميز بالتلقيح الطبيعي والثاني يحتاج لتلقيح وهناك تشكيلة واسعة من أسماء التين المختلفة بأنواعها، وأشكالها وألوانها وطعمها. ومن أسماء التين في مصر، الأزميرلي نسبة لإزمير في تركيا المباركة بتينها أيضا وهو يستخدم كثيرا للتجفيف «القطين». ومن هذه الأنواع السلطاني أو البرشومي أو الفيومي وهو أكثر الأصناف انتشارا قشرته الخارجية تميل للون البني – الأحمر. وهناك العبودي وهو منتشر جدا في مصر ثماره صغيرة وقشرته رقيقة ولونها بني – أحمر، والعدسي: بسبب شكله كالكرة الصغيرة ولونه أحمر أو أبيض وقشرته خضراء. وفي مصر هناك أنواع أخرى كالكمثري، والأسواني والكهرماني الممتاز بحلاوته. وفي فلسطين وحدها هناك نحو عشرين صنفا من ثمار التين كما يؤكد الفلاح المخضرم رضوان سعيد، أبو يوسف(93 عاما) من بلدة كفركنا في الجليل. أبو يوسف الذي يرتبط بزراعة الكروم منذ 70 عاما ونيف يقول أن شجرة التين تعمرّ مئات السنوات وأكثر ولا فرق بين أرجاء البلاد من ناحية التين. ويضيف لـ «القدس العربي» أن معظم أصناف التين بلا أسماء ولكن أهالي كل بلدة في فلسطين يسمونها حسب مذاقها وشكلها وموعد نضوجها. وفي فلسطين هناك أكثر من عشرين صنفا من التين. ومن بين هذه الأصناف الخضاري والموازي (ينضجان على عتبة الشتوية) والشتوي والبلدي إلا أن الشيخ رضوان يعشق التين الخرطماني الذي يميل في مظهره وجوهره للون البني- الأحمر. «هذا هو مذاق العسل الأصلي ولا تنافسه مذاقات الفواكه في كل الدنيا من شرقها لغربها» يؤكد أبو يوسف وهو يشير لسلة تين كانت تحملها بنت الجيران نورة صباح بعد «جولة» على تينات الدار. وينوه متوددا إلى أن شجرة التين تنافس شجرة الزيتون على اللقب أيهما أقرب إلى القلب ويعلل ذلك بالقول إن شجرة التين مفيدة جدا بثمارها وتمتاز بكونها معمرة صامدة تقوى جذورها على أن تفلق الصخر بحثا عن الرطوبة وعن الحياة.
ويتفق الخبير الزراعي د. فتحي عبد الهادي مع الشيخ رضوان حول عراقة شجرة التين وقدرتها على الانبعاث من الموت كطائر العنقاء فجذورها تنبت من جديد بعد اقتلاع الشجرة الأم وأحيانا نخسر شجرة ونربح شجرتين بفضل قوة الجذور. ويوضح لـ «القدس العربي» أن شجرة التين تنمو بوفرة في اليونان وقبرص اللتين بوركتا بعشرات الأصناف بعضها يترك ظنا من سكانهما بأنها برية! وينوه إلى أن تركيا تتصدر قائمة الدول المصدرة للتين خاصة ذاك المعروف بـ «تين البورصة» وهو صنف يحتاج لتلقيح وينضج في آب/اغسطس لافتا لانتشاره الواسع في إسبانيا والبرتغال أيضا. وينبه عبد الهادي إلى أن الطبيعة أنتجت معظم أصناف التين لكن طرق الزراعة الحديثة غيرت شكل ومذاق الثمرة. لافتا لوجود أصناف ذكرية وأنثوية بعضها يحتاج لتلقيح بواسطة حشرة من الشجرة الذكرية والبعض الآخر لا تحتاج. وهناك أصناف تين تنبت في أكثر من موسم في العام الواحد وعن ذلك يقول عبد الهادي «في الربيع تنضج بعض أصناف التين وتعرف بدافور وذلك نتيجة نوعية تقليم للشجرة وارتفاع درجة الحـــرارة وبعد شهور ينضج الفوج الثاني من ثمرها، في الصيف».
كما أنها شجرة كريمة غزيرة الإنتاج يبدأ موسمها في مثل هذه الأيام من تموز/يوليو وتتميز ثمارها بقيمة غذائية كبيرة، وتؤكل طازجة أو مجففة وتستخدم أيضا في إعداد المربات والحلويات. ويعين التين على مواجهة حالات الإمساك حتى المستعصية منها كما تؤكد المستشارة الغذائية سهير سلمان منير لـ «القدس العربي» موضحة أن منقوع ثماره مفيد في علاج التهابات الجهاز التنفسي، مثل: التهاب القصبة الهوائية والحنجرة وفي تخفيف السعال التشنجي الديكي،الذي يصيب الأطفال. وهو غني بكم هائل من الفوائد على جسم الإنسان، وذلك بسبب احتوائه على العديد من العناصر الغذائية، مثل الحديد والكالسيوم، والكربوهيدرات.
وتشير مستشارة التغذية إلى أن التين المجفف»القطين» يحتوي على كمية كبيرة من السعرات الحرارية(100غرام من التين على 249 سعرة حرارية) وهو غني بالكالسيوم والألياف الغذائية والبوتاسيوم. إن تضمين مائدة الطعام بالتين المجفف يساعد في منع ضغط الدم العالي وزيادة الشعور بالشبع ومنع الإمساك. وتخلص للقول «هذا موسم الخير قد جاءكم فتناولوا التين والصبار والتوت ولا تنسوا أنها طبيعية بلا مواد كيميائية ومذاقاتها شهية.. فلا تترددوا».
وديع عواودة