أشهر شاعر عشق القطط وكتب عنها قد يكون شارل بودلير، لدرجة أن القطط كانت تلهمه أكثر من المرأة. وفي مجموعته «أزهار الشر» – التي أعتقد أن ترجمتها خاطئة بهذا الشكل وأنها ربما من المفروض أن تكون «أزهار الألم» ـ كتب الكثير عن القطط، وصف جمالها ودلالها وكمية العاطفة المنبعثة منها، بل إنه وصف أيضا كبرياءها وكأنها كائنات بشرية ارستقراطية.
تحدث أيضا عن قططه المغرومة ببعضها بعضا، وعن ممارستها فن التلامس. ويبدو أنّه قضى وقتا طويلا وهو يتأملها، ويمتلئ بكل حركاتها الجميلة.
وبودلير لم يكن الشاعر الوحيد الذي عشق القطط، فقد أطلق على القطط في القاموس اللغوي للفنانين والشعراء أنها «صديقة الشعراء».
وفي تاريخ هؤلاء حضرت القطط بقدر حضور المرأة وقضايا إنسانية أخرى. ولا أدري لماذا لم نهتم نحن العرب بهذا الموضوع، مع أن الغزلان أخذت مكانة مهمة في الشعر العربي، كما الفرس والنّاقة فكثيرا ما اتهمنا أننا شعوب لا تحترم الحيوان وهذا غلط. في تراثنا مشاعر إنسانية هائلة لكن إن لم نكتشفها فالعتب على من لم يقرأ وليس على من قرض الشعر.
بودلير الذي قال «إنّه يتجوّل في مخيلتي.. إنه يهدئ أقوى الآلام».
كان يقصد أحد هررته، حتى أنّه لا يكتفي بوصف شكله الخارجي ولكنّه يخبرنا أن قطه يعالج أعمق آلامه.
بول إيلوار، جاك بريفير، بابلو نيرودا، موريس كاريم وآخرون كتبوا نصوصا شعرية عميقة عن قططهم، وفي الحقيقة الشعر ليس أكثر من مرآة للنفس، ما يعني أن هؤلاء الشعراء وغيرهم وجدوا ما يمص حزنهم وتعبهم النفسي في القطط باكرا قبل أن تثبت الدراسات العلمية أن للقطط قدرة على امتصاص الطاقة السلبية من حولهم. وأن البيوت التي تعيش فيها القطط مع الإنسان يكون أفرادها أكثر سعادة، وأكثر قدرة على الإبداع.
نظرية ربما اكتشفها إنسان ما قبل العلم من خلال التجربة، واكتشفها العلم اليوم بعد أن انفصل الإنسان عن الحيوان في حياته اليومية فزادت متاعبه.
البحث فيما يجلب السعادة للمكتئبين والمحزونين والمهمومين أصبح موضة العصر، لكنه كان المبحث الأول للشعراء والفنانين الذين حملوا قلوبا حساسة وهشة، وتفاعلوا مع كل الظروف المحيطة بهم ومع من حولهم وعاشوا أحزان ومتاعب غيرهم تماما كما عاشوا متاعبهم الشخصية.
في كتاب أشك أن يكون القارئ العربي قد اطلع عليه، للصحافية الأمريكية أليسون ناستازي ـ نشرت فيه المؤلفة أكثر من خمسين صورة لفنانين وكتاب وشعراء أخذوا صورا مع قططهم وقامت بدراسة هذه الصور، حسب معطياتها.
كتاب جد ممتع يروي في لقطات فريدة جزءا مهما من حياة مبدعين ملأوا الدنيا بقصصهم وإبداعاتهم، منهم سلفادور دالي، آندي وارهول، فريدا كاهلو، هنري ماتيس وآخرون كسرت القطط عزلتهم بحكم عملهم الإبداعي الذي يفرض عليهم أن يكونوا في أمكنة منعزلة عن النّاس.
استجوبت أليسون ناستازي المبعدين الذين على قيد الحياة وعكفت على تحليل الصور للراحلين، بالاستعانة بكل الوثائق والدراسات وأحيانا بآراء الأطباء النفسيين لقراءة تلك العلاقة الغريبة والإيجابية بين القطط وأولئك المتميزين. تروي مثلا حكاية بابلو بيكاسو مع هرّه «بابو» الذي يرافقه في كل تنقلاته، حتى أنه يأخذه معه إلى المطاعم، لتناول العشاء برفقته.
أما الرسام الفرنسي هنري ماتيس الذي عانى من مرض السرطان، فقد ظلّ هرّه معه، يلازمه في فراشه، وقد اعترف أن السعادة التي ظل يشعر بها سببها هرُه. معلومة تنسف تماما فكرة أن الهرّ ليس وفيا لصاحبه مثل الكلب.
رغم أنّ القطط لا تتكلّم وحضورها أحيانا يرافقه الصمت الكامل لكنها تثرثر بعينيها وحركاتها وملامساتها الساحرة لمن تحب. وما لا يمكن إنكاره هو أنها مجهّزة بشكل إلهي لتقوم بهذه الوظيفة وإلا لماذا تحب أن تعيش مع الإنسان أو في محيطه.
زمان، حين كانت القصص المروية سيدة الليالي الشتوية الطويلة، وسيدة حكايات المسكوت عنه تكلمت الحيوانات وأخذت أدوارا بطولية، وتألقت القطط كما في قصص لافونتين، وشارل بيرو، وعلى مدى خمسة قرون تقريبا حفظت الأجيال قصة «الهر أبو جزمة» مثلا وهذا بشكل ما يكشف حضور الهر في حياة الكُتّاب، فلا القصة ملّ منها الناس ولا القطط ملت من الناس ولا الأدباء ملوا من القطط…
إميل زولا في «جنّة القطط» يجعلنا نكتشف الحرية، حتى إن لم نكن، نحن المجتمعات العربية، نعرف ما معنى «هرّ صالون» إلاّ أن الحكاية فيها مغزى قوي جدا، وتصوير جدي وجيد للطبقة المخملية التي تسبح في النّعم ولا تعرف معنى الطيران فوق القصور وتنفس هواء الأعالي من القمم. وهي نفسها غاية الكاتب روديارد كيبلينغ في قصّته «القط الذي ذهب لوحده» ذات الأبعاد الفلسفية العميقة عن الحرية والاستقلال.
وإن صنفت هذه القصص أنّها قصص للأطفال، إلاّ أنها اللبنات الأساسية لبناء عقل الإنسان في عمر مبكّر. وفي حياة بعضنا، كانت القطط تلعب والأمهات والآباء يترجمون سلوك القطط بشكل تربوي، وقد ترسّخت تلك القصص في أذهانهم لأن للقطط أصلا حضور عجيب في أنفسهم.
ثم من لا يعرف كوليت؟ التي كتبت الكثير عن القطط وقالت: «لا مخاطرة في معاشرة القطط، فهي مصدر حقيقي للثراء» وحكايتها مع القطط أغرب من قصصها هي التي قضت نصف قرن من عمرها تبحث عن صديق إيجابي في حياتها ولم تتوقع أبدا أن تجده على شكل قط!
أما الأغرب على الإطلاق فهو الكاتب بول ليوتو الذي كتب الكثير عن القطط، وقال إنه في إمكانه أن يكتب المزيد، هو المحاط بأكثر من ثلاثمئة هرّ.
وغيرهم عُرف مونتانيْ بقطته «مدام فانيتي»، مالارميه وقطته السوداء «ليليت»، جورج صاند وقطها «مينو» الذي لا تفطر صباحا بدونه، مارك توين كان لديه قطه المشهور «زوروستر».
أمّا همنغواي فكانت لديه مقولة شهيرة: «كل هر يقود إلى هر آخر» ذلك أن الهررة في حياته مسلسل لم ينته بانتهاء هرّ معين، وعشقه لها كان مستمرا بتوالدها أيضا..
ولنختم إن شئتم بالكاتب الإنكليزي العبقري ألدوس ليونارد هاكسلي الذي لديه قاعدة خرافية لكل من يريد أن يكون كاتبا بقوله: «إلى الذين يريدون أن ينغمسوا في تجربة الكتابة إبدأوا بتربية القطط» .
والآن إن اعتبرتم هذا المقال غير جاد، فما عليكم سوى أن تقوموا بمزيد من الأبحاث حول الموضوع لأنه واسع وذو تفرعات لا تنتهي، وإن كنتم تعتقدون أن الفكرة مجرّد قائمة عن هوس شعراء وكتاب وفنانين أنصاف مجانين فابحثوا في الجانب العلمي للموضوع، ستصابون بصدمة فكرية قوية فوجود هر في بيتكم يعالج الأرق، والقلق ويطرد الأفكار السوداء التي تملأ رؤوسكم أحيانا وله قدرات عجيبة أخرى لمعالجة كل أمراضكم النفسية.
أخبركم بهذا من باب التوفير حتى لا تحتاجوا لطبيب نفسي ذات يوم، ومن باب أن تقتحموا تجربة الكتابة بقلب قوي.
أراكم تبتسمـــون وهذا في حد ذاته من تكرار كلمة قطط في مقالي!
٭ شاعرة وإعلامية من البحرين
بروين حبيب
* (القطة ) مخلوق جميل وراق ومحبوب جدا من الجميع
وخاصة النساء والاطفال.
* حسب علمي: القطة الحيوان الوحيد عندما
تقضي حاجتها تدفن الفضلات في حفرة صغيرة!! سبحان الله.
سلام
مقال ماتع كالعادة من الإعلامية الشاعرة بروين حبيب .
صدقاً لم أكن اعلم أن للقطط كل هذا السحر والتأثير الإيجابي في حياتنا .
ذكرتني بالصحابي الجليل وراوي الحديث أبو هريرة رضي الله عنه . لعل تلك الهرة كانت مصدر خير له مما جعله يحفظ كل هذه الأحاديث النبوية الشريفة .
الشخص الذي يحب الحيوانات هو انسان حكيم،وحسب ما تقول جارتي ان اغلب الذين يحبون القطط هم ناس مرّوا بحالة او بتجربة احباط و خذلان مع البشر.
بلفعل مصر تستحق ان يقال عنها ام الدنيا قدّس المصريون القدماء القطط في القرن السادس عشر قبل الميلاد، فعبدوا إله الحب والخصوبة المسمى “باست” على هيئة رأس قط وجسم امرأة. وكان المصريون يعاقبون كل من يؤذي قطًا، بعقوبة تصل إلى حد الموت. وعندما يموت قط كانوا يحلقون حواجبهم علامة على الحداد ويحولون القطط الميتة إلى مومياوات. وكان القط من أكثر الحيوانات تقديسا وله العديد من القصص الفرعونية المسجلة فوق جدران المقابر والمعابد المصرية القديمة.
أما القط المصري الأليف الودود المبهج فترجع أول إشارة له إلى حوالي سنة 2100 قبل الميلاد.وقد شيد الفراعنة للقط الأليف معبد أطلقوا عليه اسم ” القطة” فى منطقة تل بسطة فى محافظة الشرقية من الغرب والجنوب على أنه تحفة نادرة.
لكن المدهش هو ما أكده خمسة من علماء المصريات الأجانب هم جان دوريس وإف.إل. ليونيه و أيه.أيه. إس إدواردز وجان يو. يوت وسيرج سونرون في كتابهم الموسوعي “معجم الحضارة المصرية القديمة” عن أن المصريين عرفوا “توم” و”جيري” قبل أكثر من 3300 سنة وأن النزاع بين القط والفأر كان موضوعا عاما للأدب الشعبي في تلك الفترة
وبقى أن نعرف أن القط وفد إلى أوروبا من مصر عن طريق بلاد الإغريق الذين أدهشهم تقديس المصريين القدماء للحيوانات- ويعتقد الكثيرون من المتخصصين في علوم الحيوانات أن القطط الإنجليزية القابعة على أسطح المنازل تنحدر من سلالة القطط المصرية.منقول
تحياتي : ليس لي تعليق على المقال فقد أوفيت وكفيتِ لكن أودّ السؤال : ما هواسم هرّك أوما هي اسم قطتك يادكتورة بروين ؟ لعلّ في اسمها نجد سرّكلماتك التي تموء معنا كوحيّ موسيقى بتهوفن ؛ لتحرسنا من قوارض الفئران وقريض الجرذان ؛ والسّلام.
مقالة رائعة والمعلومات كلها صحيحة ،، انا من عشاق القطط ، طوال حياتي منذ ان اتيت للدنيا وفي بيتنا توجد هرة او اثنتين ،، وكنت معروفة بصغري ومشهورة بتدريب القطط على التبرز في الباللوعة ، وايضا علمتهم العيش مع الصيصان الصغيرة الصفراء ،، وتوفي الكثير منهم وضاع البعض ، وقتل الاخر حيث سممه بعض الجيران لانه كان يهاجم بيتهم وارانبهم ،، وعندما انتقلت الى بيت الزوجية فان بيتي ايضا لم يخلو من القطط ،، وكنت ايضا ربيت كلبا مع قطتين ووتعلم حبهما وكان الجميع يعيشون بسعادة ،، انا واولادي نحب الحيوانات بشكل عام والقطط بشكل خاص ، نتحدث معهم ، ونتحدث عنهم دائما ونضحك من تصرفاتهم التي تكون احيانا ذكية واحيانا غبية ولكنها مضحكة ،، عندي الان ثلاثة قطط وثلاثة اولاد ،، الاولاد كبروا ومضوا في حياتهم اما قططي الثلاثة فهن معي دائما وبجانبي ،، احلى لحظة في حياتي ،، انتظارهن امام باب غرفتي كل صباح لاضع لهنالطعام وما احلى منظرهن وهن ياكلن ،،ولحظة استقبالهن لي عندما اعود من العمل ،، حبيباتي الثلاثة ،، اسماهم ابني البنات ،، واذا غادر او سافر لمدة ايام فانه يتصل بي يوميا ليمن عليهن ،، وانا ايضا افعل ذلك عندما اغيب عن البيت واحيانا اتكلم مع ابني على السكايب فيحملهن واحدة واحدة لاسلم عليهن واراهن ،، شكرا للكاتبة للمقالة الرائة وللمعلومات المفيدة